الرئيسيةمختاراتمقالاتما بعد المصادقة على مشروع قانون المعاملات الإلكترونية الفلسطيني

ما بعد المصادقة على مشروع قانون المعاملات الإلكترونية الفلسطيني

الكاتب: د. إيهاب عمرو

أستاذ القانون الخاص ومحكم معتمد من وزارة العدل

قرر مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته المنعقدة بتاريخ 17/05/2016 المصادقة على مشروع قانون المعاملات الإلكترونية وإحالته إلى رئيس دولة فلسطين لإصداره وفق الأصول، وذلك من أجل تسهيل وتنظيم المعاملات الإلكترونية بواسطة رسائل أو سجلات إلكترونية معتمدة، وإزالة أي عوائق أو تحديات أمام المعاملات الإلكترونية والأخذ بعين الاعتبار الحد من حالات تزوير المراسلات الإلكترونية والتعديلات اللاحقة، ومن فرص الاحتيال في المعاملات الإلكترونية، وإرساء مبادئ قانونية موحدة للقواعد واللوائح والمعايير المتعلقة بتوثيق وسلامة المراسلات والسجلات الإلكترونية، وتعزيز تطوير التجارة الإلكترونية والمعاملات الإلكترونية الأخرى على الصعيدين المحلي والعالمي وذلك عن طريق استخدام تواقيع إلكترونية، كما جاء في القرار سالف الذكر.
وقد جاءت المصادقة على مشروع القانون المذكور من قبل مجلس الوزراء بناء على مسودة تم إعدادها من قبل وزارة التكنولوجيا والإتصالات بالتعاون مع اللجنة الوزارية التي شكلت بقرار من مجلس الوزراء، وكذلك بعض مؤسسات القطاع العام، الخاص والأكاديمي ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بالمواضيع التي تناولتها مسودة القانون.
وشمل مشروع القانون المذكور تنظيم كافة المسائل ذات العلاقة بالمعاملات الإلكترونية وأهمها النص على جواز التعاقد الإلكتروني والذي يتم بوسائط إلكترونية سواء تعلق بمسائل مدنية أو تجارية، السند الإلكتروني القابل للتحويل، التحويل الإلكتروني للأموال، التوقيع الإلكتروني المعتمد قانوناً، حماية المعاملات الإلكترونية، أثر التوقيعات الإلكترونية الأجنبية، وأخيراً العقوبات المترتبة عن جرائم إلكترونية مثل تزوير محررات أو تواقيع إلكترونية.

وتنبع أهمية المصادقة على مشروع قانون المعاملات الإلكترونية من حيث كونه سوف يشكل، إضافة إلى ما تضمنه قرار مجلس الوزراء، الإطار القانوني الناظم لمعاملات التجارة الإلكترونية كبديل عن التجارة التقليدية التي يحكمها قانون التجارة ساري المفعول لعام 1966 والذي لا تشتمل أحكامه على أية مواد خاصة بالمعاملات الإلكترونية نظراً لقدمه وبسبب ظهور المعاملات الإلكترونية بعد إصداره بعقدين أو يزيد، ما يعني أن النظام القانوني الفلسطيني قد كان، قبل المصادقة على مشروع قانون المعاملات الإلكترونية، خلواً من أية أحكام شاملة تنظم مسائل التعاقد الإلكتروني، بإستثناء الأحكام الخاصة بإثبات المحررات الإلكترونية الواردة في قانون البينات في المواد المدنية والتجارية لعام 2001، والذي نظم تلك المسائل بواسطة مادتين فقط هما المادة (19) والمادة (27). وإعتبرت المادة (19/2) من قانون البينات المذكور المحررات الإلكترونية من قبيل السندات العرفية، حيث نصت على ما يلي: ” تكون للبرقيات ومكاتبات التلكس والفاكس والبريد الإلكتروني هذه القوة أيضاً إذا كان أصلها المودع في مكتب التصدير موقعاً عليها من مرسلها، وتعتبر البرقيات مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك”. ونصت المادة (27) من قانون البينات المذكور على سريان أحكام الفصل الخاص بالسندات غير الموقع عليها على وثائق نظام الحاسب الآلي. بخلاف ذلك، فإننا لا نجد في النظام القانوني الفلسطيني ما يشير إلى تنظيم المشرع القانوني لمسائل التجارة الإلكترونية بشكل خاص والمحررات الإلكترونية بشكل عام، ما يثبت أهمية المصادقة على مشروع قانون المعاملات الإلكترونية من قبل مجلس الوزراء، على الرغم من أن المصادقة على مشروع القانون قد جاءت متأخرة مقارنة مع دول عربية أخرى، والتي أصدرت قوانين منظمة لمسائل المعاملات الإلكترونية منذ فترة طويلة. على سبيل المثال، قامت الأردن بإصدار قانون ينظم المعاملات الإلكترونية في العام 2001 تناول كافة المسائل المتعلقة بالمعاملات الإلكترونية في المسائل المدنية والتجارية مثل التعاقد الإلكتروني، التوقيع الإلكتروني، إضافة إلى الدفع الإلكتروني. مما يجدر ذكره أن قانون المعاملات الإلكترونية الأردني سالف الذكر قد تم إلغائه صراحة بصدور قانون المعاملات الإلكترونية رقم (15) لسنة 2015.

كذلك، قامت العديد من الدول الغربية سواء كانت تتبع النظام الأنجلوسكسوني أو النظام اللاتيني بإصدار قوانين تنظم مسائل الإتصالات والمعاملات الإلكترونية والتجارة الإلكترونية خلال العقد الماضي ومنها على سبيل المثال قانون المعاملات الإلكترونية الموحد لعام 1999 في الولايات المتحدة الإمريكية الذي ينظم، من ضمن أمور أخرى، المسائل الخاصة بالعقد الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني. أيضاً الأمر التوجيهي الصادر عن كل من البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي في العام 2000 الخاص بتنظيم مسائل التجارة الإلكترونية، والذي إعتمدته غالبية الدول الأوروبية في تشريعاتها الداخلية.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن بعض الدول الغربية والتي تتبع كل من النظام الأنجلوسكسوني والنظام اللاتيني قد قامت بإصدار قوانين خاصة بالتوقيع الإلكتروني مستقلة عن قوانين المعاملات الإلكترونية، نظراً لأهمية التوقيع الإلكتروني في الواقع العملي ما يستلزم وجود قانون خاص به، كونه يعد قانون فني يهدف إلى توفير إطار قانوني لإستخدام التوقيعات الرقمية في معاملات التجارة الإلكترونية، سواء في مرحلة التعاقد أو في مرحلة الإثبات القضائي، ومنها على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا. كما قامت بعض الدول الغربية أيضاً بإصدار قوانين خاصة بنظام الدفع الإلكتروني لأهميته، منهاعلى سبيل المثال روسيا والدنمارك.
في هذا السياق، نرى ضرورة قيام المشرع القانوني الفلسطيني بالعمل مستقبلاً على إصدار قوانين خاصة بالتجارة الإلكترونية، التوقيع الإلكتروني ونظام الدفع الإلكتروني وذلك حتى تكتمل منظومة التشريعات ذات العلاقة بالمعاملات الإلكترونية، ما يسهل على المتعاقدين إبرام عقودهم بعيداً عن الشكلية التي تتطلبها القوانين سارية المفعول بشكل عام من جانب، ويساهم في تعزيز دور التجارة الإلكترونية في فلسطين بشكل خاص كبديل عن التجارة التقليدية من جانب آخر.

في الواقع العملي، يتعين على القضاء الفلسطيني تفسير وتطبيق نصوص قانون المعاملات الإلكترونية، بعد نشره ونفاذه، بشكل عصري يضمن تعزيز دور الوثائق الإلكترونية سواء في مرحلة التعاقد الإلكتروني أو في مرحلة إثبات المحررات الإلكترونية أمام القضاء في ضوء قصور قانون البينات سالف الذكر، خصوصاً إذا ما علمنا أن مسائل الإثبات لا تعد من النظام العام. في سبيل تحقيق ذلك، فإننا نرى ضرورة إختيار قضاة متخصصين لنظر النزاعات ذات العلاقة بالعقود الإلكترونية سواء كانت مدنية أو تجارية، والعمل على تأهيلهم بحيث يكونوا قادرين على نظر تلك القضايا.
إضافة إلى ما سبق، إن وجود قضاة متخصصين في المعاملات الإلكترونية سوف يساعد على تعزيز دور التحكيم كوسيلة لفض المنازعات الناشئة عن التعاقد بواسطة الإنترنت في حالة تضمن العقد الإلكتروني شرطاً ينص على إحالة النزاع الذي قد ينشأ إلى التحكيم، ما يعني الإعتراف بإتفاق التحكيم الإلكتروني كمحرر إلكتروني وفق نصوص قانون المعاملات الإلكترونية الجديد ويضمن إحالة تلك المنازعات إلى التحكيم، وهو ما سوف يساهم في سد النقص الموجود في قانون التحكيم ساري المفعول لعام 2000 والذي يعترف فقط بإتفاق التحكيم المكتوب، ولا يعترف بإتفاق التحكيم الإلكتروني على أهميته.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا