الرئيسيةمختاراتمقالاتاغتراب الوثيقة عن الواقع (2)

اغتراب الوثيقة عن الواقع (2)

بقلم: عمر حلمي الغول

خامسا- جاء في المادة (28) “تتمسك حماس بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الفلسطينية”. هذه المادة تتناقض مع الواقع جملة وتفصيلا، لأن حماس ترفض القبول بالآخر، ولا تؤمن بالتعددية ولا بالشراكة السياسية. ولو كانت فعلا تتمسك بأي من المعايير آنفة الذكر لكان الوضع في الساحة الفلسطينية مختلفا تماما. ولقبلت حماس- فعلا لا قولا- بحكومة التوافق الوطني، ودفعت بعربة المصالحة الوطنية قدما للأمام. فضلا عن ذلك، عن اي تعددية تتحدث حماس، وهي تمارس سياسة تكميم الأفواه، وتقوم على مدار الساعة باعتقال كل مخالف لها بالرأي والتوجه.
ولعل الاستدعاءات والاعتقالات الجارية للإعلاميين وابناء حركة فتح اليومية، التي بلغت أمس الذروة حيث تم اعتقال ما يزيد على 500 مناضل من حركة فتح، فضلا عن التحذير بإطلاق الرصاص الحي على اي نشاط لفتح لدعم اسرى الحرية المضربين عن الطعام.. إلخ.
تؤكد هذه المعطيات رفضها المبدئي لما تقدم. سادسا- في المادة (30) تؤكد حماس على “ضرورة بناء المؤسسات والمرجعيات الفلسطينية على اسس ديمقراطية سليمة… وفي مقدمتها الانتخابات الحرة والنزيهة..”. هل ما حملته الوثيقة يرتبط بالواقع. ويعكس سياسات حركة حماس على الأرض؟ وإذا كانت كذلك، لماذا رفضت المشاركة بالانتخابات المحلية المقرة في 13 من الحالي الشهر؟ وعن اية انتخابات تتحدث؟ بالتأكيد ما ورد لا يتماثل لا من قريب او بعيد مع ما يجري على الأرض. ولماذا ترفض تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني؟
قد يقول البعض، إن في هذا الطرح “تعجل” و”استباق للأحداث”، لاسيما وان الوثيقة نشرت أمس؟ وماذا عن التطور الملازم لمخاض بلورة الوثيقة، التي يجري الإعداد لها منذ اربعة اعوام خلت؟ ألا يفترض ان يكون هناك تناسب بين هذا الحوار وترجماته على ارض الواقع، كتمهيد له، ويُحضر الأرضية الحزبية والشعبية لما تحمله الوثيقة؟ وهل يفترض ان يأتي التغيير بعد الإعلان عن الوثيقة أم يسير معها بالتوازي الإيجابي؟ النتيجة المنطقية، تشير إلى ان حماس لا تؤمن بالانتخابات ولا بأي ملمح من ملامح الديمقراطية، لأن الديمقرطية وتطبيقها في الواقع له استحقاقات عملية في المجتمع. أين حماس من تلك الاستحقاقات؟ وبالتالي ما ورد في المادة لا يعد أكثر من لغو لا أساس له في ممارسات وسلوكيات ومواقف الحركة.
سابعا- تقول المادة (32) في الوثيقة، إن حماس تؤكد “على ضرورة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وعدم ارتهانه لجهات خارجية”. من الواضح أن حماس تتناقض عمليا مع ما ورد في المادة، لأنها رغم عدم إيرادها لنص واضح عن التزامها التام بمرجعية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي اعتبر مشعل، ان حماس جزء من مدرسته، إلا انها مازالت أسيرة هذه الجماعة. ولم تفك اواصر روابطها معه. وما حملته المادة، لا يعكس الحقيقة. ولتأكيد ما تقدم نستشهد بعدد من التصريحات لقيادة حماس والإخوان المسلمين، فيقول مشعل في لقاء مساء الثلاثاء مع التلفزيون العربي: “نعمل منذ عام 1987 تحت اسم حركة حماس. فكرنا ضمن المدرسة الإخوانية، وهي مدرسة الاعتدال والوسطية (غير صحيح) وهذا كان ولا زال”.
لا اعتقد ان الفقرة تحتاج إلى تعليق او تعميق، فهي تشرح نفسها بنفسها. ايضا يقول القيادي الإخواني، محمد الجوادي، الذي يعتبر رئيس حكومة المنفى للإخوان عن الوثيقة، “إنه لم ير في التاريخ السياسي وثيقة تتمتع بمثل هذا القدر من الوضوح والانضباط مثلما ظهرت به وثيقة حماس”. اي ان الوثيقة عكست عمق الروابط بين حركة حماس والتنظيم الدولي للإخوان، وتعكس انضباطا أثلج قلوب قادة الجماعة حيثما كانوا.
أضف إلى أن حماس لم تسقط أجندتها العربية والإقليمية. وبالتالي عن أي استقلالية للقرار الفلسطيني في ظل ارتهانها للقوى المذكورة؟ ولماذا لم تتخذ مواقف تتناسب مع ما جاء في المادة، ولم تعمل لتعزيز استقلالية القرار الوطني بالاندماج في منظمة الحرير الفلسطينية، الإطار الجامع للكل الفلسطيني، وفق ما جاء في الوثيقة؟ وما هي معايير الاستقلال للقرار الفلسطيني؟ النتيجة الواقعية لما حملته المادة، هي شكل من اشكال الالتفاف على الواقع، وتضليل للآخر الفلسطيني، وضحك على الذقون، لأن هناك بونا شاسعا بين ما ورد وبين الواقع المعطى على الأرض.
مما لا شك فيه، ان المرء كان ومازال يمني النفس، بانتقال حركة حماس خطوة إيجابية للأمام ترمم من خلالها الجسور مع الكل الوطني، وتنفض الغبار والبؤس والتشرذم، الذي تعيشه الساحة الفلسطينية منذ الانقلاب الأسود على الشرعية الوطنية قبل عشرة أعوام خلت. غير ان التمني شيء والواقع المعاش شيء آخر، حيث يعيش ابناء فلسطين في محافظات الجنوب ظلما وسحقا مضاعفا نتيجة سياسات وانتهاكات وضرائب واعتقالات ميلشيات حماس، وسياسات التخوين والتكفير، التي تضاعفت عشية الإعلان عن الوثيقة، ومازالت هذه السياسة وتعابيرها قائمة على قدم وساق. وبالتالي هناك فرق عميق بين ما كانت عليه حركة فتح وفصائل العمل الوطني في 1974، وما تلاها من تطور في الفكر السياسي الفلسطيني، وبين حركة حماس. وهذا ايضا يؤكد عليه مشعل بالقول، تجربتنا ليست تكرارا لتجربة فتح لا بالشكل ولا بالمحتوى. واعتقد جازما انه اصاب كبد الحقيقة، ورد على المتهافتين، الذين حاولوا الربط بين تطور حركة فتح وحركة حماس، وكأنهم شاؤوا مغازلة حماس كيفما كان، لمجرد استرضائها ودون وجه حق. إذ يخطئ من يعتقد ان هناك تشابها بين الكل الوطني وبين حماس.

للاطلاع على اغتراب الوثيقة عن الواقع (1) اضغط على الرابط ادناه

https://fatehmedia.eu/?p=94346

 

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا