الرئيسيةمختاراتمقالاتمصر تعود للعب دورها فلسطينيا

مصر تعود للعب دورها فلسطينيا

بقلم: عماد شقور

أن تعود مصر، بعد انقطاع طويل، الى لعب دورها في قيادة الفريق العربي، واشغال مقعدها على طاولة رسم مستقبل المنطقة العربية والاقليمية، هو خبر ايجابي للفلسطينيين اولا، وللعرب ثانيا.
لعبت مصر هذا الدور منذ ايام الملك فاروق، في انشاء جامعة الدول العربية، ثم برفض اعلان اقامة دولة اسرائيل، وخوض الحرب ضدها، والاندحار الى توقيع اتفاقية الهدنة معها، بكل سلبياتها؛ ثم في مرحلة الزعيم العربي الخالد، جمال عبد الناصر، التي ابتدأت بالاعداد لتحرير فلسطين، ولكنها جوبهت بتحالف قوي، بناه لاسرائيل من اقاموها اساسا، لفصل المغرب العربي عن المشرق العربي، ولالغاء امكانية قيام كتلة عربية عصرية تبني مستقبلا عربيا مزدهرا، وقد تمكن هذا التحالف من احراز جميع اهدافه، وتم تتويج تلك الاهداف بكارثة حرب حزيران، التي نتج عنها استبدال شعار «تحرير فلسطين»، بشعار «ازالة آثار العدوان». ثم عاد عبد الناصر، بجدية، لبناء قوة مصرية قادرة تمثلت اولى خطواتها في مبادرته لحرب «استنزاف» ضد الاحتلال الاسرائيلي، وصولا الى حرب اكتوبر، المجيدة فعلا، في زمن الرئيس المصري الراحل انور السادات.
في كل هذه المراحل كان الدور المصري، سلبا وايجابا، فاعلا وحاسما. ولكن ما تلا ذلك كان غيابا مصريا غير مفهوم. فتناوشت دور مصر كيانات وقوىً غير مؤهلة ولا قادرة. وتشير الدلائل، واحداث هذه الايام، على انتهاء مرحلة الغياب المصري، التي تسببت في ولادة مرحلة التيه العربي، الذي عمّر ثلاثة عقود ونصف العقد.
كل انتهاء لأي مرحلة، هو في الواقع بداية لمرحلة جديدة. وفي هذا السياق تجيء زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لاسرائيل ولقاءيه الاثنين مع رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في مطلع هذا الاسبوع، متماشية مع اعادة الروح للدور المصري على الساحات العربية والاقليمية والدولية.
ليس يوم عيد هو أي يوم يتم فيه أي لقاء عربي اسرائيلي. لكن، لا بد من المعرفة والاعتراف: اسرائيل حقيقة واقعة، لسوء حظنا. تجاهل وجودها غير ممكن، وغير عقلاني، ومهادنتها، والقطيعة معها، امر مدمر على كل صعيد. دليل ذلك ما كان عليه الحال الفلسطيني والعربي منذ عام «النكبة» 1948، وحتى عام «النكسة» 1967، وما يمكن اجماله بكلمتي الهدنة والقطيعة، وما انتهى اليه هذا الحال. مصلحتنا الاساسية هي «شن الحرب» على اسرائيل، وتحرير فلسطين، لكن اذا تعذر ذلك، وهو متعذر تماما، فان الخيار الأسوأ، من بين جميع الخيارات المتبقية، هو الهدنة، او»التهدئة» بلغة البعض، والركون الى القطيعة مع اسرائيل، وعدم التواصل والاشتباك معها على كل صعيد سياسي ودبلوماسي واعلامي، في داخل المجتمع الاسرائيلي ذاته، وفي الساحة العربية ، وفي الساحة الدولية اساسا، فضحا لسياستها وعنصريتها، ودفعا لنبذها ومقاطعتها، ولحرمانها من فُرَصِ تعظيم قدراتها وامكانياتها العسكرية والاقتصادية، وصولا الى اجبارها على انهاء احتلالها. من هنا نفهم اهمية اللقاء/الاشتباك المصري الاسرائيلي. رغم كل ذلك، فان للمتخوفين من نتائج هذه السياسة المصرية مبررات واسبابا غاية في الوجاهة، يجدر بنا فهمها والتعامل معها بجدية واحترام.
ماذا عن فلسطين والفلسطينيين؟
واضح تماما ان مرحلة القطيعة الفلسطينية الاسرائيلية وصلت محطتها الاخيرة. واضح تماما ان اسرائيل فشلت في اقناع نفسها والعالم ان الوضع الراهن يمكن له ان يستمر ويؤبد. واضح تماما اننا على ابواب مرحلة مفاوضات فلسطينية اسرائيلية سنصلها خلال اسابيع قليلة. فما العمل؟.
لا مصلحة لفلسطين والفلسطينيين في العودة الى ما كدنا نُدمنه من مفاوضات عبثية. لكن لا بد من المفاوضات. ولا بد من معرفة ان جميع الصراعات والحروب على مدى القرون الستة الماضية انتهت، ودون استثناء، بالمفاوضات. وهنا يبرز السؤال الاهم: باي وفد نذهب الى هذه المفاوضات؟ (ولا مجال في هذا المقال للاجابة عن اسئلة اخرى غاية في الاهمية، تتعلق بشروط بدء المفاوضات ومرجعيتها وسقفها الزمني وغير ذلك).
ليس عيبا ان نتعلم من تجارب الآخرين. ولكن كل العيب ان لا نتعلم من تجاربنا. ومن تجاربنا ان ابو عمار، ومن معه، كان بالغ الحرص على استقطاب ودمج كل الفعاليات الفلسطينية تحت عباءة منظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية، وهو رئيسها. وكان بالغ الحرص على ان يضم كل وفد في كل رحلة وفي كل لقاء وفي كل مفاوضات، مستقلين: من جمال الصوراني الى احمد صدقي الدجاني،وغيرهم؛ ومن تنظيمات و»فصائل» فلسطينية من ابو ماهر اليماني (عن الجبهة الشعبية)، الى ياسر عبد ربه (عن الجبهة الديموقراطية)، الى زهير مُحسن (عن الصاعقة)، استرضاء لحافظ الاسد، وعبد الرحيم احمد (عن الجبهة العربية)، استرضاء لصدام حسين، وغيرهم؛ بالاضافة الى كل من امكن ضمه من رؤساء البلديات في الضفة الغربية وقطاع غزة المنتخبين منهم والمعينين، ومن وجهاء المخيمات حتى الجاليات الفلسطينية في اوروبا والامريكيتين.
بهذا المنطق والتوجه، نجح ابو عمار، ومن معه، في فرض منظمة التحرير الفلسطينية «ممثلا شرعيا وحيدا» للشعب الفلسطيني، ورأى الشعب الفلسطيني والعالم، ان كل وفد مفاوضات فلسطيني يمثل فلسطين حقيقة.
في سنين مضت، قبل عهد ابو عمار، كانت جامعة الدول العربية، تختار وتُعيّن من يمثل فلسطين: بدأ من الحاج امين الحسيني، الى احمد حلمي باشا عبد الباقي، وانتهاء باحمد الشقيري، وفاصلة يحيى حمودة، الى ان جاء عهد ابو عمار وفرض نفسه، وانتزع باقتدار وحكمة وحنكة سياسية، استقلالية القرار الفلسطيني.
ليس في العالم جهة تمثل «كل» شعبها. لكن من يمثل أي شعب كان، هو من يمثل غالبية ذلك الشعب. فهل وفودنا المفاوضة هذه الايام، من «كبير المفاوضين» الى «صغار المفاوضين»، تمثل غالبية الشعب الفلسطيني؟.
لا مصلحة للفلسطينيين في الاضطرار على التنازل من جديد لجامعة الدول العربية، واعطائها حق تعيين من يمثل الشعب الفلسطيني. ولمصلحة من اساسا استبعاد واقصاء هذا الكم الهائل من الفعاليات والكفاءات الفلسطينية، من منظمات وفصائل ومن مستقلين؟.
آن للقيادة الفلسطينية ان تستعمل عقلها.
«وزير التاريخ» لا يرتشي، ولا يكذب، ولا يرحم.

٭ كاتب فلسطيني

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا