سميحة الهريني.. حياة على الجَمر

كنت أتساءل لماذا يعيش المستوطنون، الذين يفصل بيننا وبينهم سياج، في نعيم، ونحن نسكن الكهوف بلا ماء ولا كهرباء ونفتقر الى أدنى مقومات الحياة الإنسانية؟ لماذا يهاجمون مزارعنا ويهدمون مساكننا ويطاردوننا أثناء ذهابنا وإيابنا من مدارسنا؟ تساءلت سميحة حافظ الهريني، التي تخطَت طفولتها مدركة أن “الصراع مع الاحتلال صراع وجود.. وأن الاشتباك والثبات في كهوف ومساكن مسقوفة بالصفيح هو صمود ومقاومة”.

سميحة الهريني (22 عاما) التي خبرت “على جلدها” معنى العيش في مناطق نائية وقاحلة وعطشى معظم أيام السنة.. والتي خبرت أيضا معنى “الجوار” باهظ الثمن مع مستوطنين مسلحين بأنياب العنصرية، وجنود متأهبين على الدوام للقتل، في مسافر يطا جنوب الخليل، تحفظ حكايات جدتها عن ظهر قلب. كيف لا وهي الجدة التي منحت أبناءها القوة والصمود في وجه الاحتلال ومستوطنيه، وعلمتهم أن “الأرض كما العرض” أغلي ما نملك!

“مسافر يطا التي تمتد على مساحة نحو 36 كم حتى حدود العام 48 وصولا إلى مشارف البحر الميت شرقا، تصنف بمناطق (ج) وتخضع لسيطرة الاحتلال الكاملة، وهي عبارة عن مجموعة من أكثر من 30 قرية وتجمعا فلسطينيا تقع بين 15 و25 كم جنوب مدينة الخليل”، تقول الناشطة الشبابية وخريجة اللغة الإنجليزية سميحة الهريني.

وتضيف “هناك في المسافر، حيث يعيش آلاف المواطنين الفلاحين البسطاء الذين يعتاشون على فلاحة الأرض وتربية المواشي، فرض الاحتلال تدابير قاسية وعنصرية أبقى خلالها على الحياة البدوية للسكان الأصليين أصحاب الأرض ومنع تطوير معيشتهم حن خلال إجبارهم على العيش في مغر وكهوف وغرف من الصفيح تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية، بهدف تهجيرهم من أراضيهم، بينما أقام مستوطنات حضرية لغلاة المستوطنين الذين يقيمون في أكثر من 9 مستوطنات وبؤر تنعم بكل الاحتياجات من ماء وكهرباء وطرق وأبنية للتعليم والثقافة، وأخرى ترفيهية، تحيطها الأشجار وأبراج المراقبة والحماية.

وتؤكد الناشطة الهريني، أن الحرب الإسرائيلية الدائرة والممتدة إلى السفوح شرق يطا، يدفع فيها المواطنون (نحو 10 آلاف نسمة) كل يوم ثمنا باهظا من حياتهم، حيث يطلق جنود الاحتلال النار باتجاه المناطق السكنية، في ساحة تدريب مفتوحة، تطال منامات الأطفال، وحظائر الماشية، والممتلكات البسيطة في الكهوف والعرش..

وتقول: “انتمى إلى عائلة مناضلة وصامدة بمسافر يطا، تعرض أبي للاعتقال من قوات الاحتلال، كذلك أخي سامي الناشط في حقوق الإنسان، والذي اعتقل عدة مرات، كما تم مداهمة بيتنا من الجيش وقطعان المستوطنين أكثر من مرة لدفعنا إلى الرحيل عن أراضينا”.

وأوضحت الهريني، أن أراضي العائلة تقع بالقرب من مستوطنة “هافات ماعون” حيث يقوم المستوطنون بالاعتداء على الفلاحين في فترات الحصاد، والزراعة، أو الحراثة، وعلى المزروعات أيضا.

وتابعت، منذ طفولتي وأنا أشاهد تلك الاعتداءات المتكررة على كل شيء.. مدرستي، وبيتي، وعائلتي.. كبرت على هذه المأساة … وكنت أفكر كيف يمكنني أن أساعد عائلتي وأغير هذا الواقع المرير.. فهنا كافة الحقوق مسلوبة، ولذلك أخذت أبحث عن طرق أسلط بها الضوء على الانتهاكات في هذه المنطقة ومعاناتها على المستوى المحلي، والمحافل الدولية وتمكنت من إنشاء مجموعة شبابية لمساندة سكان مسافر يطا.

وأشارت، إلى الاعتداء الأخير على قرية المفقرة من قبل المستوطنين بالعصي والحجارة وبشكل همجي.. وقالت إن الفئة التي كانت أكثر تضررا من هذا العنف النساء والأطفال، حيث أصيب أحد الأطفال في عينه، بالإضافة إلى الأضرار النفسية التي لحقت بالأطفال والنساء اللواتي شعرن أنهن لم يستطعن حماية أطفالهن من اعتداءات المستوطنين، وطالبن بالحماية والدعم النفسي، حيث قررنا كمجموعة شبابية دعمهم نفسيا، وتوجهنا إلى الدكتورة النفسية مريم أبو تركي، لمساعدتهم وسحب تلك الطاقة السلبية التي خلفها اعتداء المستوطنين عليهم ودعم صمودهم.

وأوضحت الهريني أنه كان من الصعب على المتضامنين الأجانب والمؤسسات الدولية التي تعنى بهذا المجال، فهم لماذا هؤلاء الناس يسكنون الكهوف ونحن في القرن 21، بعيدا عن التحضر والتطور في العالم.. وكان صعبا عليهم فهم علاقة الفلسطيني بالأرض.

وأشارت إلى اعتقال شقيقها سامي خلال مسيرة ضد هجمات المستوطنين على سكان مسافر يطا، ومسيرة تطالب بالعدالة لهارون أبو عرام الذي أطلق عليه جنود الاحتلال النار بمسافة صفر، وتم التركيز على قضية سامي كناشط في حقوق الإنسان.. في وسائل التواصل الاجتماعي محليا ودوليا.

الناشطة الهريني التي حصلت هي وشقيقها سامي على جائزة دولية بسبب توصيل معاناة المواطنين من الاحتلال والمستوطنين بمسافر يطا وتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان المسلوبة، أوضحت أن هذه الجائزة تعطى للنشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان تكريما لجهودهم في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتنال اهتماما دوليا كبيرا، وتقدم نوعا من الحماية الشخصية للنشطاء، وتساعد على نشر القضايا التي يدافعون عنها وإيصالها للساحة الدولية، مبينة أنهما حصلا على الجائزة في مؤتمر دولي افتراضي، عقدته المؤسسة يوم 24 نوفمبر الماضي في فلسطين بسبب تعقيدات السفر نتيجة فيروس كورونا، وكان من المفترض أن يعقد وجاهيا في دبلن بأيرلندا”.

وحول أهمية هذه الجائزة، أشارت الهريني، إلى أنها تشكل رفعة لقضيتنا، وفرصة كبيرة لإظهار معاناة اهلنا في مسافر يطا، وما يتعرضون له جراء سياسة التطهير العرقي التي ينتهجها الاحتلال بحقهم، وإيصال هذه الصورة الى كل العالم.

وفا- أمل حرب

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا