الرئيسيةمختاراتمقالاتصراعات "الغاز" في إسرائيل كتب غازي السعدي

صراعات “الغاز” في إسرائيل كتب غازي السعدي

استيلاء إسرائيل على ثروات الغاز الموجودة، في البحر الأبيض المتوسط، تعتبر أحد التحولات التاريخية، لتغيير موازين القوى الاقتصادية، بطريقة تشبه ما حدث في القرن الماضي لدول الخليج العربي، في مرحلة الانتقال لعصر النفط، وتسارعت التطورات مع ظهور تقنيات حديثة في التنقيب، والحفر البحري الجديد، في مطلع القرن الحالي، حيث بات من الممكن الحفر تحت المياه بعمق يفوق ألفي متر، ويجري هذا الاكتشاف الإسرائيلي للغاز، في وقت ينشغل فيه العرب بموجة “الربيع العربي”، وما يرافقها من خلافات واقتتال، في عدد من الدول العربية، والتهاء العرب عن تحديد خارطة الحدود المائية لدول المتوسط، وكانت إسرائيل قد اكتشفت الحقل الأول من الغاز، في المتوسط، مقابل مدينة أسدود، عام 1999، وأطلقت عليه اسم “نوا”، كان صغيراً وليس تجارياً، ثم اكتشف بئر آخر بجواره أطلق عليه اسم “ماري”، والذي وفر إمدادات الغاز لإسرائيل منذ عام 2004، وذلك قبل تزود إسرائيل بالغاز المصري عام 2008، فاكتشاف الغاز مقابل السواحل الفلسطينية، يعتبر أكبر الاكتشافات في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، حيث سيدر على إسرائيل مبالغ طائلة، قد تصل إلى مليارات الدولارات سنوياً، فالاحتياطات الإسرائيلية للغاز الطبيعي، تقدر بنحو (800) مليار متر مكعب، أما حاجة إسرائيل من الغاز فتبلغ(14) مليار متر مكعب، مما سيعزز الاقتصاد الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن حقول الغاز المكتشفة ستسد حاجة إسرائيل لأكثر من (55) عاماً.
الحكومة الإسرائيلية منحت حق الامتياز للتنقيب عن الغاز، للملياردير الإسرائيلي “اسحاق تشوفا”، وإلى الشركة الأميركية “نوبل إنرجي للطاقة”، التي تمتلك حق التنقيب بنسبة 80% وحق الانتفاع بنسبة 100%، فالآبار المكتشفة الكبيرة، والتي تحتوي على احتياط الغاز هي : حقل “ليفاتان” الذي يحتوي ما بين (500) إلى (622) مليار متر مكعب، وحقل “تمار” الذي يحتوي ما بين (199) إلى (282) مليار متر مكعب، وحقل “كريش” ويحتوي ما بين (30) إلى (50) مليار متر مكعب، وحقل “ننين” ويحتوي ما بين (14) إلى (31) مليار متر مكعب، وآبار أخرى تحتوي ما بين (7) إلى (10) مليار متر مكعب، وأن مجموع ما تحتويه هذه الآبار يتراوح بين (783) إلى (985) مليار متر مكعب من الغاز.
بعد اكتشاف الغاز بدأت المشاكل في إسرائيل فهل سيكون هذا الاكتشاف نعمة أم نقمة.
معركة الغاز في إسرائيل بدأت بين الحكومة وبين الشركات، والكنيست والأحزاب، وجماهير الشعب التي تطالب بفك الاحتكار الممنوح للشركات لهذا المنتج، وهناك رائحة فساد، وتقديم عطايا إلى صحف وأحزاب، فالحركات الاجتماعية تطالب بأن تكون حقول الغاز بملكية الدولة، أو أن تكون حصة الدولة من الأرباح أكبر، وشرائح واسعة من الإسرائيليين يعتبرون الاتفاقيات، لصالح الشركات المحتكرة للغاز وتجري مظاهرات في إسرائيل تنادي وتردد أن الشعب قادر على كسر الاحتكار، ويتهمون حكومتهم بأنها تحاول بيع أكبر كنوزها للشركات، ووصل الأمر إلى مطالبة المستشار القضائي للحكومة، بإجراء تحقيق جنائي بشأن توزيع تصاريح التنقيب عن الغاز، ورفع المتظاهرون يافطات كتب عليها “السلطة والمال والفساد”، واتهموا رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” بأنه منح صديقه “تشوفا” الذي يمول حملته الانتخابية، امتياز التنقيب، واتهموا “نتنياهو” بأنه يخطط لسرقة أموال الإسرائيليين، بعد أن شملت اتفاقية الغاز بين الحكومة والشركات على بند يحظر على أية حكومة قادمة فتح ومراجعة الاتفاقيات التي توصلت إليها الحكومة مع رجال الأعمال والشركات، وأن المحاسب السابق الرئيسي في وزارة المالية، البروفيسور “يارون زليخا”، اعتبر مسلكية الحكومة بخصوص منح امتيازات التنقيب إجرامية، وفي تقرير لمراقب الدولة، “هآرتس 21-7-2015” هاجم الحكومة، ويحملها المسؤولية أنها هي التي خلقت موضوع احتكار الغاز ويكاد الموضوع يصل إلى المحاكم لفسخ الاتفاقات.
شركتا “نوبل إنرجي” الأميركية، و”ديلك” الإسرائيلية، رفضتا طلب التنازل عن امتيازهما، أو فرض قيود عليهما في صفقات بيع الغاز، وتحديد ومراقبة أسعاره، و”نوبل إنرجي” الأميركية، أبرمت اتفاقاً مع الأردن لتزويدها بالغاز، اعتباراً من عام 2016 وبتزويد مصر بالغاز الإسرائيلي من خلال حقل “تمار” فشركة “دولفينوس” المصرية، وهي شركة خاصة ستستورد خمسة مليارات متر مكعب خلال السنوات الثلاثة الأولى من الاتفاق، كحد أدنى، وأن يتم تمرير الغاز عبر البنية القائمة بين إسرائيل ومصر، أي عبر دفع الغاز بصورة عكسية في أنبوب الغاز المصري، الذي كان يزود إسرائيل بالغاز المصري، وحسب المصادر الإسرائيلية، فقد سمحت الحكومة المصرية للقطاع الخاص، بالتوقيع على صفقات لاستيراد الغاز الإسرائيلي.
إن المشكلة الشائكة في قضية الغاز الإسرائيلي، هي مشكلة التصدير وشروطه والأسعار والكميات، وهناك صعوبة تواجه إسرائيل في تصدير الغاز إلى الخارج، وهناك مخطط لبناء خط أنابيب تحت بحري، لإيصال الغاز إلى تركيا واليونان وقبرص والجزر المجاورة لها، فقد توصلت إسرائيل إلى اتفاقية مع قبرص، لرسم الحدود المائية، بينهما، وتصدير الغاز من قبرص إلى الدول الأوروبية، والمساهمة في حماية آبار الغاز، كما وقعت إسرائيل مع قبرص لإقامة كابل كهربائي بطول (287) كيلومتر في المتوسط، وبعمق (2000) متر، ضمن التعاون بينهما حول حقول الغاز وحمايتها ففي عام 2010 وقعا اتفاقاً لرسم حدودهما البحرية، أما مصر ووفقاً للإذاعة الإسرائيلية “8-9-2014″، فتلاحق إسرائيل قضائياً في المحكمة الدولية، بتهمة سرقة نصيب مصر من غاز البحر المتوسط، وتطالب مصر بإعادة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وإسرائيل، لضمان حقوقها من الغاز، وهناك خلافات واعتراضات لبنانية، أن إسرائيل اعتدت على حدود المياه اللبنانية، ومنطقتها الاقتصادية البحرية، وبعد أن كنا نسمع اعتراضات لبنانية علنية ضد الاعتداءات الإسرائيلية في هذا الموضوع، اختفت هذه الاعتراضات العلنية، بعد توسط أميركي بين البلدين، لم يعلن صراحة عن نتائج هذا التوسط لكن صمت لبنان يدل على أن اتفاق قد يكون تم بين الجانبين.
إسرائيل تعيش حالة من الخوف الأمني تجاه حقول الغاز البحرية، فقد عززت الحراسة البحرية والجوية على حقول الغاز، واشترت زوارق حربية سريعة يتم التحكم بها عن بعد، واعدت خطة أمنية، من خلال استخدام بوارج حربية كبيرة، وطائرات استطلاع دون طيار، بكلفة تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، وإسرائيل تخشى الصواريخ الإيرانية، والسورية ومن قبل حزب الله، لقصف الآبار، فإنها تواجه مخاطر أمنية كبيرة جداً ومكلفة لحمايتها لآبار الغاز.
للولايات المتحدة مصلحة وهي تضغط على إسرائيل، للإسراع في إنتاج الغاز وذلك تلبية للمصالح الأميركية، فشركة “جلوبال انرجي” هي شركة أميركية، ولوجود استثمارات أميركية في إنتاج وتطوير حقول الغاز، حتى أن وزير الخارجية الأميركية “جون كيري”، يمتلك أسهماً بقيمة مليون دولار، كذلك أميركيون آخرون، وأخيراً …. فإن الاكتشاف الإسرائيلي للغاز، قد يضاعف قوتها العسكرية والاقتصادية ويعزز احتلالها للأراضي الفلسطينية، ويزيد من عدوانها على العرب، للتوسع والهيمنة والسيطرة، في غياب القدرات العربية، للتصدي للأطماع الإسرائيلية التي لا نهاية لها، فلعل هذه القدرات الاقتصادية الإسرائيلية تنهض العرب من كبوتهم ليفهموا أنهم مستهدفون.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا