الرئيسيةمختاراتمقالاتلتل الزعتر حكاية لابد من روايتها

لتل الزعتر حكاية لابد من روايتها

بقلم: يونس العموري

لتل الزعتر حكاية لابد من اعادة روايتها من جديد على مسامع ابناء شعبنا الصابر المرابط المنتفض على القمع وعلى المتطاولين على دماء الشهداء والحكاية من اولها قصة من داستهم بساطير قوات الردع العربية… فقد كانت ان تحققت معجزة القرن العشرين كونها توحدت لقصف عاصمة الفقراء وما ذنب لهم سوى انهم قد حلموا بليلة بحضن الجبل المنتصب شموخا على شاطىء حيفا وبمعمودية بمياه شواطىء يافا، وكانوا ان سمعوا نداء حفيف اوراق اشجار الصنوبر، ونعيق اصوات غربان ليل غريبة عن المكان وطارئة بتاريخ الزمان، فمنهم من ركب البحر وناجي القمر وشهد الموج على ملحمة سطرتها أكفهم بعتمة ليل اضاءته انتصارات الحب المتشكل بين ضلوعهم على قسوة من عاثوا بالأرض فساد، وكانت ان احتضنتهم ارضهم ورحبت بمن يأتون مهللين مكبرين مبتسمين فقد كانوا هنا حيث وقف المسيح يوما مناجيا رب عرش السموات والارض ليشهدوا انبلاج حقيقة اشياءهم كما البتول مريم حينما أتى عيسى المخلص نصير فقراء كل الأزمان… جاؤوا ليرتلوا تعويذة جداتهم المعلقة بأفئدتهم منذ عرفوا ان ثمة وطن مسيج بالغار والياسمين وتنبت فيه ارواح الأنبياء المتجولة ما بين قدس الجلجلة وناصرة البشارة، مأسورا بثنايا خرافات تاريخ قتلة الحلم، ومغتالي عصافير البراري كونها تشدو الصبح زقزقة عند أضرحة الشهداء…

هي الحكاية من اولها ايها السادة… حينما اصبح القتل على الهوية امرا مباحا ومشروعا من قبل ذاك الذي ابى واستكبر الا ان ينصب ذاته الآمر باسم امراء الليل والحاقد على ليل العشاق… كان الصمت مدويا يومها… وكانت المذبحة متواصلة بالشمس الساطعة وبوضح النهار، والحصار مستمر، ولا رجوع عن تنفيذ اوامر القتل والتقتيل… فقد صدر الأمر بإبادة ابناء الجليل المطاردين باصقاع المعمورة. كانوا يحاولون العيش في كنف الحياة.

انتظروا قليلا لتستمعوا للقول الفصيح في ظل ترنح معادلة الكفر وسقوط اباطرة المعبد القديم، فقد تجرأت الشاة على السكين، وامعنت في التحدي ووقفت شامخة امام الجزار الممتهن للذبح في حواري الفقراء. ولنا ان نبدأ بالأقصوصة، ولنا ان نستذكر حصارهم وصرخاتهم وعذابات ليلهم وخوفهم… والمشهد يكرر ذاته قتل بوضح النهار وزبانية العسس يطاردون ويلهثون خلف القمع ومن يقتل اكثر يصير له الأمر الرفيع والشأن العظيم… هي الجثث المصلوبة بالميادين والمسحوبة في الشوارع والمتفحمة بالأزقة… هي الصور المؤلمة التي تناقلتها خلسة ذكريات من بقوا احياء ولم ينطقوا ببنت شفة وخافوا وارتعبوا وما تكلموا…

يجثو الكابوس في احضان عجوز ظل لعشرات السنين محاولا تفسير التناقض ما بين القتل بمجزرة بوطن التين والزيتون والقتل على شواطىء الأرز، والقتل واحد والقاتل الأول ناطق بعبرية ركيكة فكان قد تعلمها منذ وقت قصير والقاتل الأخر يصرخ بالعربية الفصحى ويعلو صوته بالضاد موبخا مرهبا مرعبا… ويشدو بأسم الأوطان العربية المحررة… ويتأهب لوقفة العز حينما يصدح السلام الوطني للوطن.

هو التناقض مع الذات اعترف… وهو الفعل الصارخ لجلد الضاد اعلم… وهو القمع للنفس البشرية خلال تلك العقود اعتقد… وهو الإنقلاب على كل معايير الانسان وتمردها… وهي الصرخة المكتومة قد تنطلق الأن حينما يعود القتل سيدا للموقف.. وحينما تصبح درعا من جديد عاصمة لفقراء تل الزعتر…

هي مهنة القتل يا سادة ياكرام لضباط ظلوا يتغنون بمقاومة الأخيار للعدو… وبقيت جبهتم ممانعة مانعة لأي تسلل او عبث بالأمن القومي لخاصرة ابناء الجبل الرابضين خلف ليل البطش والقمع وارهاب المتجولين بالأسواق يتهامسون على من يحاول ان يقول القول المباح الفصيح دون ضبط لقوانين الثورة والثورة هم من يملكون حقيقتها ويستخدمونها كيفما يشاؤن وهم من يتحكمون بدفتها ويدفعون بابناء غير ابناءهم لوقودها.. لتظل راياتهم خفاقة في جبهة الممانعة والرفض ولا للقبول…

هي قصة الهروب الأكبر، وهي قصة التواري عن الأنظار وانكار الذات امام الرصاص المسكوب على الجثث المتفحمة بالشوارع والمتمرغة بالوحل لإخفاء جرائم الطرائد… فقد هربوا بعد ان سويت بيوت الصفيح بالأرض وتم محو الذاكرة الجديدة لجموع اللاهثين الخائفين المطرودين للمرة الألف. جابوا بالبرد الطرقات ازقة المخيم باحثين مفتشين عن جذع شجيرة يحميهم من النار والنار يومها اعلنت عن جوعها فالتهمت كل الاطفال والنساء ورجال فلسطين المقهورين والمعذبين بزواريب بيروت الشرقية فقد كان تل الزعتر رابضا بالشرقية من بيروت عاصمة الجان والأنس ومدينة الملائكة والشياطين. أُرتكبت المجزرة وسقط المخيم وتوارى عن الانظار الكل وللكل الكثير من الكلام والسجال ونقش في على جدران التاريخ… والرواية لابد من اعادة كتابتها اليوم في ظل القتل باليرموك وفي ظل ثورة الجنوبية درعا بعد ان ابيدت حماة وبعد دمرت الصوامع باعالي جبال الشمال المتمرد وبعد ان عبر من عبر الى دهاليز باستيلات النظام الممهور بتوقيع الجلاد الممعن بالإنكار لكل ما هو حر وانساني…

ارادوا ان يمحو اسمها من افئدتهم وان يغتالوا حلمهم فقد عقدت الصفقة يومها ان تخلصوا وخلصونا من حفنة اشرار المخيمات وسنرضى عنكم وتستوي امورنا واياكم وسنجعل منكم سادة في جبال صنين والبقاع سترتعون به كما تشاؤون وما عليكم في الشوف لكم بجباله وجارة القمر مشغرة ستتمتعون بقمرها الساطع وعلى شواطىء الرملة البيضاء ستكون مقراتكم وذو الكوفية سيرتعب منكم خوفا وياتيكم مستجديا وفيلسوف الجبل الجنبلاطي سندخله بالغيبوبة القصرية عن الكلام.. حرك قواتك وتأهب لساعة الصفر وحاصرهم وحاصر احلامهم واقمع تطلعاتهم نحو الجنوب… وحينها سنعلنك اميرا على اقطاعية الجبل والساحل وسيكون لك ما تريده ان يكون من اغماض العين على كل تجاوزاتك وسنؤمن لك بوابات دمشق من كل الاتجاهات وسنعلنها مزرعة لقبيلتك ولعشيرتك وسمها ما شئت من وحدة واشتراكية حتى لو اردت ان تكون خليفة ماركس فلك ذلك ايها الضابط الصغير الذي حتما يتكون كبيرا في معادلة الشرق اوسطية التي نريد…

استمد الشرعية حينها وهاجم بيوتهم الصغيرة وقصف معاقلهم واستبدل اسماءهم بارقام معقدة طويلة في حسبة ارقام المصالح وبعبوة ناسفة حاقدة قُتل فيلسوف الجبل وصمد ذو الكوفية فقد سطر ملحمة الصمود حينها وقال ما قال بحضرة الامعان بالذبح…

واليوم ونحن نشهد تكرار مشهد الذبح باليرموك الرابض في اقاصي الطريق الواصل الى جرش وعجلون حينما اعاد بموجب البيان الأول لإعتلاءها منصة الكلام رتل المساعدات للثوار المذبوحين بالعاصمة المجاورة ذاك المخيم الشاهد على الخنجر المسموم بخاصرة المقاومة حينها… تصمد بوجه القتل امام عدالة مطالبها بالحرية والديمقراطية وكف الأمن عن احلامهم وعن ليلهم وعن شوارعهم وطرقاتهم.. فهم التواقون للقول وللكلام ويشتاقون لقراءة ما تيسر من فلسفة اخرى غير تلك المفروضة عليهم وعلى اسفارهم وعلمهم يتوقون لسماع شعرا بحضرة نساءهم دون ان ترتجف اجسادهم خوفا… ودون ان يلتفتوا يمينا ويسارا… يتوقون ان يعبروا الشارع دون خوف من العبور من امام مخافر الشرطة واجهزة المخابرات… فهو البلد الذي يجاهر ليل نهار بفعله ولا يخشى او يكلل الخجل رايته… يتوقون لأن يعلموا ما مصير من يعبر السجون وهل من الممكن ان يعود او يخرج حيا انسانا ناطقا مرفوع الهامة… فالشعار الكبير ما زال مسيطرا فالداخل مفقود والخارج مولود دون ان ينطق بالكلام… لكن الكلام انطلق هذه المرة بعد ان كان الصمت سيد الموقف فمن تل الزعتر الى درعا سلام.. وسلام لرجال ونساء وشيوخ واطفال تل الزعتر يوم قتلوا ويوم صلبوا والقوا بالأزقة والشوارع كما هو القتل والصلب باليرموك … سلام عليكم وانتم تسطرون مشهد الخلاص من طغاة قوات الردع العربية ومن امراء الدين الجديد …

ونحن القاعدون هنا نستذكر تل الزعتر والمجزرة ما زالت متواصلة والفرق ما بين تلك وهذه .. فلتل الزعتر كان عنوان من يحملون اهاته بكل الامكنة .. واليوم وفي ظل مجازر اللحظة نفقد العنوان ونفقد من يحمل اهات الضحايا والمصلوبين على جدران الحقيقة … لتل الزعتر رواية والرواية لابد من اعادة التذكير بها …

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا