غزوة باريس المباركة” و التداعيات: المهمشون (3/5)

تحدثنا في الحلقتين السابقتين عن الخوف والإحباط لدى “داعش” وتخلي الداعمين، وأبرزنا مكاسب التنظيم والدول الأخرى من “غزوة باريس”، واستكملنا حول النشأة” و”القاعدة والتطرف، وفي هذه الحلقة نتحدث عن دور التهميش في العنف وعن “القاعدة” المدعومة عالميا و”داعش” وأمريكا ورعاية الإرهاب والطائفية.

لقاء المهمّشين

إن الظلم والاستبداد والتهميش ثلاثية استبعاد وظلم اجتماعي واقتصادي فادح تراكمت مع تعاظم الشعور بفداحة هذا المكون مع التعطش للعودة الى السلطة ثانية، والى حد الرغبة بالانتقام و لتتقاطع المصالح في ظل الفرصة المتاحة بين مكونات “داعش” اليوم، أي بين المظلومين والمهمشين والمستبعدين (سواء عن حق أو باطل) مع أصحاب العقل السلفي– القتالي– القطعي من بقايا الزرقاوي و”المهاجرين” أي المقاتلين الاجانب من عرب وآسيويين وأوربيين ، ومع المظلومين من الناس والفئات الأخرى من النظاميين الاستبداديين في المنطقة، وأيضا تلاقى هؤلاء مع عقلية (الفوضى الخلاقة) ل(كونداليزا رايس) ومع مصالح بعض دول الإقليم التي بينها إيران وتركيا وبعض دول الخليج.

حاجي بكر العقيد السابق في الجيش العراقي الشهير أو باسمه الحقيقي سمير عبد محمد الخليفاوي كما أشار تحقيق موسع لصحيفة (ديرشبيغل) وهو زميل أبوبكر البغدادي في سجن “بوكا” الامريكي في العراق استطاع أن يعقد اتفاقا مع التيارات الأخرى المشكلة للتنظيم، بحيث أنه بعد خروجه من المعتقل عرض قدراته التنظيمية والأمنية والعسكرية المرتبطة بالشراسة والفتك وارتكاب الفظائع بالمخالفين، كما عرض قدرات تنظيمه السابق التدريبية والعلاقات القيّمة التي يحتفظ بها مع القبائل السنّية، وخبراتهم خاصة في سنوات الحصار للعراق في ابتزاز الأموال والتحكم بالنفط وخطوطه الخارجية وبكيفية السيطرة على الجماهير على “الامير البغدادي” مقابل الامساك بالشؤون الامنية والحربية في التنظيم وهو ما كان حتى اليوم حيث يقود الضباط البعثيون العراقيون السابقون أركان حرب التنظيم .

لا يغيب عن البال التهميش والظلم والإهمال الذي أوقعه النظام الاستبدادي الحاكم في العراق ضد جزء من الشعب بدعاوى الارتباط بشكل أو آخر بالنظام السابق، فهمشت القرى والمدن ذات الطابع السني وقمعت عديد الدعوات السلمية للنهوض والارتباط بالوطن الواحد، كما حملت الجماهير أحمال النظام البعثي السابق وإرهاب الزرقاوي ومن خلفه، ما جعل العداء يبرز بين أشقاء الوطن الواحد على قاعدة طائفية تستفحل في مقابل تلاشي دعوات الدولة المدنية التي تضم كل العراقيين، أفلا يستجيب أمثال هؤلاء أو أكثرهم للدعوات الداعشية؟ أو على الأقل يحصل خضوعهم دون مقاومة للسيطرة الداعشية التي قد لا تختلف عندهم كثيرا عن السطوة الحكومية والتهميش المتعمد؟

“القاعدة” المدعومة عالميا و”داعش”

إن نشوء (القاعدة) كان على قاعدة (جهادية) تم دعمها في إطار دعم الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي (الشيوعي الكافر) الذي احتل أفغانستان (1978-1988م) من قبل دول الخليج مباشرة وبلا مواربة ومن الإخوان المسلمين والتنظيمات الاسلاموية عامة التي مولت ودعمت الجهاد الأفغاني، (حصل تحالف أسامة بن لادن ود.أيمن الظاهري في إطار الإخواني د.عبدالله عزام)، كما ثم دعمهم من الغرب وعلى رأسه أمريكا (المسيحية الكتابية) الى أن حصل الانقلاب الكامل على الغرب إثر تحطم “طالبان” أفغانستان فتبدلت المصالح ، و ما كان نشوء (داعش ) ليختلف في نظرية إلتقاء المصالح هذه.

إن الدور الغربي والإقليمي في دعم “داعش” كان واضحا لمن يرى بعينين اثنتين، فبدلا من مواجهة الخطر من بدايته ظهر التهوين من هذا الخطر كما ظهر التخاذل الدولي والإنسحاب من المواجهات حتى العام 2014 بينما قامت قوى إقليمية -كما أشرنا- بفتح الطرق او التسهيل للحركة المتطرفة، أو حتى الاستقطاب لأطراف في التيارات المتطرفة ومنها “داعش” تحقيقا لمصالح هذه الدولة أو تلك خاصة في ظل معادلة الصراع التي تحاول امريكا فرضها على المنطقة وكأنها صراع ايراني-عربي أو كأنها صراع طائفي شيعي سني.

جيمس جيفري، وهو السفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا، وحالياً زميل متميز في زمالة “فيليب سولونز” في معهد واشنطن منتقدا حالة الاسترخاء الامريكي في مواجهة “داعش” وموضحا مصالح بلاده في اغتصاب العراق يقول في مقال له على موقع معهد واشنطن: ((إن الحفاظ على عراق موحد وموالٍ للولايات المتحدة يصب في المصلحة الحيوية للولايات المتحدة. وفي صلب الحفاظ على هذه المصلحة تكمن حملة أكثر جرأة ضد تنظيم «داعش». وتفترض استراتيجية “الإسقاط والتدمير” التي تتبعها الولايات المتحدة أن الوقت يصب في صالحها (“3 إلى 5 سنوات”، وأحياناً تسمع واشنطن “عقد من الزمن”). بيد، إن الوضع ليس كذلك. فالفشل في التحرك في سوريا أدى إلى بروز تنظيم «الدولة الإسلامية»، ثم تدفق اللاجئين الذي يهدد الاستقرار السياسي للاتحاد الأوروبي، والآن الإعادة الخطيرة لروسيا إلى المنطقة.))

نضيف أيضا أنه كان للنظام السوري ذاته دورا هاما في انشاء تنظيم “داعش” عندما اطلق من سجونه عام 2013 آلاف الارهابيين والمتطرفين عن عمد وعن قصد لا يخفى على عقل بصير. كما هي المعلومات حول العلاقات الواضحة بين نظام الأسد والارهابيين الذين روّعوا العراق قبل “الربيع العربي”، والنظام السوري وهو ذاته الذي احتضن أبوبكر البغدادي كأحد هذه القيادات المتطرفة تلك الفترة، فترة هروبه الى الشام.

الدور الاقليمي ومصالح هذه الدولة هو بإبراز تنظيم (داعش) خطرا حافزا من أجل الحفاظ على نظامها الاستبدادي ووحدتها الداخلية التي تنهج لدى هذا النظام (أو ذالك) منهج الظلم والاستبداد والوحشية، بمعنى أن توجيه النظر ل”داعش” فقط يحمي النظام المتهالك (مثل نظام الأسد ونظام المالكي…) ويطيل في عمره ويعمي الأنظار عن ممارساته الاستبدادية وعن الظلم الاقتصادي الاجتماعي وعن وحشيته ممارساته الأمنية … تماما كما ظهر اليوم بشار الاسد فرِحا مرِحا بعد “غزوة باريس المباركة” ليثبت أن زوال الارهاب أولا وقبل أي تغيير على سلطانه، وليؤكد سلامة نظامه الاستبدادي وكذلك الأمر مع دول أخرى في الفضاء الاقليمي .

أمريكا ورعاية الإرهاب والطائفية

ان الدور الامريكي في نشوء “داعش” الذي كتب عنه الكثيرون هو فيما لا شك فيه دور حقيقي مباشر وغير مباشر سواء من خلال التسهيل أو التغافل أو تقاطع المصالح، أو الانسحاب المتعمد من المواجهة، أو من خلال الرعاية المباشرة ، لأمثال إبراهيم بن عواد البوبدري السامرائي (ابو بكر البغدادي) وأبو محمد الجولاني وأبو محمد العدناني سجناء معتقل “بوكا” الأمريكي في العراق (شبه الكثيرون “سجن بوكا” كمنتجع صيفي كان يتحرك فيه الإرهابيون بحرية، وكان من بينهم البغدادي ذو حظوة عظيمة) أو عبر ما ظهر علنا من آراء ومقترحات مراكز الأبحاث ومنها معهد واشنطن الذي أجهد ذاته في التفتيش عن عدو جديد للعالم بعد نهب العراق وشعبه ونفطه وتشتيته، وبعد تدمير جيشه ومقدرات هذا البلد العظيم فداء لمصالح الأمة الامريكية و(اسرائيل) على قاعدة إعادة تقسيم المنطقة وفق فيروس الطائفية لهز أركان النظم (على سوء كثير منها) ، النٌظٌم الوطنية التي باتت تفكر أو بعضها بالتنمية والتقدم والنهوض ، بمعنى ان التقسيم للعالم العربي لدول (وطنية) بدأت الفوائد المرجوة منه تتقلص، وعليه فمن المتاح أن يتم استثارة الغول الديني والطائفي التاريخي وهو ما كان وما اعترفت به (هيلاري كلنتون) عندما اعتبرت ما يحدث استنادا لسياسة أمريكا منذ الثمانينات عندما دعمت حرب الاسلامويين المتطرفين في أفغانستان.

وحول الدور الذي لعبه سجن “بوكا” الامريكي وتحت أعين الامريكان مباشرة كشفت مجلة «ديلي بيست»في تحقيق مطول لها عن دور السجون العراقية إبان حكم نظام البعث وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في صناعة الروابط بين الجهاديين، ركز التحقيق على سجن بوكا، وطبقًا لتقديرات عسكرية أمريكية؛ فقد استضاف معسكر «بوكا» 1350 من من يسمون أنفسهم الجهاديين، إضافة إلى 15 ألفا من نزلاء آخرين، ورصد التقرير الأمريكي كيف كانت تجري عمليات التجنيد بين صفوف السجناء، والدور المحوري الذي قام به زعيم تنظيم الدولة «أبو بكر البغدادي» في عمليات التجنيد داخل السجن، حين كان عضوا بتنظيم “القاعدة” في العراق. ويسيطر الضباط السابقون على العديد من المواقع في القيادة العليا والوسطى للتنظيمات المسلحة، فوفقا لتحقيق أجرته صحيفة القدس العربي في نوفمبر من العام 2014، فقد أقر ضابط رفيع من الجيش العراقي السابق أنه وعدد من ضباط الجيش السابقين يشرفون على تدريب وحدات تنظيم “الدولة الإسلامية”.

كتب بكر أبو بكر

غزوة باريس المباركة” و التداعيات: النشأة(2/5)

 

 

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا