الرئيسيةمختاراتاخترنا لكمالنقد والتوبة وقوى الرفض

النقد والتوبة وقوى الرفض

عندما تظهر ملامح النقد في التنظيم السياسي فليكن لديك قناعة أن هناك قوى رفض تتشكل. وليس الخوف من النقد أو الرفض بحد ذاته، وإنما يأتي الخوف وربما الخطر من القناة أو الأسلوب، كما يأتي من الاستغلال بمعنى أن تتقدم طبائع الأشخاص وهواهم الشخصي على حقيقة الإصلاح أو التطوير أو التغيير المفترض أنه هدف النقد.
في حركة فتح يظهر النقد ضمن مدارس عدة لا تتوقف عند تبيان المثالب ولا يحدها حد الى درجة الشطط أحيانا في التعرض داخل الأطر وفي خارجها لما تراه خطأ ، وإن كنا مع مدرسة النقد الصارخ داخل التنظيم في الأعم والأغلب فإن نقد الظواهر أو الحالات خارجة يعد مطلبا هاما.

أنا المنقود أولا
من حيث تربي الكادر في حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح على ضرورة أن يمارس نقد ذاته (وهي بذات مهمة المؤمن في تنقية نفسه في علاقته مع الله والناس) فإنه بذلك يتحصل على قوة نقد الآخر بالمعنى الذي يعطيه الحق أن بشير الى تصرفات أو أفعال أو ممارسات أو أقوال هذا أو ذاك في إطاره (خليته ، شعبته ، لجنته ، اجتماعه …) دون أن يربط ذلك بالغضب أو التحامل أو الاقصاء للشخص لأن الهدف هو رفض العمل المدان، ولا يصل الأمر لرفض صاحبه، وإخراجه من التنظيم أو الجماعة إلا بشروط قانونية دستورية مرتبطة بقانون العقوبات في النظام.
اذن نحن نتكلم عن السلبيات وضرورة مواجهتها ونقدها (“بيده أو لسانه أو قلبه” … أنظر وتأمل في عظمة الفكرة هنا حيث التدرج أو ضرورة تمييز الوسيلة، أو اختيار الزمن أو الأنسب في كلام الرسول عليه السلام)، فإن لم أكن قادرا على تلمسها-أي السلبيات- في ذاتي فأنقد نفسي أولا فكيف لي أن أشير فقط للآخر وسوء ممارساته! ومن هنا جاءت (النقد والنقد الذاتي) كبند أساسي في الاجتماع التنظيمي في الاطار الثوري والسياسي والتنظيمي لأي جماعة.

الدرب المُنار
أن أهمية النقد كما قلنا في ظل افتراض صيانة الناقد عن الهوى والأهداف الشخصية وعن الشتم والتعريض تكمن بأن مثل هذا النقد ينير دربا لم يكن مضاء لدى المنقود ، وهو ما يجب أن يراه هكذا لأنه إن رآه طعنا وتحزبا ضده لن يأتي النقد ثماره أبدا ومن هنا تكاملية علاقة (النقد والنقد الذاتي)، فمن يفترض أنه كامل مكمل وأنه يحق له ما لا يحق لغيره فهو ممن يضربون بالقرار والنظام / القانون بعرض الحائط لمجرد امتلاكه القوة أو السطوة أو المركز.
نعم نقبل عقلية النقد في حركة فتح ما دامت ترتسم قسم نحو قاعدة البناء من خلال الكشف والإنارة لطرق لم تطرق ، والكشف عن مثالب لم ينتبه لها الشخص المنقود أو (الإطار القيادي) محل النقد ، ونعم نقبل النقد ما كان الناقد نفسه يتحرك في مساحة مفتوحة يقبل هو ذاته من خلالها أن يكون عرضة للنقد، فهو ليس منزها أبدا، وعليه فإن التحلي بخاصية الانفتاح يعنى احتمالية الخطأ كليا او جزئيا قائمة .
ونعم نقبل عقلية النقد أيضا ما ارتبطت بشخصية ايجابية وليست سلبية ، بشخصية عاملة فاعلة، وليست خاملة لا تفعل سوى احباط الآخرين أو شتمهم تحت مسمى النقد ، ونعم فالنقد من الشخصية المنفتحة والايجابية والمبادِرة يصبح مقبولا وقابلا للأخذ به على عكس تلك الشخصيات التي يصل فيها اليأس والنكد والسوداوية أو القناعة بكمال أو قداسة فكرتها حدا لا تتورع به عن فعل الموبقات من طعن ولعن وشتم ما قد يصل لحد القتل.

من شرائط الرفض
ان قوى الرفض في التنظيم السياسي هي قوى حية متحركة ، وتعرف كيف وأين ومتى تتحرك، وهي عامل دافع للتقدم متى ما استطاعت ان تعبر عن ذاتها بطريقة صحيحة، فلا تنحرف ضد أشخاص بعينهم أحسنوا أم أساءوا، ولا تتعاون مع الغريب على الإطار ، ولا تتثبت برأيها حتى أن بدا لها صواب الآخر ، ولا تتكتل نحو فكرة مغلقة بل تكون هي حالة متحركة وليست جماعة أو تكتلا داخل التنظيم أبدا ، حالة متحركة على مساحة تضيق أو تتسع ارتباطا بالاستجابات من الطرف لآخر ، ومن هنا يكون الارتباط بالحالة حول الموقف أو الفكرة أو الفعل وليس حول الشخص أو الاشخاص أو الاقليم أو المذهب.

انحراف “الرسول”
نأسف أن نرى في تنظيمات أخرى، أن النقد يعني الشتم واللطم والقباحة والتبخيس والتعريض والاتهام دون وجه حق والأخذ بالإشاعة والظن ونفخ الأحقاد وإشاعة أجواء الفتنة والاحتراب الداخلي، وأن النقد من الآخر لمثل هؤلاء المخرصين يصل لديهم ولدى أتباعهم لمستوى الخيانة أو بمستوى الكفر.
وقد يصل المدى في مثل هذه المنظمات إلى حد القتل أيضا كما هو الحال في التنظيمات الفكرانية (الايديولوجية) المتطرفة .
ولا نرى خيرا في تنظيم سياسي يحاول أن يجعل من ذاته رسولا جديدا للحق في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكأننا نعود ثانية لعصور الجهالة والاستغباء، ويبعث فينا من يظنون أنهم دونا عن البشر منزهون مقدسون يلقون بألفاظهم الثقيلة السمجة في آذاننا شيبا وشبابا وأطفالا ونساء في عرض مسرحي أن دل على شيء فإنما يدل على فساد الأرضية والتربة والتنشئة، وهي تلك التربة المناقضة لمفهوم قبول الآخر ولمفهوم النقد والنقد الذاتي أو بالمصطلح الإسلامي والقول الشريف مناقضة للعلاقة المباشرة مع الله حيث (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، والله جل جلاله الذي هو (أقرب إليه من حبل الوريد) (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) (الشورى 25)، وليس التوبة بوساطة العبيد أبدا.
إن من ينصب نفسه إلها أو نصف إله أو رسولا حاشى لله ورسوله، هو ذاته من ينصب نفسه مستبدا مالكا للأمر دون جماعته، وهو -أو أشباهه- من يوزع الاتهامات على الناس بالاتجاهات الستة، وهو من يغفر لهم أو يضعهم في جهنم الأرضية أو السماوية، وهو من يقلدهم مفاتيح الخلود؟! وهو ذاته من ينتقص من قيمة القرآن الكريم والصلة الايمانية المباشرة مع الله في علاقة (القرب / الوريد / التوبة)، وهو ذاته الذي يرفض أن يمارس مع نفسه ذات العلاقة هذه، فهو ومريدوه المحصنون من الذنوب الذي يقررون ذنوب الآخرين ولا يرون أنفسهم محل ذنب مطلقا ، وهم بالتعبيرات التنظيمية من لا يمارسون النقد لذاتهم، بل ويمنعون زوجاتهم أو أولادهم، أو ممن هم منتمين لفصيلهم أن يكون لهم عليهم أي مساحة نقد.
إن أمثال هؤلاء في الغلو الديني ، وأمثالهم في الغلو السياسي يحتاجون لقوى رفض داخلهم تنتقدهم وتقوّمهم وترسم لهم منارة وطرقا جديدة، فلا يتوهون فيضلون غيرهم بادعاء هداهم وعصيانهم عن النقد.

كتب بكر أبو بكر

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا