الحرب الباردة تعود إلى الواجهة

بقلم: محمد فخري جلبي

يافتات الحرب الباردة علقت على جدار العلاقات المستقبلية بين واشنطن وحلفائها وموسكو وأتباعها . والمثير الكيميائي لتلك الحرب ليس فقط بشار الأسد وحربه الدموية ضد أيناء شعبه ، بل السبب الرئيس هو الرغبة الروسية الشديدة بكسر الطوق الأمريكي حول عنق الدب الروسي ، والعودة إلى الساحة الدولية بعد القضاء على هيكيلة القطب الواحد الذي يقود العالم . بالأضافة إلى تطلع النخب السياسية الروسية إلى أعادة أمجاد الأتحاد السوفيتي من خلال القيصر بوتين .
الدب قد أنتهى من ثباته الشتوي الطويل عقب أنهيار الأتحاد السوفيتي وماتبعه من حرب باردة أنهكت الروس في مختلف المجالات ، والعاملان الأساسيين بعودة الروس بتلك القوة والتعنت هو شخصية بوتين الصارمة مع الداخل والخارج ، والضعف والتبأطؤ الأمريكي خلال عهد الرئيس أوباما في معالجة القضايا الساخنة مع الروس في أوكرانيا وسوريا ( وأن كنت قد تحدثت لأكثر من مرة بأن الأدارة الأمريكية السابقة تمارس سياسة المراوغة تارة والصمت تارة أخرى مع اللاعب الروسي من أجل دفعه حتى الرمق الأخير في المستنقع السوري ليسهل القضاء عليه أو تحجيم دوره الدولي على أقرب تصور ) .
وفي شأن متصل فأن الشرارة التي أشعلت الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن هو الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون وماخلفه هذا الهجوم من تحرك أمريكي درامي أدى إلى قصف مطار الشعيرات بعشرات الصواريخ الخجولة والتي منعت القائمين على المطار من ممارسة مهامهم ليوم واحد فقط .
حيث قامت الطائرات الأسدية بمواظبة قصف المدن السورية في اليوم التالي مباشرة ضاربة عرض الحائط العقوبات الأمريكية المتمثلة بالهجوم الصاروخي ، كما أن الأسراع في تشغيل مطار الشعيرات جاء بأيعاز من الجانب الروسي لأرسال رسالة واضحة لواشنطن وحلفائها بعدم أمكانية كسر شوكة الروس في الحرب الدائرة في سوريا .
وعلى ضوء الأحداث والتصريحات المتلاحقة سوف تكون المفاوضات القادمة بين واشنطن والكرملين بطيئة ومتعثرة ومشبعة بالأتهامات المتبادلة بين الطرفين . فلقد أستبق لافروف زيارة وزير الخارجية الأمريكي ربكس تيلرسون قائلا بأن العلاقات بين البلدين في أسوء حالاتها منذ الحرب الباردة ، ليبادر وزير الخارجية الأمريكي (تيلرسون ) بأن على موسكو الأختيار بين واشنطن وبين الأسد وحزب الله وإيران ، وبالنسبة لمصير الأسد صرح تيلرسون بأن عهد الأسد وعائلته قد دنا من نهايته .
ومن خلال النافذة السورية فقد أنهالت المتاعب من كل جانب على اللاعب الروسي بعيد أستلام ترامب مقاليد الحكم وعلى عكس توقعات المحلليين السياسيين ، وقد أدت الضربات الصاروخية الأمريكية على مطار الشعيرات (إلى تخبط الروس) وأن كانت الهجمات عديمة الجدوى من الناحية العسكرية ولكنها تحمل في طياتها عدة رسائل مفادها بتحول الموقف الأمريكي تجاه الروس مما أدى إلى تصعيد متدرج خرج إلى العلن .
وضمن سياسة حشد الصفوف ضد روسيا فقد دخلت معظم الدول الأوروبية بالأضافة إلى أنقرة على خط التوتر القائم بين واشنطن وموسكو . حيث أعلن البيت الأبيض في بيان أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أجرى أتصالين هاتفيين منفصلين الأثنين مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن الضربة الجوية الأميركية في سوريا الأسبوع الماضي ، كما تم الحديث عن توحيد المسارات من أجل زيادة الضغط على الكرملين لتغيير موقفها من الأسد . وعلى الجانب التركي فقد صرح أوغلو (وزير الخارجية التركي ) الأحد أن تركيا لا تزال ملتزمة بوقف إطلاق النار الذي اتفق عليه قبل أشهر في سوريا ، لكن روسيا يجب أن تكف عن الإصرار على ضرورة بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة .
وضمن سباق ردات الفعل تجاه روسيا أعلنت كل من بريطانيا وكندا الأثنين أنه قد يحدث تشديد للعقوبات على موسكو إذا واصلت دعم الأسد .
وفي الشأن ذاته فأن أستمرارية أنحياز الروس بدعم الأسد قد خلق أجواء مشحونة مع مختلف اللاعبين الكبار على الساحة الدولية ، وقد أدت ردة الفعل الروسية على الهجوم الصاروخي على مطار الشعيرات من حرف وجهة العربة الأمريكية وأنعطافها بأقصى درجة وبشكل مفاجىء للجميع نحو التوجه إلى معاقبة الأسد في حال ألقاء البراميل المتفجرة بيد أن التهديدات السابقة كانت منحصرة في حال أستخدام الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين .
وتعقبيا على هذا التحول بالموقف الأمريكي وأغلاق مجال الفضاء السوري الفارغ حيث كان الروس يملأونه وقتما أردوا ، فقد كشف البيت الأبيض الأثنين أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستعد لوضع خط أحمر جديد للنظام السوري يتمثل بالبراميل المتفجرة ، وذلك بعد أيام على الضربة الأميركية لقاعدة عسكرية سورية ردا على هجوم بالكيماوي ، وأكد المتحدث بأسم البيت الأبيض شون سبايسر، أن ترامب مستعد لإجازة شن هجمات إضافية على أهداف عسكرية تابعة للنظام السوري، إذا استخدم الأسلحة الكيماوية مجددا، أو حتى البراميل المتفجرة .
الحرب الباردة تتصدر واجهة الأحداث ، كما أن ضجيج الهجمات الأمريكية على مطار الشعيرات وأن كانت لم تؤدي غرضها من الناحية العسكرية فقد أعادت أنعاش أمال المتابطين شرا لبوتين على خلفية أشكالية أحتلال شبه جزيرة القرم وموققه من دعم نظام الأسد للحيلولة دون سقوطه .
كما تعكس إلغاء زيارة وزير خارجية بريطانيا (جونسون) المقررة إلى موسكو السبت بسبب دعمها للنظام السوري حقيقة الموقف الأوروبي تجاه روسيا ، وجدية القارة العجوز هذه المرة بوضع حد للعنهجية الروسية المفرطة بالتعامل مع الملف السوري وغيرها من الملفات .
أما وبالنسبة للمتخوفين من نشوب حرب عالمية ثالثة وشعورهم المتزايد بالقلق من خلال التفكير بالنتائج الكارثية في حال نشوب تلك الحرب ، فأحب أن أطمئنهم بأن الأمور وأن كانت مشتعلة فهي مازالت تحت السيطرة !! فالروس يدركون حجم قوتهم وعدم أمكانية مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها . وكما أسردنا في عدة مقالات منذ بدء التدخل الروسي في الأزمة السورية واللامبالاة الأمريكية تجاه هذا التدخل من خلال المماطلة في أتخاذ القرارات الحاسمة ، والتركيز في حينها على سياسة أبناء العم السام الطويلة الأمد بأنهاك اللاعب الروسي وأستنزافه عسكريا وأقتصاديا من أجل الوصول إلى نقطة اللاعودة
في أرغام الروس على الخنوع لقرارات المجتمع الدولي ، فقد توضحت الرؤية الأن وقد وصلت مركبة العلاقات الأمريكية الروسية إلى المكان المحدد من قبل الساسة الأمريكيين ( وقد صدق حدسي عن المستقبل ) .
وما يؤيد ضعف الموقف الروسي ويكشف حالة التخبط في الأوساط السياسية الروسية (بعيدا عن الغارات الجوية الروسية عقب الهجوم على مطار الشعيرات لحفظ ماء الوجه )
هو أعلان النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية في مجلس الأتحاد الروسي فلاديمير جباروف، مساء الأثنين أن روسيا لا تنوي أستخدام القوات الجوية الفضائية ضد الصواريخ الأميركية، في حال نفذت واشنطن هجمات صاروخية جديدة ضد النظام السوري !! وأوضح قائلاً إن روسيا لا يمكنها ان تتورط في مواجهة مسلحة لأنها تهدد بحرب واسعة النطاق .
المشكلة التي يعاني منها المحللون السياسيون العرب بالأضافة إلى جمهور المتابعين للأحداث العالمية هي قصر النظر ، والتشبث بالرأي رغم وجود الدلائل والقرائن التي تدحض تلك الرؤى .
فلقد علمتنا السياسة الأمريكية من خلال متابعة الأحداث ومراجعة التاريخ بأن ليس كل مايقال هو الحقيقة !! بل أن في أغلب الأحيان بأن مالايقال هو عين الحقيقة .
فترامب المتهم بالعلاقة الغير شرعية مع الجانب الروسي وحفلات الشاي المقامة من قبل حزام (الممانعة ) والداعمين للأسد عندما تولى الأخير مقعد الرئاسة ، بالأضافة إلى تخوف جمهور المعارضة من تشكل رياح أمريكية تدغدغ اشرعة المراكب الروسية عقب تولي ترامب مقعد الرئاسة قد كشفت مدى غبائهم السياسي وضعف الرؤية المستقبلية لمجريات الأمور !! حيث أن ترامب هو الكابوس الروسي العصي على الزوال والعلاج .

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا