الرئيسيةمتفرقاتثقافةألكلمة الثائرة المقاومة

ألكلمة الثائرة المقاومة

يرحل المبدعون إلى أعماقنا رسالة خالدة وكلمات مضيئة للأجيال القادمة.
فدوى طوقان الشاعرة والإنسانة أيقونة الفكرة، الكلمة والثورة.

بقلم د.حنان عواد
رئيس رابطة القلم الفلسطيني
عضو المجلس الوطني

تقديم:
للكلمة المقاتلة سحر يفيض في النفس،يؤجج الروح،
يفجر طاقاتها،يحمل البشرى ويلقي بخيوط اليأس بعيدا.
تكتمل الكلمة بالفعل الثوري المقاوم،تطوف به،ومعه،في اطلاق الفكرة،حمايتها والدفاع المحكم عنها،لتعيش في وجدان الأمة،وتبقى في ارتقاء نص الخلود..
رسالة موجزة ومعجزة،وبيان عسكري بايقاع خاص في معركة التحرر الوطني.
هي ابداعات تشكل الفكرة المطلق المترامية الأطراف،لا تغيبها حدود،
ولا تواريها الجدران،
ولا تأخذها ذاكرة النسيان،
بل ترتقي بارتقاء الصمود والصعود الى قمم الالتزام في مسيرة العودة،
ونفي العدمية، باستقطاب الحدث،والسير به الى روائع مسافات الاستشراف
والاستشراق المخترق كل جدر الحصار،في صيرورة التكوين في روافد الوجود والتحدي…
هي الروح في عودتها،والحب المنحاز الى الذات ضمن محاور الابداع الاستثنائي.والتجاذب النوعي في خلود الفكرة التي تحدد ماهية الأنا الكلي،الأنا الجمعي الأسمى في الرسالة التواصلية مع الوجود الحتمي،والتداخل الرمزي…
ومن هذا الفيض يتحقق الخصب،في تشكلات فنية ابداعية منتقاه،
راصدة لحركة التاريخ وصيرورة الكفاح ولواعج الأشواق وملامح الحلم.
لم نكن قبل حزيران كأفراخ الحمام”
ولذا،لم يتفتت حبنا بين السلاسل
نحن يا أختاه من عشرين عام
نحن لا نكتب أشعارا،
ولكنا نقاتل.”..(محمود درويش في قصيدته المهداة الى فدوى طوقان).
“كنت أكتب عن فلسطين كقضية قائمة بذاتها،عن الأطفال الفلسطينيين،عن الانسان الفلسطيني،عن آمال الفلسطينيين بحد ذاتها كأشياء منفصلة عن عالمنا هذا،مستقلة وقائمة بذاتها كوقائع فلسطينية محضة،ثم تبين لي أني أصبحت أرى فلسطين رمزا انسانيا متكاملا،وعندما أصور بؤس الفلسطينيين،فأنا في الحقيقة أستعرض فلسطين كرمز للبؤس في العالم أجمع”.(غسان كنفاني).

فدوى ونص الخلود

بفيض الشوق والحنين، وأناقة الروح والوجدان، نتوقف أمام نبض الكلمات الملتزمة التي فجرت الثورة، وسارت معها في مدها الجماهيري، وعكست أحلامها وآمالها وتطلعاتها.
في إطلالتنا على الكلمة المقاومة، وروح الأنثى الثائرة، تطوف الروح بقدسية الاحترام أمام شاعرتنا وأستاذتنا الكبيرة فدوى طوقان، طيب الله ثراها، وهي تحمل الكلمة المقاتلة في إستراتيجية سياسية، إنسانية وثقافية،بنسج الضمير الحي،وروح الانتماء والوفاء.
ان ما قدمته من ابداع نضالي في فيض كلماتها وقصائدها التي تروي ماهية الفكرة،وتتلمس شغاف الروح والوجدان الجمعي،في روح الانثى الثائرة،المقاتلة للظلم، بريشة منسوجة من طيب الروح -يشكل مدرسة فكرية خاصة الملامح، معتقة بروح الانتماء والوفاء للأرض والانسان،واطلالة طموحة في نسج الحلم والأمل الموشى بايقاع الشوق والحنين،والجمال الوضئ في النص الليلكي،ناثرا اريجه في ربوع وطننا المقدس.
في كل لقاء كان يجمعنا،كانت تطل بوجهها المضيء،وصفاء الضمير والصدق،
محملة بالهم والوجع الوطني .
ورغم الألم المعتق فينا، ونحن نطوف في ماهية المعركة والتوق الى النصر،
كانت ابتسامتها وتفاؤلها رسما ترميزيا للغد المبشر بالوعد.
انني، وأنا أعيد قراءتها ثانية وثالثة،يأخني الشوق،
ويتفجر في أعماقي صور من الذكرى التي لا تغيب..
يرن في ذهني ايقاع كلماتها،وصورها التعبيرية،
ويحضرني وقع الحان التجلي في عبادة وطن
مخضب بالتضحيات.
أسير بها،وأغوص في تجليات الروح العاشقة،لأعبر معها مواقع فلسطينية،
وملامح العذاب والأمل،
وصورة الانسان الفلسطيني في اللجوء، وفي مواقع المجد والنضال.
هذا نسج من كلماتها العذبة يطوف بي،ويحملني أمانة النقاء الثوري وارادة التحدي.
انني اسجل اعتزازي واعجابي بقلمها الحر، الذى كسر الظلم ولم ينكسر،
وكلما فتحت صفحاته، أشعر بصلابة الموقف الذي غذى كلماتي، وأضاف اليها
ملامح جمالية خاصة،من حبيبات الندى الصباحية التي تتراقص على ورود الفجر
استقبالا للنور،ومن قارورة الأشعار وهي تعانق ملهمها،وتحكي ملحمة الرحيل..
ومن ألحان الطيور القادمة الينا في وقع خطى التحرير،
لنروي ملحمة الاعجاز الفلسطيني في نقش الرحلة الالهية عبر الذات،
في عبور دائرة الضوء في مشكاة من مصابيح التدلل،
تطل على المجد الذي يسري في حلقات التواصل النضالي،
ليمتد للأجيال القادمة،حضورا ورسما مشهودا.

وفي تقديمها ديواني “اخترت الخطر”، تقول:
“اخترت الخطر” ، عنوان غير عادي، بالغ الدلالة ، نقف عنده أمام شاعرة أي شاعرة، إنها شاعرة موقف مسكون بالوطن، تخوض مغامرة الشعر من واقع هذا الوطن، ومن رؤيتها الفلسطينية الواضحة، ومن حضور الفعل الثوري.”
“إن السمة الأساسية في قصائد “اخترت الخطر”، هي التمرد والرفض والقلق والتململ ضمن إطار واقع متأزم مأساوي انكسر فيه تاريخ، وتهاوى عالم، هو عالم شعب ما ينفك يبحث عن المصير والخروج من دائرة الهزيمة.
لقد أرهف سقوط الوطن أوتارها،ومن خلال معايشتها بصدق لهذا السقوط،راحت تكتب قصائدها المنبعثة من قلبها الحي،وتعانق هموم شعبها،وتنقش على لوحة شعرها المفعم بالاصالة والصدق صورة حميمة لهذا الوطن،صورة تنهض فيها التجربة بلحمها ودمها في لغة شفافة نجت من المطبات المبهمة والحذلقات المعقدة البغيضة.
ولعل أبرز ما يلفت النظر في قصائدها هو هذه المزاوجة بين الأنا والآخر،وبين عشق الوطن وعشق الحبيب،والحبيب هنا هو الفدائي الفلسطيني المقاوم ورافع راية العصيان والرفض لواقع الاحتلال:
يا أنت،يا هذا،يا الذي ولد في داخلي كما تولد
الابتسامة على شفة طفل تحتضنه أمه
يا أنت، يا أنا،يا فكرة دموية اقتحمت أشواك العبور،
مزقت اشرعة الوهم من أمامي
ونقشت مركبا جديدا للابحار..
واختمت كلمتها:”أخفض قلمي تحية لشاعرتنا،لمجموعتها الشعرية ولفلسطينيتها الأصيلة
ولصدقها الوطني ونهوضها الثقافي…”

وتبقى الذكرى نصا مورقا كأشجار الزيتون في وطني..
وصورة ناطقة بالسر الالهي في التشوق والاشتياق في العلاقة السرمدية
بين نبض الأرض وروح الانسان.

“آمنت بالحرف نارا…لا يضير اذا
كنت الرماد أنا…أو كان طاغيتي
فان سقطت…وكفي رافع علمي
سيكتب الناس فوق القبر:
“لم يمت”
أطعمت للريح أبياتي وزخرفها
ان لم تكن كسيوف النار…قافيتي”!

*******

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا