جنت على نفسها جنت براقش كتب حسن سليم

بسياستها المنفلتة من عقالها، وبإطلاقها العنان لقطعانها، وبعدم التزامها بالاتفاقات التي وقعتها مع الفلسطينيين، تضيع إسرائيل فرصة ذهبية، قد لا تتكرر، وهي تعلم علم اليقين أنها مقابل ما حصلت عليه من اعتراف لم تقدم من الجَملِ لصاحبه إلا أُذنه، ثم أكلتها، وهي بذلك تكون قد أخطأت بقراءتها للتاريخ كما فشلت باستشرافها للمستقبل، وما يمكن أن يحمل، لتكون قد جنت على نفسها كما جنت براقش.

وقصة دولة الاحتلال معنا تشبه بنتيجتها قصة الكلبة الأنثى “براقش ” التي كان ينعم أهلها بـأمن وأمان، متمتعين بحصن خرافي من حيث المناعه، فخرجت من نفق حفرته تحت الحصن الى البراري للصيد، وظنها ان تخرج وتدخل دون ان يعلم خصمها، فكانت النتيجة ان دخل خصمها من ذات النفق الى قلب الحصن، فقيل حينها ” على نفسها جنت براقش “.

للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ميزة خاصة تتعلق بالفلسطينيين الذين لم يبق ما يقدمونه للتحصل على سلام هو حق لهم بعد عقود من العذابات، وطول انتظار للعيش بسلام كباقي الشعوب، ومن اجله قدموا الغالي والنفيس، كان رهانهم الدائم لسنوات طويلة على إمكانية تغير العقلية الإسرائيلية، بأنها يمكن أن تتعلم الدرس، ورهانها بان الساطين على قرار المجتمع الدولي قد يستيقظوا من غيبوبة طال أمدها، في وقت ينشغل فيه المجموع العربي بقضاياه الداخلية، فيما يرغب البعض منهم بممارسة هواية ” الفرجة ” عن بعد، مما دفع بالفلسطينيين أن يستعيدوا مهارة الإمساك بزمام المبادرة، وقد يضطروا لاستخدام الصدمات الكهربائية، لعلها تنجح لإيصال رسالة مفادها: أن الحقوق لا تموت، وان مات صاحبها، يرثها من يخلفه.

ما يجري من أحداث، يسميها البعض انتفاضة شعبية ثالثة، وبرأي آخرين هي انتفاضة فردية، إلا أنها وفقا لبدايتها وما تسير عليه، فإنها مختلفة لا يستطيع احد الجزم بماهيتها وشكلها.

الانتفاضة الأولى، عام87، كانت انتفاضة حجارة ضد احتلال لا يعير اهتماما لرغبة الفلسطينيين للتحرر وإنهاء الاحتلال، فكان الجواب بالتوجه لمفاوضات أنتجت اتفاقات سلام تم تتويجها بإنشاء سلطة طامحة للتحول الى دولة، فيما الثانية التي اندلعت عام 2000، بوجود السلطة الوطنية كردة فعل فلسطينية على اقتحام الأقصى وتنديسه، غلب عليها استخدام السلاح ومشاركة الأجهزة الأمنية، وبشكل اقل من حيث شعبيتها، فكانت نتيجتها البدء بتقويض السلطة من قبل دولة الاحتلال، والحفر تحت أساساتها، أما الحالية التي لا زالت تتشكل، بدأت في ظل دولة أعلنت عن نفسها دولة تحت احتلال، حيث فردية العمليات وتدخلٌ حَذر من قبل الأجهزة الأمنية يغلب عليه الحماية للمناطق والمنتفضين، وهذا ما ادخل دولة الاحتلال في إرباك لعدم قدرتها على تحديد بمن تبدأ أولا، لإطفاء شرارة ما يحدث.

شكل المرحلة القادمة يبدو انه صعب التنبؤ له، لكنه حتما ليس حدثاً عباراً، أو هبة سرعان ما ستمر، لكن الواضح أنها ليست كما كان يعتقد البعض بأن الوقت متاح لما سيقدمه المجتمع الدولي من اقتراحات لإنهاء الصراع أو التخفيف من حدته، بعد طلب رسمي وعاجل ورد في خطاب الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة في الثلاثين من أيلول الماضي، بسرعة التحرك والتدخل قبل فوات الأوان، لكن المعروف أن السياسة لا تقبل الفراغ، وهنا تكمن الخطورة بأن يتم ملأ الفراغ بما لم يكن متوقع.

Hasan.media@yahoo.com

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا