الرئيسيةمتفرقاتثقافةفي ذمتي قصص مؤجلة - ريما كتانة نزال

في ذمتي قصص مؤجلة – ريما كتانة نزال

كثيرة هي القصص المعلقة برقبتي التي أشعر حيالها بتأنيب الضمير، عندما أضطر إلى ممارسة سياسة النأي بالذات اتجاهها، وإشهار سيف الأولويات بوجه رُواتها. فالأولوية لامرأة تحت الأنقاض، وأخرى قُتلت وجنينها كدجاجة تبحث عن مكان تضع فيه بيضها، ولعجوز طارت من إثر القصف أمتاراً فوجدت نفسها أمام مدرسة الإيواء.. امرأة تحت ركام الاحتلال، وامرأة تحت ركام القيم الاجتماعية البالية.. هذه الأولويات المؤجلة قسراً بسبب العجز العام، وتلك الأولويات المؤجلة بسبب إشاحة الوجه عنها.. وأضعف الإيمان الحديث عنها وتوثيقها..
في ذمتي قصص يشعر أصحابها أنهم يضيعون في خِضم متخبط، وفي جعبتي قصص الحياة التي ما زال بعضنا لا يعترف بها، ومنها قصة الفتاة التي ساعدتها على الهرب من مخاطر البيت وفشلت المحاولة. اقتنعت بهروبها عندما حدثتني عن المستنقع الذي تسبح في مياهه، أقنعتني بأن عليّ أن أقدم لها النصح أو مساعدة «لوجستية» للالتحاق بأمها المطلقة. كان عليّ ألا أتجاهل وجعها وخوفها ومستقبلها وأن أبعدها عن النار التي تهددها بألسنتها الحارقة.. الفتاة اختفت دون أن تترك أي أثر، ولا زلت أنتظرها وأبحث عنها في المندل.
في ذمتي قصص بائسة عن مجتمع يذهب شكلاً نحو قيم حداثية، بينما في الحقيقة ما زال مشدوداً بقوة إلى قيمه القديمة، ومن صندوقي الأسود أقتبس كلمات الشابة التي حاولت تأسيس حياتها، مع شريكها، على الصراحة والوضوح والصدق. «كما الجميع جلست معه نتبادل الحديث في اليوم التالي للخطبة، كنت مطمئنة له اطمئناني إلى نفسي، حتى ولو كانت جلسة مخصصة للتلصص على ماضي بعضنا البعض. تحدث بصدق ومباهاة، وبين جملة وأخرى كان يكرر أن الصراحة مسألة صحية لحفظ العلاقة وتحصينها، مجيباً على سؤالي: «لا تخلو الأمور من الاستلطاف والإعجاب، وفي بعض الأحيان كان يتم الإعلان بصراحة عن المشاعر». ارتاحت محدثتي لأقواله وهمست في أذنه: الأجواء دائماً مهيأة عند الرجل.. ولا تحتاج سوى الى مبادرة او لفتة صغيرة مني.. وبعد سؤاله إنْ كان يعرف أحداً منهم، كنا نذهب إلى قرارات مصيرية… لقد قررت الابتعاد دون استدارة، وقرر بدوره قطع العلاقة نهائياً دون استدارة، لكني استمررت في الاستدارة نحو تفاصيل ما زال يؤرقني تكرارها، وأجزم انه ما زال يستدير مؤرّقا بنفسه.
وسط دهشتي كانت كلماتها تنهال على رأسي، بدأت القصة بحزمة من «اللايكات» يطرزها على كل جملة أثبتها على صفحتي الشخصية بغض النظر عن أهميتها، وكان وكأنه يتربص بصفحتي التي أفرغ عليها يومياتي وهمومي وصغائري. ليسجل إعجابه بها. طلب صداقتي الإلكترونية فوافقت، ومن ثم بدأنا نتبادل التعليقات والصور المعلنة وصولا الى تبادل المشاعر عبر «الانبوكس». أصبحنا لا نستغني عن لقاءاتنا الافتراضية وصولاً إلى طلبه موعداً فوافقت، وطلبه لقاء عائلتي فجهزت للأمر، انتهاء بالنهاية السعيدة للقصص: الزواج.
وتستطرد: اليوم لا صفحة خاصة بي، فقد طلب توحيد صفحتينا في واحدة فوافقت، اليوم لا يمطرني «بلايكاته».. اليوم يقضي ساعات وحده منكباً على حاسوبه.. لن اكمل القصة كما وعدت محدثتي سوى أن أقول ان لا نصيحة قدمتها لها ضمن أولويات برأسي، سوى ان اقول لها أقتبس تعريف الحب في نظر روائي مشهور: «الحب هو أجمل سوء تقدير بين رجل وامرأة»..
غيض من فيض، قصص الخطين المتوازيين اللذين لا يفترقان ولا يتصلان. لأنهما يتأرجحان بين الرغبة في صنع مجتمع الحداثة وبين استمرار الانشداد بخيوط من حديد نحو الماضوية، ولأنهما لا يلتقيان إلا بالتسلح بإرادة التغيير بعيداً عن اللغة الإصلاحية والتأجيلية والتذرع بالأولويات ووضع القضايا الاجتماعية في احتراب مع القضايا الاجتماعية.. وتوقف الكلّ وخاصة الأحزاب في ممارسة هواية النأي بالذات عن صناعة التغيير السياسي والاجتماعي في خطين متوازيين.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا