الرئيسيةأخباراسرائيليةهآرتس: هل بات بوتين مضطراً للبحث عن “أقل الأهداف”؟

هآرتس: هل بات بوتين مضطراً للبحث عن “أقل الأهداف”؟

يدور في الشبكات الاجتماعية مؤخراً تحليل ممتع، كتبه محلل مجهول يعمل في الـ “اف.اس.بي” (جهاز الأمن الداخلي في روسيا)، يتناول فيه إخفاقات في فرضيات أساسية لخطة الغزو الروسية لأوكرانيا. لا طريقة للتأكد من أن الكاتب يعمل في “اف.اس.بي”، وإذا كان هكذا، فكيف يسمح لنفسه بكتابة أمور مؤثرة جداً على القيادة، لكن هناك جملة واحدة تحوي تسلسل أحداث الأسبوعين الأخيرين منذ بداية الغزو: “لقد انطلقنا وكأننا في سباق 100 متر، لكن تبين أنه تم تسجيلها لسباق ماراثون”. لا ريب أن هذا صحيح.

بنى بوتين خطته للغزو متوقعاً أن الجيش الأوكراني سينهار خلال بضعة أيام، وأن القوات الروسية الخاصة ستنجح في احتلال بؤر السيطرة في كييف وتصفية أو أسر الرئيس فلودمير زيلينسكي، وأن في أوكرانيا أجزاء واسعة من السكان سيستقبلون الروس كـ “محررين”، وأنه سيكون بالإمكان تشكيل حكومة دمى في كييف مؤيدة لروسيا. الآن، وقد تبين أنها افتراضات خاطئة، فقد بقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدون خطة بديلة، وهو يواجه سلسلة معضلات لا حل لها، وأن جميع الخيارات ستؤدي إلى طريق مسدود.

المعضلة الأساسية هي كيف سيتم احتلال كييف. قد تفصل روسيا أجزاء كاملة من الأراضي عن أوكرانيا. مثلما ضمت شبه جزيرة القرم في 2014 وساعدت الانفصاليين في دونباس على إقامة جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك في الشرق، ولكن ما دامت العاصمة تشكل بؤرة المقاومة ورمز الحكم المستقل فلا يملك بوتين أي احتمالية لإثبات نظريته التاريخية القائلة بأن أوكرانيا خيال أجوف، وأنها فعلياً جزء لا يتجزأ من الأم روسيا.

جيش روسيا يواصل بوتيرة بطيئة جداً محاولة السيطرة على طرق الوصول وعلى ضواح رئيسية حول كييف، في محاولة لتطويق المدينة ثم إخضاعها. وقد أصبح من الواضح الآن أنه إزاء قتال عنيد من الأوكرانيين واختفاء العملاء المحتملين، وبسبب صمود في جبهات أخرى في أوكرانيا، فليس للروس ما يكفي من القوات لتطويق مدينة يعيش فيها ثلاثة ملايين نسمة. ربما يندم الروس الآن لأنهم لم يتصرفوا مثل الأمريكيين عندما غزوا العراق في 2004، وركزوا معظم القوات في السعي الحثيث نحو بغداد لإسقاط نظام صدام حسين. “هذه مرحلة نجح فيها الأمريكيون، لكن نجاحهم في العراق كان أقل بكثير في المراحل التالية”.

بقي أمام روسيا الآن خياران: الأول، البدء في استهداف كييف نفسها بعمليات قصف كثيفة وبدون تمييز مثلما يفعلون بخاركيف، ولكن لبوتين مشاكل رئيسية هنا؛ فكييف تعتبر مدينة روسية تاريخية وواحدة من الـ 12 “مدينة بطلة” في الحرب العالمية الثانية. وهو لا يريد الاحتفال بالانتصار في كييف التي تحولت إلى أنقاض. والقوميون في روسيا الذين يؤيدونه سيستصعبون تقبل ذلك. الاحتمالية الثانية هي الاكتفاء بعمليات قصف أقل كثافة وزيادة حجم القوات المخصصة لتطويق كييف واحتلالها بالتدريج. ولكن الموارد البشرية للجيش الروسي ضئيلة، وهنا تكمن المعضلة الرئيسية الثانية لبوتين.

قانون روسيا يحظر إرسال جنود تجندوا في إطار الخدمة الوطنية إلى خارج حدود الدولة. يقول الكرملين إن جميع الجنود الموجودين في أوكرانيا هم جنود مهنيون أو متطوعون. ولكن حسب تقارير مختلفة في روسيا، يتبين أن وحدات من جنود الخدمة الإلزامية يشاركون في الغزو. في عدد من الحالات، كما ورد، تم إجبار الجنود الشباب على التوقيع على نموذج “تطوع”. لا يوجد في روسيا إعلام حر، بل لوبي نشط يتجمع في “لجنة أمهات الجنود”، الذي يحارب في الأوقات العادية، خصوصاً ضد التنكيل الممأسس للمتجندين الجدد، والآن تقوم هذه اللجنة بإرسال معلومات عن وجود جنود شباب في مناطق القتال.

يمكن لبوتين أن يأمر الجيش بإدخال وحدات أخرى إلى أوكرانيا، لكنه بذلك يخاطر بمواجهة مع آباء الجنود الذين ينتمون في معظمهم للشريحة السكانية كبيرة السن والمحسوبة على مؤيديه التقليديين. وإذا خاطر بذلك، فإن أي كتيبة مقاتلة أخرى سيرسلها من قاعدتها الثابتة إلى ساحة الحرب ستحتاج إلى تموين متواصل، ولا ينجح المستوى اللوجستي للجيش الروسي هذه الأثناء في توفير ما يكفي من الغذاء والوقود والسلاح للوحدات الموجودة هناك. حتى دافعية الجنود الشباب، الذي يعدون الأيام حتى موعد تسرحهم المأمول ولم يتخيلوا أن يتم إرسالهم للقتال هناك، ليست مرتفعة جداً. وثمة شك كبير إذا كان إرسالهم إلى المعركة سيكون سريعاً بما يكفي لتعزيز الحصار على كييف في الأسابيع القريبة القادمة، في الوقت الذي يفقد فيه بوتين الوقت.

معضلة بوتين الثالثة هي كم يستطيع مواجهة الغرب في ساحة الحرب الاقتصادية. ذهب بوتين إلى الحرب وهو يعرف بأنه سيضطر إلى دفع ثمن باهظ بالعقوبات. ولكن التقدير كان أنه في اللحظة التي ستسقط فيها الحكومة في كييف، سيدرك الغرب أن جانبه قد خسر، وأن العقوبات ستكون محدودة في حجمها. وصمود الأوكرانيين عزز الاستعداد لمواصلة معاقبة روسيا. وتفاجأت العواصم الغربية من وحدة الصفوف بهذا الشأن، الأمر الذي أدى إلى خطوات شديدة، مثل تجميد الاحتياطي الذي تمتلكه روسيا في البنوك العالمية، 630 مليار دولار، الذي كان يمكن أن يعطي بوتين فضاء مناورة مالية. الآن يواصل الغرب تشديد خطواته مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، حظر استيراد النفط والغاز من روسيا ووضع تشريع يمنع روسيا من بيع احتياطيها من الذهب، الذي يقدر بـ 132 مليار دولار.

تقترب روسيا من وضع عدم القدرة على سداد الدين الوطني. وحتى إذا بقيت هناك دول توافق على التجارة معها، خصوصاً الصين والهند كما يبدو (ربما إسرائيل أيضاً) فإنه من الصعب رؤية كيف سيعمل اقتصادها لفترة طويلة، خاصة عندما يجب عليها أيضاً تحمل نفقات عسكرية متزايدة بسبب الحرب المتواصلة. مؤخراً، وضع ممثلو روسيا شروطاً لوقف إطلاق النار، منها اعتراف أوكرانيا بضم شبه جزيرة القرم لروسيا واستقلال جمهوريات لوغانسك ودونيتسك وتمرير تشريع يحظر عليها الانضمام إلى تكتلات (مثل الناتو والاتحاد الأوروبي)، وهي الشروط التي رفضتها الحكومة الأوكرانية من قبل. ولكنها شروط تدل على أن بوتين ربما مستعد للاكتفاء بأقل الأهداف التي انطلق للحرب من أجلها، وبات يدرك بأن استمرار الحرب يقرب روسيا من الانهيار الاقتصادي.

هآرتس 9/3/2022 – بقلم: انشل بابر

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا