الرئيسيةمختاراتتقارير وتحقيقاتياسر عرفات.. ملك 'الانحناء'

ياسر عرفات.. ملك ‘الانحناء’

يامن نوباني
يدخل ياسر عرفات إلى إحدى المستشفيات الفلسطينية خلال الأشهر الأولى لانتفاضة الأقصى، ليطمئن على صحة جرحى الاعتداءات الإسرائيلية. على أحد الأسرّة يرقد شاب بُترت ساقاه، مدّ عرفات يده ليصافحه ويقبل جبينه، وسرعان ما نزل إلى ما تبقى من ساقيه ليقبلهما، فما كان من المصاب إلا أن بدأ يقول: ‘سيادة الرئيس أبو عمار أخوي وحبيبي، أخوي انت، بعوّض الله سيادة الرئيس، حياك الله يا سيادة الرئيس حياك الله’.

كان ينحني لأيدي ورؤوس أبناء شعبه، الجرحى والأسرى المحررين، وأمهات الشهداء، فكان مما لقبوه: الحنون، وأبونا، والرمز، وغيرها من الألقاب، فيما لم يبخل هو عليهم بالألقاب، والتي لخصها بـ’شعب الجبارين’.

فارس الذي أعادته والدته أنعام عشرات المرات من مواقع المواجهات، وكانت العائلة بأكملها تتربص له، لمنعه من الذهاب لإلقاء الحجارة، وقف بوجه رتل من الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية على معبر ‘كارني’ ليعيق تقدمها تجاه غزة ولو خطوة واحدة. لم يُثنه المنع والضرب أحيانا من الذهاب إلى المواجهات، وفي يوم استشهاده أغلق عليه البيت، فخرج من النافذة، ونزل عبر أنبوب، ليمنحنا دون مقابل صورة جبارة ‘طفل يواجه عشرات المجنزرات الإسرائيلية بحجر’، قبل أن يطلقوا عليه النار ويعدموه، الفتى الذي أصاب ياسر عرفات بـ’الهوس’ في آخر مراحل حياته، فظل يُردد اسمه: الشهيد ‘فارس عودة’، وارتبط اسمه لديه بمقولته الشهيرة: شعب الجبارين.

يُباهي بهم العالم، فيولدون عُشاق رمزهم ياسر عرفات، وتولد فيهم لفة الكوفية، هم أطفال فلسطين، الذين كان يُقبل أياديهم، ويطعمهم في مكتبه، ويلتقط معهم الصور، لم يكن الأطفال حتى الرضّع منهم أقل أهمية من أبناء شعبه الذين ناضلوا وتعرضوا للاعتقال والتنكيل وهدمت منازلهم، لأنه كان يرى فيهم جيل الحرية والاستقلال، ناثرا عبارته الشهيرة في كل مكان وخطاب: ‘سيرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس، يرونها بعيدة ونراها قريبة’.

يلوح بطرف كوفيته مع فرق الدبكة الشعبية، ينشد مع شعبه عبارات: معا وسويا حتى القدس.. حتى القدس، ويردّون على تصريحاته: أبو عمار صرح تصريح.. يا جبل ما يهزك ريح. يقبله الرجال والأطفال والنساء والشيوخ في شوارع بيروت، التي شهدت الصمود الأسطوري للمقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين في حصار عام 1982، وترشه النساء من الشرفات بالأرز والورد والزغاريد والدموع، قبل أن يركب الباخرة متجها إلى تونس.

لم يخلُ استقبال ياسر عرفات في أي بقعة جغرافية من الوطن من زغاريد وصفير وهتاف لا يتوقف، خاصة في مرحلة استلام السلطة الوطنية الفلسطينية محافظات الوطن عام 1995، وكان المشهد الأبرز هو خروج المدارس والحضور الكثيف للطلبة خلال الاستقبال، وحضور كبار السن خاصة العجائز، اللواتي يُقبلن جبينه ويُقبل أيديهن.

في جولاته وحين يصطف أناس لتحيته في الشارع، كان يوقف السيارة ويترجل منها منها ويصافحهم، كان يرى كل الذين يرونه، يشد على أيديهم، ويرسل القبلات في الهواء، قُبلات للجماهير التي استقبلته حين عاد إلى الوطن، وكانت آخر لقطاته حين خرج في 29 تشرين الأول 2004 من ‘المقاطعة’ في رام الله محمولا إلى الطائرة التي ستقله إلى الأردن ثم إلى فرنسا للعلاج، لقطة القُبلات للذين احتشدوا لوداعه، وكانوا يبكون وكأنهم أحسّوا أنها القبُلات الأخيرة، فكانت كذلك وشكّلت المشهد الأخير، لحياة زعيم مناضل التصق بشعبه وتحسّس همومه ودافع عن قضيته العادلة حتى الرمق الأخير.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا