يؤكد الروائي الفلسطيني الدكتور عاطف ابو سيف ، أن دور المثقف لا يقل أهمية ، عن باقي مكونات أي مجتمع ، بل المثقف هو الرائد والطليعي والسهم الأكثر دقةلكسر جدران العزلة ، وتفكيك حقول القهر ، ويإخراج رسالته الى البعيد المفتوح من الوطن المسيج بالحصار ، كي تصبح الحياة المعلقة في قطاع غزة ، صورة بمقاييس كبيرة على جدران الدنيا بأسرها .
ابو سيف الروائي والمبدع الظاهر منه ثقافياً أقل بقليل مما يخفيه في صدره ، ولأنه مثقف غير عادي ، استطاع أن يرمي في وديان العواصم البعيدة ، صيحاته عن حياة الناس في قطاع غزة ، بدون ضجيج مرعب ، ولا صراخ غوغائي مضجر ، بل أوصل صوت المعذبين من ابناء شعبه ، بلغة حضارية بالغة الخصوبة ، مبنية على ورق من الانسانية الصادقة ، المسحوبة على حق البشر في الحياة الغير معلقة ، بفعل الغزاة والطغاة ، وأوجهها المتنقلة ، فنجح في تسريب ما يعيشه ابناء شعبه في القطاع المحاصر ، واستطاع أن يصعد من خلال متابعته لما أرسل الى قمة من القمم الثقافية ، وهي الجائزة العالمية للرواية العربية ، ولأن الثقافة الباقي الأصيل في وجدان المبدعين ، لم يخن اصحاب القرار في لجنة التحكيم الامانة ، ولم ينظروا الى جغرافيا الهوامش ، ولا تصنيفات المستكبرين ، بل استخدموا ميزانهم الابداعي والوجداني لإقرار الطبيعي في رواية ابو سيف ” حياة معلقة” فنجحت بإجتياز الحواجز الكثيرة ووصلت الى القائمة القصيرة مع عدد من روايات المبدعين العرب .
ولأن الرواية عن حياة مليوني انسان يعيشون ظروفاً ، لا لغة لهم فيها سوى الانسانية البحتة ، استطاع الروائي ابو سيف أن ينحت لهم تمثالاً لغوياً معبراً عنهم ، ليتحول الى رسول عنهم في المحافل الثقافية ، ويبدي ابو سيف شكره من صاحب المطبعة المتواضعة في المخيم ، حتى عموم شعبه المناضل ، الذي يقهر ظروفه بالصبر ، وبالحلم ، والمثابرة ، فيقول :” صعود روايتي الى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية ، انتصار لشعبي المناضل ، للشهداء وللأسرى وللمقهورين الذين يعيشون الحصار ، والاعتداءات الاسرائيلية المتتالية ، كما هي انتصار لضمير الانسانية “.
ولأن ابو سيف من المثقفين الذين استطاعوا أن يرموا شباك صيدهم الى خارج حدود الحصار ، بإبداعه المشهود ، يبحث عن صيده لكي ينتصر لشعبه حضارياً ، فكان لابد من انجاح مساعيه ، بإطلاق حريته في التنقل ، بل ودعمه في الطيران الى عواصم الدنيا ، لكي يلحق سفره الروائي الذي وصل الى العالم من بوابة البوكر ، ولم يستطع هو أن يكون حيث كان سفيره عن هموم شعبه ، لا بد من أن نترك أدباً محترماً على بلاط الوطنية التي تجمعنا ، لكي يحترمنا الذين يترصدون لنا ، واذا لم نفتح بوابة مغلقة لمثل ابو سيف والأدباء لكي ينشروا عن شعبهم ، ما حفره الغزاة في قلوبهم ليزرع فيها اليأس والهزيمة، لمن اذا نفتح البوابات المغلفة بفعل الحصار؟!! .
ويزيد ابو سيف تعبيراً عن سعادته بوصول روايته الى القائمة القصيرة ، للجائزة العالمية للرواية العربية ، أنها ليست الغاية بل شعبي وانهاء معاناته واعطائه حقوقه كاملة غير منقوصة هي الغاية ، ولأن المثقف ضمير شعبه والمدافع عن حقوقه ، في كل ميدان ، وجبت سعادتي بإيصال صوت شعبي الى العالم من خلال روايتي ، والحصار لا يقهر الابداع ، فكم من سجين أصبح أديباً من خلف القضبان ، ولكن للسماء وعد أن نواصل النحت الابداعي في حضارات تدعي ماليس فينا.