ترجمات: عملت مع نتنياهو … حان الوقت لكي يتنحى

ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

عملت مع نتنياهو … حان الوقت لكي يتنحى

I Worked With Netanyahu. It’s Time for Him to Step Down

مجلّة فورين بوليسي الأمريكيّة

بقلم دانييل سي. كيرتزر، سفير الولايات المتحدة السابق في مصر وإسرائيل. يدرّس الدبلوماسية وحل النزاعات في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون

في هذا المقال المطوّل، يستعرض الكاتب خلاصة تجربته الشخصيّة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إذ يحاول من خلال هذه التجربة “السلبيّة” توضيح بأنّ الطباع الشخصيّة للرجل وسلوكيّاته في ولاياته المختلفة قد ساهمت في الوضع الكارثي الذي نعيشه اليوم من خلال العمل دوما على تقويض جهود السلام مع الفلسطينيين، واتّباع سياسة “الاسترضاء” تجاه حماس، والإساءة إلى متانة علاقة بلاده مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والسعي إلى مصالحه الشخصيّة إلى جانب أمور أخرى، يمكنكم التعرّف عليها من خلال قراءة الترجمة الكاملة للمقال:

باتت أيام بنيامين نتنياهو كرئيس لوزراء إسرائيل معدودة. فإمّا أن يتقبّل المسؤولية عن الإخفاقات السياسية والاستخباراتية والعملياتية التي تجلّت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما قتلت حماس أكثر من 1400 إسرائيلي ـ أو أنّه سوف يُجبر على التنحي من قِبَل لجنة التحقيق التي ستعقب الحرب. وينبغي عليه أن يغادر الآن، حفاظا على ما تبقّى من ماء وجهه.

خدم نتنياهو لفترة أطول من أي زعيم إسرائيلي آخر، وهو ما يعكس مهاراته السياسية الذكية والصورة التي خلقها عن نفسه باعتباره سيدّ الأمن. لقد فجّرت حماس هذه الصورة بطريقة دراماتيكية، في هجوم همجي من شأنه أن يمزق روح إسرائيل لسنوات عديدة قادمة.

يتّبع القادة المسؤولون مقولة الرئيس الأمريكي السابق هاري إس ترومان بأنّ المسؤولية تقع دائما على الرئيس. في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لم يكن نتنياهو عديم الخبرة في منصب رئيس الوزراء؛ إذ تم انتخابه لولاية ثانية في عام 2009 ويحكم منذ ذلك الحين، باستثناء فترة استراحة قصيرة عندما تم تشكيل ائتلاف بديل.

كان سجلّه مختلطا بالتأكيد، إذ ازدهر قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل في العقود الأخيرة، لكن هذا كان مدفوعا إلى حد كبير بالجيش الإسرائيلي باعتباره الحاضنة، وليس بواسطته هو. وتوسعت العلاقات مع بعض الدول العربية بموجب اتفاقات أبراهام، لكن لم يكن لهذا علاقة تذكر بفطنة نتنياهو الدبلوماسية، والجدير بالذكر أنه فضّل توسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة على حساب خطر إفساد احتمالات السلام مع الفلسطينيين.

وقد ساعد تحويل الأموال إلى المستوطنات ومؤسسات المجتمع الحريدي نتنياهو على تعزيز قاعدته السياسية وإعادة انتخابه. لكنه جاء أيضا على حساب المؤسسات العامة في إسرائيل، بما في ذلك قطاع التعليم. وذكر تقرير صدر عام 2021 أن 50% من الأطفال الإسرائيليين يتلقون “تعليما من العالم الثالث” وبلغ معامل جيني الإسرائيلي – الذي يقيس مدى المساواة في الدولة على أساس توزيع الدخل – 52.2 في عام 2019، مما يضع البلاد في الطرف الأدنى من المقياس العالمي، بين موريشيوس والسنغال.

خلال فترتي ولاية باراك أوباما في البيت الأبيض، عرّض نتنياهو العلاقة الاستراتيجية الأكثر أهمية لإسرائيل للخطر، وكاد أن يدفع العلاقات الأميركية الإسرائيلية إلى الخروج عن مسارها. وركّز الزعيم الإسرائيلي باهتمام على التهديد المتمثل في حصول إيران على القدرة على إنتاج أسلحة نووية. وقد قاده ذلك إلى مواجهة مريرة مع إدارة أوباما في الفترة التي سبقت الاتفاق النووي مع إيران – خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. وهدد نتنياهو خلال تلك الفترة بقصف إيران، وأدلى بتعليقات مسيئة تستهدف أوباما وكبار مساعديه، ورتّب، خلف ظهر الرئيس، لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس.

قبل فترة طويلة من خطة العمل الشاملة المشتركة، كان لدى نتنياهو عادة إلقاء المحاضرات على الرؤساء الأميركيين. وقد فعل ذلك علنا أمام أوباما في عام 2011، بحضور الصحفيين في المكتب البيضاوي. كما ألقى محاضرات على بيل كلينتون على نحو أكثر خصوصية في عام 1996، مما أثار رد فعل كلينتون المليء بالألفاظ البذيئة تجاه الاجتماع.

في الواقع، بدأت علاقات نتنياهو المتوترة مع الولايات المتحدة قبل فترة طويلة من إدارة أوباما. التقيت به لأول مرة في عام 1989، عندما كان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي وكنت نائب مساعد وزير الخارجية، وقمت بزيارة إسرائيل كجزء من فريق السلام التابع لوزير الخارجية جيمس بيكر. وصلنا إلى القدس في منتصف شهر أيّار/مايو، في الوقت الذي كشف فيه رئيس الوزراء إسحاق شامير عن اقتراح سلام من أربعة أجزاء.

خلال مأدبة غداء في مقر إقامة رئيس الوزراء، كنت جالسا بجانب نتنياهو، وتحدثنا لفترة من الوقت. ولدهشتي، أوضح نتنياهو أنه غير راضٍ عن سياسة رئيس وزرائه، مما أدى إلى موقف حرج؛ إذ كانت الإدارة الأمريكية أكثر دعما لخطة السلام الإسرائيلية من أحد كبار مسؤوليها.

وبعد فترة، استدعاني مساعد بيكر إلى مكتب السكرتير. وكان بيكر الغاضب يلوح ببيان صحفي يحمل عنوانا صادما: “نتنياهو: الولايات المتحدة مبنية على الأكاذيب والافتراءات”. حاولت طمأنة بيكر بأن هذا لا يمكن أن يكون دقيقا.

لقد كان الاقتباس غير صحيح بالفعل، ولكن ليس تماما. وكان نتنياهو قد انتقد الإدارة بقوله: “الولايات المتحدة. السياسة مبنية على الأكاذيب والافتراءات”. ومنذ ذلك اليوم وحتى نهاية إدارة بوش، كان نتنياهو شخصا غير مرغوب فيه في وزارة الخارجية.

وبعد سنوات، عملت سفيرا للولايات المتحدة، بينما كان نتنياهو وزيرا للمالية في حكومة رئيس الوزراء أرييل شارون. كان نتنياهو على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة حثه عليها صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة لتقويم الاقتصاد الإسرائيلي. وردا على ذلك، وبإلحاح قوي مني، عرضت الحكومة الأميركية عددا من الحوافز كنوع من شبكة الأمان لشد الحزام الذي فرضه نتنياهو.

خلال تلك الفترة، كنت ألتقي بنتنياهو بشكل منتظم لمناقشة الأمور الاقتصادية والسياسية، وخاصة القرار الذي اتخذه شارون في عام 2003 بفك الارتباط والانسحاب من غزة. كان موقف نتنياهو من فك الارتباط معبّرا. لقد صوّت لصالحه لكنه استقال قبل أيام قليلة من الانسحاب الفعلي.

لقد علمتني هذه التجربة وغيرها الكثير عن الرجل، مما يؤكّد صحة ما كتبته قبل سنوات في مذكرة غير رسمية إلى وزير الخارجية وارن كريستوفر: نتنياهو رجل يتمتع بذكاء كبير ولكن ليس لديه “سياسة تحديد المواقع” حول كيفية الوصول إلى حيث يريد الذهاب. كان بإمكانه التعبير عن أفكار كبيرة ولكنه كان يجد صعوبة في بعض الأحيان في ترجمتها إلى أفعال.

إن تناقض نتنياهو بشأن السلام ومسألة الأراضي المحتلة كان سببا في إحباط السياسة الإسرائيلية لعقود من الزمن. فمن ناحية، أشار خطابه الذي ألقاه في بار إيلان عام 2009 إلى استعداده، مع بعض التحذيرات المهمة، لمتابعة السلام مع الفلسطينيين. ومن ناحية أخرى، كان دعمه المتواصل للمستوطنات في الأراضي المحتلة، وإهمال حكومته النشط للعنف الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين، وسياسته الرامية إلى إضعاف السلطة الفلسطينية، سببا في تفاقم الوضع على الأرض في حين عزز قبضة إسرائيل على الأراضي التي احتلتها.

هذه الأمور جعلت من نتنياهو معضلة سياسية وشخصية. لقد جعل الأمن أولويته لكنه قوض الشراكة الاستراتيجية الحيوية لإسرائيل مع واشنطن. يتمتّع بالمهارة السياسيّة أكثر من أي شخص آخر في البلاد، لكنه دخل في شراكة مع الشخصيات اليمينية والحريدية الأكثر تطرفا في الطيف السياسي. وقد عارضه قادته العسكريون بشأن إيران وأثاروا تساؤلات حول أسلوبه في التعامل مع القضية الفلسطينية. وأدت تصرفاته الشخصية الطائشة المزعومة إلى توجيه اتهامات متعددة له بالفساد. في العام الماضي، قسّم نتنياهو البلاد بخطة إصلاح قضائي مثيرة للجدل، مدفوعا جزئيا بسعيه لتجنب الملاحقة القضائية.

وقد ساهمت هذه الانحرافات في الفشل المنهجي الذي منيت به الحكومة الإسرائيلية قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. ولكي نكون واضحين تماما، حماس هي المسؤولة وحدها عن المذبحة التي ارتكبتها في انتهاك لكل المعايير الأخلاقية والإنسانية. لكن نتنياهو دبّر سياسة استرضاء الجماعة، معتقداً أنها ستكون راضية بهدنة طويلة الأمد، بدلا من الوفاء بميثاقها الأصلي، الذي يدعو إلى تدمير إسرائيل. وقد قادت هذه السياسة إسرائيل إلى حربها الأكثر دموية منذ عقود.

الحرب في غزة ستنتهي في نهاية المطاف. ولكن عندما يحدث ذلك فلن يكون أمام الإسرائيليين والفلسطينيين أي أفق سياسي يتطلعون إليه، أو عملية سلام يمكن إحياؤها، ولن يكون لديهم أمل كبير في مستقبل أفضل. وهذا أيضا هو إرث السنوات الطويلة التي قضاها نتنياهو في السلطة.

وحاول نتنياهو التنصل من المسؤولية قبل عدة أيام بإلقاء اللوم على قادة المخابرات والجيش في الإخفاقات الأمنية التي أدت إلى هجمات حماس. وكان ينبغي لرد الفعل الغاضب أن يقنعه بأن الإسرائيليين لن يسمحوا له بالإفلات من هذا المأزق. في الواقع، في استطلاع نشره هذا الأسبوع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أعربت أغلبية كبيرة من الإسرائيليين عن ثقتهم في قادة قوات الدفاع الإسرائيلية أكبر من ثقتهم في نتنياهو. ويدرك أغلب مواطنيه أنه وضع مصالحه الخاصة فوق مصالح الدولة ومواطنيها. ولتجنب المحاسبة القانونية المحيطة باتهاماته، فقد عرّض أمة بأكملها للخطر. فبعد أن فقد هالته كحامٍ لإسرائيل، وبعد فشله حتى الآن في تحديد أهداف حرب إسرائيل في غزة بما يتجاوز المبالغة في تدمير حماس، يتشبّث نتنياهو الآن بالسلطة من أجل السلطة ذاتها.

لا يوجد في اللغة العبرية كلمة محددة للمساءلة. وبدلاً من ذلك، يستخدم الإسرائيليون كلمة “عشريوت”، والتي تُترجم إلى “المسؤولية”. لقد تجنب نتنياهو المساءلة في الماضي، ولا سيما في أعقاب كارثة حريق جبل الكرمل عام 2010 التي أودت بحياة 44 إسرائيليا أو التدافع عام 2021 خلال رحلة حج أودى بحياة 45 شخصا. وهو يحاول تجنب ذلك الآن. لقد حان الوقت بالنسبة له أن يتحمل المسؤولية والمساءلة. لقد حان الوقت لكي يتنحى.

للتحميل اضغط هنا

المصدر: مركز الابحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا