الرئيسيةمختاراتمقالاتالشرق الأوسط ... ونظرية ملء الفراغ!! بقلم: د. ناجي صادق شراب

الشرق الأوسط … ونظرية ملء الفراغ!! بقلم: د. ناجي صادق شراب

التاريخ السياسي للمنطقة يعيد نفسة من خلال إسترجاع مقولات قديمة إرتبطت بالإستعمار وشكله التقليدي، التدخل العسكري في المنطقة، ومن هذه المقولات التي تتردد مجدداً أن المنطقة العربية تعاني من فراغ في القوة، بسبب غياب الدور المحوري للدولة القائدة او الدولة المحورية ، وبسبب انهيار عدد من الجيوش العربية القوية كالجيش العراقي والسوري والليبي، وإنشغال السعودية في اليمن ، وإنشغال الجيش المصري في حربه على الإرهاب وملاحقة الجماعات الإسلامية المتشددة في سيناء، ودوليا بالتوجه الأمريكي نحو منطقة شرق آسيا كمنطقة ومجال حيوي إستراتيجي على حساب التواجد في المنطقة ، وبروز دور القوى المتطلعة لملء الفراغ المزعوم بالدور الإيراني ومحاولة ان تحل محل الدور الأمريكي في منطقة الخليج العربي، وروسيا التي تستعيد أهداف الإمبراطورية السوفيتية بالتوجه نحو المياه الدافئة ، وتدخلها الواضح في سوريا، وتركيا وما تسعى له لملء هذا الفراغ، وبالطبع إسرائيل المستفيد الأول، والتي تحاول ان تحيي هذه النظرية من جديد، من خلال ان يكون لها دور مباشر ومعترف به.

والسؤال المطروح هنا: ما حقيقة هذا الفراغ في القوة ؟ وما هي الخيارات والآليات المتاحة عربيا لمواجهة هذه الإستراتيجيات؟

ترتبط هذه النظرية بنظرية القوة والتي تقوم على فرضية أساسية أن دول القوة في النظام الإقليمي والدولي تحدد مجالاتها الحيوية إستنادا لموقعها على سلم القوة الإقليمي والدولي. وهي علاقة بين الفاعلين السياسيين تقوم على عدم التكافؤ في القوة ، فاعل قوي وفاعل ضعيف.او يفترض ان تكون هكذا علاقة. والمجال الحيوي لهذه النظرية تسود الأقاليم ذات الأهمية الإستراتيجية والعسكرية والإقتصادية لدول القوة ، والتي ترى ان احد اهم عناصر إستمرارية قوة هذه الدول يكمن في السيطرة على هذه الأقاليم.

وآليات هذه النظرية التدخل العسكري البشري، وإقامة مناطق النفوذ وتقاسمها بين دول القوة الإقليمية والدولية دونما إعتبار لمصالح دول الإقليم. ومن أبرز الاقاليم التي أرتبطت بها هذه النظرية تاريخيا هي النظام الإقليمي العربي، ومنطقة دول الخليج العربي. بإعتبارها من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم، ومن يسيطر عليها يسيطر على القرار الدولي.

وهذه النظرية تساعد على تفهم السلوك السياسي لدول القوة على مستوياتها في فرض سيطرتها على الآخرين وهي بصيغة أخرى تكشف عن الإستراتيجيات العليا لهذه الدول، والتصارع والإلتقاء بين مصالحها في تقسيم مناطق النفوذ، ولعل منطقتنا العربية والخليجية كانت أكثر المناطق المعاصرة التي طبقت عليها هذه النظرية في صورتها التاريخية أو صورتها المعاصرة اليوم.وتاريخيا خضعت معظم دول المنطقة للإحتلال البريطاني والفرنسي والذي اعتبر المنطقة منطقة نفوذ ومصالح لهما، وتم تقاسم المنطقة وفقا لخارطة سايكس بيكو، وسادت هذا الخارطة السياسية على إعتبار ان أوروبا هي من تحكمت في بنية القوة الدولية على مدار تطور العلاقات الدولية حتى إنتهاء الحرب الثانية.

وليس من المبالغة القول ان العلاقات الدولية كانت في مجملها علاقات أوروبية ، وبعد الحرب الكونية الثانية تراجعت اوروبا للوراء لتفسح المجال أمام نظام دولي جديد يقوم على ثنائية القوتين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي، وبإستقلال الدول العربية وجلاء القوات البريطانية والفرنسية ظهرت من جديد نظرية فراغ وملء القوة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي، وارتبطت السياسة الأمريكية بما يعرف بمبدأ أيزنهاور الذي يقوم على ملء فراغ القوة الذي نجم عن إنسحاب بريطانيا وفرنسا، وكان التحول في الإستراتيجية الأمريكية من إستراتيجية التدخل السريع إلى تبني إستراتيجية التدخل والتواجد العسكري المباشر، ومازالت هذه الإستراتيجية قائمة حتى الوقت الحاضر، ومن ناحيته -الإتحاد السوفيتي سابقا- تبني إستراتيجية التوجه نحو المياه الدافئة ويعني مياه الخليج العربي.

واما على المستوى الإقليمي فكانت سياسة إيران الشاهنشاهية ومحاولة لعب دور الوكيل للسياسة الأمريكية وإحتلالها لجزر الإمارات كان من أشكال نظرية فراغ وملء القوة، بالإحتلال والتواجد العسكري وهو الشكل الأساس لهذه النظرية.

ومن جانبها تبنت اسرائيل سياسة المجال الحيوي المفتوح والذي إعتبرت بموجبه كل المنطقة حتى الباكستان تقع في مجالها الحيوي، وتقوم على فرضية أساسية وهي الحيلولة دون بروز أي قوة عربية في المنطقة وضربها في مهدها كما حدث بضرب المفاعل النووي العراقي ، وفي سوريا، وضرب الجيش المصري في حرب 1967.

واليوم تتجدد هذه النظرية بما نراه من تدخل روسي في سوريا، وتدخل إيراني في العراق وسوريا ولبنان، ومحاولة تركيا بسط قوتها على مناطق نفوذ لها في سوريا والعراق. مما دفع لبروز هذه النظرية من جديد التحول في الإستراتيجية الأمريكية والحديث عن تراجع المنطقة كمنطقة إستراتيجية عليا والتوجه نحو شرق أسيا، لكن ليس معنى ذلك التخلي عن هذه المنطقة التي ستبقى لعقود قادمة منطقة صراع بين القوى الإقليمية والدولية.

ومما ساعد على تجدد النظرية التحولات السلبية التي صاحبت ثورة التحولات العربية والتي من أسوأ تداعياتها سقوط دول عربية ، وتفكك جيوشها كما في ليبيا وسوريا، وقبل ذلك سقوط الجيش العراقي في أعقاب غزو الكويت عام 1991.

ولكن ما غاب عن منظري ومروجي هذه النظرية الإمبريالية في أهدافها وأدواتها ان الدول العربية ورغم تراجع قوتها لكنها لم تعد هي نفس الدول التي كانت قبل عقود، وهذا ما نراه من تنامي الدور السعودي ودور مجلس التعاون كالإمارات ، وما زالت مصر تشكل قوة كبيرة بجيشها رغم الإستهداف في سيناء.

ولكن السؤال هو ما هي إستراتيجيات الدول العربية أمام بروز هذه النظرية من جديد؟ وقبل الإجابة على السؤال أشير الى ان هذه النظرية في صورتها المعاصرة قد تشكل خطورة كبيرة على مستقبل كل النظام العربي بكل دوله، فمحاولات ملء الفراغ لم تعد قاصرة على الولايات المتحدة وروسيا فقط، بل برز وبشكل قوي دور دول القوة الإقليمية الأخرى، وإذا ما أفسح الطريق امام هذه القوى فالنتيجة الحتمية سقوط كل الدول العربية وتحولها لمناطق نفوذ تملؤها القوات العسكرية لهذه الدول تطبيقا لنظرية الشطرنج. وما لم تدركه هذه القوى في نفس الوقت ان الدول العربية وخصوصا السعودية ومصر ودول مجلس التعاون لم تعد هي نفس الدول قبل عقود، اليوم أصبحت أكثرة قوة واكثر حسما في مواجهة محاولات ملء فراغ القوة بقوات عربية مشتركة.

وهذه هي الإستراتيجية العربية الفاعلة اولا تفعيل القوة العربية المشتركة ، وتقوية دور مصر كقوة عربية عربية محورية ، ولذلك التلاقي الخليجي المصري له بعد استراتيجي ويشكل مصلحة عربية عليا في مواجهة محاولات الإختراق والنفاذ لقلب المنطقة ، والإستراتيجية الثانية هي تبني إستراتيجية تنويع مصادر القوة المتاحة ، والإستراتيجية الثالثة هي تحقيق التوازن في العلاقات الدولية وعدم الإعتماد فقط على القوة الأمريكية ، وتبقى الإستراتيجية الرابعة وهي محاولة تبني استراتيجيات الحوار مع القوى الإقليمية إيران، وتركيا بناء على المصالح المشتركة وإحترام الشؤون الداخلية لدول المنطقة ، والعمل على تحييد القوى الأخرى.

وأخيرا تبقى إستراتيجية الإعتماد على الذات العربية هو الرد الطبيعي على هذه النظرية وإجهاضها.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا