بقلم : محمد حجازي
الحديث عن د احمد يوسف له وضع خاص , لتنوع ثقافته وغناها وقدرته على توظيف ذلك في الحالة الفلسطينية , وخاصة في حركة حماس , فهو إبن لتجربة غنية , عندما كان مقيما في الولايات المتحدة الأمريكية , حيث كان ناشطا في عدة مؤسسات إسلامية , سمحت له باللقاء مع عدد كبير من السياسيين و المفكريين الإسلاميين و غير الإسلاميين , مدارس فكرية متنوعة عبر عنها مرارا وتكرارا في كل مقالاته وكتبه , عاد إلى أرض الوطن و إلى قطاع غزة عام 2006 محاولا تقديم خدماته لحكومة السيد إسماعيل هنية 2007 عندما عين مستشارا سياسيا للحكومة . مقالاته وكتبه شكلت إرتياحا للعديد وخاصة من خارج حركة حماس , لأنها كانت تتضمن مراجعات سياسية للتجربة وتأكيده المستمر على ضرورة وحدة الحال الفلسطينية , كتب عن الرئيس الراحل ياسر عرفات , ووقف مرارا مع رئيس الحكومة الفلسطينية د سلام فياض عندما كان يتعرض للإنتقاد . صداقاته على الصعيد المحلي متنوعة تربطه علاقات طيبة مع كل المتخاصمين في الساحة الفلسطينية , كان وحدويا وعقلانيا في كل مقالاته وكتبه , قام بالكتابة عن حركة حماس على قاعدة الدفاع عنها و تقديمها بصورة أفضل وتضمنت كتاباته مراجعة للتجربة وتقديم حلولا للأزمة , كنا بإستمرار نتمنى أن يكون في حركة حماس من أمثاله الكثير هو وصديقه د غازي حمد اللذين شكلا و لفترة طويلة إتجاها عقلانيا ” إلى حد ما ” داخل الحركة , ولكن تأثيرهما مازال محدودا أمام مجمل السياسات العامة في الحركة , وتجربتها في إدارة قطاع غزة الذي وقع تحت سيطرتها منذ عام 2007 , فالإنقسام الفلسطيني صنع مؤسسات ومراكز قوى متصارعة بين طرفي الإنقسام فتح وحماس , تتحكم بكل المستويات السياسية وتشكل كابحا لوحدة النظام السياسي الفلسطيني و إستعادة الحياة الديمقراطية .
في مقالة مطولة تحت عنوان حماس و الأجندة الوطنية : الثابت و المتحول قدم د يوسف حلولا في عشرة نقاط لإنهاء الإنقسام , شكلت مدخلا هاما للمتخاصمين وخارطة طريق لأي مفاوضات محتملة بين الطرفين , يخرج منها الكل راضي لاخاسر فيها , كما قال حسن عصفور الكاتب وصاحب وكالة ” أمد” للإعلام , وأعتقد أن أية محادثات ٌقد تحدث بين طرفي الإنقسام , ستضع هذه النقاط العشرة في الحسبان وعلى طاولة المفاوضات , ولكن لن يحدث ذلك إلا إذا توفرت الإرادة السياسية لدى الطرفين . و للوصول إلى هذه المرحلة , يرى يوسف ومن خلال رده على أسئلة د رباح مهنا , بشأن النقاط العشرة . بأن حركة الشارع وخاصة الشباب هي أفضل أداة لكسر الجمود و إجبار القيادات السياسية للرضوخ و الإستجابة لمطالب الجماهير . ويضيف في مكان آخر أنه لن تنجح أي أجهزة أمنية مهما بلغت قوتها من أن تقمع مطالب شعبية عادلة تحركها إرادة وطنية فاعلة .
وقبل ذلك كله يكتب يوسف ويقول : من يتحمل خطأ الدماء التي سالت ومن المسؤول عن جريرة ما وقع عام 2007 لا يمكن لمنصف أن يستثني أحدا فالكل أسهم في تسميم الاجواء وتوتيرها .
أتفق مع ما يقوله يوسف مما سبق ولكنني أجد نفسي مضطرا لوضع الإشارات التالية , وهي أنه قبل الجلوس لإنهاء الإنقسام وجب على حماس ان تقوم , بإجراء مرجعة سياسية لتجربتها طيلة السنوات العشرة العجاف من عمر الإنقسام لحكمها في القطاع , و أن تحدد وموقفها من طبيعة النظام السياسي الفلسطيني القائم على المشاركة السياسية و إحترام الإختلاف , ومبدأ التبادل السلمي للسلطة عبر الإنتخابات الحرة و النزيهة و أن الشعب هو أصل السلطات , وإحترام المراة وضمان حريتها في اللباس وبدون فرض رؤية إجتماعية على المجتمع بالإكراه . وفي المقابل أيضا على ” حركة فتح ” مطلوب منها القيام بمراجعة شاملة لمجمل سياستها , سواء تجربتها العقيمة في المفاوضات أو في مجمل سياساتها على الصعيد الداخلي و إستئثارها بالقرار لوحدها دون الرجوع للمؤسسات الوطنية التي من المفترض أن تكون جامعة للكل .
وفي هذا الإطار مفيد الإطلاع على تجربة حركة النهضة التونسية , ود يوسف على معرفة وثيقة بقيادتها , وهناك بالطبع حوار وجدال و تأثر , ففي لقاء جمعنا مع د رضا إدريس نائب رئيس المؤتمر العاشر للنهضة وعضو مكتبها السياسي , نظم هذا اللقاء مؤسسة ” بال ثنك ” للتفكير الإستراتيجي التي يرأسها صديقنا العزيز عمر شعبان وعبر نظام الفيديو كونفرس , قال إدريس بأن حركة النهضة طورت نموذجها بما فيه صلاح وخير لتونس , وأن هذا التطور وصل إلى أن يكون حزب النهضة حزب ديمقراطي مدني إسلامي , و إشتغاله في السياسة على أساس تقديمه برنامجا في السياسة و التنمية الإجتماعية و الإقتصادية , ووصل أيضا حزب النهضة للحديث عن طرح مفهوم إصلاح العقيدة , وهي كانت من المحرمات التي لم يجرأ أحدا للحديث عنها . تنجح حركة النهضة عندما تقدم نفسها بهذا النموذج الذي أساسه التطوير و التجديد في التجربة . في مثالنا الفلسطيني , غاب التجديد و التطوير في المفاهيم و السياسيات , و بقي العناد والتصلب في المواقف على قاعدة إزاحة الآخر و القضاء عليه , دون الذهاب إلى المشاركة السياسية وتقديم الوطني على الحزبي و الأجندات الأخرى مهما بعدت أو إقتربت من القضية الفلسطينية . أعتقد إن أبرع من يكتب في هذا المجال هو د يوسف , قوة المثال وصنع النموذج الخاص , فلكل حركة سياسية نموذجها ولكن في السياق العام , ولا ضير من المراجعة و التصحيح , وهي مسؤولية تقع على عاتقه هو و آخرين من أعضاء الحركة و الحركة الإسلامية بشكل عام , حماس لديها نموذجها الخاص كما النهضة , ولكن الفرق هو بالمضي في صنع النموذج الذي يستند دوما للمراجعة و التطوير لصالح الناس , وهذا بالطبع يحتاج إلى جهد بحثي صبور, وهو مسؤولية مؤسسات بحثية بدرجة أساسية قبل الأشخاص , ويوسف هنا لديه مؤسسة ناجحة وهي بيت الحكمة تستطيع التطلع لهذا الدور الريادي , ولما لا فمن يقودها رجل جسور لايهاب قول الحقيقة , ويتطلع دوما للصالح العام .
د يوسف له أهمية في سلسلة المراجعات التي يقوم بها و إن لم يسمها ولكننا نراها مراجعات جدية للحالة الفلسطينية و لممارسات حماس و” أن كانت ما زالت في بدايتها ” فالرجل لديه الكثير ليقوله ونحن نعول عليه الكثير لأنه ينتمي لحركة حماس ولأنه فلسطيني الهوى بإمتياز .
كاتب ومحلل سياسي