الرئيسيةمختاراتمقالاتطارق عزيز كتب عدلي صادق

طارق عزيز كتب عدلي صادق

هنيئاً لجمهرة الصامتين العرب، صمتهم، استنكافاً عن الإعراب عن الأسف، للموت المأساوي الذي غيّب الغائب في سجنه، طارق عزيز، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الخارجية، في العراق الجميل الموحد، الخالي من الميليشيات المسعورة والدواعش الضالة. فقد أحجم هؤلاء، حرجاً ــ على الرغم من حزنهم المكنون ــ عن التشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي وقف احتراماً لجنازة امرأة، ولما قيل له إنها يهودية يا رسول الله، أجاب:”إن الموت فزعٌ، فإذا رأيتم الجنازة قوموا”!
ذلك علماً، بأن طارق عزيز ذاك، كان عاشقاً للعراق ولفلسطين وللأمة وللوطن الكبير شئنا أم أبينا، أو شاء الذين اختطفوا جثته أم أبوا، ويكفيه براءة وجمالاً، في ميتته، أن من اختطفوا جثته، ومن لفقوا له الاتهامات وهو لم يكن صاحب أي قرار في معالجة الأوضاع الداخلية؛ هم أنفسهم مؤسسو زمن نابشي القبور، وحارقي المساجد والحسينيات، وقاطعي الرؤوس، ومنتهكي القرى، ومقسمي الشعب الى فرعين تنبثق عنهما أفخاذ وأزقة: أسياد وعامّة. الأولون اتباع مرجعيات الطائفة الغالبة، والعامّة هو الوصف الذي أدخله الغالبون على سائر العراقيين، عندما أطلقوه على الطائفة الأقل عدداً، قبل أن ينتهكوا حقوقها كعامّة!
حتى خلجة القلب الأخيرة، كان طارق عزيز منسجماً مع نفسه، لا يبرح رؤيته لما جرى ولما يجري. لا تضطرب المعاني ولا تتوارى الأحكام ولا تتناقض الآراء ولا تزدوج المعايير، مثلما يحدث عند أصحاب الضجيج المعادي لفظياً للإمبريالية الأميركية، الذين ترش أفواههم على الآخرين، أوصاف العمالة والمروق، بينما حضورهم نفسه، لم يكن إلا بفضل الدبابة الأميركية.
كان الخائنون الأغراب، أصحاب الدبابة، قد اعتقلوا طارق عزيز عندما سلّم نفسه لهم طوعاً، مستأنساً بنظافة يديه، وبراءته من دم أي عراقي، وبأيديه البيضاء في الدفاع عن قضايا الأمة. لكنه عُذِّب وهو في سن السبعين، على النحو الذي لا يقوى جسده على احتماله. لقد أحسن الظن بكل العراقيين. فهو القائل عندما سأله وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر، عن علاقته بالكعبة المشرّفة وهو المسيحي؛ أجاب قائلاً: إن مقدسات شعبي هي مقدساتي!
تذهلنا مكابرة هؤلاء الذين ظلوا يرون في رجل كطارق عزيز، أحد رموز حقبة عراقية رديئة. كأنهم لا يعرفون القياس ولا المقابلة بين الأوضاع والمراحل. فإن قلنا، إن هؤلاء شديدو بأس في مقارعة الديكتاتورية، تحيّرنا شدة بأسهم في الدفاع عن ديكتاتورية أعتى، مجاورة، انفجر المجتمع في وجهها من تلقاء نفسه، فيما هي لا تزال قائمة، لم تعصف بها طائرات الأميركيين وجيوشهم. وفوق هذا كله، يرمون الملايين التي رفضت الدكتاتورية الأخرى، بالعمالة لأميركا نفسها التي جاءت بهم الى سدة الحكم!
ولئن كانت تجربة حكم الرئيس صدام حسين، موضع خلاف، فإن نذالة التصرف في تلفيق الاتهامات لطارق عزيز، وتعذيبه، وتعريضه لموت بطيء لكي يتألم في كل دقيقة من زمنه العسير، ثم خطف جثته وهو ميت؛ إنما يعكس حقيقة أن هؤلاء الذين جعلوا الدواعش عمالقة زمننا الرديء؛ وتقهقروا أمامهم وأطلقوا سيقانهم للريح؛ لن يبنوا عراقاً شبيهاً بعراق طارق عزيز، في عمرانه ووحدته وسخائه وتآلف جيشه وأمن الناس فيه!
الى طارق عزيز في قبره، أو اليه في خاصرة تابوته وصليبه اللامع: لقد أفزعنا موتك، بصرف النظر عن التجربة والخطأ، في عراق الأمس. ومثلما أوصانا رسولنا الكريم، نقف اجلالاً لمرورك الى القبر والى التاريخ!

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا