قلق العرب.. وألق الغرب

بقلم: عبدالله العوضي

القلق عنصر مهم للدفع بأي أمر لاحق أو طارئ إلى الأمام، لأنه تحفيز غير مباشر لإصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في المجتمعات كافة التي ترنو دائماً لتكون في صفوف أهل الإقدام.
منذ عقود طالت آثارها الجانبية السلبية على الأمة العربية، والحديث يدور ويلف حول أعناقها عن سبب تراجعنا وبقائنا في العالم الثالث من دون حراك، ومحافظة الغرب بشكل عام على عالمه الأول وألقه ولو بنسب متفاوتة من دولة إلى أخرى، إلا أن المؤشرات الواقعية تذهب في صالح العالم الأول، ولم يحدث أي تراجع إلى الآن في مراتب العوالم الثلاثة المعروفة في التاريخ المعاصر للعالم.
ولا نريد أن ندخل في جدل النظريات أو حتى في بحر «الماينبغيات» لأنها كثيرة في الأوراق كافة التي تقدم في أي مؤتمر يعقد لحل إشكالية العرب مع أنفسهم قبل غيرهم من شتى الأمم.
إن عوامل التألق في حياة الشعوب واحدة إذا أردنا أن نضع المقاييس السليمة لتطور الأمم والتخلف عن الالتزام بها حري أن يساهم في تخلف أي دولة أو مجتمع عن ركب الأمم المتألقة منذ قرون ومن لحق بها منذ عقود.
ومن أهم تلك العوامل المساعدة لوصول أي دولة إلى مراتب متقدمة، عنصر التعليم الذي يخلق إنساناً مختلفاً عن الآخرين من الأميين أو غير المتعلمين وفقاً لمقاييس اليوم وليس الأمس.
إن ما يقاسيه العالم العربي على وجه العموم أنه في طريقه للعودة إلى الأمية الأولى، فضلاً عن أمية التقنية المعاصرة التي تساهم في القفز إلى الأمام بدل البقاء أو الوقوع في أسر الحروف الأبجدية من جديد.
فعندما يتحول التعليم بكل أدواته ومكوناته إلى مصانع لتخريج رجال المستقبل، فلا يُخشى من العودة إلى الخلف، لأن هؤلاء الرجال قادرون على إدارة هذا المستقبل وفقاً لأدواته المناسبة وفي ذلك عين النهضة الحقيقية للأمم.
والعامل الآخر يتعلق أيضاً بهذا الإنسان الذي تخرج في هذا التعليم الدافع إلى التقدم، وبناء الأنظمة والتشريعات التي تحافظ على كرامته من المس أو المسخ، وبغير ذلك لن يجدي فيه أي تعليم إن لم يرافقه التكريم الذاتي له أولاً وأخيراً.
ونواصل مع هذا الإنسان المكرّم من الرب أولاً ومن العبد المسؤول عنه ثانياً، من ناحية الحفاظ على صحته العامة وبالذات صحته العقلية، خاصة الجانب المتعلق بمخرجات فكره ومدخلاته، ولا علاقة هنا بين الأمراض الفكرية والعقلية، وما نعنيه هو الحفاظ على عقل هذا الإنسان من أن يصاب بلوثات الفكر المتطرف وتهويماته التي تفوق موجات الجنون الطبيعية أثراً وفي تدمير الأعز وأغلى ما خلق الله للإنسان فيه، فإن فقد صحته فكر هذا الإنسان المتعلم وفق أحدث الأنظمة التربوية والتعليمية على مستوى العالم الأول، فإن كل ذلك سيعود على أي مجتمع بالويل والثبور، عندما يتحكم فيروس التطرف ويغزو فكر هذا الذي كنا نرجو من خلاله النفع فاستحال إلى العكس.
وهذا يأخذنا إلى ميزان الفكر الحر الذي يجب أن يلازم صناع المستقبل وهم من لهم الدور الأكبر في إزالة هواجس القلق من أروقة مجتمعاتهم.
ونعني بالفكر الحر القادر على التمحيص والمقارنة بين الغث والثمين حتى نتجنب شرها وشرارتها ونتمسك بخير ما فيها، لصناعة شيء مفيد لصالح الدفع بمجتمعاتنا تجاه المراكز الأولى في مجالات الحياة.
والأمر الآخر الذي نؤكده هنا هو ضرورة مشاركة العرب قاطبة في دعم الحضارة الغربية بالمادة التي تستطيع هضمها والتأقلم معها لإضافة الجديد لدينا إلى قاموس الحضارة العالمية في جميع الاتجاهات الجغرافية للكون.
ومما يساعد على ذلك التفكير البعيد في الحاجات الإنسانية المشتركة للجميع من دون التدقيق في دين هذا أو مذهب ذاك أو عرق فلان ونسب علان، وإلا رجعنا إلى المربع الأول أو نقطة الصفر في كل ما نبذله في سلم بناء الحضارة، وأفضل ما في الحضارة إنسانيتها.
نقلاً عن “الاتحاد”

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا