بعد “أزمة المنطاد”.. العلاقات الأمريكية الصينية إلى أين؟

تنذر حادثة المنطاد الذي تم رصده فوق الأراضي الأمريكية ومن ثم إسقاطه، بوقوع أزمة جديدة بين الصين والولايات المتحدة، مع ارتفاع نبرة التصريحات وإلغاء زيارات، وسط أزمة مستمرة بين الجانبين منذ سنوات طويلة.
وبعدما تصدرت صورة منطاد أبيض عناوين الصحف الأمريكية والعالمية، بعد أن أعلنت الدفاع الأمريكية رصد منطاد تجسس صيني، عادت التساؤلات عن حجم المعلومات التي يمكن للمنطاد جمعها، فضلاً عن أسباب العودة لاستخدام المنطاد وهو أحد أدوات التجسس القديمة.
واستخدمت حرب الاستخبارات المتنامية التي تدور رحاها بين واشنطن وبكين من أجل الهيمنة العالمية، عدداً من الأدوات التقليدية والحديثة، ومن بينها المناطيد، لتتصاعد التساؤلات حول تبعات وتداعيات هذا الأمر على العلاقات بين واشنطن وبكين وما يترتب عليها بشأن الاستقرار العالمي.

أزمة تتصاعد
مطلع فبراير 2023، بدأت أزمة جديدة بين الصين وأمريكا، بعدما أعلن مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن منطاد تجسس صينياً كان يحلّق فوق مقاطعة مونتانا متجهاً نحو مواقع أمنية وعسكرية حساسة في الولايات المتحدة، قبل أن يعلن البنتاغون رصد منطاد تجسس صيني ثانٍ يحلق فوق أمريكا اللاتينية.
وفي 3 فبراير، تحدثت الحكومة الكندية عن “حادث ثانٍ محتمل” بعد إعلان واشنطن عن وجود منطاد تجسس صيني، مشيرة إلى رصدها منطاد تجسس على ارتفاع عالٍ، وأنها “تتعقب تحركاته بنشاط”.
وعلى وقع ذلك، أرجأت واشنطن زيارة كانت مقررة لوزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، (4 فبراير)، وقالت إن أزمة المنطاد انتكاسة للجهود الأخيرة لوقف تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين.
وجولة بلينكن كانت ستشكل الزيارة الأولى لوزير خارجية أمريكي إلى الصين منذ 2018، وكان هدفها تخفيف التوتر بين الولايات المتحدة والعملاق الآسيوي الذي تعتبره واشنطن منافسها الرئيسي في العالم.
من جهتها رفضت بكين الاتهامات الأمريكية، وقالت إن المنطاد “انحرف بطريق الخطأ عن مساره المخطط له في المجال الجوي الأمريكي بسبب الرياح القوية، وأنه غير مأهول ويستخدم لأغراض مدنية ومخصص للرصد الجوي والأبحاث العلمية”.
واعتبرت بكين أن “بعض السياسيين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة استخدموا الحادثة ذريعة لمهاجمة الصين وتشويه صورتها”.
ولاحقاً قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، (4 فبراير)، إن بلاده “ستتولى أمر المنطاد الصيني”، قبل أن يتم إسقاطه قبالة سواحل كارولينا الجنوبية، وبدأت عملية انتشال حطامه وبقاياه وذلك بعد تعليق الرحلات الجوية في ثلاثة مطارات على الساحل الشرقي.
فيما ذكرت قناة “إي بي سي” الأمريكية أن السلطات أغلقت المجال الجوي ببعض أجواء ولايتي كارولينا الشمالية والجنوبية لأسباب تتعلق بالأمن القومي، ناقلة عن مسؤول أمريكي قوله، إن بلاده تدرس انتظار مرور المنطاد الصيني وإسقاطه فوق المحيط الأطلسي.
من جانبها انتقدت بكين قرار البنتاغون إسقاط المنطاد، متهمة الولايات المتحدة بـ”المبالغة في رد الفعل، وبانتهاك الممارسات الدولية بشكل خطير”.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان إن “الصين تعرب عن استيائها الشديد واحتجاجاتها على استخدام القوة من جانب الولايات المتحدة لمهاجمة المنطاد المدني غير المأهول”، مشددة على أنها “تحتفظ بحق اتخاذ مزيد من الردود الضرورية”.

رغبة الصين بعدم التصعيد
يرى المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية خالد الترعاني، أن ردة فعل الصين واعترافها بدخول المنطاد بالخطأ، يشير إلى عدم رغبتها بالتصعيد.
ويوضح “الترعاني”، خلال حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن الصين من تصريحاتها “لا تبدو أنها مستعدة لأي تصعيد مع أمريكا، خصوصاً في موضوع المنطاد”، مستدلاً على حديثه بالتصريحات الصينية التي أكدت التزام بكين بالقوانين الدولية.
واعتبر أن إلغاء وزير الخارجية الأمريكي بلينكن زيارته إلى بكين “فيها قصر نظر”، مشيراً إلى أنه كان “عليه إكمال زيارته لأن الصين حينها كانت ستتفاعل مع الزيارة وستتعامل مع الإشكالية لحلها”.
ويعتقد أن “الزيارة كانت ستعطي الولايات المتحدة فرصة لبث دفء في العلاقات بين الجانبين، لكن ما حدث سيتجه بالأمر نحو البرود بينهما”.
ويرى أن التوتر الحالي يأتي قبيل اجتماع مرتقب خلال الشهر المقبل أو الذي يليه للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إضافة إلى الزيارة المرتقبة لرئيس الأكثرية في الكونغرس الأمريكي لتايوان، مشيراً إلى أن ذلك أيضاً “سيزيد من توتر العلاقات بين الجانبين”.
وحول المنطاد، يرى أنه يأتي من باب تنامي القوة العسكرية والطموح العسكري الصيني، بعدما أصبحت ثاني اقتصاد عالمي بعد أمريكا، مؤكداً ضرورة أن يتم وضع هذه القضية “ضمن التطور الطبيعي للصين”.
ويلفت إلى أن “الصين تعمل على حماية إنجازاتها الاقتصادية من خلال قوة عسكرية، حيث لوحظ تسارع الإنفاق العسكري الصيني، وهو ما يسبب قلقاً كبيراً لأمريكا، لتكون قضية المنطاد إحدى تداعيات هذا القلق”.
وتساءل المتحدث حول جاهزية أمريكا للتصعيد مع بكين، قبل أن يجيب قائلاً: “لا أعتقد من صالح أمريكا أن تصعد أبداً، لكن يجب عليها أن تتخذ موقفاً حازماً في هذا الأمر، وليس بالضرورة أن يكون إلغاء الزيارة أحد تلك المواقف الحازمة، والتي لو كانت تمت ربما لقدمت الصين تنازلات لواشنطن”.
بدورها نقلت قناة “الحرة” الأمريكية عن دين تشينج، كبير مستشاري برنامج الصين في المعهد الأمريكي للسلام، قوله إن المنطاد الذي تم اكتشافه الأسبوع الماضي كان استفزازياً بشكل متعمد على ما يبدو.
وقال: إن “هذه طريقة لاختبار رد فعل الطرف الآخر؛ لا بالمعنى العسكري، ولكن من الناحية السياسية، ماذا تفعل حيال ذلك؟ هل تحافظ على الهدوء؟ وإذا كان قد تم إطلاق الكثير في الواقع وهذه ليست أول مرة، فهذا يطرح حينئذ سؤالاً مثيراً للاهتمام: ماذا حدث للمناطيد؟ هل قمنا بإسقاطها؟”.
بدوره قال مايك راوندز، العضو الجمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي لشبكة “فوكس نيوز”، إنه سيكون من الجيد استعادة المنطاد لمعرفة “ما إذا كان مصمماً لجمع البيانات بالفعل أو ما إذا كان مصمماً لاختبار قدراتنا على الرد”.

ما هو منطاد التجسس؟
ومنطاد التجسس المعاصر هو قطعة من معدات التجسس، مجهز بكاميرا ومعدات تكنولوجية أخرى تعمل بالطاقة الشمسية.
وتعمل المناطيد عادة على ارتفاع 24000 متر – 37000 متر، وهو أعلى بكثير من غلاف حركة الرحلات الجوية التجارية، إذ لا تحلق الطائرات أبداً على ارتفاع يزيد على 12000 متر، وفق صحيفة “الغارديان” البريطانية.
يمكن للبالونات مسح المزيد من الأراضي من ارتفاع منخفض وقضاء المزيد من الوقت فوق منطقة معينة لأنها “تتحرك ببطء أكثر من الأقمار الصناعية”.
وكان الفرنسيون أول من استخدم مناطيد الاستطلاع في معركة “فلوروس” ضد القوات النمساوية والهولندية في عام 1794، وخلال الحروب الثورية الفرنسية، واستُخدمت أيضاً في 1860، خلال الحرب الأهلية الأمريكية.
وأحيت الولايات المتحدة الفكرة في السنوات الأخيرة، لكنها تميل إلى استخدام المناطيد فقط على الأراضي الأمريكية.
ومع ظهور تكنولوجيا الأقمار الصناعية الحديثة التي مكنت الدول من جمع بيانات استخبارات التحليق من الفضاء، قد يكون استخدام مناطيد المراقبة متجاوزاً؛ إلا أن الجديد في هذه المناطيد الحديثة أنه يمكنها أن تحمل إلكترونيات صغيرة، وتكون أرخص وأسهل في الإطلاق من الأقمار الاصطناعية.
وميزة أخرى للمناطيد أنه على الرغم من سرعاتها البطيئة فليس من السهل دائماً اكتشافها من قبل أجهزة المراقبة، إضافة إلى أنه يمكنها القيام بأمور لا تستطيع الأقمار الصناعية القيام بها، وتوجيهها باستخدام أجهزة الحاسب الموجودة على متنها للاستفادة من الرياح، ويمكن أن ترتفع وتنخفض بدرجة محدودة”.

التجسس الصيني
وبقيت الأزمة بين الجانبين في تأرجح، كان أبرزها خلال الـ20 عاماً الماضية، حيث عرفت هذه الفترة وقائع وأحداث تجسس صينية على الولايات المتحدة كتطوير تقنية استشعار الأرض لشركات النفط، وجمع عدد من عملاء المخابرات الصينية معلومات تقنية بشأن تقنيات السفن الحربية الحالية والمستقبلية التابعة للبحرية الأمريكية، وكانوا يعتزمون إرسالها إلى الصين.
وفي أبريل 2006، تسلل قراصنة صينيون إلى شبكات “ناسا” التي تديرها “لوكهيد مارتن” و”بوينغ”، وسرقوا المعلومات حول برنامج مكوك الفضاء ديسكفري، فيما تمكن مخترقون قراصنة، في 2007، من اختراق مشروع للبنتاغون وسرقوا البيانات المتعلقة بالطائرة المقاتلة “إف-35”.

المصدر: الخليج أون لاين

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا