الرئيسيةمختاراتمقالاتنحو إنضمام فلسطين إلى منظمة التجارة العالمية

نحو إنضمام فلسطين إلى منظمة التجارة العالمية

بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو

تزايدت التساؤلات في الآونة الأخيرة حول مدى إمكانية إنضمام فلسطين إلى منظمة التجارة العالمية كعضو مراقب، وهل تعد فلسطين مؤهلة حقاً للإنضمام في ضوء الشروط والمعايير الواجب توافرها في كل دولة تسعى للإنضمام إلى تلك المنظمة العالمية. وما هو المطلوب عمله من أجل إعداد ملف متميز يدعم موقف فلسطين في الإنضمام للمنظمة الدولية وفي كافة الهيئات التابعة لها. وما هو جدوى العضوية في تلك المنظمة العالمية التي ينضوي تحتها 161 دولة كاملة العضوية و23 دولة مراقبة. وما هي العراقيل القانونية والإقتصادية التي تحول دون تجسيد هذا الإنضمام بشكل عملي على أرض الواقع. من أجل الإجابة عن التساؤلات المطروحة وغيرها من التساؤلات فإنه يتعين علينا أولاً أن نقوم بإطلالة تعريفية بمنظمة التجارة العالمية، ثم نلقي الضوء بعد ذلك على منظومة التشريعات الإقتصادية في فلسطين من أجل فحص مدى جاهزية الإطار القانوني الداعم لطلب إنضمام فلسطين كعضو مراقب في منظمة التجارة العالمية. ونلقي الضوء أخيراً على الجهود المبذولة على المستوى المحلي والعربي والدولي من أجل دعم موقف فلسطين الساعية للإنضمام إلى تلك المنظمة الدولية.

نشأت منظمة التجارة العالمية، ومقرها الحالي مدينة جنيف السويسرية، نتيجة جولة مفاوضات جرت بين الأعوام 1986-1994 عرفت بإسم “جولة أورغواي”، وما سبقها من جولات تفاوضية في إطار الإتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة. كما أن منظمة التجارة العالمية هي المضيف حالياً لجولة مفاوضات جديدة في إطار ما يعرف بإسم “أجندة الدوحة للتنمية” التي إنطلقت في العام 2001. ويمكن تعريف منظمة التجارة العالمية بأنها المنظمة التي تقوم بالعمل على تحرير التجارة بين الدول. كما يمكن تعريفها بأنها عبارة عن منتدى إقتصادي دولي يمكن الحكومات من التفاوض حول إتفاقيات التجارة. ويمكن تعريفها أيضاً بأنها المكان الأنسب لتسوية منازعات التجارة الدولية بين الدول المنضوية في عضويتها، وفق آلية خاصة لفض المنازعات الناشئة بين الدول الأعضاء. إضافة إلى كونها تدير نظام قواعد التجارة والتي تدعم في معظم الحالات تحرير التجارة بين الدول وإزالة الحواجز الجمركية بما يساهم في إنسياب التجارة بحرية ودون عوائق إلى أقصى حد ممكن. وقد تبع جولة مفاوضات أورغواي جولات أخرى نشأ عنها توقيع إتفاقيات بين عدد من حكومات الدول الأعضاء أهمها الإتفاقية الخاصة بالإتصالات السلكية واللاسلكية، والتي تضمنت موافقة حكومات الدول الأعضاء في هذه الإتفاقية على إجراءات تحريرية كبيرة في حقل الإتصالات السلكية واللاسلكية. وكذلك الإتفاقية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات. إضافة إلى الإتفاقية الخاصة بالخدمات المالية كالتجارة البنكية والأوراق المالية والمعلومات المالية والتأمين. وعلى الرغم من أن هذه الإتفاقيات وغيرها يتم توقيعها من قبل حكومات الدول الأعضاء، إلا أن المنظمة تهدف إلى مساعدة منتجي البضائع والخدمات والمصدرين والمستوردين بأن يديروا نشاطاتهم التجارية، بما يضمن تحقيق الحكومات للأهداف الإجتماعية والبيئية. كذلك، رغم أن هدف المنظمة هو إزالة الحواجز وتحرير التجارة، إلا أن قواعدها في بعض الحالات تحافظ على تلك الحواجز لأجل حماية المستهلكين أو منع إنتشار الأوبئة. أخيراً وليس آخراً، لا بد من الإشارة إلى أنه يتعين على الدولة التي تتمتع بصفة “مراقب” أن تقوم بمفاوضات لعضوية المنظمة خلال مدة خمس سنوات من تاريخ منحها تلك الصفة.

فيما يتعلق بالإطار القانوني ذات العلاقة في فلسطين، نستطيع القول أن منظومة التشريعات الإقتصادية، والتي تشمل بشكل رئيسي قانون سلطة النقد رقم (2) لسنة 1997، قانون تشجيع الإستثمار رقم (1) لسنة 1998، قانون المدن الصناعية والمناطق الحرة الصناعية رقم (10) لسنة 1998، قانون المصادر الطبيعية رقم (1) لسنة 1999، وقانون التحكيم رقم (3) لسنة 2000 يمكن أن تشكل إطاراً قابلاً للبناء عليه من أجل دعم طلب فلسطين للإنضمام للمنظمة الدولية، خصوصاً وأن البنك الدولي قد ساهم في صياغة بعض هذه القوانين عن طريق مشروع التطوير القانوني، والذي إستمر منذ العام 1998 ولغاية العام 2002، بهدف مساعدة السلطة الوطنية على تحديث التشريعات التي كانت قائمة وخلق التجانس فيما بينها، إضافة إلى مساعدة السلطة الوطنية على إنشاء الإطار القانوني الملائم. وإن كان ذلك لا ينفي الحاجة إلى تعديل بعض التشريعات سارية المفعول من أجل مواكبة المستجدات والمتغيرات في البيئة الإقتصادية والتجارية بما يتواءم مع قواعد منظمة التجارة العالمية كقانون التجارة لسنة 1966، أو إصدار قوانين جديدة خاصة بحماية الملكية الفكرية أو بتنظيم أعمال الصناعة والتي تشمل، من ضمن أشياء أخرى، تفضيل المنتجات الصناعية، الحرف الصناعية وكذلك الرخص الصناعية.

أخيراً، ننتقل للحديث عن المساعي التي تمت من أجل دعم إنضمام فلسطين إلى منظمة التجارة العالمية. في هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية قد قامت بإنشاء فريقين وطني وفني يعنيان بالتحضير لإنضمام فلسطين إلى منظمة التجارة العالمية، وإعداد الملف الخاص بالعضوية. كما قامت بإجراء مشاورات ولقاءات مع أعضاء منظمة التجارة العالمية من أجل دعم طلب فلسطين لعضوية المنظمة، ومنها الإجتماع الوزاري الثامن لمنظمة التجارة العالمية الذي إنعقد في مدينة جنيف عام 2011، والذي جاء بعد أن كانت فلسطين قد قدمت طلباً للإنضمام إلى المنظمة الدولية كعضو مراقب في العام 2009، وقامت كذلك بإعادة تقديمه في العام 2010 دون تحقيق النتيجة المرجوة. لذلك، فإنه يتعين الإسراع في تقديم الطلب مرة أخرى، خصوصاً بعد حصول فلسطين على صفة “دولة غيرعضو” في الأمم المتحدة في العام 2012، لما لذلك من تأثير إيجابي على كافة القطاعات الإقتصادية والتجارية في فلسطين، وبما يساهم في تحقيق التنمية الإقتصادية المنشودة وجذب الإستثمارات الأجنبية، خصوصاً بعد صدورعدة بيانات داعمة للطلب الفلسطيني مؤخراً من جهات عربية وإقليمية ودولية كالبيان الختامي لإجتماع وزراء التجارة العرب، والذي إنعقد في العاصمة السعودية الرياض خلال العام المنصرم، كون أن فلسطين قد قطعت شوطاً كبيراً في الإجراءات الخاصة بالإنضمام للمنظمة الدولية. بجانب تأييد عدد كبير من دول العالم لهذا الإنضمام، بما في ذلك بعض الإعضاء الرئيسيين في المنظمة الدولية، وأهمها حصول فلسطين على تأييد مباشر من الإتحاد الأوروبي في سعيها الدؤوب للإنضمام إلى المنظمة العالمية.

خلاصة القول: أن فلسطين تعد مؤهلة أكثر من أي وقت مضى من الناحيتين الفنية والقانونية لتقديم طلب الإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية كعضو مراقب أسوة بغيرها من الدول التي تتمتع بتلك الصفة، خصوصاً بعد إنتزاع فلسطين صفة “دولة غير عضو” في الأمم المتحدة، كما أسلفنا. ولا بد من التنويه في هذا السياق إلى أن المعوقات التي تحول دون قبول طلب إنضمام فلسطين إلى تلك المنظمة الدولية ليست فنية أو قانونية بشكل رئيسي، وإنما هي معوقات خارجية تحول دون تجسيد هذا الإنضمام على أرض الواقع، وأهمها بروتوكول باريس الإقتصادي الذي يلقي على كاهل السلطة الوطنية أعباء إقتصادية تمنع حصول فلسطين على العضوية كمراقب في المنظمة الدولية.

الكاتب: المحامي د. إيهاب عمرو
أستاذ القانون الخاص ومحكم معتمد

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا