الرئيسيةأخبارعربية ودولية"بريدج" تكشف العلاقات السرية بين "داعش" و"الجزيرة"

“بريدج” تكشف العلاقات السرية بين “داعش” و”الجزيرة”

رواية تفضح تجنيد إعلاميين عرب لصالح المخابرات الأمريكية

فى إحدى مقابلاته الصحفية، قال الروائى اللبنانى إلياس خورى، إنه قارئ يكتب رواية، والقارئ للرواية يقرأ عن أشياء لا يعرفها، لو كان يعرفها ما كان سيرغب بالقراءة. الأدب منذ نشأته يحمل جانبا معرفيا، وليس فقط وعاءً للجماليات والاستعارات، ويضيف: «القارئ حين يقرأ يتعرف على أشياء لا يعرفها، يتعرف على العالم، الألوان والروائح، فيعيد تأليف الكتاب بتأويله له».
رغم حملها للعلوم والمدارك الإنسانية خلال تاريخها الطويل، لم تتحول الرواية إلى بناء موسوعى ومرجع معلوماتى بسبب بعدها التخيلى، فالنسيج الروائى يتمدد لاحتشاد مادته من فضاءات الحياة المعرفية، ثم يضيق لينظمها فى بناء تخيلى متماسك يبتعد عن التماثل التوثيقى عبر رحلة طويلة متشابكة الخيوط بشخوصها وأماكنها، ما بين بغداد، القاهرة، طهران، تورنتو، موناكو، لندن، فيرجينيا، جاكرتا، وباكستان تدور أحداث رواية «بريدج» الصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية للمؤلف تامر شيخون، وهى تقتحم العالم السرى لعلاقات رجال الإعلام والصحافة برجال السياسة والمخابرات، وتجمع ما بين عالم الخيال وأصدائه الواقعية، عن لعبة الأمم والعروش والجيوش، عن دهاليز التحالفات والمساومات فى عالم السياسة المظلم، وعالم الاستخبارات الأكثر إظلاما، عن دول عالم الشمال المتقدم الذى استبدل احتلاله العسكرى لعالم الجنوب، بالاستعمار الاقتصادى، عن الفتن والمؤامرات التى تحاك فى دهاليز «لانجلى» للوقيعة بين الدول، عن دعمها للإرهاب والإرهابيين من أول جماعة الإخوان، مرورا بمن عرفوا بالمجاهدين فى أفغانستان، وليس انتهاء بـ«القاعدة» و«طالبان» و«داعش». تنطلق أحداث الرواية من مدينة النجف الأشرف جنوب العراق، بمقتل سماحة الشيخ حسين الجعفرى، أحد علماء النجف وأبرز مرجعيات الحوزة، يوم زفافه على زوجته الثالثة، ينجح قتلة الجعفرى فى اغتياله رغم إجراءات الحماية المشددة، وتتهم جماعة «أولاد الزرقاوى» بزعامة سعد القرشى بتنفيذ الهجوم على موكبه، بعدما وشى به المهندس الألمانى ذو الأصول المصرية «أحمد المرشدى» المشرف على مشاريع توصيل المياه العذبة لمدينة البصرة، وهى المهمة التى أسندها إليه الجعفرى نفسه، وبدوره يتعرض أحمد المرشدى لمحاولة اغتيال هو وأسرته، لكن ينجح صديقه الاستشارى الأمريكى «تامر فهيم» فى إنقاذ ابنته وزوجته بينما يقضى المرشدى نحبه.

تطرقت الرواية إلى دور قناة «الجزيرة» فى توفير الغطاء الإعلامى للجماعات الإرهابية فى العراق، ففى نشراتها الإخبارية المقدمة على مدار اليوم، تنفرد قناة «الجزيرة» القطرية بعدم تسمية حركة «داعش» بهذا الاسم المختصر، مثلما يفعل السواد الأعظم من القنوات الفضائية والصحف، فى البلاد العربية والعالم، مصرة على تسميتها الدولة الإسلامية! وتزيد على ذلك -فى الشريط المكتوب من غرفة التحرير والمبثوث على الشاشة- بأن تضع مزدوجين على عبارة إرهاب دليل التحفظ كلما اقترنت هذه العبارة بوصف أفعال داعش من قبل من يصفونها بذلك، بل وتكون هى أولى من يبث أخبار التنظيم وينشر أفلامه وبياناته وكأنها تروج له. «على الشاشة يظهر رجل ملتح فى العقد الرابع من العمر، خاصمت الإنسانية ملامحه يرتدى عمامة ضخمة وثوبا باكستانيا كالحا بين الأبيض والأصفر، وخلفه رفعت راية سوداء مكتوب عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فوق سيف طويل، فى زاوية الشاشة يظهر شعار قناة الجزيرة وفى ذيلها شريط داكن مكتوب عليه (سعد القرشى) زعيم تنظيم أولاد الزرقاوى.. شريط مصور حصريا للجزيرة».
فى كتابه «الحرب الباردة الثقافية» يذهب ف. س. سوندرز إلى أن «مؤسسات وهمية وتمويل سرى ضخم وحملة إقناع هائلة فى حرب دعاية ضارية تخطط لها وتديرها منظمة الحرية الثقافية (Congress for Cultural Freedom) الأمريكية ضد اليساريين والشيوعيين فى أنحاء العالم، هذه المنظمة كانت بمثابة وزارة غير رسمية للثقافة الأمريكية، أو لتكون الزمار الذى تدفع له الـCIA ثمن ما تطلبه منه من ألحان».
وفى قمة ازدهارها، كان لـ«منظمة الحرية الثقافية» مكاتب فى ٣٥ دولة من بينها عدد من الدول العربية، خصوصا لبنان والسعودية والأردن والمغرب وليبيا ومصر، حيث تم إنشاء مكاتب فرعية لمؤسسات روكفلر، وكارنيجى، وفرنكلين للطباعة والنشر ونادى القلم، ويعمل بها عشرات الموظفين، وتصدر أكثر من ٢٠ مجلة ذات نفوذ، وتعقد مؤتمرات دولية تحضرها شخصيات بارزة، وتكافئ الفنانين والموسيقيين بالجوائز، وترعى معارضهم وحفلاتهم، معتمدة على شبكة واسعة وشديدة التأثير من رجال المخابرات وخبراء الاستراتيجية السياسية.
أولئك المثقفون -بعد أن قبضوا الثمن- كان لا بد من تجميعهم ودمجهم معا فى هذه المؤسسة نفسها مع وكالة المخابرات المركزية «CIA»، وهو أمر قد يبدو غير قابل للتصديق، كانت هناك مصلحة مشتركة حقيقية، وكان هناك اقتناع بين الوكالة وأولئك المثقفين الذين استؤجروا لكى يخوضوا الحرب الثقافية.. حتى وإن لم يعرفوا ذلك.
«تلك الاستراتيجية عينها التى اتبعتها الوكالة مع الاستشارى (تامر فهيم) عندما التحق بالوكالة ومنها إلى برنامج (فيلق السلام)، وهو برنامج تشرف عليه الوكالة منذ الستينيات لتطوير دول العالم النامية، وفهم ثقافات تلك الدول والتقريب بينها وبين ثقافة وقيم الولايات المتحدة، كان دور تامر كمهندس استشارى فى شركة (جى بى إنسايت) للاستشارات الهندسية للبنية التحتية المتخصصة، هو منح استشارات (بعينها) للجهات أو الدول صاحبة الاستشارة بما يخدم الأجندة الأمريكية».
يرجع تامر إلى مصر ويتعاون مع رجل الأعمال رامى العبد أكبر ممول لجمعية أمل الغد، فى تحويل الجمعية إلى حزب سياسى، مستغلا قاعدتها العريضة فى الشارع والمحافظات. يعلو نجم تامر السياسى للدرجة التى يتحكم فيها فى الشباب، ويقنعهم بالخروج فى المظاهرات أمام وزارة الداخلية تارة وأمام قصر الاتحادية تارة أخرى. إلى أن تحرقه وكالة المخابرات المركزية بوثائق سربتها عبر موقع «ويكيليكس».
يشير شيخون فى روايته «بريدج» إلى كواليس عالم الصحافة والإعلام، عن تمويلات الصحف والقنوات الفضائية والوكالات الإعلانية، عن المساومات التى يمارسها رجال الإعلام الكبار لنسج وصنع الأساطير، حول شخص ما فيتحول ملء السمع والبصر يتحرك الشارع من أجله. فراغب العلالى الصحفى اللامع بجريدة «السلطة الرابعة» بعد أن وقعت تحت يديه وثائق ومستندات بالصوت والصورة، تفضح لعبة شركة «ريفامب بلانت» التى تستخدم كواجهة تجارية لوكالة الاستخبارات، وضلوع مديرها «إد فاينستين» فى تدبير مؤامرة اغتيال حسين الجعفرى واتهام المرشدى بالوشاية به، لإشعال الفتنة الطائفية فى العراق بين السنة والشيعة، ومن جهة أخرى تدبيره اغتيال السفير الإيرانى فى جاكرتا على يد الإرهابى المصرى «عبدالله المظلوم» لضرب العلاقات بين مصر وإيران.
عندما يكشف العلالى تلك اللعبة ويبدأ فى فضحها على صفحات جريدته، تختطف عشيقته «جولناز ذو الفقار»، فيتراجع عن موقفه فى مساومة مع المخابرات المركزية، ووعد بأنه سيجرى حوارا مع مدير الشركة، ليبرئ ساحتها مقابل أن تتدخل السلطات الأمريكية لدى طهران لإطلاق سراح جولناز: «يا راغب مقالك اتهمنا اتهاما مباشرا أن (أبوريشة) هو واجهة للمخابرات القطرية، لتتسلل مجددا إلى إدارة ميناء شرق التفريعة.. حديثك الدائم عن زوجته الثانية التى ترتبط بصلة قرابة بآل المسند، تلميحك عن حضوره الدائم لدعوات العشاء، التى يقيمها الشيخ حمد وتسليطك الضوء على مشروعاته وشركاته فى دولة قطر لا تحمل سوى ذلك المعنى.. يا راغب أنا أحفظ لك موقعك، تلك الجريدة نصف رأسمالها قطرى، ولن ترضى أن يهاجم أحد من كبار كتابها السياسة القطرية تصريحا أو تلميحا».
فى موضع آخر من الرواية جاء: «راغب: لماذا لا تكون أكثر صراحة معى يا تم؟ هل أصدقاؤك المزعمون هم (سى آى إيه) تم مبتسما: دعك من أسئلة لا طائل منها يا راغب.. هناك مستثمرون راغبون فى ضخ استثمارات ضخمة لتأسيس مؤسسة إعلامية مقرها القاهرة، ستطغى فى إمكانياتها وتقنياتها حتى على (الجزيرة)، العرض جاهز وكانوا ينوون مناقشتك فيه حتى الأمس القريب، عندما بدأت نشر مقالاتك عن أزمة العراق يأخذ منحى مختلفا أقلقهم».
يذهب الدكتور عزام راشد العزومى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن سياسة «فـرق تسـد» تتضمن مبدأً سياسيا تسلطيا قديما يقضى بإضعاف الخصوم والأعداء عن طريق شق صفوفهم وإثارة الخلافات والانقسامات فيما بينهم أو بالحيلولة دون توحدهم، وذلك عن طريق تجزئة قواهم، وإثارة الواحد ضد الآخر «سياسة التفتيت» هذا المبدأ ينطبق أكثر ما ينطبق على سياسة الدول الكبرى الراغبة فى فرض الهيمنة وبسط النفوذ على مناطق أخرى لتحقيق العديد من الأهداف، منها السياسى والاقتصادى والثقافى وطمس هوية الشعوب. استعانت المخابرات الأمريكية بتلك السياسة لضرب جسور التواصل ما بين القاهرة وطهران، والتى بدأت تظهر بوادرها على خلفية إشارات دولية من الأمم المتحدة تظهر قرب الانفراج ولو جزئيا عن النظام الإيرانى. اتخذت القاهرة فاصلا من المفاوضات السرية الموازية على نطاق الأوضاع السياسية فى الشرق الأوسط وترتيب الأدوار الاستراتيجية. تلك المحادثات لم ترحب بها واشنطن، خصوصا أن التقارب بين أكبر قوة شيعية (إيران) وأكبر قوة سنية (مصر) لا يصب فى مصلحة أمريكا أو إسرائيل. رغم أن البيت الأبيض أرسل رسميا للقاهرة عبر السفير رسائل مباشرة بعدم الارتياح لهذا التقارب، فكان رد مصر غير المتوقع بأن مدى التقارب مع طهران هو قرار مصرى، تحدده مصالح مصر، وأن ما تفعله القاهرة لا يختلف عما تفعله واشنطن. هنا يظهر وجه المخابرات المركزية القبيح، مستهدفا إثارة التوتر فى العلاقة بين طهران والقاهرة اعتمادا على الصراع الطائفى بما يوقف أو يفسد المحادثات السرية بين العاصمتين. بالفعل تنتهج الوكالة آلية «فرق تسد» بين البلدين عبر خطوتين متوازيتين، اغتيال الشيخ الشيعى الجعفرى وتصدير الصورة بأن من وشى به هو المهندس المصرى أحمد المرشدى، وفى نفس الوقت تطلق سراح الإرهابى «عبدالله المطلوم» من سجن بيشاور الأفغانى لاغتيال السفير الإيرانى فى العاصمة الإندونيسية جاكرتا.
كان المظلوم ضابطا سابقا فى المخابرات المصرية، تم تسريحه من القوات المسلحة بعد أن ارتابت التحريات العسكرية فى علاقاته وأنشطته الدينية. فيهرب إلى أفغانستان ثم باكستان لينضم إلى صفوف القاعدة، يبرز كقائد ميدانى أثبت نجاحه فى عدة مواقع فى العراق وسوريا، إلا أنه يقع فى أسر القوات الأمريكية فى إحدى الغارات التى شنتها على كشمير. المخابرات الأمريكية وجدت فى خلفية المظلوم المواصفات المطلوبة لتنفيذ لعبة «فرق تسد»، لتدفعه بعد أربعة أشهر من التعذيب وغسيل المخ تدخل فيها أخصائيون نفسيون، مستعينين بعقاقير لإقناعه بأن إيران هى عدوة الإسلام الأكبر، وتوريطه فى اغتيال السفير الإيرانى فى جاكرتا، بما يوحى بأن من يقف وراء هذه العملية المخابرات المصرية تحديدا.
كانت المخابرات الأمريكية على علم بتفاصيل الخلية الصغيرة التى كونها المظلوم، وعلى علم بكل خطوة يأخذها تحضيرا لعملية الاغتيال، لكنها آثرت الصمت حتى اللحظات الأخيرة، لتحذر المخابرات الإندونيسية من عملية الاغتيال، تنجح الأخيرة فى قتل المظلوم وإنقاذ السفير الإيرانى فى اللحظات الأخيرة. ويسرع «البنتاجون» بالتصريح للعلن فى مؤتمر صحفى بتفاصيل العملية ومنفذيها، مع التأكيد على خلفية عبدالله المظلوم العسكرية وسابق انتمائه للمخابرات المصرية، حتى قبل أن تخرج السلطات الإندونيسية بأى تصريحات أو بيانات.

البوابة

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا