الرئيسيةمختاراتمقالاتالأزمة السورية تراوح مكانها كتب غازي السعدي

الأزمة السورية تراوح مكانها كتب غازي السعدي

يبدو أن سيناريوهات حل الأزمة السورية، والتركيز على محاربة تنظيم داعش، متعارضة مع بعضها البعض، فالأوضاع ليست واضحة، وتصريحات اللاعبين الأساسيين في هذا الصراع، تتغير بين الحين والآخر، وأوروبا تدعو إلى الإسراع في حل الأزمة السورية، إذ أن هناك عدة مستجدات منها: الهجوم الإرهابي على باريس، الذي أوقع المئات من الجرحى والقتلى، وعملية تفجير الطائرة الروسية فوق أراضي سيناء، والتي أوقعت هي الأخرى مئات القتلى، والتفجير الذي وقع في برج البراجنة في لبنان، وتدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين على الدول الأوروبية، واستمرار موجة العنف وقتل الأبرياء في كل من سورية والعراق، ضمن وصول النار إلى أوروبا والدول الغربية، أخذ الموضوع السوري منحنى آخر، يستدعي العمل الجدي لحل هذه الأزمات المعقدة، فإذا صحت أقوال وزير الخارجية الأميركية “جون كيري”، في أعقاب قمة العشرين في “فيينا”، فإن سوريا قد تبدأ مرحلة انتقال سياسي كبير في غضون أسابيع، بين النظام والمعارضة، إثر التسوية الدولية التي تم التوصل إليها في ختام قمة “فيينا”، وأنه على مسافة أسابيع من احتمال انتقال كبير في سورية، مع مواصلة الضغط في هذه العملية، وأنه- أي “كيري”- لا يتحدث عن أشهر وإنما على أسابيع، فأقوال كيري أثلجت صدور الشعوب التواقة للسلام والاستقرار وحقن الدماء في سورية.
جريدة التايمز الإسرائيلية “17-11-2015″، كشفت من مصادرها الخاصة جداً، أن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، وجه إنذاراً للرئيس “بشار الأسد” خلال استضافته في العشرين من تشرين الأول الماضي في موسكو، أبلغه أنه يستوجب عليه التخلي عن صلاحياته كرئيس، لصالح الحكومة الانتقالية، التي يجب أن تقوم في دمشق، خلال الأشهر القليلة القادمة، وأنه إذا لم يوافق على ذلك، فسوف تتوقف روسيا عن تقديم الدعم له حسب المصدر، وحسب نفس المصدر أيضاً، فإن الرئيس “بوتين”، طلب من رجاله، إجراء اتصالات مع المعارضة المعتدلة، من أجل التوصل إلى اتفاق لإقامة الحكومة الانتقالية، التي ستعمل لمدة سنة ونصف، وأنه في نهاية هذه المدة، تجري انتخابات عامة في سورية، لكن ما زال هناك بعض الخلافات في مسيرة حل الأزمة، وأن الخلاف الرئيسي ما زال يتعلق بمستقبل الرئيس “الأسد”، فالإيرانيون يطالبون ببقائه رئيساً في أي سيناريو، بما في ذلك خلال الحكومة الانتقالية، في حين -حسب التقارير الدولية- أن الروس على استعداد للقبول في استقالته التدريجية، خلال ولاية الحكومة الانتقالية، فيما يطالب الأميركيون، باستقالة فورية لـ “الأسد”، فالولايات المتحدة أعربت عن موافقتها على الاستقالة التدريجية، لكن عقدة جديدة برزت في هذا السيناريو، حول من يحق له المشاركة في الانتخابات القادمة، إذا كان فقط للسوريين المتواجدين على الأراضي السورية، أم بمشاركة ملايين السوريين من لاجئين وغير لاجئين منتشرين خارج سورية، وخلاف آخر، هل سيكون “الأسد” مرشحاً للرئاسة في الانتخابات القادمة؟ مع أن هناك معارضة من أطراف دولية رئيسية لترشحه، أما الروس فهم مترددون، فهناك توافق روسي-أميركي على المرحلة الانتقالية، بقبولها إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، وخلاف على تحديد من هي المعارضة المعتدلة؟ ومن هم الإرهابيون؟ في الوقت الذي سيعقد مؤتمر لجميع فصائل المعارضة السورية، قريبا في الرياض لتوحيد صفوفهم، وانتخاب ممثليهم لمؤتمر جنيف القادم.
منذ محادثات النووي الإيراني، بين الغرب وإيران، تداولت معلومات كثيرة، على أن هذه المحادثات في الجزء السري منها، شملت قضايا أخرى بما فيها الأزمة السورية، وكانت هذه التسريبات بين القبول من البعض أحياناً، والنفي أحياناً أخرى، حتى أن محللين دوليين كشفوا بأن التدخل العسكري الروسي في سورية كان بموافقة أميركية، كمقدمة للحل السياسي، ويبدو أن هناك تفاهمات أميركية-روسية تقود إلى حل سياسي، حتى أن هذه التفاهمات تزايدت، في أعقاب انتقال مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى أوروبا، الذين أصبحوا يشكلون عبئاً سياسياً وأمنياً ومالياً عليها، يتطلب التسريع في عملية حل الأزمة السورية.
المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “دي ميستورا”، الذي التقى ممثلي القوى السورية والإقليمية، كشف عن حجم الخلافات بين الفاعلين في الملف السوري المتفجر، ومن أهم هذه المشاكل: 1-تحديد هوية قوى المعارضة السياسية التي سيناط بها المشاركة بالمفاوضات، وما يسمى بالمعارضة المعتدلة، لتكون شريكاً في حوار حل الأزمة، 2-عملية فرز للفصائل المسلحة، بين تلك التي توصف بالمعتدلة، التي يجب أن لا توضع في قائمة الإرهاب، وهناك إجماع على أن “داعش” منظمة إرهابية، بينما هناك خلاف حول تصنيف “جبهة النصرة”، التي تعتبر جزءاً من جيش الفتح، 3-تحديد مدة المرحلة الانتقالية، فهناك من يطالب تحديد مدتها بستة أشهر، وهناك من يطالب بأكثر، فتكليف الأردن بإعداد وفرز قائمة التنظيمات العسكرية السورية، جاء لكثافة المعلومات التي يملكها الأردن في هذا المجال من جهة، ولنزاهة وحيادية الأردن من هذه الأزمة من الجهة الأخرى.
رئيس وزراء بريطانيا “ديفيد كاميرون”، عرض التوصل لحل وسط، بين موافقة الولايات المتحدة وتركيا والسعودية من جهة وروسيا من الجهة الأخرى، أي بين من يصر على رحيل “الأسد”، وبين من يؤكد على بقائه، وهناك غموض حول ما كشف عنه وزير الخارجية التركي “فريدون أوغلو”، حول المبادرة الروسية الأخيرة، التي تفضي أن “الأسد” سيسلم صلاحياته الكاملة، للحكومة السورية الانتقالية المزمع إقامتها، والتي ستتولى إعداد دستور سوري جديد، وإجراء انتخابات رئاسية بعد (18) شهراً، وأن الأسد لن يكون مرشحاً فيها، غير أن ذلك لا يتفق مع مواقف وتصريحات روسية وغير روسية، لا تتفق مع هذا الرأي، فالطريق والتعقيدات ما زالت كثيرة، في وجه التوصل إلى تفاهمات سياسية، وتطبيقها على أرض الواقع، فالأمور متشابكة جداً، وأطراف المعارضة عديدة لا تتحلى بموقف موحد، وتحديد وتصنيف قائمة المعارضة التي كلف بإعدادها الأردن، خاصة ما يتعلق بالتنظيمات الإسلامية، فإن تحديدها في غاية الصعوبة، وقد تصطدم بقبولها من قبل المعارضة المشتتة.
هل يمكن اعتبار تصريحات “كيري” بتاريخ “17-11-2015″، أن سورية قد تبدأ مرحلة جديدة، وفق مخرجات قمة “فيينا”، والتوصل في البداية إلى وقف شامل لإطلاق النار قد يتحقق؟ وماذا عن انعقاد اجتماع بين النظام السوري، وأعضاء من المعارضة السورية المعتدلة قبل الأول من كانون الثاني لعام “2016”، فتحديد التاريخ، وإن تم عقد هذا الاجتماع، يكون مؤشراً عن اقتراب حل الأزمة، وكيف نقرأ تصريحات نائب وزير الخارجية السوري “فيصل المقداد”، بأن ما أدلى به، وتوصل إليه “دي ميستورا”، عن حكومة موسعة، ولفترة انتقالية، بأن هذه الفكرة موجودة فقط في أذهان من لا يعيشون على أرض الواقع، وأنه لا بديل عن قيادة “الأسد”، مما دفع بالقائد العام للحرس الثوري الإيراني “محمد علي الجعفري”، للتأكيد على أن بقاء “الأسد” أمر مهم بالنسبة لطهران، وماذا عما نسب إلى الرئيس “الأسد”، أنه يرفض أي حديث عن الحل، قبل تصفية الإرهاب، وإعادة السيطرة على جميع الأراضي السورية، وماذا عن تصريحات وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” للصحفيين بتاريخ “18-11-2015″، أن على القوى العالمية، بعد اعتداءات باريس أن توحد جهودها ضد تنظيم “داعش”، دون فرض أي شروط مسبقة حول مصير رئيس النظام السوري “بشار الأسد”، وأنه من غير المقبول بعد الآن فرض أي شروط مسبقة قبل توحيد القوى في حملة مكافحة الإرهاب، وأنه لا حديث عن مستقبل “الأسد”، قبل القضاء على الإرهاب، وأن الإرهاب حسب مفهوم “لافروف” جميع التنظيمات المعارضة بلا استثناء، فقد تضاءلت الآمال ببدء مرحلة انتقالية في سورية وفق مقررات قمة “فيينا”، وقد تكون عادت إلى المربع الأول، بعد تشكيك الرئيس السوري بالجدول الزمني المقترح لتشكيل حكومة انتقالية، وإجراء الانتخابات وإصرار الرئيس الأميركي “اوباما” على رحيل “الأسد” كشرط لإنهاء النزاع المستمر منذ نحو خمس سنوات.
ففي مقابلة للرئيس “الأسد” مع التلفزيون الإيطالي الرسمي، الأربعاء الماضي “18-11-2015″، أكد أن الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية، يبدأ بعد إلحاق الهزيمة بالإرهاب، وقبل ذلك لن يكون مجدياً تحديد أي جدول زمني، لأنه لا يمكن تحقيق أي شيء طالما يستولي فيه الإرهابيون على العديد من الأراضي السورية كما قال “الأسد”، إنه بمجرد تسوية هذه المسألة، يمكن الانتقال إلى الحل السياسي، وأنه لا انتخابات قبل ذلك، فالأولوية لـ “الأسد” مكافحة الإرهاب، بينما يرى الرئيس الأميركي “باراك أوباما”، أنه من غير الممكن إنهاء الأزمة في سورية، وإنهاء الإرهاب مع بقاء “الأسد” في السلطة، مشدداً أن السوريين لن يقبلوا ببقاء “الأسد” في السلطة، بعد الحرب التي شهدت قيام النظام بهجمات ضد المدنيين حسب قول “أوباما”، وهذا يتطلب بضع شهور أن يقبل الروس وإيران والنخبة الحاكمة في سورية، بما تم عليه من اتفاق في قمة “فيينا”، واعتبر وزير الخارجية الروسي “لافروف”، أن هجمات باريس ساعدت الغرب على إدراك أن الأولوية في سورية يتمثل في محاربة “داعش” أولاً، وليس الإطاحة بـ “الأسد”، وهذا يؤكد على تبني روسيا لموقف الرئيس “الأسد”، الذي أعلن عنه أكثر من مرة، بأن الأولوية لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه، قبل الانتقال إلى عملية سياسية، بينما يطالب الرئيس الأميركي من روسيا وإيران، الاختيار بين “الأسد” وبين إنقاذ سورية، فيما يعتبر “لافروف” أنه لا بديل لحل الأزمة السورية بدون “الأسد”، وهذه التطورات، تبدد تصريحات “كيري” عن انتقال سياسي كبير في سورية خلال أسابيع، بل يؤكد أن الطريق لإنهاء الأزمة السورية ما زالت تراوح مكانها وأن التشاؤم سيد الموقف.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا