وثيقة حماس: تدعيم للمشروع الوطني أم تكريس للمشروع الإخواني البديل؟

بقلم: أنور رجب

في معرض رده على السؤال عن مصير ميثاق حركة حماس الذي أقرته حماس عام 1988، وهل يعتبر لاغياً في ظل الوثيقة الجديدة؟ أجاب خالد مشعل قائلاً “الميثاق صدر عام 88، والآن نحن في 2017 نصدر الوثيقة، وكل واحد منها يعبر عن مرحلته، ولا يلغي أي شيء آخر”. هذه الإجابة تحمل في ثناياها ما يثير الشكوك والريبة حول حقيقة ما تبتغيه حماس من وراء التغييرات التي حملتها الوثيقة وفي هذا التوقيت بالذات، خاصة وأنها صيغت بطريقة تتضمن الكثير من العبارات والجمل المطاطية والبنود المتناقضة التي تفتح باباً واسعاً يسمح بتأويلها وتفسيرها على أكثر من وجه، وبالتالي تسويقها في أكثر من وجهة واتجاه.
ثلاث قضايا رئيسية أثارت مساحة كبرى من النقاش والتحليل، كونها مرتبطة بطبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي أولاً (ديني أم سياسي)، وبأدوات وأشكال مواجهته ثانياً، وثالثاً علاقة حماس بجماعة الإخوان المسلمين، وهي قضايا مترابطة ببعضها فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وحجر الرحى فيها هي قضية العلاقة بين حماس وجماعة الإخوان المسلمين، كونها تعكس رؤية حماس حول مستقبل القضية الفلسطينية عبر اصطفافها ضمن المشروع الوطني أم ضمن المشروع الإخواني، وفق المعادلة “كلما ابتعدت حماس عن الاخوان اقتربت من المشروع الوطني والعكس صحيح”. ما جاء في الوثيقة وما رافقها من شرح وتفسير من خالد مشعل لا يشير بشكل قطعي لفك الارتباط بينهما، وفي هذا لدينا ما نقوله: جاء في وثيقة حماس التي اقرتها عام 88، وبشكل واضح لا لبس فيه أن حماس جناح من أجنحة الإخوان المسلمين…..، وهذا يقتضي ان يكون الاعلان عن فك الارتباط واضحاً لا لبس فيه، ان كانت حماس جادة وحاسمة في هذا الامر، كما كانت حاسمة وقاطعة في قبولها لدولة في حدود عام 67، او في توصيفها للصراع مع اسرائيل كونه ذا طابع سياسي وتراجعها عن وصفه كصراع ديني (فلسطين ارض وقف اسلامي، عبارة اختفت في الوثيقة)، وهذا ما لم يتم، اذ اكتفت بالصياغة الواردة حول تعريف الحركة بانها “حركة تحرر ومقامة وطنية فلسطينية اسلامية”، وهي صياغة لا تعبر بالمطلق عن تغيير في مضمون العلاقة مع الاخوان، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان ميثاق 88 ما زال فاعلاً، واقرار مشعل بان حماس ما زالت تنتمي الى المدرسية الفكرية للاخوان، والمشكلة بالأساس وجوهر الخلاف بين مدرسة الاخوان والمدرسة الوطنية ليست سياسية بل فكرية بحتة اساسها البنية الفكرية للاخوان القائمة على مفاهيم الحاكمية والجاهلية ذات النزعة الاستعلائية والتكفيرية التي تتناقض مع مفهومي المواطنة والشراكة وتؤصل لثقافة طائفية. وبالتالي فإن هذا التغيير لا يعدو كونه ذرا للرماد في العيون واجراء شكليا، فرضته العديد من التطورات على الساحتين الاقليمية والدولية، وفي مقدمتها ما يجرى من مناقشات ومداولات في العديد من الدول الاوروبية لوضع الجماعة على قوائم الارهاب، وتغير الادارة الاميركية التي شكلت حاضنة للاخوان في عهد اوباما، ووصول ترامب للبيت الابيض واتخاذه لموقف اقل ما يقال فيه انه موقف متشنج وحذر من الإخوان، ناهيك عن حالة التفكك والضعف التي تعتري التنظيم الدولي للإخوان.
إذاً نحن أمام استنتاجين يقود أحدهما للآخر فيما يتعلق بهذه القضية، الاول: أن حماس حسمت خيارها بالاستمرار في تبنى المشروع الاخواني الموازي والبديل للمشروع الوطني، بعد ان تركت الباب موارباً في مسألة فك ارتباطها بالاخوان. والثاني: انها تسعى من خلال هذا الاجراء الشكلي لتسويق نفسها اقليمياً ودولياً بما يضمن بقاء المشروع الإخواني الوليد في غزة بعيداً عن التهديد بعد السقوط المدوي للنماذج الإخوانية في الحكم خاصة في مصر، ومده بأسباب الحياة برعاية جهات اقليمية متعددة تتقاطع رؤيتها ومصالحها في هدم المشروع الوطني، رغم تباينها واختلافها في أمور أخرى كثيرة. وبالعودة إلى مسألة قبول حماس بدولة على خطوط الرابع من حزيران عام 67، وتراجعها عن تدمير إسرائيل وعدائها لليهود، بغض النظر عن الاستدراكات التي تلت ذلك، والتي نرى فيها لغة مزدوجة تخدم التحشيد الداخلي عبر منح الخطاب الإعلامي لحماس نوع من التمايز عن برنامج منظمة التحرير وحركة فتح، “وربما رصيد لوثائق جديدة أخرى”، وفي الوقت نفسه لكسب رضا أطراف إقليمية ودولية، وفي هذا السياق نذكَر بتصريحات وزير الخارجية التركي من واشنطن في آذار الماضي حين أكد أن تركيا مارست ضغوطاً على حماس للقبول بحل الدولتين والاعتراف بإسرائيل وإلقاء السلاح، رغم نفي حماس استجابتها لتلك الضغوط، بيد أن الوثيقة تقول غير ذلك.
إن قبول حماس بدولة على حدود عام 67، هو تطور في رؤية حماس السياسية مرحب به ومقبول على المستوى الوطني، كونه ورد في وثيقة رسمية صادرة عن الحركة بعد فترة طويلة من الاستخدام الإعلامي الموظف سياسياً (تصريحات الشيخ احمد ياسين، وخالد مشعل وآخرين من قيادة حماس)، وبالتالي من المفترض أن يجعل هذا التطور من حماس أكثر قرباً من برنامج منظمة التحرير الذي أقره المجلس الوطني عام 88، وهذا ما وصفته حماس بالصيغة التوافقية الوطنية المشتركة، ولو كان الأمر كذلك لاستجابت حماس لمبادرة الرئيس أبو مازن الأخيرة في إنهاء الانقسام، ولجنَبت أهلنا في قطاع غزة مزيداً من الكوارث والمعاناة، ولكن ما حدث كان النقيض تماماً، إذ وفي اليوم التالي لإعلان الوثيقة سيَرت حماس تظاهرات معد لها مسبقاً بهدف النيل من شرعية الرئيس ومنظمة التحرير مستغلة قضية الأسرى بطريقة دونية لتضخيم الحشود، وفي توقيت يتزامن مع زيارة الرئيس لواشنطن ولقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وأركان إدارته، وبمشاركة قيادات حماس كافة (المتشددة والأقل تشدداً)، بهدف التأثير على مخرجات هذه الزيارة بما يخدم استراتيجية حماس ومن يدور بفلكها، وتقديم نفسها كبديل يمكن التفاهم معه في ظل ما تضمنته وثيقتها الجديدة، وربما هذا ما يفسر توقيت إعلانها للوثيقة.
في ظل التناقض الواضح بين أقوال حماس وأفعالها على أرض الواقع، وما أوضحناه من تعمد حماس لإبقاء حالة من الضبابية حول حقيقة فك ارتباطها بجماعة الإخوان، وتساوقها مع مشاريع إقليمية، فانه يمكن القول وبوضوح تام ودون مواربة أن وثيقة حماس الجديدة – القديمة، لا تعدو كونها ترسيخ وتكريس لمزاحمتها لحركة فتح للسيطرة على منظمة التحرير، وقيادة المشروع الوطني باتجاه الأخونة، وهنا يجب أن تدرك حماس ومن لف لفيفها أن “حسابات الحقل ليس بالضرورة أن تتطابق مع حسابات البيدر”.
كلمة أخيرة حول المظاهرات التي سيَرتها حماس في غزة بمشاركة حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وهي انه لا يمكن فهم هذه المظاهرات وشعاراتها إلا في سياق مخرجات كواليس مؤتمر طهران الذي عقد في فبراير الماضي بمشاركة هؤلاء وغيرهم، “فاتعظوا يا أولو الألباب”.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا