الرئيسيةمختاراتمقالاتعن المداخل والمخارج

عن المداخل والمخارج

بقلم: عماد شقور (كاتب فلسطيني)

يروون ان معاوية بن ابي سفيان سأل عمرو بن العاص: كيف اصبحت «داهية العرب»؟ فقال: والله ما دخلت مدخلا الا عرفت مَخرجَه. فقال له معاوية: لستَ بداهية، اما انا فما دخلت مدخلا احتاج ان اخرج منه.
يبدو اننا على ابواب مرحلة جديدة، تنفتح مداخلها، مدخلا تلو الآخر، بوتيرة سريعة، وبتنسيق بين الفاعلين، تحمل بين مصاريع ابوابها الكثير من اسباب التفاؤل، لكنها تحفل في الوقت ذاته، بالكثير من اسباب التشكك، والدفع باتجاه ضرورة الاستعانة بكل ما يملك الانسان من مخزون الحذر والتنبّه والتحوّط.
لا يملك الوضع الفلسطيني التّرَف الذي حظي به معاوية، ومكّنه من القعود والامتناع عن الدخول في «مداخل» قد يحتاج ان يخرج منها. وليس بمقدور الفلسطينيين، بل وليس من مصلحة الفلسطينيين اساسا، تجنب الدخول في هذه المداخل، او التهيّب والامتناع عن خوض تجربة جديدة من التعامل مع “اسرائيل”، دولة العدو المحتل والمستعمر، كما ليس من مصلحتهم ممارسة دور النأي بالنفس عن خوض غمار مواجهات سياسية، هي في صميم قضية شعبنا، ولا مصلحة للفلسطينيين، بالمطلق، في ان يتركوا للآخرين تفصيل ما قد يكون مستقبلهم بكامله، او المنظور من ذلك المستقبل على الاقل.
بدأت هذه المرحلة في الظهور إلى العلن، بعد اشهر من توجيه “اسرائيل” ضربة قاضية للجهود الأمريكية، المنحازة اصلا لمصلحة اسرائيل، ادت إلى احباط ويأس واستسلام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ونفض يديه من هذا الملف الشائك. واذ وصل الوضع إلى نقطة غليان مهددة بانفجار كبير، بدأت مقدماته بعمليات طعن ودهس وردود فعل اسرائيلية غاية في القسوة، شمّرت باريس عن ساعدها،حيث اعلن وزير الخارجية الفرنسي السابق توجه بلاده إلى اخذ زمام المبادرة لاعادة الروح إلى كل ما من شأنه بعث الامل في امكانية التوصل إلى حل او تسوية ما لقضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وبدأت التحدث عن وضع برنامج احياء لملف المفاوضات، من بنوده ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة من جهة، وضمان الاستقرار ومتطلبات الامن لاسرائيل من جهة ثانية. واذا كان هذا ليس جديدا، فقد كان الجديد في تلك المبادرة، في حينه، وضع حد زمني للمفاوضات، ينتهي بالاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية، واعتراف فرنسا تحديدا بالدولة، بغض النظر عن نتيجة تلك المفاوضات، والنقطة التي تكون قد وصلتها، واتباع ذلك بالتوجه إلى مجلس الامن لاستصدار قرار ملزم لاسرائيل بهذا الخصوص.
مرّت المبادرة الفرنسية بمراحل هبوط واستقرار وصعود متعددة، ولكنها وصلت منذ شهرين إلى محطة جديدة تبلغ ذروتها اليوم، بانعقاد مؤتمر على مستوى وزراء الخارجية، يمثلون ثماني وعشرين دولة مؤثرة وفاعلة من دول العالم ومن المنطقة العربية، دون توجيه الدعوة لهذا اللقاء التحضيري لأي من فلسطين او اسرائيل، منعا لتوتير الاجواء، كما منعا لسرقة الاضواء وحرف المؤتمر بكامله عن الهدف الاساسي من وراء انعقاده.
وبهدف تحقيق اقصى ما يمكن تحقيقه من هذه المبادرة، اوفدت فرنسا وزير خارجيتها الجديد إلى تل ابيب ورام الله، لكن تلك الخطوة لم تُعطِ ثمارها، بل وزادت العلاقة الفرنسية الاسرائيلية توترا، حيث اعلن وزير الخارجية الفرنسي في مطار بن غوريون وهو يغادر عائدا إلى باريس، ان فرنسا مصممة على عقد المؤتمر «رغم اعتراض ورفض اسرائيل». وجاء الرد الاسرائيلي الرسمي في هذه المواجهة المباشرة وغير الديبلوماسية، من خلال تصريح لنتنياهو في افتتاح جلسة الحكومة الاسرائيلية يوم مغادرة الوزير الفرنسي، جاء فيه: «ان الطريق إلى سلام حقيقي بيننا وبين الفلسطينيين هو المفاوضات المباشرة. كل حل آخر يبعد السلام، ويعطي الفلسطينيين فتحة للهروب، والامتناع عن مواجهة جذر الصراع وهو الاعتراف بدولة اسرائيل» (!).
في هذا الجو الملبد القى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطابه الذي تضمن حث الفلسطينيين وكذلك الاسرائيليين، (بجميع احزابهم السياسية)، على العودة إلى المفاوضات، بمشاركة اقليمية هذه المرة، والتأسيس على المبادرة العربية، لانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، الذي يغذي ويؤجج كل الصراعات في المنطقة، ويشكل حافزا وغطاء وذريعة لعمليات إرهابية دموية فظيعة تغطي دول المنطقة والعالم.
جاء خطاب السيسي ليعيد قضية النضال الفلسطيني، ضد الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي، إلى موقعها الاساسي على الدرجة الاعلى في سُلّم اولويات المنطقة والعالم، رغم كثافة غبار المعارك في المنطقة، وضباب الإرهاب الدموي الذي يتفجر في عواصم ومدن العالم بقوة واضحة، وشكّل ذروة جديدة على مسار الاحداث في المنطقة. كان كمِثل القاء حجر في بركة ماء راكدة. احدث موجات متتالية ازدادت توسعا حتى غطّت كامل الخارطة السياسية في المنطقة بشكل عام، وفي اسرائيل بشكل خاص:
ـ تسابق رئيس الحكومة نتنياهو، ورئيس المعارضة هيرتسوغ، في صياغة عبارات الترحيب بخطاب الرئيس السيسي.
ـ تسبب في كشف اتصالات ومفاوضات بين حزب الليكود ورئيسه نتنياهو، وحزب العمل ورئيسه هيرتسوغ.
ـ انقلبت صورة التحالفات الحزبية في اسرائيل بالكامل خلال اقل من اربع وعشرين ساعة، عندما كشف نتنياهو عن وجود خط مفاوضات مواز مع ليبرمان، رئيس حزب «يسرائيل بيتينو» اليميني المتطرف الموسوم بالعنصرية والشوفينية الظاهرة، للانضمام إلى حكومته، وتولي وزارة الدفاع. واعلن هيرتسوغ، الذي تفاجأ بوجود خط المفاوضات هذا، اغلاق باب المفاوضات مع نتنياهو. اما يعالون، وزير الدفاع ونائب رئيس الحكومة (في حينه)، فقد استقال غاضبا من حكومة نتنياهو ومن عضوية الكنيست.
ـ لحق بذلك ارتباك في صفوف الائتلاف، استمر اسبوعا وتطايرت خلاله تصريحات عن استعدادات لاستقالات والتسبب في اسقاط الحكومة واجراء انتخابات برلمانية جديدة، بعد اقل من عام وشهرين فقط على الانتخابات السابقة. واستقال خلال هذه الاهتزازات وزير من حزب «كولانو» وعضوة كنيست من حزب ليبرمان.
ـ وعندما تم الاعلان عن التوصل إلى اتفاق يتسلم ليبرمان بموجبه حقيبة الدفاع، بدأ هذا مباراة مع نتنياهو في اظهار ايهما اكثر اعتدالا وعقلانية، وصلت حد تحدثهما عن «جيراننا» الفلسطينيين دون اتهامات واوصاف سلبية، وحد قول ليبرمان ضاحكا: «أُقر واعترف انني اجريت عملية تطويل لفتيل التفجير القصير الخاص بي». وعلقت جريدة هآرتس على ذلك بكاريكاتير ساخر يظهر فيه ليبرمان يحلق بطائرة حربية فوق سد اسوان وينثر من الجو رُزَماً من الاوراق الملونة مكتوبا عليها كلمة واحدة هي «سلام».
كيف سيتصرف الفلسطينيون؟ وما هي السياسة التي يجدر بهم اعتمادها؟
يجدر بمنظمة التحرير الفلسطينية، في اعتقادي، ولوج كل مدخل يُفتح، بقوة وصلابة وثقة بالنفس، تتوفر عندما يكون الوفد الفلسطيني يمثل بصدق وجدية كل اطياف قوس القزح الفلسطيني السياسي الذي يمثل كافة التيارات المنضوية تحت لواء م.ت.ف. واولها وعلى رأسها الجبهتان الشعبية والديمقراطية، والابرز والاكثر كفاءة من المستقلين الذين اثبتوا قدرة وصلابة والتزاما وطنيا في مواقع سابقة شغلوها، ليشكل كل هذا دعما ومصداقية لحركة فتح، العمود الفقري للعمل الوطني الفلسطيني.
يجدر بمن يدخل هذه المداخل، ممثلا حقيقيا للغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، ومدعوما بالقوة العربية المتماسكة حول المحور المصري السعودي، ان يأخذ بعين الاعتبار، احتمالا كبيرا لأن تتنصل اسرائيل في أي مرحلة من أي التزام قد تعلنه، الامر الذي يستدعي الامتناع بالمطلق عن تقديم ادنى تنازل مجاني مهما صغر حجمه.
يجدر بالفلسطينيين ان يمنعوا استفراد “اسرائيل” بهم تحت غطاء «المفاوضات المباشرة»، حيث: نعم للمفاوضات المباشرة، لكن بحضورشهود اولهم واهمهم مصر، وبمرجعية هي القرارات الدولية، وبجدول زمني محدد.
لا شيئ مؤقت ومتغير في “اسرائيل”، اكثر من كل ما تحاول هي اظهاره وكأنه دائم وثابت. هكذا كانت «شرم الشيخ بدون سلام، خير من سلام بدون شرم الشيخ»، وهكذا كان انكار وجود الشعب الفلسطيني، وكانت منظمة التحرير إرهابية محظورا التعامل معها، ولكن الامر انعكس بالكامل في اوسلو، ثم عاد لينعكس من جديد في اول مناسبة سنحت ل”اسرائيل”. وهكذا تم ضم الجولان بقانون سنته الكنيست، ثم عاد ليكون موضوعا على طاولة المفاوضات، واقتصر الخلاف في بعض جولات المفاوضات العلنية والسرية وغير المباشرة، على خمسين مترا عن شاطئ طبريا الشرقي. والامثلة الشبيهة اكثر من ان تحصى.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا