الرئيسيةتقاريرقضايا المرأة والشبابعائشة.. حكاية إمرأة فلسطينية مُهجرة ولكن من نوعٍ آخر

عائشة.. حكاية إمرأة فلسطينية مُهجرة ولكن من نوعٍ آخر

فراس أبو عيشة – تجلس على سريرها متكئةً، حائرةً، وفي يدها اليُمنى منديلاً أحمر اللون، تمسح بها دموعها التي تكاد أن تذرف في كل كلمةٍ تكاد أن تنطقها عندما تستذكر الماضي، ويدها اليسرى لا تستطيع تحريكها بسبب التصاق أصابعها ببعضهم البعض، فهي تعيش في بيتٍ قديم يعود لشقيقها، وفي عينيها ترى كل معاني الألم والقهر، لتروي حكايةً تُدمي القلب، وتُبكي العينين.

الحاجة عائشة (72 عاماً)، تعيش في قضاء مدينة نابلس، هُجرت من أرضها وبيتها بالغطرسة والقوة، وأصابع الاتهام ليست تجاه الاحتلال، بل تستهدف إبنها الذي يبلغ من العمر الآن (46 عاماً)، فهي أعطته سنين عمرها، وبِلمح البصر قد هجَّرها وهجَرها.

وتقول “عادةً ما يرتبط تفكير عقولنا عندما نقول رجلٌ مُهجر، أو إمرأةٌ مُهجرةٌ بـِحرب ونكبة عام 1948، فَمجتمعنا نسي أو قد تناسى أبناءً هجَّروا ذويهم من المنازل التي من المفترض أن تكون لِمن أُرهقوا لأجلهم، وقدَّموا لهم التضحية، ولكن لا بأس، والحمدلله دوماً”.

وتُبين أنَّه حتى لو كانت تلك القصص قليلة، ولا نسمع عنها كثيراً، فمجتمعاتنا العربية، ومجتمعنا الفلسطيني خاصة لا يخلو منها، ولكن شعبنا يُهملها، ويرفض الاستماع لها، لأنَّه اعتاد أن كلمة مُهجر ومُهجرة ترتبط بِحربٍ مضى عليها 67 عاماً ولم تُغير شيئاً، ولم تُحرك ساكناً”.

وتفاصيل الحكاية ترويها “تزوجت في عام 1958، حيث كنت في الخامسة عشر من عمري، ولم أُرزق بِأي مولود إلا بعد أحد عشر عاماً على زواجي (1969)، وتُوفي زوجي عام 1990 بعد صراعٍ طويل مع المرض”.

وبعد وفاة زوجها، بدأ إبنها يتغير بشكلٍ جذري وتدريجي، فأصبح يخرج من المنزل صباحاً، ولا يعود إلا في ساعات متأخرة من الليل، وعندما كانت تُوجه له سؤال “أين كنت؟”، كان يُجيبها “كنت بشتغل، يعني وين بدي أكون”، أو “ما إلك دخل فيي، أنا كبير وواعي، وبعرف الصح من الغلط”.

وتُتابع “ارتبط إبني بِفتاةٍ تصغره بِسنتين، وقبل شهر من زواجه، أخبرني بأنَّه سيسكن وزوجته معي في المنزل، ولم أُعارض أبداً، كوني وحيدةً، وأُريد أن يبقى إبني بجانبي دوماً”.

وسبعة أشهر من زواجه، ولهيب المشاكل بينه وبين زوجته بدأ يشتعل، فبدأت والدته تتدخل في حياته، ليس تدخلاً بالمعنى القريب، بل بِمعنى تقديم النصائح له، فما كان منه إلا أن حذرها بعدم التدخل، وإلا سوف يخرجها من المنزل.

وملامح الحزن باديةً على مُحياها، تُوضح أنَّها بقيت تتدخل لصالحه ومصلحته، وفي يوم من الأيام بعد مرور عام على زواجه، ذهبت لزيارة صديقةٍ لها من صديقات المدرسة، وعندما عادت إلى المنزل، طلب منها إبنها أن تُغادر على الفور، وتذهب للعيش عدة أيام في منزل شقيقها، فحاولت أن تُناقشه، فما كان منه إلا أن فتح خزانتها، ورمى بعضاً من ملابسها على الأرض.

واتصلت مع شقيقها، وأخبرته بالقصة، فَحضر مُباشرة، وحاول الجلوس مع إبنها لمناقشته، فَرفض ذلك، واعتدى عليه بالضرب، وأخبرها شقيقها بأن تجمع أغراضها، وتذهب معه إلى منزله حتى تهدأ الأمور.

وبألمٍ يعتصر قلبها، تُضيف “لم أستوعب ما حصل نهائياً، لِدرجة عندما وضعت أغراضي في الحقيبة، طلبت من إبني أن يُساعدني في إنزالها إلى سيارة خاله، فأمسكها، ورماها عبر الدرج، وطلبت أن أُقبله، ولكنه رفض”.

وتُشير إلى أنَّها حاولت الحديث معه بعد سويعات من فراقه، في المرة الأولى والثانية لم يستجب، في المرة الثالثة ردَّت زوجة إبنها على الهاتف، وقالت “أحمد تعبان شوي، ورح يحكي معك لاحقاً”، وأغلقت الخط.

والمفاجأة التي اكتشفتها فيما بعد، أن زوجها قبل وفاته كان قد سجل المنزل بإسم إبنهم، ولتتفاجأ باليوم التالي أن المنزل لم يعد من ملكهم، وأصبح ملكاً لعائلة أخرى.

وبِحشرجةٍ في صوتها، والدموع تنساب من عينيها، تقول “والله شي بقهر، إبني وفلذة كبدي يلي تعبت عليه، وأعطيته روحي وقلبي وكل حياتي، يعمل فيي هيك؟ بس بدي يحكيلي أنا عمري قصرت معاه؟ أنا عمري حرمته من شي؟ بس الحمدلله، والله يرضى عليه وين ما راح ووين ما إجا، هو بضل إبني، ورح يقدر ويعرف معنى وقيمة الأم عاجلاً أم آجلاً”.

وتُنهي حديثها “23 سنة وما شفتو، بس بسمع صوتو كل فترة وفترة، وبحكيلي إنهم بخير، وهو مشتاق، بس ما فيه يرجع على البلاد، وهو بعتذر على كل شي صار بالماضي”.

والعبارة التي يُرددها دوماً “إحنا بخير”، ولكن منذ تلك اللحظة حتى الآن لم ترَ إبنها، وتقتصر حياتها معه من خلال الهاتف، وكل ما تعرفه أنَّهم سافروا واستقروا في المملكة الأردنية.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا