لِمَ يستعرضونها…أبقوها سرًّا!

كتب: موفّق مطر

تستعرض الدول قوة جيوشها العسكرية كرسائل في اتجاهين: الأول موجهة للأعداء المحتملين خارجيًا، والآخر للمواطنين لطمأنتهم حول قدرة الدولة على حمايتهم، لكن ماذا بشأن استعراض السلاح في الشارع الفلسطيني، سؤال يحتاج لإجابة منطقية مقنعة، نظرًا لانعدام أي إمكانية للمقارنة مع قوة جيش منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية (إسرائيل)، وفي الوجه الآخر للمنطق نجد أن عملاً فرديًا لشاب فلسطيني خطط له ونفذ بدون استعراض مسبق، أو جعجعة خطابية قد وضع محترفي الاستعراض، وصناعة الشرائط الدعاية، وصناع البرامج التلفزيونية الاشكالية ليس في موقف الحرج وحسب، بل في خانة التساؤل والشكوك حول الجدوى من الاستعراض وكشف القدرات وتقديمها على طبق من ذهب لاستخبارات منظومة الاحتلال، ولجواسيسه الذين يتلقفون لحظة ظهور السلاح وحامله، حتى لو ظن أنه قد اتخذ احتياطات التمويه كافة !!.

ينتشر الخلل الأمني ويتوسع بسرعة فائقة في صفوف حركات التحرر الوطنية لحظة دخول قياداتها وكوادرها وعناصرها في متاهات استعراض السلاح والقدرات البشرية، ذلك أن أجهزة المخابرات في العالم تستمد ما نسبته 70% من معلوماتها من وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي بعناوينها كافة، فكيف ونحن نتحدث عن أجهزة أمن منظومة الاحتلال الإسرائيلي المتفرعة كشبكة عنكبوت في مفاصل حياتنا اليومية، نظرًا للواقع الأمني على الأرض والاقتصادي الذي فرضته منظومة الاحتلال إلى جانب قدراتها التقنية (التكنولوجية) في الاستطلاع والتجسس والكشف المبكر التي تصنعها وتستخدمها هنا، وتصدرها الى دول متقدمة في التصنيع الحربي.

لقد منح الظهور العلني لكثير من مناضلي وكوادر وقيادات الثورة الفلسطينية خلال سنوات الكفاح المسلح الذين كانوا مكلفين بمهمات خاصة فرصة لاستخبارات منظومة الاحتلال لملاحقتهم واغتيالهم في لحظات مناسبة، تمامًا كما شكلت الاستعراضات المسلحة وآخرها في بيروت مطلع سنة 1982 حيث عرضت أسلحة نوعية آنذاك فرصة لجيش منظومة الاحتلال لمعرفة قدرات القوات الفلسطينية المسلحة حينها بدقة، فالاستعراضات المسلحة القديمة والحديثة، لطالما استخدمتها وتستخدمها اليوم منظومة الاحتلال في الحقلين الدبلوماسي والدعائي كأدلة لتبرير جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها وفق برنامج وخطط مدروسة بحق الشعب الفلسطيني !! ولدحض مقولتنا وروايتنا ودعواتنا للمجتمع والشرعية الدوليين للتدخل لحماية شعبنا الأعزل رغم قناعة رؤوس المنظومة بأن جيش الحرب الإسرائيلي مهيأً لخوض حروب ضد مجموعة جيوش رسمية على جبهات عدة في ساعة واحدة.

نعتقد بضرورة تكامل مسار المواجهة العملي لحركة التحرر الوطنية على الأرض، مع مسار القيادة السياسية في ميادين القانون الدولي والمحافل الأممية القادرة على محاسبة مجرمي الحرب لدى منظومة الاحتلال الإسرائيلي على رأسها الجنائية الدولية، وفي اللحظات المفصلية المصيرية يتجسد الوعي الوطني بأخذ كافة متطلبات الاحتياط لحماية المواطنين وبيوتهم، وتجهيز الخطط ورسم آليات تنفيذها وتهيئة مسارات تطبيقها بصمت، حتى وإن كنا نعلم حالة المزاج العام في الشارع، ومفهوم الأغلبية الجماهيرية لمعاني الثأر والانتقام، فالمواطن معني أولاً بتهيئة مقومات الصمود والمواجهة الشعبية بالوسائل المشروعة مع الاحتلال الاستيطاني العنصري الفاشي، وتعزيز ثباته على أرض الوطن، والتمسك بحقه في انتزاع حقوقه التاريخية والطبيعية، وبالسياسة المرتكزة على هذه الأسس.

نعتقد بضرورة استخلاص العبر من تجاربنا السابقة التي دفعنا ثمنها باهظًا من أرواح شعبنا ومقدراته، وأهم خلاصة هي أن رؤوس المشروع الاستعماري لدى منظومة الاحتلال لا يرهبون ولا يخشون إلا إرادة الشعب الفلسطيني وإيمانه المطلق بوجوده الأزلي على ارض وطنه فلسطين، لأنهم حتى اللحظة قد عجزوا عن كسرها رغم امتلاكهم ترسانة عسكرية حربية حديثة ومدمرة بدقة وعن بعد أيضًا، اخترعوا وطوروا بعضها، وأبقوها سرًا، ولم يستعرضونها مع سادتهم مموليهم ومصدر أسلحتهم الأساس.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا