بإصرارها على “الإصلاح”.. هل تتجه إسرائيل نحو “خراب البيت الثالث”؟

إذا استمرت عملية تشريع الإصلاح القضائي، دون حوار ودون الوصول إلى حل وسط يكون فيه إجماع واسع على أساس مخطط الرئيس إسحق هرتسوغ، سنصل في نهاية الشهر إلى تشريع بالقراءتين الثانية والثالثة. والطريق من هناك قصير إلى فقدان السيطرة التامة. ينبغي الافتراض أن المحكمة العليا سترفض التشريع، وستدخل دولة إسرائيل من تلك اللحظة في أزمة دستورية عميقة لا مخرج منها.

كل محافل الأمن القومي، التي يفترض بها أن تحمي مواطني إسرائيل من تهديدات خارجية وداخلية – الجيش، الشاباك، الموساد، الشرطة – سيتعين عليها أن تقرر من تطيع- أمر القانون لمحكمة العدل العليا أم أمر الحكومة. لا يهم على الإطلاق من تطيع، كل قرار لها سيؤدي إلى تفكك أجهزتها. وسيكون في كل جهاز أناس يقولون إنه يجب السير مع أمر الحكومة، وسيقول آخرون إنه يجب السير حسب القانون وفقاً لقرار العليا. كل قرار لرئيس جهاز لا يجد قبولاً لدى قسم كبير من رجال الجهاز، ولن يفعلوا حسب أوامر وتعليمات رئيس الجهاز، بل حسب أمر ضميرهم. سينشأ انشقاق وتفكك داخل الجيش، والشرطة، و”الشاباك” والموساد، الذين سيرفض قسم غير صغير من رجالهم الأوامر.

منذ اليوم وقبل أن نصل إلى الوضع الأصعب الذي أصفه، نشهد رفضاً آخذاً في الاتساع لرجال احتياط للتجند للخدمة. لا شك أننا إذا وصلنا إلى القراءة الثالثة لقوانين الإصلاح القضائي، دون حوار وإجماع واسع، سيتسلل الرفض أيضاً إلى الجيش النظامي وسترفض أجزاء منه الأمر. سيؤدي هذا الوضع إلى فوضى تامة وعدم سيطرة على الأجهزة التي تحمي دولة إسرائيل ومواطنيها. هذه وصفة مؤكدة لتفتت وتفكك هذه الأجهزة. سيفقد مواطنو إسرائيل أمنهم وقدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ودولتهم دفعة واحدة. انهيار هذه الأجهزة سيؤدي إلى انهيار الدولة كلها.

أعداؤنا، الذين بنوا أمامنا في العشرين سنة الأخيرة تهديداً يركز أساساً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، الذي لم يكن له مثيل منذ إقامة الدولة؛ ويرون عملية انهيار دولة إسرائيل أمام ناظريهم. يفرك أعداء إسرائيل أيديهم بهجة في ضوء حروب اليهود. وسيعملون ضدنا في اللحظة التي تفقد فيها دولة إسرائيل قدرتها في الدفاع عن نفسها. سيطلقون علينا آلاف الصواريخ، المقذوفات الصاروخية والمسيرات، التي ستتسبب لمئات المواقع بالدمار والخسائر الفادحة كل يوم في المراكز السكانية، والبنى التحتية الاستراتيجية (المياه، الكهرباء، الوقود، الغاز، المواصلات، المراكز الصناعية، قواعد الجيش، رموز الحكم وغيرها).

سيعملون ضدنا خمس ساعات في آن واحد، بما في ذلك قوات مشاة كبيرة من عشرة آلاف من المقاتلين الذين سيقتحمون حدودنا في الشمال والجنوب والشرق، مزودين بالصواريخ ومضادات الدبابات وقذائف المدفعية من لبنان وسوريا وغزة. وإلى جانب ذلك، ستنشب اضطرابات شديدة يقوم بها آلاف المشاغبين المتطرفين، والسلاح في أيديهم داخل دولة إسرائيل، وستنشب في الضفة انتفاضة ثالثة. سيقف شعب إسرائيل أمام هذه الانفجارات عارياً. وربما تضاف إيران إلى أعدائنا وتشارك في الحرب في ظروف معينة أيضاً. مؤخراً، تلقينا ضربة إضافية، حين علمنا عن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية بعد قطيعة وعداء لسنوات.

إذا لم نعرف كيف نوقف مبادرة الإصلاح في الأسبوعين القادمين ونصل إلى حل وسط، فثمة سيناريو رعب؛ بأن تؤدي هذه المبادرة إلى خراب البيت الثالث وباحتمال عال.

لهذا السيناريو سببان: الأول، الكراهية المجانية التي أدت أيضاً إلى خراب البيت الثاني؛ والآخر، السياسيون المغرورون من كل أطراف الطيف السياسي، ممن تتغلب مصالحهم الشخصية والحزبية على المصالح القومية؛ إذ يرون المصيبة تقترب دون أدني مبالاة، وغير قادرين على التوصل إلى توافق واسع لإنقاذ الدولة من ضياعها. سيدخلون إلى القائمة السوداء في تاريخ الشعب اليهودي، كزعامة أدت إلى خراب البيت الثالث لأنهم أرادوا أن يكونوا محقين لا حكماء.

ستبرز صورهم آلاف السنين الأخرى في صفحات كتب التاريخ وسيقارنونهم بباركوخبا الذي خرج للقتال مع حفنة مقاتلين في وجه الإمبراطورية الرومانية الأقوى منه عشرات الأضعاف. من جهة، كان محقاً لأنه أراد أن يسيطر اليهود على كل بلاد إسرائيل، ومن جهة أخرى لم يرَ الوليد؛ كون نتائج هذه الحرب كانت معروفة مسبقاً – اليهود هم الذين سيدفعون ثمناً باهظاً جداً وسيفقدون وطنهم لـ 2000 سنة.

بقلم: إسحق بريك

معاريف 14/3/2023

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا