نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً ولكن كتب حسن سليم

ثمة حالة نقاش وجدل طفت على السطح، حول ما يسمى الاندفاع الى الموت المجاني، بما يشير سلبا الى رخص الحياة والدم بنظر الفلسطينيين في مواجهتهم ضد الاحتلال، وهذا ما حاولت الماكينة الإسرائيلية تصويره، مستغلين زغاريد أو ابتسامة أمهات الشهداء في وداعهن اليومي لقوافل الشهداء، فيما الحقيقة غير ذلك، بل يتم قتل الضحية مرتين، مرة بقتلها برصاص الاحتلال، واخرى بتصويرنا لعائلتها فرحة برحيلها، وهذا مخالف للعقل والمنطق.

الفلسطينيون وعلى مدار سبعة عقود لم يتوقفوا عن الترحال في أصقاع المعمورة بحثا عن الحياة، فكان الترحيل قسراً بتهجيرهم تحت قصف المدافع وهربا من جرائم عصابات الهاجاناه، أو بحثا عن لقمة العيش المغمسة بالدم، فعاشوا خلالها أمر الأمرين بانتظار العودة الكريمة الى “المربى الحنون”، والذي تحقق لهم جزئيا بعد قيام السلطة الوطنية في مطلع التسعينيات.

العودة للوطن والحلم بكرامة العيش والبدء بانزياح الاحتلال تدريجيا عن الأرض المحتلة، كانت بمثابة بذرة الأمل بان حقبة جديدة من الحياة ستبدأ، وتحتاج الى العض على الجراح سعيا لفسح المجال أمام الأجيال المقبلة بان تنعم بأمان واستقرار حُرم منها مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهذا ما حدث، لدرجة أن الأمر بدأ مخيفا بسبب الانزلاق نحو التطبيع قبل إنهاء الصراع بشكل كامل، واستعادة كامل الحقوق.

وفي خضم النقاش حول اعتقاد يفيد بتنازل الفلسطيني عن الحياة بسهولة، وان العالم متفاجئ، فان الضرورة تحتم القول بانه لا أحد يستطيع ان ينكر علينا كفلسطينيين حبنا للحياة رغم كل ما نعيش من ظروف تقرب الحياة فيها الى الاستحالة، فالعامل الذي يستيقظ في الثانية صباحا ليستطيع عبور”حواجز الذل الاسرائيلية” عند الخامسة صباحا ليصل الى عمله داخل الخط الاخضر، ويعود بعد السابعة مساء، ليس ثمة وصف لما يقوم به باقل من جهاد من اجل الحياة والبقاء، والطالب الذي يعبر الحواجز وينتظر لساعات ويتم اذلاله يوميا، ويرى اصدقاءه يسقطون واحدا تلو الآخر بسلاح موتور اعتقد انهم يريدون قتله، ليس من حق احد ان يتهمه بالارهاب او الكاره للحياة عندما ينتقم لصديقه، ناهيكم عن حالات عديدة تمت تصفيتها لمجرد الشك او الاختباء تحت عباءة الشك، كما تم حدث مع الشهداء فادي علون، وهديل الهشلمون وبيان العسيلة والقائمة تطول لمن تمت تصفيتهم فقط لانهم فلسطينيين. فيما نجد بالمقابل مشاهد كثيرة التقطتها عدسات الكاميرا من مواقع المواجهة، والتي سرق فيها الشباب المنتفض لحظات فرح، كاحتفالهم بعيد ميلاد احدهم ودبكة آخرين على وقع الرصاص، وكأن لسان حالهم يقول: “نحب الحياة ما استطعنا اليها سبيلا”

الفلسطيني اليوم في هبة الصبار أو غضبة القدس اثبت بشكل جلي انه لا يخاف المحتل عند مواجهته بالمقلاع أو بسكين وهو يعلم مسبقا ما يعتد به جيش الاحتلال من سلاح وبما يتحصن به من خوذ، فقد رحل الخوف من قلبه، ورجحت لديه كفة الموت بكرامة على الحياة بذل وإهانة يومية على الحواجز، وهو يشهد تدنيس المقدسات وجعلها مداسا لقطعان المغتصبين الذين يسرحون ويمرحون بحماية ورعاية الجيش.

فيما يبقى السؤال عن كيفية تشكل صورة الفسطيني الذي يمتلك كل هذا الرصيد من الانسانية والتضحية والحرص على البقاء، على غير حقيقتها، ومن المسؤول عن ذلك الرسم الفظ، ولماذا الاصرار على تغييب احلام الشهداء ووجع عوائلهم عن قصتنا، والاصرار على اظهار الدم رخيصا، او الرغبة الجامحة للموت فداء للارض، وكأن الخيار يجب ان يكون بين اما أن نموت او تتحرر الارض، في حين ان المطلوب ان نبقى أحياء على الارض، وهذا ما يستدعي التفريق بين الحرص على شبابنا من اندفاعهم نحو موت مجاني، وبين الضرورة الحتمية لابقاء الكفاح الواعي لتحرير الارض ودحر الاحتلال، لنعيش جميعا في وطن نحبه، نحن وشبابنا وليس دونهم.

اما الاستغراب الغريب عن سبب تشكل الصورة السلبية لنضالنا الطاهر، فهو في غير محله، اذا ما تم الاقرار باننا نفتقد الى مؤسسة صانعة للرأي والاعلام، وموجهة له، واننا في رسالتنا الاعلامية نخاطب انفسنا بلغتنا، فيما نطالب العالم ان يتعلم الترجمة لفهمها، وبالمقابل يعمل الاحتلال عبر مؤسسة صناعية للاعلام متعدد اللغات والبارع في كتابة القصة، لدرجة ان يجعل من الحجر بيد الطفل الفلسطيني قنبلة نووية تهدد امنه، ونحن لا زلنا نستغرب موقف العالم! فعلا غريب!

بالمناسبة هل قرأتم ما يكتب الكاتب الكويتي عبد الله الهدلق في صحيفة الوطن الكويتية، وآخرها الاحد الماضي حين هاجم الشعب الفلسطيني، متهما إياه بالإرهاب وارتكاب الجرائم، بعد الهبة الشعبية الأخيرة، داعيا الرئيس ابو مازن الى وقف ما سماه التحريض على الكراهية، والى إدانة الهجمات التي تستهدف إسرائيليين، مبديا استغرابه من صمت المجتمع الدولي عما سماه “جرائم الفلسطينيين ضد الإسرائيليين واستمرار مسلسل طعن الإسرائيليين وتنامي إرهاب السكاكين الفلسطيني، وأنه ينكر ذلك المجتمع الدولي حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها وعن شعبها ومواطنيها”.

مقالة بقدر فراغ مضمونها كما كاتبها الا انها تؤشر الى اين وصل التأثير للرواية الاسرائيلية، وكيف اصبحت صورتنا مشوهة.. وبالطبع ليس هذا فقط لكن وراء الاكمة ما وراءها..يا جريدة “الوطن” الكويتية…!!

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا