الرئيسيةمتفرقاتكتابحكايات "الشاطر" لغسل مخ الغرب

حكايات “الشاطر” لغسل مخ الغرب

«الوطن» تنشر: كتاب فرنسى جديد يكشف أساليب وأكاذيب رجل «الجماعة» القوى

يبدو خيرت الشاطر، نائب المرشد العام السابق لجماعة الإخوان، دوماً لغزاً يصعب حله. كل هذا الغموض الذى يحيط بشخص يثير من المخاوف أضعاف ما يمكن أن يثير من الإعجاب، ولا نعرف عنه إلا جزءاً ضئيلاً من دوره فى محاولة إلقاء مصر فى هاوية لا يعلم مداها إلا الله. لا نعلم عن الرجل الثانى فى الجماعة إلا أنه كان القوة الحقيقية، والوقحة، فى جماعة لا تستحى من قتل من لا تحكمهم، وتحويل القتلة فيها إلى سادة وحكام. يظل خيرت الشاطر لغزاً لا يمكن إنكار دوره فى «هندسة» جماعة الإخوان، وبيعها وترويجها للعالم الخارجى ببراعة رجل أعمال لا تحكمه إلا المصلحة.

لعب «الشاطر» دوراً محورياً فى تلك المرحلة الفارقة من تاريخ الجماعة، مرحلة تقاطع فيها دوره مع عالم المخابرات والمال والأعمال والسلاح والإرهاب وسياسات الدول الكبرى. وعلى الرغم من خطورة دوره، لا تتناسب المعلومات المتاحة عن «الشاطر» أبداً مع حجم خطورته. حتى فى المصادر الغربية التى عرف عن أصحابها دقة التحرى وتقصى الحقائق، لا يبدو وكأن أحدهم قادر، أو حتى راغب، فى كشف أسرار «الشاطر». كان «الشاطر» يتحرك بشكل فعال فى لقاءاته مع قادة الرأى فى العالم الغربى، إلا أن قليلاً منهم يكشف بالصدفة عن جزء ضئيل مما دار بينه وبين نائب المرشد السابق. هل هو إدراك منهم لخطورة دوره السرى؟

هذا الكتاب الفرنسى يمثل فرصة نادرة لاختلاس نظرة إلى عقل وأساليب خيرت الشاطر التى كان يتعامل بها مع العالم الغربى، ذلك الوجه الآخر الذى كان يحاول إظهاره للعالم ليطمئنه على «مصالحه» بعد وصول الإخوان لحكم مصر. وإن كان مؤلف الكتاب، الخبير فى «حوارات» الجماعة، قد نجح فى كشف أكاذيب «الشاطر» بالمنطق أحياناً وبالدليل أحياناً أخرى. قائلاً إنه شعر من اللحظة الأولى من المقابلة أن ذلك الرجل الذى يتظاهر بالتقوى والصلاح، ويحرص على أداء صلاة الظهر فى وقتها أمام المراسلين الأجانب، هو فى حقيقة الأمر «غول»!

يحمل الكتاب الفرنسى الذى صدر مؤخراً فى الأسواق الأوروبية عنوان: «الإخوان المسلمون: تحقيق حول الأيديولوجية الشمولية الأخيرة». فبالنسبة لمؤلف الكتاب الفرنسى «مايكل بارازان»، لا يوجد فارق كبير بين الإخوان، وبين أى نظام حاكم شمولى لا يسمح بالمعارضة ولا بالحرية ولا بالتقاط الأنفاس. كان الكتاب محاولة جادة وحقيقية لتعقب الجذور الفكرية للجماعة وتأثيراتها على تحركات تنظيمها الدولى حول العالم حالياً. ومن قلب مكاتب قيادات تنظيمها الدولى ومكتب إرشادها نجح «بارازان» فيما كان يسعى إليه، وقدم لقارئه رؤية تمتد من جذور الجماعة لفروعها، فى توقيت وصلت فيه إلى ذروة قوتها، وبدت فيه أنها على شفا تحقيق كل ما كانت تحلم به منذ تأسيسها منذ عقود.

يبدو خيرت الشاطر، نائب المرشد العام السابق لجماعة الإخوان، دوماً لغزاً يصعب حله. كل هذا الغموض الذى يحيط بشخص يثير من المخاوف أضعاف ما يمكن أن يثير من الاعجاب، ولا نعرف عنه إلا جزءاً ضئيلاً من دوره فى محاولة إلقاء مصر فى هاوية لا يعلم مداها إلا الله. لا نعلم عن الرجل الثانى فى الجماعة إلا أنه كان القوة الحقيقية، والوقحة، فى جماعة لا تستحى من قتل من لا تحكمهم، وتحويل القتلة فيها إلى سادة وحكام. يظل خيرت الشاطر لغزاً لا يمكن إنكار دوره فى «هندسة» جماعة الإخوان، وبيعها وترويجها للعالم الخارجى ببراعة رجل أعمال لا تحكمه إلا المصلحة، رغم أنه لا توجد أى مصلحة للناس فى وصوله للحكم.

لعب «الشاطر» دوراً محورياً فى تلك المرحلة الفارقة من تاريخ الجماعة، مرحلة تقاطع فيها دوره مع عالم المخابرات والمال والأعمال والسلاح والإرهاب وسياسات الدول الكبرى. وعلى الرغم من خطورة دوره، لا تتناسب المعلومات المتاحة عن «الشاطر» أبداً مع حجم خطورته. حتى فى المصادر الغربية التى عرف عن أصحابها دقة التحرى وتقصى الحقائق، لا يبدو وكأن أحدهم قادر، أو حتى راغب، فى كشف أسرار «الشاطر». كان «الشاطر» يتحرك بشكل فعال فى لقاءاته مع قادة الرأى فى العالم الغربى، إلا أن قليلاً منهم يكشف بالصدفة عن جزء ضئيل مما دار بينه وبين نائب المرشد السابق. هل هو خوف من «الشاطر» أم إدراك لخطورة دوره السرى؟

هذا الكتاب الفرنسى يمثل فرصة نادرة لاختلاس نظرة إلى عقل وأساليب خيرت الشاطر التى كان يتعامل بها مع العالم الغربى، ذلك الوجه الآخر الذى كان يحاول إظهاره للعالم ليطمئنه على «مصالحه» بعد وصول الإخوان لحكم مصر. وإن كان مؤلف الكتاب، الخبير فى «حوارات» الجماعة، قد نجح فى كشف أكاذيب «الشاطر» بالمنطق أحياناً وبالدليل أحياناً أخرى. قائلاً إنه شعر من اللحظة الأولى من المقابلة أن ذلك الرجل الذى يتظاهر بالتقوى والصلاح، ويحرص على أداء صلاة الظهر فى وقتها أمام المراسلين الأجانب، هو فى حقيقة الأمر «غول»!

يحمل الكتاب الفرنسى الذى صدر مؤخراً فى الأسواق الأوروبية عنوان: «الإخوان المسلمون: تحقيق حول الأيديولوجية الشمولية الأخيرة». فبالنسبة لمؤلف الكتاب الفرنسى «مايكل بارازان»، لا يوجد فارق كبير بين الإخوان، وبين أى نظام حاكم شمولى لا يسمح بالمعارضة ولا بالحرية ولا بالتقاط الأنفاس. كان الكتاب محاولة جادة وحقيقية لتعقب الجذور الفكرية للجماعة وتأثيراتها على تحركات تنظيمها الدولى حول العالم حالياً. ومن قلب مكاتب قيادات تنظيمها الدولى ومكتب إرشادها نجح «بارازان» فيما كان يسعى إليه، وقدم لقارئه رؤية تمتد من جذور الجماعة لفروعها، فى توقيت وصلت فيه إلى ذروة قوتها، وبدت فيه أنها على شفا تحقيق كل ما كانت تحلم به منذ تأسيسها منذ عقود.

تكشف قراءة كتاب «بارازان» عن وجود تناقضات وصراعات واختلافات كثيرة فى قلب جسد الجماعة المستشرى كالسرطان فى ٨٠ دولة حول العالم. وإن كان أكثر ما قد يهمنا فيه، هو ذلك الجزء الذى جاء فيه إلى القاهرة فى ٢٠١٢، قبل فترة وجيزة من تسلم محمد مرسى حكم مصر. وبين جولات عديدة فى مكاتب قيادات مكتب الإرشاد، أدرك «بارازان» ببساطة أن العقل المدبر الحقيقى للإخوان هو نائب المرشد، خيرت الشاطر، فأفرد صفحات عديدة من كتابه للحديث عنه، ونقل آراءه حول العديد من القضايا التى كان العالم مهتماً بمعرفة موقف الإخوان بشأنها. إلا أنه لم يكتفِ بدور الناقل المحايد (أو الأبله) لكل ما يريد «الشاطر» توصيله للعالم من خلال مراسليه. تدخل «بارازان» بالتعليق، والدليل، والحل والعقد فى كل ما كان يقوله «الشاطر» فى نفس الوقت الذى حرص فيه على إتاحة المجال كاملاً أمامه لكى يعبر عن وجهة نظره. ومن كلام «الشاطر» نفسه، وبلسانه، التف حبل الأكاذيب حول صاحبه، وكشف عن تخبطه أحياناً، وعن خطورته أحياناً أخرى، وعن كذبه وجهله أحياناً ثالثة، وهى كلها أمور تستحق أن نعرفها عن ذلك «الغول» الذى كان يحكم مصر لعام من الكواليس، كما يصفه «بارازان».

يقول «مايكل بارازان» فى كتابه عن خيرت الشاطر والإخوان: فى مقر شركته القديم بمدينة نصر، فى مكان غير بعيد عن الاستاد الذى تم فيه اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات، كان لقائى بـ«خيرت الشاطر»، نائب المرشد العام للإخوان وقتها، والرجل الثانى، والقوة الحقيقية فيها، وذلك فى أبريل ٢٠١٢.

ويتابع: «كان هذا الملياردير، الذى كون ثروته من صناعة النسيج، يجسد الجيل الثانى فى الجماعة. كان عملاقاً، ضخم الجثة، يقارب المترين طولاً، وكان لقاؤنا قبل قليل من موعد صلاة الظهر، وهى الصلاة التى قرر أن يؤديها أمامى وسط موظفى شركته. والواقع أن ذلك الرجل ذا الـ٦٢ عاماً، بلحيته الكثة وصوته المزلزل وبنيانه الذى يشبه بنيان لاعب رياضى قوى، بدا وكأنه يتصور نفسه مثل الغول فى قصص الأطفال عندنا».

كان خيرت الشاطر يدير البلاد من وراء الكواليس منذ انتخاب محمد مرسى رئيساً للجمهورية. وذلك بعد أن سيطر فعلياً على مكتب الإرشاد العجوز الذى غلب عليه القطاع الأكثر تشدداً فى الإخوان، وانهمك «الشاطر» لسنوات عديدة فى نفض الغبار عن قيادة الجماعة، دافعاً مرشدها السابق، محمد مهدى عاكف، إلى الاستقالة من منصبه فى سابقة لم يكن لها مثيل من قبل. كان «الشاطر» سياسياً محنكاً، يدرك تماماً أن السياق الدولى قد تغير منذ أحداث ١١ سبتمبر، وتغير بدرجة أشد بعد سقوط الديكتاتوريات فى الشرق الأوسط. وكان يفهم تماماً أن الغرب لا يعجبه على الإطلاق تلك النبرة التى كان يتحدث بها مهدى عاكف، خاصة إنكاره العلنى للمحرقة التى تعرض لها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. إلا أن ذلك لا يعنى بالضرورة أنه توجد فوارق حقيقية تحت القشرة الظاهرة بين المرشد العام السابق والرجل الثانى فى الجماعة. كل ما فى الأمر أن «الشاطر» أدرك أنه فى هذه المرحلة سيكون من الأفضل حفظ اللسان، ووضع حد للتصريحات التى يمكن أن تفزع السياح وأصحاب المنح الأمريكية.

نجح خيرت الشاطر فى تحويل الجماعة إلى آلة لكسب الانتخابات، وجزء من الحكومة. تم الحكم عليه بالسجن ٥ سنوات فى ١٩٩٥، وبسبع سنوات بعدها فى ٢٠٠٧ بتهم تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، وتم إطلاق سراحه فى ٢٠١١، إلا أن قبول ترشح الملياردير الإخوانى لرئاسة الجمهورية ظل أمراً غير مؤكد حتى آخر لحظة، نظراً لأن المرشحين للمناصب العليا فى مصر لا بد أن تكون لديهم صحيفة حالة جنائية نظيفة. وبعد معركة قانونية، أعلن محامى الجماعة أن «الشاطر» لا تعنيه هذه الإجراءات لأن العملية كلها تحت إشراف المجلس العسكرى الذى كان يدير المرحلة الانتقالية فى مصر. وانتهى الأمر بأن تم رفض ترشحه نهائياً فى مارس ٢٠١٢. ورغماً عن إرادته ترك «الشاطر» الفرصة لمحمد مرسى. الذى تم انتخابه فى ٢٤ يونيو بأغلبية ٥١٫٧٪ ضد منافسه أحمد شفيق. وسيطرت الجماعة بالكامل على السلطة السياسية فى مصر بعد تحكمها فى مجلس الشعب فى الانتخابات التشريعية التى جرت فى أوائل ٢٠١٢.

ويضيف: فى تلك الفترة، تحول خيرت الشاطر إلى شعلة من النشاط، ساعياً بأقصى طاقته إلى طمأنة الدول الغربية. بدا أنه رجل عملى براجماتى أكثر من كونه صاحب فكر، وكان يسعى لجلب رؤوس الأموال الغربية والسياحة إلى البلاد التى تعانى من حالة عدم استقرار وبؤس أسود منذ الربيع العربى فى ٢٠١١.

ويواصل «بارازان»: بدأ لقائى بخيرت الشاطر بعد انتهائه من أداء صلاة الظهر. دعانى إلى مكتبه ليروى لى سيرته السياسية. قال لى: بدأت خطواتى الأولى خلال حكم «عبدالناصر»، بانضمامى إلى الحركة الاشتراكية. فى عام ١٩٦٦ التحقت بمنظمة الشباب الاشتراكى التى كانت وقتها تحت إشراف الدولة. لقد وعد «عبدالناصر» الناس ببناء دولة قوية، حديثة، ولديها اكتفاء ذاتى، إلا أن هزيمة ١٩٦٧ أثبتت أن الدولة غير قادرة على الحفاظ على هذا التعهد. كان هذا هو ما قادنى من الناحية الفكرية والأيديولوجية إلى التيار الإسلامى. اكتشفت جماعة الإخوان وتطلعاتهم بإعادة بعث البلاد على أسس وقواعد إسلامية. درست أفكارهم وأساليبهم. وظللت من وقتها مخلصاً لتلك الأفكار، الأمر الذى سبب لى مضايقات كثيرة تحت حكم «مبارك».

وتابع «الشاطر»: «عندما أنهيت دراستى الجامعية فى ١٩٧٤، ذهبت لتدريس الهندسة فى جامعة المنصورة، وانضممت للجماعة فى نفس العام. منذ بداياتى فى عالم السياسة وأنا أطارد حلماً بمصر حديثة على المستويين الاجتماعى والاقتصادى، تمنح الحرية والعدالة والكرامة لكل مواطنيها على حد سواء أياً كان انتماؤهم الدينى أو العرقى. مصر القوية فى مجالات الصناعة والزراعة والاقتصاد. كنت أتصور فى البداية أنه من الممكن الوصول إلى ذلك من خلال الاشتراكية. لكن، ومنذ عام ١٩٦٧، رأيت أنه من أجل بناء تلك الدولة، لا بد من العودة لقاعدة إسلامية. لقد طور الفرنسيون بلادهم بالاعتماد على الرأسمالية والليبرالية، واتجه السوفيت ودول أوروبا الشرقية فى القرن العشرين للاعتماد على الشيوعية والاشتراكية، ونحن اليوم هنا نحلم بدولة تقوم على أسس الإسلام».

ويواصل «بارازان»: هنا قررت أن أثير معه مسألة لجوء الجماعة لاستخدام العنف، وهى السمة التى ميزت الجماعة منذ نشأتها، وصارت سياسة تتبعها الفروع الدولية لها مثل حركة «حماس» فى غزة، إلا أن «الشاطر» رفض سؤالى بإشارة من يده مؤكداً أن «الجماعة تنبذ العنف، وأن الإخوان تبنوا منهجاً سلمياً للتأثير فى مجريات الأمور، كما أننا ننخرط فى إعادة تشكيل البلاد فى ضوء فهمنا للإسلام. يمكننا أن نناقش، أن نضغط، أن نشارك فى الانتخابات، أن ننظم مظاهرات سلمية، إلا أننا نرفض بشكل حازم اللجوء للعنف بكل أشكاله. ومن الخطأ القول إننا كنا نشجع عليه فى أى فترة من تاريخنا، هذه لم تكن الحالة أبداً لا فى الماضى ولا الآن، ولن يكون الأمر كذلك أبداً فى المستقبل، لسبب بسيط، هو أن مثل هذا السلوك سوف يتعارض مع فهمنا للإسلام.

ويضيف المؤلف: سألته عن تورط الجماعة فى اغتيال «السادات»، إلا أن نائب المرشد العام بدا أكثر حزماً فى إجابته، أكثر من كونه منطقياً فى رده. ردد أن الجماعة غير متورطة فى الاغتيال لأن كثيراً من كوادرها هربوا منها إلى السعودية كما فعل هو نفسه. كما أن قرار الدولة بإلقاء القبض على عناصر الإخوان الذين ظلوا داخل البلاد هو أمر يرجع لحالة الطوارئ التى كانت مفروضة فيها، وأضاف «الشاطر»: حتى لو كانت لدينا تحفظات مشروعة على سياسة «السادات»، فنحن لم نشارك فى عملية اغتياله. وعندما تم اغتياله على يد جماعة الجهاد فى ١٩٨١، كنت ساعتها فى المملكة العربية السعودية أؤدى فريضة الحج مع أسرتى. وعلمت هناك أن مجموعة من رجال الشرطة ذهبوا إلى منزلى لإلقاء القبض علىّ. فى النظم الديكتاتورية، مثل مصر، ومع كل عملية انتقال للسلطة، يتم إلقاء القبض بشكل منهجى ودورى على أعداد تتراوح ما بين ٢٠ ألفاً إلى ٣٠ ألف ناشط سياسى ويتم إلقاؤهم فى السجون حتى يتم استقرار الوضع. كان الإخوان ضحايا دائمين لهذه الممارسات، لم تكن هناك تهم موجهة ضدنا، ولم تتم محاكمتنا، كان ذلك إجراءً أمنياً احترازياً فرضته حالة الطوارئ. وفى ذلك السياق، رأيت أنه من الأفضل ألا أعود إلى مصر، فبقيت لعدة أشهر فى المملكة العربية السعودية، ثم فى الأردن، وقضيت بعدها ما يقرب من العام فى اليمن. كنت أتنقل بشكل دائم لكى أتمكن من العمل لرعاية أسرتى، وبعدها بفترة قصيرة، أتيحت لى الفرصة لكى أعد رسالة الدكتوراه الخاصة بى فى المملكة المتحدة، وعدت إلى مصر فى نهايات عام ١٩٨٦ وبداية ١٩٨٧. كان «مبارك» قد أصبح رئيساً منذ عدة أعوام وقتها، واستعدت وقتها عملى فى مجال الأعمال ونشاطى السياسى.

ويقول المؤلف: وصلت عند هذه النقطة لسؤاله عن التوسع الذى شهدته الجماعة فى سنواتها الأخيرة، خاصة ما يتعلق بفروع التنظيم الدولى لها: إلى أى مدى يصل اعتماد الفروع الدولية لتنظيم الإخوان على الجماعة الأم فى مصر؟ من الذى يحدد السياسات؟ ومن الذى يرسم الخط الذى يسير عليه الإخوان خارج مصر؟ قلت له: «يقال إن مكتب الإرشاد هو الذى يوجه التعليمات أو على الأقل هو الذى يحدد المسار السياسى لفروع جماعة الإخوان فيما يقرب من ٨٠ دولة، هل هذا صحيح؟». رد «الشاطر» بهدوء: «إن رؤية جماعة الإخوان موجودة فى عشرات الدول، وحتى لو كان هناك رابط فكرى وأيديولوجى يجمع بيننا، إلا أنه لا يوجد أى رابط تنظيمى يجمعنا. هناك إطار عام، نموذج أيديولوجى، لكن كل جماعة تقوم بتطبيقه فى بلدها بطريقتها. هذا لا يعنى أن الإخوان فى فرنسا أو فى أوروبا سوف يسعون لإقامة نظم حكم إسلامية فى بلادهم. كل ما يطمحون إليه هو الحرص على أن تحافظ الأقليات الإسلامية على هويتها الدينية فى تلك الدول. إن مهمتهم تختلف تماماً عن مهمة الإخوان فى مصر. إننى أعيد تكرار الأمر حتى لا يكون هناك أى لبس: عندما يكون الإخوان نشطين فى دولة ما يمثل المسلمون أقلية فيها، فإن هدفهم يقتصر على حماية حقوقهم. إن المشهد السياسى يتغير فى دول أخرى، لكننا نحن كإخوان مصر، لا نملك أى حق فى لعب دور فى الحياة السياسية لديهم، ولا فى اختيار وتعيين ممثليهم. إنها قاعدة ذهبية لدينا، والواقع أن هناك تشابهاً كبيراً بيننا وبين حركة الاشتراكية الدولية فى أوروبا. صحيح أن هناك تقارباً إنسانياً وأيديولوجياً بين الحركات التى تعلن انتماءها للإخوان، لكن على المستوى التنظيمى والإدارى، لكل منها استقلاليتها التامة».

انتهى كلام «الشاطر» ليبدأ رد المؤلف الفرنسى عليه فى تلك النقطة. قال: علمت جانباً آخر من الأمر من جهادى تائب كان ينتمى لتنظيم القاعدة اسمه «نعمان بن عتمان»، التقيت به فى لندن. ووفقاً لنعمان، فإن تنظيم الإخوان يتميز بالمركزية الشديدة، وخلال الأعوام العشرة التى كان ينتمى فيها «بن عتمان» للمنظمة الجهادية، التقى بعدة ممثلين للجماعة فى الخارج. وهو يؤكد أنه لا يوجد قرار يتم اتخاذه، ولا تعيين يتم إقراره فى أى فرع للتنظيم الدولى فى الخارج بغير الحصول على الضوء الأخضر بالموافقة من مكتب الإرشاد فى مصر. ويواصل الجهادى التائب: «حتى اليوم، لا يعترف الإخوان رسمياً بوجود تنظيمهم على المستوى الدولى. هم ينكرون فكرة وجود تنظيمات مرتبطة بهم فى العراق وتونس والمغرب وحتى فى مصر نفسها. ويرددون دائماً: هذا أمر غير موجود! هذا مجرد اختلاق!، لكننا نعلم جميعاً على وجه اليقين أن ذلك أمر حقيقى وموجود». ويتابع المؤلف: وللتأكيد على وجهة نظره، أخبرنى نعمان بن عتمان أنه بين عامى ١٩٩٢ و١٩٩٦، عندما كان كل من أسامة بن لادن، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، ونائبه أيمن الظواهرى، فى السودان تحت حماية الإخوانى القوى «حسن الترابى»، أثار ذلك الأخير علناً مسألة الهيمنة المصرية على مكتب الإرشاد. لقد كان «الترابى» معارضاً لفكرة مكتب الإرشاد الكامن فى القاهرة والذى يتولى مهمة إدارة شئون الإخوان فى العالم كله، وكان يسخر باستمرار من كون منصب المرشد العام منذ أن وجد محفوظاً للمصريين وحدهم، قائلاً: «هذا أمر ليس له معنى! لماذا لا بد أن يكون المرشد العام دائماً مصرياً؟ تخيل لو كان أحد أعضاء الإخوان عبقرياً حقيقياً لكنه يحمل الجنسية الكويتية مثلاً، لماذا لا يتم ترشيحه ليصبح على رأس الإخوان، لماذا يتم حرمانه من هذه الفرصة؟».

ويذكر «بن عتمان» أن خلافاً وجدلاً أثير فى هذه الفترة حول مسألة الخلافة. فمن المفترض وفقاً لحديث صحيح أن يكون زعيم أى خلافة مفترضة بعد أن يتم إعادة إقامتها، رجلاً ينتمى إلى قبيلة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهى قبيلة «قريش»، واتهم «الترابى» إخوان مصر بأنهم يريدون أن يكون منهم خليفة فوق أو بدلاً من الخليفة الشرعى. قال لهم «الترابى» لو أنكم رجعتم إلى هذا الحديث لاعترفتم أن قبيلة الخليفة هى من مكة وليست من مصر. لقد كان «الترابى» بطبيعته غير قابل للسيطرة عليه. كان مفكراً قبل أى شىء، ولو أنه كف عن التفكير لصار له شأن آخر، لكنه كان بحاجة دائمة لحريته، لذلك كان من الصعب تصغيره ليلائم حجم الكوادر التى يفضلها الإخوان، وهى الكوادر التى تتبع قواعد صارمة، وتلتزم ببرنامج لا بد من تطبيقه حرفياً. وتكررت هذه الخلافات بين إخوان مصر وإخوان رافضين لسيطرتهم عليهم فى دول أخرى فى أكثر من بلد.

عاد مؤلف الكتاب بعدها إلى حواره مع خيرت الشاطر، الذى بدأ يروى له خطوات الإخوان الأولى لتدعيم سلطتهم بعد وصولهم للحكم، والتى وضع فيها بنفسه خطوات الدبلوماسية الإخوانية فى التعامل مع العالم. قال «الشاطر» لـ«مؤلف الكتاب»: «عندما قامت الثورة، وترك «مبارك» الحكم، وعادت إلينا حريتنا، بدأت العديد من الدول فى الاتصال بنا. بدأ الأمر بالصحفيين والمراكز الفكرية والبحثية، بعض رجال السياسة، وعدة شخصيات من المجتمع المدنى. كان الأوروبيون هم أول من اتصل بنا بعد أيام قليلة من الثورة، وبدأ ذلك من خلال شخص أو شخصين على الأكثر. ووصل بنا الحال سريعاً إلى أن تصل لقاءاتنا معهم إلى ١٥ لقاءً فى اليوم!. الكل كان يريد أن يعرف من هم الإخوان، وما هو موقفهم من العديد من القضايا المتنوعة، منها مثلاً موقفنا من الأقباط، ومن اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، وأحوال المرأة والاقتصاد».

ويتابع المؤلف: «من بعد الصحفيين الأوروبيين بدأت الوفود الرسمية فى اتصالاتها، وبدأت المبادرات السرية تأتى من مختلف القنصليات الأجنبية فى مصر»، يقول «الشاطر» فى حوارنا: «لحق السفراء الأجانب بالصحافة والباحثين فى مراكز الدراسات السياسية ورجال الاقتصاد. جاء سفير فرنسا لزيارتى. والتقى عدة مرات بالمرشد العام، وتلاه سفراء بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وفنلندا والنرويج والدانمارك والسويد وسويسرا. من بعدها جاء عدد من الوزراء الأوروبيين لزيارتنا، كان منهم وزير الدولة البريطانى لشئون الشرق الأدنى، ووزير الخارجية النرويجى، وكذلك عدد من رؤساء الأحزاب الأجانب سواء المعارضة أو تلك الموجودة فى السلطة، دون أن ننسى بالطبع زيارات النواب البرلمانيين الأوروبيين».

ويضيف «الشاطر» فى حواره مع مؤلف الكتاب: «بدأت مرحلة جديدة عندما وجه لنا هؤلاء الدعوة لزيارة أوروبا. وبعد شهرين من الثورة، جاء الدور على شركات التمويل الدولى الكبرى مثل (مورجان ستانلى) للتواصل معنا، وكذلك ممثلو البنوك الكبرى الألمانية والفرنسية. كان رجال التمويل يريدون مناقشة تأثير وجود الإخوان على الساحة السياسية المصرية، وعلى الاقتصاد العالمى ككل. وجاء من بعدهم دور الآسيويين من اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا، وكلهم كانوا يطرحون نفس الأسئلة التى طرحها علينا الأوروبيون من قبل. التقينا حتى بسياسيين من الصين وجهوا لنا الدعوة لزيارة بلادهم. أما الأمريكان فكانوا آخر من اتصل بنا». كانت تلك هى اللحظة التى قرر فيها مؤلف الكتاب أن ينتقل لكشف حقيقة اتصالات الإخوان مع الأمريكان، وتوضيح موقف الإدارة الأمريكية منهم ومن فكرة وصولهم للسلطة. قال: «أعاد الأمريكان إطلاق شراكتهم مع الإخوان منذ منتصف الألفينيات، فى إطار اهتمامهم بالتعامل مع حركات المعارضة ضد الديكتاتوريات الحاكمة فى الشرق الأوسط. كانت هجمات ١١ سبتمبر قد ألقت بظلالها من دون شك، إلا أن الولايات المتحدة، إضافة إلى عدد كبير من الدول الغربية، قررت أن تتعامل مع الإخوان على أنهم من «المعتدلين»، ويمثلون بديلاً أفضل للإرهابيين. رأت أيضاً أنه من الأفضل الاعتماد على الإخوان لكبح جماح الجماعات الأكثر تطرفاً بدلاً من الاعتماد على القوى الديمقراطية «الافتراضية».

ويتابع المؤلف: «وفقاً لخبراء وزارة الخارجية الأمريكية، فإن الجماعة لا تشجع على الإرهاب، وهى الوحيدة القادرة على إفراغ شعبية الجماعات الإرهابية من خلال توجهها مباشرة لرجل الشارع المسلم العادى. والواقع أنه كانت هناك تحفظات بعينها ضد الإخوان فى قلب دوائر معينة من المباحث الفيدرالية الأمريكية الذين يتولون التحقيقات حول التحركات والجماعات الجهادية، إلا أن خبراء وزارة الخارجية والمخابرات المركزية الأمريكية الذين كانوا واثقين من اختيارهم للإخوان، رفضوا الاستماع لهم».

ويواصل: صار الأمر أكثر إحكاماً ويحظى بدعم أكبر تحت إدارة «باراك أوباما»، وقرر الأمريكان تقديم دعم مادى للإخوان، من خلال منظماتهم وممثليهم فى أمريكا وأوروبا، وبدأت المخابرات المركزية الأمريكية تستأنف علاقاتها التى كانت تقيمها مع الإخوان فى الخمسينات، وتضع خططاً وتقارير تفصل خطواتها للتعامل والعلاقات المستقبلية معهم. كان أحد هذه التقارير يحمل عنوان: «الإخوان: اللاعب الأساسى فى تيار الإسلام السياسى فى أوروبا». كان هذا التقرير يرى أن الحركات ذات الصلة بجماعة الإخوان سوف تلعب دوراً محورياً لا شك فيه فى رسم مستقبل الإسلام السياسى فى أوروبا. وقدم فريق إدارة «أوباما» دعمه الصريح للإخوان من خلال تعيين مازن الصباحى، الذى يمتلك صلات وثيقة من منظمات قريبة من الإخوان، منسقاً للتواصل مع المسلمين خلال حملة أوباما الرئاسية. وفى يناير ٢٠٠٩، قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتمويل زيارة بعض القادة المسلمين الألمان فى أحد مقرات جمعيات الإخوان فى أمريكا. وهو المعهد العالمى للفكر الإسلامى.

ويضيف الكتاب: لم ينجح كثيرون فى فهم موقف الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة التى تمتد من ثورة يناير وحتى سقوط «مرسى» عن حكم مصر، والسبب أن موقفاً كان من الصعب قراءته بالفعل. كانت الإدارة الأمريكية ممزقة تماماً بين التحليلات السياسية والاستخباراتية والمخاوف المتعارضة والمتناقضة من كل الأطراف. لقد رأت أمريكا، فى إطار سياسة الأمر الواقع التى تتعامل بها، أن تقوم بتمويل منظمات إخوانية معينة مزروعة فى الدول الغربية من أجل مراقبتها والتحكم فيها بشكل أفضل. إلا أن مراقبة الإخوان وهم يصلون إلى حكم أكبر دولة مكتظة بالسكان فى الشرق الأوسط كانت تمثل تحدياً آخر تماماً. للوهلة الأولى لم يعرف الأمريكان بماذا يفكرون ولا كيف يتصرفون. وعلى الرغم من تحفظهم المتزايد ضد «مبارك» الذين رأوا سلطته تتداعى يوماً بعد يوم فى السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من الدعم المادى الذى كانوا يقدمونه للإخوان، فإن الأمريكان لم يكونوا راغبين تماماً فى وصول الإخوان للحكم فى مصر، ولم يكونوا على قلب رجل واحد فى هذا الصدد. كان هناك كثير من عملاء الاستخبارات الأمريكية، والمتخصصين فى شئون العالم الإسلامى، ومراكز الدراسات فى واشنطن، يدركون تماماً أن الإخوان ليسوا بهذا «الاعتدال» الذى تروج له بعض دوائر وزارة الخارجية الأمريكية، وأنهم يملكون أدوات ووسائل لزعزعة استقرار المنطقة بعنف.

ويواصل الكتاب: لكن على ما يبدو، بدأ الأمريكان يشعرون بالخجل من موقفهم المستمر منذ أيام الحرب الباردة، والقائم على دعم الأنظمة الديكتاتورية باسم الحفاظ على المصالح الأمريكية، كما أنهم شعروا بحاجتهم لدعم الديمقراطية التى ينص عليها دستورهم ولكن فى الدول الأخرى، خاصة بين الشعوب العربية التى اكتوت بسياسات الرئيس الأمريكى السابق «جورج بوش الابن». وبدا بالنسبة للأمريكان أنه لا بد من التعامل مع الإخوان، سواء أعجبهم الأمر أم لم يعجبهم، ما داموا هم الذين وصلوا للحكم بانتخابات ديمقراطية فى يونيو ٢٠١٢. تلك هى على الأقل، وجهة النظر التى يروج لها خيرت الشاطر، قال لى خلال حواره معى: «لم يتصل بنا الأمريكان إلا بعد أن رأوا نتائج الانتخابات البرلمانية، بعد أن شاهدوا فوزنا بـ٤٧٫٢٪ من مقاعد البرلمان، التقينا بممثلين للسفارة الأمريكية فى القاهرة، وجاءت شخصيات على أعلى مستوى من الولايات المتحدة لزيارتنا، التقينا بالسيناتور الجمهورى «جون ماكين» و«جون كيرى»، وخمسة أعضاء آخرين من الكونجرس، أعتقد أنهم ما زالوا فى مرحلة الاستكشاف، ومن الواضح أنهم لا يثقون كثيراً بنا، على الرغم من أننا أوضحنا تماماً أننا ننوى احترام كل الاتفاقيات التى وقعتها الدولة المصرية من قبل. نحن نريد دولة حقوق، ونحن ندرك تماماً أنه من غير الممكن إلغاء كل شىء بعد سقوط النظام السابق، أياً ما كانت وجهة نظرنا حول «مبارك» أو اتفاقيات تصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل، أو اتفاقيات كامب ديفيد. هذا أمر طبيعى، سيكون من غير الممكن مثلاً، التفكير فى أن الرئيس الفرنسى المقبل سوف يقوم بإلغاء الاتفاقيات التى وقعتها بلاده تحت حكم الرئيس السابق نيكولا ساركوزى، مثلاً. أليس كذلك؟ لو حدث ذلك فلن تخاطر أى دولة بالتوقيع على أى اتفاقيات جديدة معنا خوفاً من أن ترى إلغاءها مع أول تغير قادم.

ويواصل المؤلف: قال خيرت الشاطر قوله هذا، ثم غاص فى مقعده الجلدى الوثير وراء مكتبه فى مقر شركته الرئيسى، والواقع أننى فى تلك اللحظة التى رأيته فيها منتفخاً بغروره وخيلائه، واثقاً من سلطته وتأثيره، لم يخطر ببالى قط أنه بعد عام واحد من لقائنا، سيجتاح المتظاهرون الغاضبون بيته مطالبين بإسقاط «مرسى» ودستوره وإخوانه. لم أجرؤ على التفكير بأن ذلك الرجل الذى كان يريد تقديم نفسه فى أفضل صورة، باعتباره رجل السياسة البراجماتية، العملى والمسئول، كان يقود بلاده إلى الهاوية، قبل أن يتم وقفه عند حده وإلقاء القبض عليه كأى متشرد من الشوارع، وإلقاؤه فى السجن بعدها فى الأيام الأولى لشهر يوليو ٢٠١٣».

عاد المؤلف بعدها لتتبع خط الاتصالات بين الإخوان والأمريكان فى تلك السنوات الثلاث الحرجة من حكم مصر، مقدماً التفاصيل الحقيقية، وليس حكايات «الشاطر» التى يريد إقناع الناس بها. قال المؤلف الفرنسى: «تجاوز الأمريكان مرحلة الارتباك وعدم اليقين التى كانوا فيها بعد الثورة، وبدأ المسئولون فى أمريكا يسعون لكى يؤكدوا للإخوان دعمهم الكامل لهم، من خلال الاستعانة بوسطاء بين الطرفين. كانت الأولوية القصوى لتأمين المعاهدات التى تم توقيعها مع إسرائيل، وتلك الخاصة بالشراكة الاستراتيجية مع مصر. وقبل حتى أن يتم انتخاب محمد مرسى رئيساً للجمهورية، كانت هناك لقاءات سرية تعقد برعاية حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا الذى يتزعمه رجب طيب أردوغان. فى تلك اللقاءات، كان جون كيرى، الذى أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية الأمريكية، وعدد من قيادات الصف الأول فى السلطة التنفيذية الأمريكية يعقدون لقاءاتهم مع الإسلاميين. كان كل طرف فى هذه اللقاءات حريصاً على تأمين مصالحه. أراد الأمريكان أن ينتزعوا من الإخوان المصريين تعهدات للحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى يعتبرونها دعامة الاستقرار فى المنطقة. ومقابل ذلك، قدم الأمريكان للإخوان دعماً مادياً يقدر بـ٤٥٠ مليون دولار، إضافة إلى المعونة الأمريكية السنوية لمصر، التى تقدر بـ١٫٣ مليار دولار والموجهة فى غالبيتها للقطاع الأمنى».

ويواصل الكتاب: «والواقع أنه لو أعدنا النظر للوراء، لوجدنا أن تلك كانت هى اللحظة التى بدأ فيها فساد وانهيار كل شىء. كانت الشراكة بين الإخوان والأمريكا شراكة تم توقيعها على عجل، وأيضاً دون أن يطمئن كل طرف تماماً للآخر. بل ويمكن القول حتى إن هذه الشراكة كانت أحد الأسباب التى أدت لسقوط (مرسى) بعد أقل من عام واحد من الحكم. لا أحد يمكنه أن ينكر أو يتجاهل مشاعر العداء لأمريكا التى تسيطر على قطاعات عريضة من قواعد الإخوان، والأهم، من حلفائهم من السلفيين. وهو شعور متزايد بشكل أكبر فى قلب الشعب المصرى والعالم العربى بشكل عام. تسببت الشراكة بين الإخوان والأمريكان بعد الثورة فى تكوين (سرطان) ظل يستشرى طيلة فترة حكم (مرسى)، وفرض عليه أن تكون هناك فجوة بين ما يتوقعه الأمريكان منه، وما تتوقعه القاعدة العريضة من مؤيدى الإخوان. كان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل فى هذه الفترة تبنى سياسة متماسكة للبلاد، ترضى الأمريكان وترضى فى الوقت نفسه أكثر أعدائهم تطرفاً، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل». ويتابع المؤلف الفرنسى: كان من الممكن أن يظل الإخوان يؤكدون لقواعدهم الشعبية، وللسلفيين، ولـ«إخوانهم» فى حركة «حماس» أنهم يتحركون لخدمة قضيتهم الكبرى: الحفاظ على وجودهم فى السلطة، وتفادى مواجهة الدولة العبرية التى لا مفر منها، وأن الشراكة مع الولايات المتحدة كانت هى أفضل وسيلة لكسب الوقت، بهدف إعادة إقامة الخلافة الإسلامية، إلا أن الإخوان لم يكونوا قادرين على احتواء حالة السخط التى بدأت تتزايد فى داخلهم ومن حولهم، ولأسباب مختلفة وعلى طرفى نقيض فى معظم الوقت بين قطاعات عريضة من الشعب المصرى. خاصة أنه مع بداية حكم «مرسى»، بدا الأمر وكأن كل أوراق اللعبة قد احترقت بالفعل، وصارت هناك قوى إقليمية أخرى، تتزاحم على المشهد السياسى العالمى، محاولة فرض سيطرتها، وقلب موازين القوى، وفرض واقع جديد عبر الاستفادة من المعطيات الجديدة للموقف الإقليمى، وكان على رأس هذه القوى كل من تركيا وقطر وإيران.

هذا الوضع الذى حدث على الأرض، كان يختلف تماماً عن الكلام الذى كان يروج له خيرت الشاطر خلال لقائه مع مؤلف الكتاب الفرنسى، عندما أخذ يحدثه عن مشروع «الولايات المتحدة العربية» الذى يحلم به. يقول مؤلف الكتاب: خلال لقائى مع خيرت الشاطر، ظل يتحدث طويلاً عن رفضه لإصرار الغرب على فرض مصطلحاته وقيمه، قائلاً: «لماذا لا بد لنا أن نعرف الاتحاد الأوروبى بذلك التوصيف والمصطلح الذى تفرضونه علينا؟ يمكننا مثلاً أن نصف الاتحاد الأوروبى بمصطلح «الخلافة الأوروبية». إن مجموعات مثل دول الثمانى أو مجموعة العشرين هى جماعات من الدول تتشارك نفس الرؤية للعالم. بالتالى من الطبيعى بالنسبة لنا أن نفعل نفس الشىء. بمجرد أن يكون هناك عدد من الدول التى لها نفس المرجعية الإسلامية، وتحتفظ بعلاقات خاصة بينها وبين بعضها، يمكننا عندها أن يكون لدينا هذا النوع من الجماعات. يمكن أن نطلق عليه مثلاً لقب «الولايات المتحدة العربية» وإن كان الاسم لا يهم. لماذا لا تريدون أن تتقبلوا أن هناك شعوباً وبلداناً يمكن أن تسعى لاختيار الشريعة، ولتكوين جمهورية إسلامية من خلال الديمقراطية؟ هناك شعوب تختار تنظيم بلادها على المبادئ الرأسمالية، وأخرى على المبادئ الاشتراكية. إذن لماذا لا نستطيع نحن اختيار أن تكون مرجعيتنا إسلامية؟ هذا حقنا!. أما بالنسبة للشريعة، فهى كلمة يساء فهمها فى الغرب. أنتم تتصورون أنها مجموعة من الحدود والعقوبات التى تبدو فى نظركم غير صالحة للعصر الحالى. بالنسبة لنا فالأمر مختلف. بمجرد أن ننجح فى تأسيس بلادنا بناء على المرجعية الإسلامية الغالية على قلوبنا، ولو قررت دول أخرى أن تؤسس نفسها على ذات المرجعية، عندها ما الذى يمنع أن نتجمع كلنا فى قلب نفس الكيان العابر للقوميات؟».

ويواصل المؤلف: «الواقع أن الإخوان لم يكن لديهم برنامج أو خطة واضحة بالنسبة لمصر بعد وصولهم للحكم فيها. كان البرنامج الوحيد الذى يملكونه برنامجاً عابراً للقوميات، قائماً على توحيد تلك البلاد لإعادة تكوين، ثم إدارة الخلافة الإسلامية. لم تكن مصر سوى خطوة فى طريقهم. امتلكوا بها القطعة الرئيسية فى أحجية كبرى لا يمكن أن تتضح صورتها إلا بتجميعها كلها. إن الإخوان يمقتون القوميات، هم ليسوا وطنيين، ولا تتقيد أبصارهم بالحدود الوطنية المصرية. شعر الإخوان أنهم وصلوا للحكم فى مصر وتونس وغزة وجزئياً فى المغرب، وأنهم من الممكن أن يعتمدوا على السودان واليمن والصومال وإمارة خليجية أو اثنتين. ويمكنهم أن يعتمدوا غداً على الأردن والجزائر، وكانوا ينتظرون أن يتم حسم الصراعات الحالية لصالحهم فى العراق وسوريا وليبيا وحتى أفغانستان، وبدا الأمر وكأن حلم الخلافة الإسلامية يتجسد تحت أنظارهم، ومن أجل تحقيقه كان لا بد من الحفاظ على السلطة بأى ثمن، وأياً كان ما يمكن أن يكلفه الأمر. إلا أن مصطلح مثل «الخلافة الإسلامية» كان من الممكن أن يثير مخاوف الغربيين، ومن أجل طمأنتهم، كان من الأفضل استخدام مصطلحات أخرى أقل إثارة للجدل، وكانت تلك هى اللحظة التى قرر فيها خيرت الشاطر أن يخرج من جعبته لعبة «الولايات المتحدة العربية» التى حكى عنها.

الوطن المصرية

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا