الرئيسيةمختاراتمقالاتعدالة عمياء عرجاء متثاقلة!! بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

عدالة عمياء عرجاء متثاقلة!! بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

يبدو أن أجهزة الأمن الإسرائيلية أو هكذا يظهر على السطح، قد بدأت تنفيذ توصيات محكمة العدل الإسرائيلية ، التي صدرت مؤخرا بعد مسيرة طويلة وتراخ وتثاقل وتأجيل، والقاضية بتسليم جثامين الشهداء القابعة في ثلاجات الإحتلال الإسرائيلي منذ ثمانية أشهر ونيف، وقبل حلول شهر رمضان.
تكمن الغرابة في أن إجراءا إنسانيا بسيطا عاديا، يستغرق زمنا عند الإحتلال الإسرائيلي. هذا الأمر البدهي منذ الخليقة وتعارف عليه الخلق والدول والحضارات، يقضي بدفن جثمان المتوفي بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه أو لغته أو اي اعتبار آخر دونما تأجيل أو تسويف. لكن الإسرائيليين السلطويين الطهورين يرفضون هذا المنطق إذا اتصل بالفلسطينيين الذي يقاومون الإحتلال، ولكنهم لا يرفضونه لمجرميهم وقتلتهم ومغتصبي نساءهم وشواذهم. وهم يذهبون بعيدا في حسّهم الإنساني الذي لا مثيل له، فيحتجزون الجثمان ويعاقبونه ويعاقبون أهله ويمنعونه من الدفن الكريم لأيام بل لأسابيع بل لأشهر قاربت العام، بحجج وذرائع، أقل ما يقال فيها أنها غير إنسانية وتقوم على تمييز عنصري وعقاب جماعي.
يبدو لي أن توصية محكمة العدل العليا الإسرائيلية الصادرة في بدايات الشهر الحالي والقاضية بتسليم جثامين تسعة منها قبل رمضان جاءت متأخرة جدا ومتثاقلة وغامضة، مما ينثر الشك حول ممارسات هذه المحكمة حينما يكون المستدعي عربيا فلسطينيا. فرغم أن التوصية طلبت من سلطات الأمن الإسرائيلية أن تزيل الجليد الذي يكسو الجثامين بثمانية وأربعين ساعة من التسليم، إلا أنها توصية وهناك خلاف على طبيعتها، أي ان المحكمة لم تأخذ بالحد الأدنى وتقرر قرارا بل أخذت توصية وشتان بين الأمرين. كما أنها لم تقرر التسليم الفوري للجثامين وللجميع في آن واحد، فضلا عن أنها أبقت المعايير الأمنية للتسليم قائمة. وبالتالي تركت الباب مفتوحا لعسف سلطات الأمن عبر إساءة استعمال سلطتها التقديرية في معايير التسليم ومدى موافقة أهل الشهيد على الإستجابة لطلباتهم التعسفية. وبالتالي ستحاسب أهل أي جثمان ممن رفض الشروط الإسرائيلية أو عارضهم، وتبتزهم وتعيق تسليمهم إلى آخر لحظة.
كان الله في عون الفلسطينيين وبخاصة المقدسيين. فإن هم لجئوا إلى المحاكم الإسرائيلية سواء في قضايا الأمن أو العقارات لقيوا الأمرّين والعنت، وإن قاطعوها سدت سبل العدالة أمامهم. وإن لجئوا إليها جمّلوا وجه العدالة الإسرائيلية القبيح وأنشئوا سوابق قضائية، وإن قاطعوا سلبت حقوقهم أمام أعينهم وهم يتفرجون، عبر قانون إسرائيلي لم يكن قانونا وفق المعايير الدولية للقوانين العادلة.
ابتُلي المقدسيون والفلسطينيون باحتلال بغيض يأمر بعدم دفن الجثامين عقابا لهم ولأسرهم بحجة الأمن ووضع شروط بالغة الصعوبة على أهل الشهيد حتى يكون ذلك درسا للأهل وللآخرين واتعظوا يا أولي الأباب. هل نسينا مقابر الأرقام ونهش الكلاب للجثث، ومتى تدخلت محكمة العدل العليا الإسرائيلية بل متى تدخلت في قضية الجثامين الحالية. وهل هكذا يحدث التدخل وبهذه الصورة؟!
محكمة عرجاء عمياء تغض النظر عن تصرفات السلطة الإسرائيلية المحتلة وتبرر أفعالها، وتصدر توصيات عرجاء بدل قرارات وتؤخرتنفيذها وكأنها شريكة فيها. ماذا يستطيع الفرد الأعزل الذي يجري وانقطع نفسه لدفن مهجة فؤاده. وهذا المسئول يستهتر بمشاعره والآخر يزعم بوقاحة أن الدفن موضوع أمني وقد خلا قلبه من ذرة إنسانية. وهذا الطبيب الإسرائيلي يجلّد جثامين شهدائنا بدون وازع ضميري. بل لماذا لا تقرّع المحكمة السلطة الإسرائيلية المحتلة على تصرفاتها المتعاقبة المختلفة تجاه الجثامين وأهاليهم.
قضاء إسرائيلي يجيز هدم المنازل كعقوبة جماعية، يبرر الإعتقال الإداري، يشّرع أنظمة الطوارىء لقمع العرب، يسّن قانونا لأملاك الغائبين، يضفي الشرعية على أوامر المصادرة والإستملاك للأملاك العربية، قضاء لا يلاحق القتلة اليهود للعرب الأبرياء، قضاء يحاكم أطفالا وهم دون الرابعة عشر من العمر، قضاء يسحب هويات المقدسيين ويمنع لم شمل عائلاتهم، قضاء يبطل مناقصات لأنها كانت لمصلحة الإسكان العربي في الشمال، مثل هذا القضاء يفتقد للحياد والموضوعية والنزاهة في القضايا العربية. لكن السؤال الملح ما العمل قانونيا في ظل سلطة احتلال إسرائيلية متغولة متوحشة ؟!
الحديث السابق يشخص القضاء أو القانون الإسرائيلي المنحاز الذي يقوم على التمييز العنصري، لكن البلّية أعظم في المجتمع الإسرائيلي. فصيحات الموت للعرب تفوح منها رائحة الموت في كل مكان عام، وإيذاء العرب سلوك فخر واعتزاز لزعران اليهود، وفتاوى رجال الدين اليهود أي الحاخامات بإعدام الفلسطينيين أمر يندى له الجبين، والدعوات لتخصسص حافلات للعرب بمعزل عن اليهود ، وعزل المرضى الفلسطينيين عن المرضى اليهود في المستشفيات الإسرائيلية، وتقييد الإسكان العربي بل عدم إقامة وحدة سكنية واحدة لمقدسي. هذه ظواهر تمييز عنصري لا تخطئه العين، هذه ظواهر استعمارية مارستها بريطانيا في أيرلندا، وهذه ظواهر أبارتهايد كانت ثم بادت في جنوب أفريقيا.
أس البلاء هو الإحتلال الإسرائيلي للقدس العربية وضمها، وعدم تطبيق القانون الدولي الإنساني عليها وعلى أهاليها. أس البلاء أن يكون خيار المقدسي والفلسطيني في نزاعه مع السلطة الإسرائيلية المحتلة محكمة إسرائيلية تسمى بالعدل العليا، وهي خصم وحكم في آن واحد. اختصاصها يجب أن لا يمتد إلى الإقليم المحتل، لكنها مدّته زورا وبهتانا إلى جميع المنطقة المحتلة بذريعة توفير العدالة للفلسطينيين، وتجميل الوجه القبيح للإحتلال بمساحيق ماكس فاكتور للتجميل.
لنسأل سؤالا بسيطا وساذجا، كم مرة أنصفت العدالة الإسرائيلية المتمثلة في محكمة العدل العليا الإسرائيلية الفلسطينيين؟! ألم تثبت الدراسات أن أكثر من 95% من قضايا الفلسطينيين فشلت أمام هذه المحكمة العليا. ألم يخطر ببال قضاة المحكمة هذه أو ببال رجال وسيدات النيابة العامة الممثلين أمامها سؤالا يتيما عن إحصائية بسيطة قدمت عدالة للفلسطينيين المحتلين، أم أن الفلسطينيين بهم جينات وراثية لمخالفة القانون فقط في فلسطين، أما في أماكن أخرى في العالم فهم كبقية خلق الله، لكنه القضاء الأعرج الصهيوني المتحيز غير النزيه غير المبصر المتثاقل المسيس الذي لا يود رؤية الحقيقة المرّة!!!

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا