“ع ديارك”.. بسمة معالي توّثق ما تبقى لنا

يامن نوباني

لم يحرم شعب في التاريخ من أرضه كما حرم الشعب الفلسطيني، أجيال وراء أجيال تتوارث حرمانا عمره سبعون عاما، وما يزيده قسوة التبدل الواضح في معالم مدن فلسطينية كانت قبل العام 1948 من أهم البقع الرابطة بين جغرافية العالم، وكان لها ثقلها البارز في المنطقة على الصعيد الاقتصادي والسياحي والثقافي، وربطها بين قارات العالم الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا.

في غمرة هذا الحرمان الطويل، تقوم الطالبة في كلية الإعلام بجامعة النجاح الوطنية بسمة معالي من قرية العوجا في أريحا، بالتقاط مئات الصور لمدن وقرى أراضي عام 1948، ونشرها على صفحتها الشخصية، وصفحة عامة أطلقت عليها اسم “ع ديارك”، بما يشبه رحلة سريعة فيما تبقى من عشرات القرى المهجرة، والمدن التي أخذت تفقد ملامحها العربية بفعل التهويد والاستيطان.

بدأت حكايتها مع تصوير مدن بلدات أراضي 48، في بداية العام 2016، حين كانت تبحث عمن يساعدها في إتمام عمل صحفي، وهو تصوير فيديو لعدة أماكن مشهورة، فكانت زيارتها الأولى في نيسان 2016.

تقول معالي: بدأت التصوير داخل أراضي 48 في أول جولة تعريفية هناك، فاتجهت صوب البلدات القديمة والحارات، والأزقة، بعد الرحلة الأولى تطورت علاقتي بالشركة السياحية المنظمة لرحلات الداخل، ووافقت على طلبي بأن أكون مصورة طلعاتهم، وبعد عدة رحلات حفظت يافا، وعكا، وحيفا.

وتضيف، تعرفت على مجموعة ناشطين من الداخل صحبوني معهم في جولات إلى القرى المهجرة، فأخذت أوثق ما تبقى منها، وأسعى من خلال تلك المشاهد إلى الوصول لمشروع توثيقي يظهر الأثر الفلسطيني، والعربي، خاصة في القرى التي هدمت بشكل كامل، اضافة إلى إبراز السمة الفلسطينية في الأبنية التي بقيت صامدة في المدن الكبيرة.

تتابع: لم تقتصر جولاتي التصويرية على ما تبقى من الأماكن المهجرة، أو المدن المختلطة، بل شملت بلدات عربية بكل ما فيها، كـ شفا عمرو، وعرعرة، وكفر مندا، والناصرة، وقمت بتصوير معظم أحيائها ونشرها على صفحة “ع ديارك” حتى يتعرف الناس عليها، وجذبني جمالها، والمساحات الخضراء، الشاسعة الممتدة في تلك البقع الجغرافية، والأديرة، والمقامات الإسلامية، والعادات، والتقاليد التي تتمتع بها، وتحافظ عليها.

تشعر معالي برضاها وفخرها بما تقوم بالتقاطه وتوثيقه، نظرا لوجود ملايين المحرومين من الوصول إلى تلك المناطق، إضافة إلى قلة الصور التي تخرج منها، وتجد متعة كبيرة في عملها، وما يضيفه لرصيدها في الحياة العملية، والخبرة الحياتية، والتعرف والتعريف بأسماء وتاريخ البلدات الفلسطينية.

تقول معالي: أجد تفاعلا كبيرا مع ما أنشره من صور، ويبدأ الناس بالسؤال عن كل صورة، والتعرف على المنطقة التي أخذت منها، ويطلب مني الكثيرون ممن يعيشون في الشتات وخاصة في لبنان والأردن التقاط بلدات تخصهم.

وصفت معالي مدينة حيفا بالأقل تماسكا، واحتفاظا بتركيبتها، ونسيجها العربي، وأن المدينة آخذة في المحو، والسلب من طبيعتها الفلسطينية، بينما كانت عكا أكثر المدن ارتباطا بتاريخها العربي، وخاصة عكا القديمة، بأبنيتها، وأسواقها، وأناسها، فيما تقف يافا في المنتصف، بين المحو والحفاظ على موروثها الثقافي والاجتماعي، وتبرز عروبتها أكثر في الأحياء التي تنتصب على ساحل البحر المتوسط، ويافا القديمة.

وفيما يتعلق بالقرى المهجرة، وجدت معالي ضالتها في توثيق ما تبقى من اللجون والطنطورة، ففي اللجون لم تجد سوى درج بيت “كيوان محاميد” الشاهد الوحيد على القرية قبل هدمها، اضافة إلى مقبرة اسلامية ما تزال باقية، وفي الطنطورة لم يتبق إلا بيت واحد وبئر ماء حلوة في داخل البحر.

تضيف معالي: حفظت أسماء أماكن كثيرة، كحارة الشيخ عبد الله وحارة المبلطة في عكا، وزرت بيت غسان كنفاني، وقمت بتصوير الفنار وهو ضوء يشير للسفن، ويعتبر أقدم من المنارة، ومنطقة مصف المركبات على ساحل عكا، وتسمى “الفاخورة”، وسفينة عائلة الحلواني وهي أضخم سفينة في عكا ولقبها “ملكة عكا”، وجامع المينا، وجامع الجزار، وجامع الزيتون، وخان العمدان، وخان الشوردة، ومدافع عكا.

وتقول: في حيفا زرت مطحنة حيفا، وجامع الاستقلال، وجامع عز الدين القسام، ومقبرته، ومحطة توليد الكهرباء في حيفا، وما تزل المدينة تحتفظ ببيوت مهدمة في واد الصليب، وفي أم الفحم عرفت أرض أم الضحاك، التي لم تكن تنبت قبل النكبة، لكن استخدام الاحتلال لأدوات ومواد حديثة، جعلها تصبح منتجة، ما دفع الأهالي الذين اتهموها بأنها ضحكت عليهم بتسميتها “أم الضحاك”.

وتتابع: تعلمت اللغة العبرية وعرفت تقسيم البلاد جغرافيا، وحفظت المسافة بين المدن، وتهجئة القرى بالشكل السليم، واستمعت لقصص تسميتها، وقمت بتصوير الفريديس وجسر الزرقاء وهي من القرى التي لم تهدم وما زالت عربية خالصة، وأقوم بتصوير كل شيء يصادفني، حتى لو كان حجرا أو شجرة، وتجذبني أكثر الأشياء القديمة والمباني التراثية والتاريخية.

تبدع بسمة معالي في اقتناص غروب الشمس على الساحل الفلسطيني، وفي جعل البحر قريبا وشهيا لكل من لم يره، تتابع نمو البلدات على الأطراف، تدخل في زحمة السير لتطول مركبة قديمة، تعكس أضواء الشوارع على الأبنية، وترمي بالبصر في الحقول.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا