الرئيسيةمختاراتمقالاتمقالات الصحف العربية حول وثيقة حماس - السبت 6-5-2017

مقالات الصحف العربية حول وثيقة حماس – السبت 6-5-2017

في هــــــذا الملف:
حماس الجديدة: تبدلت الأزمنة فتقادمت الحقوق؟
بقلم: صبحي حديدي (كاتب وباحث سوري يقيم في باريس) عن القدس العربي
لماذا تقبل حماس اقتسام فلسطين مع إسرائيل بحدود 1967 وترفض اقتسام غزة مع فتح؟
بقلم: وائل عصام (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
وثيقة «حماس»: المقايضة الخاسرة
بقلم: باسل أبو حمدة (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
«حماس» ووثيقتها: حلف الكذّاب والأبله
بقلم: حازم صاغية (كاتب لبناني) عن الحياة اللندنية
تراجع حماس عن تديين الصراع
بقلم: علاء بيومي (كاتب وباحث مصري) عن العربي الجديد
وثيقة حماس: ضجيج من أجل الهمس!
بقلم: محمد قواص (كاتب لبناني) عن العرب اللندنية
وثيقة حماس الجديدة بين القديم والجديد
بقلم: ياسر الزعاترة (كاتب أردني) عن الدستور الأردنية
مصالحة “حماس” مع من؟
بقلم: برهوم جرايسي (كاتب اردني) عن الغد الأردنية
لماذا لا تعتذر حماس؟
بقلم: عماد الدين حسين (كاتب مصري) عن الشروق المصرية
حماس: ما بين الوثيقة والميثاق ودولة غزة
بقلم: علاء أبوعامر (باحث فلسطيني) عن رأي اليوم

حماس الجديدة: تبدلت الأزمنة فتقادمت الحقوق؟

بقلم: صبحي حديدي (كاتب وباحث سوري يقيم في باريس) عن القدس العربي
هل تبدّلت «حركة المقاومة الإسلامية»، أو حماس في الاختصار الشهير، على أيّ نحو جوهري، حقاً؛ استناداً إلى جديدها السياسي والعقائدي الأحدث، كما تمثّل في «وثيقة المبادئ والسياسات العامة»، التي أعلنها رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، قبل أيام؟ أو، في صياغة أخرى لمحتوى السؤال ذاته، ما الذي أدخلته وثيقة أيار (مايو) 2017، من تعديلات ملموسة أو نوعية، على ميثاق الحركة التأسيسي الذي صدر في آب (أغسطس) 1988؟ وهل تصلح، في هذا، إجابات من طراز الـ»نعم»، أو الـ»لا»؛ أم أنّ مزيجاً جدلياً من التأكيد والنفي، معاً، هو الأصلح؟
لعلّ اعتماد الخيار الثالث هو الأكثر احتواء على عناصر وقائعية تتيح تلمّس طبيعة الخطوة الحمساوية الأخيرة؛ خاصة وأنّ سياقات ولادة هذه الخطوة لم تكن طارئة وضاغطة وملحّة، من النوع الذي جعل ياسر عرفات يطلق على الميثاق الوطني الفلسطيني صفة التقادم (الـ»كادوك» الشهير)، من قلب العاصمة الفرنسية، في مثل هذه الأيام، سنة 1989. خاصة، أيضاً، وأنّ حماس تجاوزت ميثاقها التأسيسي مراراً، عملياً ونظرياً؛ في انضمامها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، والرسالة الشهيرة إلى الشيخ عبد الحميد السائح، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يومذاك، بادئ ذي بدء.
هنالك، أيضاً، «المذكرة التعريفية»، لعام 1993 (جاء في البند الأول، على الصعيد الفلسطيني: «ترى حماس أن ساحة العمل الفلسطيني تتسع لكل الرؤى والاجتهادات في مقاومة الاحتلال الصهيوني، وتعتقد أن وحدة العمل الوطني الفلسطيني غاية ينبغي على جميع القوى والفصائل والفعاليات الفلسطينية العمل من أجل الوصول إليها»). وكذلك الانضواء تحت «إعلان القاهرة»، 2005 (الذي نصّ، بين بنود أخرى، على «أنّ الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتعامل بين كافة القوى دعماً للوحدة الوطنية ووحدة الصف الفلسطيني وعلى تحريم الاحتكام للسلاح في الخلافات الداخلية»، فضلاً عن تعهد حماس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية).
والخيار الثالث قد يكون الأنفع في ضوء حقيقة كبرى مركزية، تفيد بأنّ حماس إرث معقد، ليس متجانساً تماماً كما قد يلوح للوهلة الأولى؛ وبالتالي ليس أمراً غير منتظَر أن تتبدّل معطيات ذلك الإرث مع تبدّل الأزمان، وأن تتقادم المبادئ أو تتراجع أولوياتها، أو تُراجَع بين حين وآخر، على نحو جذري أحياناً. الحركة، أولاً، وأنى ذهبت تلميحات «وثيقة المبادئ والسياسات العامة»، هي الوريث الأهمّ لجماعة «الإخوان المسلمين» في فلسطين. والواقعة التاريخية تقول إنّ سبعة من كبار قيادات الجماعة التقوا في أواخر سنة 1987، وأعلنوا تأسيس حماس، وهم: الشيخ أحمد ياسين وإبراهيم اليازوري ومحمد شمعة (ممثلو مدينة غزة)، وعبد الفتاح دخان (ممثل المنطقة الوسطى)، وعبد العزيز الرنتيسي (ممثل خان يونس)، وعيسى النشار (ممثل رفح)، وصلاح شحادة (ممثل منطقة الشمال). كذلك شهدت مرحلة التأسيس صعود قياديين من أمثال خليل القوقا، موسى أبو مرزوق، إبراهيم غوشة، وخالد مشعل.
ثانياً، وعلى خلاف ما يتردد اليوم من أنّ الحركة تخلت عن العداء للسامية في الوثيقة الجديدة، لم يكن ميثاق الحركة، الذي صدر في صيف 1988، يعطي لليهود الذين احتلوا فلسطين عام 1948 حقّ الاستيلاء على البلد؛ ولكن الحركة لم تكن تعادي اليهودية في حدّ ذاتها، بل اعتبرتها ديناً سماوياً. كذلك اعتبرت مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي «صراع وجود وليس صراع حدود»، ونظرت إلى إسرائيل كجزء من مشروع «استعماري غربي صهيوني»، يهدف إلى تمزيق العالم الإسلامي والعربي وتهجير الفلسطينيين من ديارهم. ولهذا آمنت الحركة بأن الجهاد بأنواعه وأشكاله المختلفة هو السبيل لتحرير التراب الفلسطيني، ورأت أنّ مفاوضات السلام مع إسرائيل مضيعة للوقت ووسيلة للتفريط في الحقوق. وخلصت حماس إلى أنّ عمليات التسوية بين العرب وإسرائيل، منذ مؤتمر مدريد عام 1991، قامت على أسس خاطئة، ولهذا فقد اعتبرت اتفاقات أوسلو تفريطاً بحقّ العرب والمسلمين في أرض فلسطين التاريخية، وساجلت بأنّ إسرائيل هي الملزَمة أولاً بالاعتراف بحق الفلسطينيين في أرضهم، وبحقّ العودة.
وعلى نقيض ياسر عرفات، لم تتعاطف الحركة مع الرئيس العراقي صدّام حسين حين اجتاح الكويت سنة 1990، وهذا ما جلب عليها تعاطف معظم الدول الخليجية، وتردد أن حماس كانت تتلقى معونات تبلغ 28 مليون دولار شهرياً، من السعودية خاصة، الأمر الذي مكّنها من الحلول سريعاً محلّ منظمة التحرير على صعيد الأعمال الخيرية في غزة. وفي سنة 1994 أعطى موسى أبو مرزوق، وكان يقيم في الأردن آنذاك، أولى الإشارات على أنّ الحركة تقبل بـ»هدنة» مع إسرائيل إذا انسحبت إلى حدود 1967، الأمر الذي أكده أيضاً الزعيم الروحي للحركة الشيخ أحمد ياسين.
خلال الانتفاضة الثانية ازدادت أنشطة حماس السياسية والعسكرية، فتعاونت مع كتائب الأقصى، التابعة لـ»فتح»، في تنفيذ عمليات انتحارية؛ وانفتحت أكثر على إيران وحزب الله اللبناني والنظام السوري، على حساب السعودية ومصر. ثمّ قفزت شعبيتها في الشارع الفلسطيني قياساً على تضحيات قياداتها (اغتيال الشيخ أحمد ياسين في آذار/ مارس 2004، ثمّ الرنتيسي، خليفته في القيادة، بعد أسابيع). وفي موازاة تعثر المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، والحصار الذي فُرض على عرفات في رام الله، ثمّ وفاته في ما يُظنّ أنه عملية تسميم، وانتخاب محمود عباس في غمرة فساد السلطة الوطنية الفلسطينية والرموز التاريخية لحركة فتح؛ كان طبيعياً أن تكتسح حماس الانتخابات التشريعية الفلسطينية مطلع 2006.
ومنذ سنة 1996، حين وقعت سلسلة من العمليات الانتحارية وتزامنت مع توقيع اتفاقيات أوسلو ـ 2، قيل إن محمد دحلان، رئيس الأمن الوقائي (جهاز الاستخبارات الأقوى في غزّة آنذاك)، تولى مهمّة تفكيك مؤسسات حماس السياسية والعسكرية. وفي صيف 2007 وقعت المواجهة الحاسمة والختامية، بين فتح وحماس، وأسفرت عن سيطرة الأخيرة على مقاليد الأمور في غزة، ولجوء الرئيس الفلسطيني إلى إقالة الحكومة وتشكيل أخرى في رام الله. وكان الصحافي الأمريكي دافيد روز قد نشر، في مجلة Vanity Fair لشهر نيسان (أبريل) 2008، تحقيقاً مثيراً عن هذا الحدث، اعتمد فيه على وثائق أمريكية رسمية عالية السرّية؛ وخلص إلى أنّ السلطة الفلسطينية وإسرائيل خططتا للانقلاب على حماس، فاستبقتهم حماس وانقلبت عليهم!
يبقى، أخيراً، أن حماس قامت، منذ البدء، على ثلاثة أجنحة قيادية: الجناح السياسي، وأداره المقرّبون من الشيخ ياسين (اليازوري، أبو شنب، الزهار)؛ والجناح الأمني والاستخباراتي، وكان يُعرف باسم «المجد»، بإدارة يحيى سنور وروحي المشتهى؛ والجناح العسكري، وبدأ من خلايا صغيرة قبل أن يأخذ صيغة فصائل عز الدين القسام كما تُعرف حالياً. وعلى امتداد السنوات، وتعاقب الأحداث والأزمات والأزمنة، استقرّت قيادة حماس السياسية على جناحين، داخلي مقيم في قطاع غزّة، وخارجي مقيم في عواصم عربية متعاقبة، وتوفّر في كلّ جناح فريق اعتدال (يقوده أبو مرزوق)، وفريق تشدّد (لعلّ الزهار على رأسه)، وفريق وسط (أبرز رجالاته إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة).
وهكذا، حين تعلن وثيقة حماس الجديدة أنّ «الحقوق لا تسقط بالتقادم»، من جهة أولى؛ ثمّ تعتبر، من جهة ثانية، أنّ دولة فلسطينية على خطوط 4 حزيران (يونيو) 1967، هي «صيغة توافقية وطنية مشتركة»؛ فإنّ الحركة لا تضيف جديداً جوهرياً، في واقع الحال، وإنما تعيد إنتاج القديم، أو تعمد إلى تدويره. وعلى نحو ما، قد يصحّ القول إنّ الأزمنة التي تبدلت لم تُدخل التقادم على ميثاق الحركة، وإنْ بدا اليوم أنها فرضت على بعض الحقوق الجوهرية أن… تتقادم!

لماذا تقبل حماس اقتسام فلسطين مع إسرائيل بحدود 1967 وترفض اقتسام غزة مع فتح؟

بقلم: وائل عصام (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
كان خالد مشعل واضحاً للغاية في حديثه لقناة الـ»سي إن إن» الأمريكية، فوثيقة الحركة الجديدة رسالة موجهة للغرب، لعله «يلتقطها» مع ترامب كما قال مشعل، ودولة الـ67 التي تجاور اسرائيل خرجت من خانة المحرمات الوطنية لدى حماس التي باتت تنتظر الفرج ممن يضعها على قائمة الإرهاب.. الأمريكيين!
الرد الأمريكي والإسرائيلي جاء سريعاً وسلبياً تجاه الوثيقة رغم ان دولتين صديقتين للولايات المتحدة كانتا وراء إقناع حماس بإجراء عملية التجميل المكلفة هذه دون أي مقابل، وغزة بلا كهرباء حتى، في تواصل للسياسة المعتمدة للدول العربية وتركيا تجاه غزة، بمحاولة تحسين ظروف سجناء غزة دون حل جذري لإطلاقهم! ودون حتى ان يستطيعوا تأمين الحد الادنى من الحماية لغزة من أي عدوان تهدد فيه إسرائيل باستمرار قد يطيح بحماس او يحجم من نفوذها على القطاع.
لكن لماذا تعتقد حماس وشقيقاتها من الحركات الإسلاموية الحداثية انها تستطيع بقفزة هوائية واحدة ان تصبح صديقة لخصوم أصيلين كالدول الغربية التي أوجدت ودعمت عدوتها اسرائيل؟
ولماذا يسهل إقناعها دائماً بأن الحل يبدأ من التقرب لواشنطن ولندن وليس التقريب بين غزة ورام الله مثلاً؟! وما هو يا ترى المنظور القيمي الذي يدفع حماس الآن للقبول باقتسام فلسطين مع اسرائيل على حدود 67 دون القبول حتى الآن باقتسام غزة مع فتح على حدود 2007؟!
يبدو غرام الاسلاموية الحداثية بالتقرب للغرب زلفى، وكأنه ينم عن شعورهم بفشل مشروعهم للمواءمة بين الإسلام السياسي وشروط التأهيل الغربي، على طريقتهم، ليتحولوا الى حركات لا تحمل من الضوابط المرجعية الاسلامية الموجهة للرؤية السياسية إلا شعارات معدة للاستهلاك المحلي، ويهيمن على بوصلتها العملية إيمان مطلق بأن العدو الذي هزمنا هو نفسه المخلص!
وقد يقول قائل إنها براغماتية زمن الهزيمة، ولكن في هذه الحالة لماذا الزج بالمرجعية الاسلامية وتعريضها للتشويه المعنوي أيضاً، ما دامت هذه الحركات غير مؤهلة لحمل ثقل قيود هذه القيم الصارمة، والمعدة لمن يبحث عن مكان طليعي كمشروع أمة قائدة في منطقتها على الاقل، وليست بضاعة للمتاجرة بيد هواة التبعية لكل من هب ودب من أمم الارض التي تهيمن علينا من إيران شرقاً حتى الولايات المتحدة غرباً..
ففي العراق ، تكرر حماس العراق (وهو اسم فصيل عسكري للإخوان العراقيين تيمناً بحماس فلسطين) تكرر التجربة ذاتها بتناقضاتها التي درجت عليها حركات الاسلام الحداثي، تتمثل في المرونة الفائقة والتحالف مع الخصوم والاعداء والتصلب التام مع القوى الشقيقة، والتعلق بالقوى المحتلة وداعميها من ايران والولايات المتحدة لتحقيق وجودها السياسي الحزبي المحض، فحماس العراق رفضت خلال سنوات المقاومة ان تحتمل وجود قيادي اسلامي رائد كالدكتور مثنى الضاري في هيئتها القيادية وانشقت عن كتائب العشرين، ولكنها تحملت ان تعمل تحت قيادة ومشروع الجيش الأمريكي بالعراق لمحاربة القاعدة، وتواصل القتال اليوم تحت قيادة قوات الحكومة الشيعية في الانبار، ورفض حزبها الاسلامي منذ عقود ان ينهي العداء مع نظام الرئيس العراقي صدام حسين الذي تكفره، ولكن هذا الحزب الاسلامي السني هو جزء اساسي اليوم من حكومة ايرانية في بغداد، ويقاتل مع قواتها الميليشياوية ضد كل المدن السنية المتمردة على حكومة بغداد، كما انفرد قبل عشر سنين ممثلهم الهاشمي بتمرير الدستور العراقي بعد الاحتلال رغم معارضة كل القوى السياسية السنية، إلا أنه كان واثقاً من نصائح صديقه السفير الأمريكي زلماي خليل الذي طمأنه بأن هذا الدستور جيد للسنة!
ولا يختلف الحال في سوريا، فحركات الإسلام السياسي المقربة من الحكومات وافقت على كل التسويات وانخرطت بمحادثات استانة بضمانة أعدائها روسيا وإيران ولكنها لم تمتلك أي رؤية أو رغبة جدية لتسوية مع الفصائل الجهادية والإسلامية الشقيقة..
صحيح ان التصلب بالموقف والاقصائية صفات تشترك فيها ايضاً الفصائل الاسلامية الجهادية الاخرى والحركات القومية واليسارية، ولكن اللافت حقاً ان الحركات الجهادية ومعظم القوى القومية الاصولية واليسارية لم تنخرط في هذا السباق المحموم لإرضاء القوى الغربية، فهي ورغم أنها تشترك مع حركات الإسلام الحداثي بالإقصائية لشركاء الداخل إلا أنها حافظت على درجة عداء وتصلب مبدئي مع القوى الغربية التي ما زالت تصطدم معها مبدئياً.
تعتبر حماس أن حدود فلسطين من البحر للنهر، وكحركة إسلامية المرجعية لا يبدو واضحاً من أين استقت هذه الحدود، فمنذ قدوم الإسلام لأرض الشام لم تعرف فلسطين دولةً مستقلةً أو لغةً او شعباً متمايزاً عن محيطه الشامي او الاسلامي المشرقي، بل انه وحتى قبل مائة وخمسين عاماً كانت معظم مدن فلسطين الهامة بما فيها القدس جزءًا من ولاية دمشق العثمانية، لذلك فان الحديث من قبل حركة اسلامية عن حدود دولة وطنية يثير العديد من التساؤلات حول المرجعية التي تستقي منها هذه التعريفات البالغة التأثير في فهم معنى الصراع وعمقه، فجزءٌ أساسي من المشكلة الفلسطينية ان هناك من يصدق ان قوى محلية في مدن صغيرة كرام الله وغزة تستطيع الدخول بصراع متكافئ مع كيان عقائدي يعتمد على دعم ممتد غربياً عابر للقارات وليس فقط الحدود الوطنية، ولعله من المستغرب ايضاً ان تفكر الحركات الفلسطينية كما تفكر اسرائيل المعزولة في منطقتنا قومياً ودينياً، بالاستعانة بقوى غربية في أقاصي الارض، فالمفترض أن حركات النضال الفلسطيني وسط محيط يجمعها بروابط قومية ودينية راسخة هي التي تمكنت تاريخياً من تحرير فلسطين الذي كان عبر بوابة دمشق دائماً، ولن تتمكن أي حالة فلسطينية من أن تقوم لها قائمة دون اعادة هذه الوشائج بمحيطها العربي وترجمتها بكيان سياسي وعسكري يمنحها الدعم..
فما بالك أن تكون حركة محاصرة في سجن اسمه غزة وتعتقد أنها ستنجح بمواجهة متكافئة مع اسرائيل ومن ورائها قوى العالم الغربي، وتتبنى في وثيقتها المزيد من الاصرار على بقاء مشروعها في اطار هذه الحدود.. وتعود التناقضات العملية لتظهر عندما يتم الحديث نظرياً عن منظمة التحرير الفلسطينية كإطار شامل للفلسطينيين بينما تفشل فتح وحماس عملياً في تطبيق هذا التعايش الفلسطيني في غزة رغم حصارها ومآسيها التي يفترض ان تشكل اكبر دافع للتلاحم كفلسطينيين.. وما داموا يواصلون العمل من هذه المنطلقات والنظرة المحلية الضيقة بالتعامل مع النزاع، فستواصل حماس الإخفاق في الطريق نفسه الذي سبق ان اخفقت فيه حركة فتح!

وثيقة «حماس»: المقايضة الخاسرة

بقلم: باسل أبو حمدة (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
بتركيز حركة المقاومة الإسلامية على العوامل والاعتبارات الخارجية المحيطة بالقضية الفلسطينية وسعيها الحثيث إلى حجز مقعد لها في قطار تسويتها ذات العمر المديد من خلال مبادرتها الذاتية المتجلية في»وثيقة المبادئ والسياسات العامة»، التي أعلنها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل أخيراً، أخرجت «حماس» نفسها من حيز الآيديولوجيا وجمودها إلى حيز السياسة ومرونتها، منخرطة بذلك في سباق التمايز في الخطاب السياسي الذي بات يجمعها مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، فأصبحت الحركتان تسيران جنباً إلى جنب وباتجاه واحد لا تحدد معالمه مضامين ومفاعيل قضيتهما الوطنية في مستواها الداخلي، بل ضرورات تأمين القبول الاقليمي والدولي لهما في لعب دور محتمل في رسم الخارطة السياسية لفلسطين المستقبل وتعيين صيغة نهائية لحل القضية الفلسطينية في اطار المعطيات السياسية الراهنة.
الإضافة الوحيدة التي طرحتها حركة حماس في وثيقتها الجديدة المباغتة من حيث المعطيات المستنقعة التي باتت تخنق القضية الوطنية الفلسطينية، لا تعدو كونها إحدى أوراق الاعتماد المطلوب من الحركة تقديمها للمجتمع الدولي تمهيدًا لانخراطها في تسوية فلسطينية – اسرائيلية محتملة لا تزال معالمها غامضة حتى الآن، وما دون ذلك وما فوقه يبقى محنطاً في قوقعة العبث بمفردات الصراع العربي-الاسرائيلي لا أكثر ولا أقل، اللهم إلا إذا استثنينا ذلك البند من الوثيقة الذي يعلن عن فك ارتباط الحركة الاسلامية الوطنية بحركة الإخوان المسلمين الكونية، وهو تساوق أيضاً مع متطلبات إقليمية ودولية لا يمت للقضية الوطنية بصلة.
بذلك، تسعى الحركة إلى وضع نفسها على سكة مسار ذو وجهة واحدة لا يخرج البتة عن إطار التكيف مع متطلبات وشروط اللعبة السياسية الدائرة رحاها في حلبة الثوابت الوطنية الفلسطينية وعليها وخارج المبادرات والمقترحات التقليدية لتسوية الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، ما حتم على الحركة الاسلامية تقديم تنازلين رئيسيين في وثيقتها الجديدة، أحدهما فكري شمولي والآخر وطني سياسي، مثلما فرض على منظمة التحرير الفلسطينية قبلها بسنوات طويلة تقديم سلسلة من التنازلات المتدحرجة على مستوى تلك الثوابت الوطنية والتعاطي معها بمرونة أفقدتها الكثير من مضامينها.
التنازل الأول، الذي يمكن اعتباره حميداً، يتعلق بفك ارتباط الحركة بشقيقتها الكبرى حركة الإخوان المسلمين الكونية، وما يعنيه ذلك من انخراط أحد أكبر الفصائل الفلسطينية في المشروع الوطني الفلسطيني بمفرداته التحررية الوطنية بعيداً عن العقيدة الكونية ومتطلباتها والتزاماتها وتداعيات الانخراط الكلي في صفوف القوى والأحزاب التي تتمثلها فكرًا ومنهجاً للعمل السياسي،علماً بأن خطوة حماس في هذا الاتجاه لها مثيلاتها في تجارب عربية عديدة لم تفض إلى ما تصبو إليه فيما يتعلق بمحاولة تغيير صورتها وجعلها مستساغة من جانب المعترضين عليها في المنطقة والعالم، فلقد سبقتها إلى ذلك حركة الاخوان المسلمين في مصر، التي لم تفلح في اقناع تلك الجهات المعترضة بسلمية فكرها وأدوات عملها، وكذلك فعلت نظيرتها في سوريا وغيرها من الحركات الاسلامية في المنطقة. لكن تبقى لكل تجربة إخوانية خصوصيتها ويبقى قوس مقايضة الآيديولوجيا بالسياسة والكونية بالوطنية مفتوحاً في الحالة الفلسطينية.
أما التنازل الثاني المتعلق بقبول حركة حماس قيام دولة فلسطينية على حدود السادس من حزيران 1967، فإنه يصب في خانة المقايضة العقيمة ذاتها، ذلك أن صعوبات اضافية تقف بالمرصاد أمام خطوة حماس هذه لا سيما وأن «الشريك الاسرائيلي» في هذه المقايضة لن يحيد عن نهج المراوغة وكسب الوقت وسحب أوراق القوة من يد «الشريك الفلسطيني» ورقة تلو الأخرى مهما تباينت منطلقاته الفكرية والنظرية، ومهما اختلفت أدوات عمله السياسية لا لأن الأول لا يريد السلام فحسب، بل لأنه لا يحتاجه أصلاً في ظل سيطرة معادلة القوة التي أخرجت الدولة العبرية إلى حيز الوجود عام 1984 وأبقتها على قيد الحياة مزهوة بنفسها طوال العقود السبعة الماضية التي مرت على النكبة الفلسطينية، ما يجعل من أي محاولة للتكيف مع وضعية «الشريك» في الجانب الفلسطيني ضرباً من العبث.
كان بإمكان حركة حماس ألا تقع في فخ مسلسل التنازلات العبثية بسلوكها مسلكاً مغايراً من خلال السعي الجاد لإنهاء حالة الانقسام الفلسطينية – الفلسطينية والالتحاق بركب منظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة هيكلتها وتقديم أوراق اعتمادها ليس للخارج الإقليمي والدولي ولكن إلى الداخل الفلسطيني الذي يشكل، في المحصلة النهائية، بيضة القبان وخشبة الخلاص الوحيدة للنظام السياسي الفلسطيني وتخرجه من حالة التجاذبات السياسية الخارجية القاتلة لمشروعه الوطني.
كما كان في وسع الحركة الاحتفاظ بميثاقها الأساسي، الذي وضعته لنفسها عشية انطلاقتها عام 1988 لكن يبدو أنها ومنذ انطلاقتها قد رسمت لنفسها خطاً موازياً للنظام السياسي الفلسطيني بطريقة تسمح لها بالبقاء خارج هذا النظام الذي تعتبر نفسها فوقه لا جزءاً منه، الأمر الذي كرسته عملياً عام 2007 إثر انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة.

«حماس» ووثيقتها: حلف الكذّاب والأبله

بقلم: حازم صاغية (كاتب لبناني) عن الحياة اللندنية
وثيقة «حماس» تؤخذ عليها مآخذ كثيرة: على ركاكتها وتعثّرها وتناقضها الذاتيّ، وعلى ما تنويه قيادة «حماس» من ورائها، لا سيّما في ما خصّ العلاقات الفلسطينيّة– الفلسطينيّة. شيء واحد ينبغي ألاّ تُنتقد عليه. هذا الشيء تحديداً هو أكثر ما تعرّض للهجاء: إنّها تتراجع نحو القبول بدولة على حدود الـ 67. إنّها تتكيّف مع التغيّرات الإقليميّة والدوليّة.
التكيّف مع المحيط والعالم والتغيّرات ليس عيباً. إنّه، من حيث المبدأ، فضيلة. الابتعاد عن «الإخوان المسلمين» هو أيضاً فضيلة أخرى. الشيء نفسه يصحّ في اعتبار أنّ الصراع هو مع إسرائيل، لا مع اليهود.
صلب الموضوع هو التراجع إلى القبول بدولة على حدود الـ 67. لا بأس بأن نراجع تاريخنا ووجهته قليلاً:
حين أغرت العروبة السوريّة جمال عبد الناصر، أقام دولة الوحدة بين «الإقليمين» بوصفها الكمّاشة التي ستخنق إسرائيل. تحرير فلسطين صار الرياضة الوطنيّة لدولة الوحدة. انفصال سوريّة في 1961 لم يردع صاحب الكمّاشة عن التلويح بها. هزيمة 1967 وحدها كان لديها أثر الصحوة عليه: عبد الناصر الذي خسر أرضه وهيبته لم يعد يريد أن يحرّر فلسطين. لقد وافق على مشروع روجرز والقرار 242.
ياسر عرفات بدأ، قبل 1967، يصنع كمّاشته. هو أيضاً يريد أن يحرّر فلسطين من الداخل والخارج معاً. سنوات وحروب وتجارب مرّت قبل أن يستقرّ على مطلب الدولة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. بعد ذاك كانت مدريد وأوسلو.
«اليسار الفلسطينيّ» الذي ألحّ على إقامة «هانوي العرب» كي تكون قاعدة لتحرير فلسطين، باشر تراجعه المديد والتصاعديّ بعد هزيمته المُرّة في الأردن عام 1970. يومذاك، ولاستيفاء شروط التحرير، أراد «كلّ السلطة – في الأردن – للمقاومة». لاحقاً، صار الشعار «إقامة السلطة على أيّ شبر يُحرّر من فلسطين».
هل يُفهم من هذه التجارب أنّ جميع المذكورين تحوّلوا، في لحظة ما، إلى «خونة»؟ طبعاً لا. ما يُفهم هو، ببساطة، أنّ الاحتكاك بالواقع الفعليّ ينضّج من يحتكّ ويتعلّم: يتخلّى عن أوهام. يتعرّف إلى القدرات والأكلاف والممكنات. يكبر عقله. تكبر سنّه.
هذا التكرار الدائم للتجارب، للسير من التطرّف إلى الاعتدال، ليس عديم الدلالة.
«حماس» الآن تفعل، بطريقتها، ما فعله السابقون. لقد عرفت، أكثر ممّا كانت تعرف، طبيعة القدرات والاحتمالات، ومواقف العالم الخارجيّ المؤثّر، وفقدان القضيّة الفلسطينيّة كلّ مركزيّة تُنسب إليها: اليوم، وبغضّ النظر عمّا تنتهي إليه تلك القضيّة، لن يكون لذلك أيّ تأثير على العراق واليمن وليبيا، بل على سوريّة المجاورة. «القضيّة المركزيّة» فقدت التأثير في محيطها. إنّها إذاً ليست مركزاً. هذه ليست «مؤامرة». إنّها واقع.
انهيار سلام أوسلو يشجّع السينيكيّة واليأس. هذا مفهوم. مضيّ إسرائيل في سياسات الاستيطان والتطرّف والعجرفة يفعل الشيء نفسه. لكنّ الكلام عن صعوبة السلام لا يجيز الكلام عن سهولة الحرب.
لقد انتصب مجدّداً، في مواجهة الوثيقة الجديدة، تحالف الأبله والكذّاب. الأبله ينطح الصخر، مرّة بعد مرّة، وينطحنا معه. لا يكبر ولا يتعلّم من التكرار الذي تقول الأمثلة إنّه يعلّم الحمار. الكذّابون قضيّتهم أعقد وأخطر. فيهم البعثيّون، العراقيّون بالأمس والسوريّون دائماً، الذين نعرف مدى إسهامهم في الصراع مع إسرائيل. فيهم «حزب الله» الذي كلّما أرسل كتيبة أخرى إلى سوريّة زادت حماسته اللفظيّة لتحرير فلسطين شبراً شبراً. وفيهم، طبعاً، المصالح والتنظيمات المنافسة، وأصحاب الأنا المتضخّمة في عالمها السرّيّ. أمّا عرّاب الكذّابين اليوم فليس سوى إيران ومشروعها في المنطقة.
حصاد هذا التحالف بين الأبله والكذّاب تجارب تكسر القلب، ضحاياها الفلسطينيّون أوّلاً، والمجتمعات المحيطة بفلسطين ثانياً، وسويّة العقل والوعي دوماً. من يحترم هذه المعاناة المديدة ويريد وقفها مُطالَب بقول الحقيقة الجارحة. مُطالَب بمصارحة سواه بأنّ فلسطين لن تعود. بأنّ المهمّ وقف الاستيطان وإحراز دولة فلسطينيّة. لكنْ حتّى هذا المطلب يزداد صعوبة، وسيزداد أكثر كلّما ارتفعت لدينا أصوات كصوت نعيم قاسم، نائب الأمين العامّ لـ «حزب الله»، الذي لا يريد أقلّ من فلسطين «من البحر إلى النهر»!

تراجع حماس عن تديين الصراع

بقلم: علاء بيومي (كاتب وباحث مصري) عن العربي الجديد
ركّزت تحليلات دولية وعربية لوثيقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الجديدة على أبعادها السياسية، وخصوصاً على ما يتعلق بقبول دولة على حدود عام 1967 من دون التنازل عن فلسطين التاريخية، وفك الارتباط التنظيمي مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو تركيز له أسبابه المهمة، بحكم أن الوثيقة سياسية الطابع بالأساس، وهي مصوغة لتطوير أداء حماس ومكانتها سياسيا في المقام الأول.
على الجانب الآخر، أكثر ما يستوقف في الوثيقة هو التغييرات الفكرية أو الإيديولوجية التي انطوت عليها، وخصوصا فيما يتعلق بدور الدين في تصور “حماس” نفسها والصراع وعلاقتها بالعالم وبالداخل الفلسطيني. فعلى سبيل المثال، اشتمل ميثاق عام 1988 على أكثر من ثلاثين آية قرآنية، استخدمتها “حماس” لشرح مواقفها وتبرير هذه المواقف تجاه قضايا مهمة عديدة، مثل تعريف الحركة نفسها، وبنيتها وعلاقتها بالعالم، وأهدافها واستراتيجيتها، وموقفها من المبادرات الدولية، ودور المرأة فيها، وغيرها من القضايا التي تضمنها الميثاق، كما طغت على الميثاق اللغة الفضفاضة، كالقول مثلا عند الحديث عن بنية الحركة وتكوينها “تتكون البنية الأساسية لحركة المقاومة الإسلامية من مسلمين أعطوا ولاءهم لله، فعبدوه حق عبادته، وعرفوا واجبهم تجاه أنفسهم وأهليهم ووطنهم، فاتقوا الله في كل ذلك، ورفعوا راية الجهاد”.
في المقابل، خلت الوثيقة الجديدة من الإشارة إلى أي أية قرآنية، وجاءت أقصر بكثير من الميثاق، ومكتوبة بلغة سياسية أكثر دقةً وقانونيةً وحقوقية، تركز على طبيعة الحركة “كحركة تحرّر ومقاومة”، وعلى فلسطين “كقضية شعب عجز العالم عن ضمان حقوقه واسترداد ما اغتصب منه”، كما تقول الوثيقة في سطورها الأولى.
وبهذا تتراجع اللغة الدينية لصالح اللغة السياسية، وتتراجع الهوية “الإسلامية” لصالح الهوية “الإنسانية” للصراع في خطاب “حماس”، وهذا لا يعني أن الحركة تخلت عن طبيعتها الدينية، حيث أكدت الوثيقة على “إسلامية” حماس، وعلى أن “مرجعتيها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها”، ولكنها انفتحت، في تفسيراتها الإسلامية والسياسية، على القواسم الإنسانية المشتركة، حيث توضح مثلا أن “رسالة الإسلام جاءت بقيم الحق والعدل والحرية والكرامة.. وأن الإسلام ضد جميع أشكال التطرّف والتعصب الديني والعرقي والطائفي”، وتقول أيضا إن “القضية الفلسطينية في جوهرها قضية أرض محتلة وشعب مهجر”، وأن قضية اللاجئين حقٌّ “تؤكده الشرائع السماوية والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والقوانين الدولية”.
انعكست لغة حماس الجديدة بوضوح فيما يتعلق بعلاقتها بالعالم والأديان الأخرى، حيث خلت الوثيقة من أي إشاراتٍ سلبيةٍ لليهودية أو للمسيحية والغرب، كما كان في ميثاق 1988 الذي وصف الغرب بأنه “صليبي”، وحذّر الدول العربية والإسلامية من “الغزوة الصليبية” التي “لا تتورع عن سلوك كل الطرق، مستخدمة جميع الوسائل الخسيسة”، بما في ذلك المنظمات السرية ومجموعات التجسّس التي “تعمل لصالح الصهيونية وبتوجيه منها، وتهدف… إلى القضاء على الإسلام”.
أما الوثيقة الجديدة فتصف المشروع الصهيوني بأنه “معادٍ للإنسانية”، وتؤكد “أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعا مع اليهود بسبب ديانتهم”، وترى أن تديين الصراع من أعمال الاحتلال وقادته، كما تعرّف الوثيقة القضية الفلسطينية بأنها “قضية ذات أبعاد إنسانية ودولية كبرى، وإن مناصرتها ودعمها هي مهمة إنسانية وحضارية تفرضها مقتضيات الحق والعدل والقيم الإنسانية المشتركة”، وهكذا يمتد تراجع هوية الهوية “الإسلامية” و”الدينية” للقضية الفلسطينية لصالح الهوية “الإنسانية”.
وانسحب موقف “حماس” المتراجع عن تديين الصراع أيضا على مواقفها الداخلية، حيث نظر ميثاق 1988 للعلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية من منظور ديني واضح، حيث يقول مشتكيا “تبنت المنظمة فكرة الدولة العلمانية وهكذا نحسبها، والفكرة العلمانية مناقضةٌ للفكرة الدينية مناقضةً تامة، وعلى الأفكار تبنّي المواقف والتصرّفات، وتتخذ القرارات”. لذا، يقول الميثاق “يوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كنهج حياة، فنحن جنودها ووقود نارها التي تحرق الأعداء”.
أما الوثيقة الجديدة فتقول “تؤمن حماس وتتمسّك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعدّدية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار”، و”تؤكد حماس على ضرورة بناء المؤسسات والمرجعيات الوطنية الفلسطينية على أسس ديمقراطية راسخة”.
وبهذا، تتخلى “حماس” عن فكرة تديين منظمة التحرير الفلسطينية أو “أسلمتها”، وتعلن قبولها التعدّدية، بمعنى أن تقبل أن يتكون المجتمع السياسي الفلسطيني من كياناتٍ سياسيةٍ، ذات توجهات إيديولوجية مختلفة متعايشة، تحتكم إلى الديمقراطية، ولا تسعى إلى القضاء على الآخر في تأكيدٍ واضح على الأفكار الديمقراطية والتعدّدية الغائبة عن ميثاق 1988.
ويقول متابعون كثيرون في الداخل والخارج، وكذلك قادة “حماس”، إن الأفكار السابقة هي نتيجة لتطور الحركة في الفكر والممارسة خلال العقود الأخيرة، ويقول قادة “حماس” إنهم أصدروا الوثيقة بقناعات شخصية وجماعية، رافضين فكرة إصدارها تحت أي ضغوط خارجية أو نوعاً من المناورة السياسية. وهذا يعني أن قادة “حماس” تحرّكوا بوعي في اتجاه الهوية السياسية والإنسانية والخيار الديمقراطي على حساب الهوية الدينية والإسلامية، وفرض التديين داخليا والخطاب الفضفاض، وهو تحوّل فكري مهم على المستوى الإقليمي قبل الفلسطيني، فلا يخفى على أحد التحولات الفكرية التي تمر بها جماعات التيار الديني، وجماهيره الضخمة بعد خبرة الثورات العربية، وما تبعها من صعود لثوراتٍ مضادّة تدعمها إسرائيل، أو لجماعاتٍ مثل داعش، تضرب على أوتار الحروب الدينية والطائفية. ولا يخفى على أحد كذلك أهمية القضية الفلسطينية، ومكانة حركة حماس الإقليمية. ومن هنا، تأتي الأهمية الفكرية لوثيقة “حماس” الجديدة.
والحق يقال إن الواقع العربي السيئ يخلق فجوة دائمة بين المثال والواقع، فحماس ليست حزبا سياسيا يعمل في ديمقراطية مستقرّة، بل هي حركة مقاومة مسلحة ضد احتلالٍ يفرض عليها حصاراً قاسياً عليها، وتعيش في وسط محيط إقليمي مليء بالديكتاتوريات.
لذا قد لا ترتقي ممارسات “حماس” إلى بعض المبادئ التي تعبر عنها الوثيقة الجديدة، حيث تشتكي منظمات حقوقية دولية، مثل هيومان رايتس واتش، باستمرار، من قمع “حماس” غير القانوني والحقوقي معارضيها في قطاع غزة، ومن هجماتها التي لا تفرّق على المدنيين في إسرائيل. ومع ذلك، تبقى أهمية التغييرات الفكرية والأيديولوجية التي تضمنتها وثيقة “حماس” الجديدة، خصوصا في ظل السياق الإقليمي الحالي، وما يمكن أن تنتج عنه من جدل في أوساط التيارات الدينية وأتباعها بعد توجّه “حماس” نحو السياسة والأنسنة، والانفتاح على العالم والديمقراطية، على حساب تديين الصراع وأسلمته، وتعميق الهويات المحلية والخطاب الفضفاض.

وثيقة حماس: ضجيج من أجل الهمس!

بقلم: محمد قواص (كاتب لبناني) عن العرب اللندنية
ربما يجب الاعتراف بأن حركة حماس نجحت في جعل الضجيج حول وثيقتها الجديدة حدثا إعلاميا كبيرا تنبهت له منابر الصحافة منذ أشهر. وربما أيضا يجب على حماس الإقرار بأن المبالغة في قرع طبول المناسبة، كشفت تواضع المضمون ووهن الحدث وقصوره عن أن يكون مفصلا لافتا في تاريخ حركات التحرر الفلسطينية.
والحال أن حركة حماس، على ما يبدو، كانت مدركة أن وجع الجدل الداخلي الذي استغرق سنوات لإخراج الوثيقة الميمونة لا يهم كثيرا العالم خارج حماس، عالم الفصائل الفلسطينية وعالم العواصم العربية وعالم المنابر الدولية.
ولهذا فإن اللغط الذي دار حول وثيقة مفترضة، ووثيقة محتملة، ووثيقة مقبلة، ثم استنكار الحركة لتسرب بعض المسوّدات، أو استهجانها لقيام قناة الميادين مثلا بالكشف عما ما زال داخل أقبية النقـاش، لا يعدو كونه جلبة متعمّدة بأن شيئا كبيرا قيد الحدوث إلى أن تمخّض الجبل فأنجب وثيقة الدوحة.
حتى في الساعات الأخيرة التي سبقت الإعلان الرسمي عن الوثيقة، تواترت أنباء عن تأجيل الموعد وتبديل المكان وعن رفض فنادق استضافة الحدث والتفتيش عن أخرى، وكل ذلك أمعن في حقن جرعات إضافية من البهرجة والتشويق على نحو بوليسي لا يليق بمفصل تاريخي جدي في مسيرة حركة الشيخ الراحل أحمد ياسين، ولا بالمرامي التي تصبو حماس لبلوغها من خلال هذا المفترق الأيديولوجي الأليم.
مرّت كافة الحركات والتيارات السياسية في العالم، لا سيما الثورية الأيديولوجية منها، بتحوّلات نظرية نقلتها من طور إلى آخر، ومن تكتيكات عقائدية إلى أخرى. يكفي تذكّر ابتعاد الشيوعيين الإيطاليين عن موسكو وتفشي حالة الانقسام الأيديولوجي لدى المشاريع الماركسية وتشظيها بين لينينية وماوية وتروتسكية، ويكفي تذكّر الجراحات التي تولتها الواقعية السياسية داخل كل جماعات اليسار في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى درجة أن حزب العمال البريطاني سعى بقيادة طوني بلير إلى الاهتداء لطريق ثالث ما بين يمين ويسار.
على أن حماس تكتشف تلك الواقعية مكرهة، وتكاد وجوه الحاضرين من قياداتها الذين حضروا مؤتمر خالد مشعل لإعلان الوثيقة، تشي بمقدار الظروف القاهرة التي نالت من ثوابت الحركة الإسلامية وبمقدار الجهد المبذول لابتلاع علقم الاعتدال والواقعية والتعقلن. فإذا ما تأخرت الحركة في الاعتراف بقواعد الراهن، فذلك أنها كانت تراهن على تحوّلات كبرى بشّر بها “الربيع العربي”، لتطويبها امتدادا طبيعيا لتيار الإسلام السياسي الذي لاح حراكه في ميادين ذلك “الربيع” المختلفة.
يسلط المتغير عند حماس المجهر على ما كان من الثوابت في ميثاقها عام 1988. في نفس المرحلة التي كانت فيها منظمة التحرير، بشخص الراحل ياسر عرفات، تعترف بتقادم ميثاقها (1989) وتعلن قبل ذلك “قيام دولة فلسطين” (1988) على حدود الرابع من يونيو 1967، كانت حماس تعلن تحولها من حركة دعوية إلى حركة تحرر، وتكتشف “الكفاح المسلح” سبيلا وحيدا لتحرير فلسطين، كل فلسطين.
وفيما كانت حركة فتح قد أعلنت في أوائل عام 1965 مشروعها لإقامة دولة فلسطينية يعيش داخلها المسلمون والمسيحيون واليهود، مميّزة بين اليهودية والصهيونية، أطلت حماس في ميثاقها بعد 23 عاما على مسألة فلسطين بصفتها صراعا بين المسلمين واليهود، كل اليهود.
وبالتالي فإن آليات التغيير في وثيقة حماس الجديدة تطرح أسئلة حول غرابة ما انطلقت به حماس، وشذوذه عن تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية حتى تلك التي تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، أي قبل انطلاق حركة فتح وقبل إنشاء منظمة التحرير.
والحال أن منطقا حقيقيا أملى نفسه على ديناميات حماس التاريخية. فالحركة تتقدم بصفتها تيارا دينيا يعمل وفق وصفات دينية من أجل تحقيق هـدف ديني.
وبناء عليه فإن نظرتها إلى الصراع في فلسطين على أنه بين مسلمين ويهود يتّسق تماما مع عقيدتها الفقهية التي تحيل أي صراع إلى صدام بين المؤمنين والكافرين، تمثّلا بتاريخ الإسلام وسيرة رسـول المسلمين. ولا عجب من أن علاقة دياليكتيكية تربط فك علاقة حماس بجماعة الإخـوان المسلمين بفك ارتباط المسألة الفلسطينية بالسيرورة الفقهية للدين.
ولا عجب في هـذا الإطـار من أن تقـر حركة حماس أخيرا بتنوّع المجتمع الفلسطيني، وتعترف بفلسطينية هويتها وفضائها ومنتهاها، وبانقطاع أهدافها عما يبشر به الإسلام السياسي (الإخواني) من صالح من أجل “الأمة” العابرة لكل هوية وحدود.
وفيما البديهيات تتتالى على سطور وثيقة حماس والتراجعات تتسرب من بين سطورها، وفيما تقبل الحركة بإقامة دولة على حدود العام 1967، بما يعني اعترافا لن تربكه الديباجات الأخرى من أن ما هو خارج هذه الحدود ليس فلسطينيا، فإن السؤال الملح الذي يطرح نفسه لا يدور حول نوعية التحوّلات وأهمية النصوص ومخارج الجمل والسطور، بل يهتم بالحوافز الحقيقية والمعطيات التي تملكها الحركة للقبول ببديهيات قبلت بها الفصائل الفلسطينية مند ثـلاثة عقـود (البرنامج المرحلي عام 1974) والتي انتهت إلى واجهات “حل الدولتين” واتفاقية أوسلو ومسلسل التفاوض في كـامب دايفيد ووايت ريفر وشرم الشيخ.. إلخ، والذي ينتهي هذه الأيام إلى تغوّل إسمنت المستوطنات وزحفها على ما تبقى من هذه الدولة الفلسطينية الموعودة.
سيكون على حماس أن تشرح لجمهورها قبل الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي عن الحكمة من تقديم اكتشاف تم اكتشافه قبل عقود، وأن تبرر استغراقها في الانفراد بخيار الكفاح المسلح، فيما أن من سبقوها، حين كان يقتصر جهد “حماس” على الدعـوة، قد خبروا ذلك وأدركوا أن موازين القوى الفلسطينية والعربية والدولية لا تتيح تسجيل إنجاز بل مراكمة الويلات والخسائر.
وإذا ما كانت حماس تمثل بديلا عن الخيارات التي قادتها السلطة الفلسطينية منذ “أوسلو” وتقدم نموذجا معارضا لـ“تسووي” فتح، وإذا ما كان “القسام” حضر بديلا عن غياب “العاصفة”، والمقاومة بديلا عن التخاذل، فأي فائدة تقدّمها حماس من اغتيال الخيار البديل والالتحاق المتأخر بما اعتبرته سابقا “خيانة” يستحق طرد السلطة برمتها من قطاع غزة.
لا شك أن حماس تدرك ما لا ندركه وتعرف ما لا نعرفه، ولا شك أن لهذا التحوّل أسبابا تتعلق بالدور الذي تنتظره الحركة في مستقبل المنطقة عامة ومستقبل فلسطين خاصة.
ولا شك أن لإعلان الوثيقة من الدوحة وليس من غزة مثلا مرامي ما فوق فلسطينية، وأن خضوع الوثيقة لتدقيق من قبل مراجع قانونية، وفق ما أعلن مشعل، يروم اتساقها مع معايير دولية مطلوبة ليتم التصديق على أوراق اعتمادها من قبل المراجع الدولية الكبرى.
وبالإمكان تخيـل أن كثيرا مـن الفتحـاويين القدماء يتأملون الحدث ويتذكرون به ما عوّلوه على التحوّلات التي أدخلوها على مواثيقهم طمعا في تفهم دولي حنون ينهي مأساة الاحتلال ويجد سبيلا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تطوي صراعا يقض مضجع كل المنطقة منذ أكثر من ستة عقود.
خاب أمل فتح وسيخيب أمل حماس، ذلك أن أمر فلسطين يقرره المحتل ولا تقرره النصوص في ثوابتها ومتغيراتها، وأن إسرائيل، وإن كانت مغتبطة بما أثمره بطشها من “تعقلن” فلسطيني، إلا أنها غير معنية بشكل ومساحة وحدود الدولة التي يقبل بها الفلسطينيون، وغير آبهة بأي اعتراف فلسطيني، معلن ومضمر بها، لا يتضمن وفق نسخة نتنياهو وصحبه اعترافا واضحا بيهودية دولة إسرائيل.
حسنا فعلت حماس. خرجت من جماد عقيدتها السياسية وأقرت أن السياسة فن الممكن.
تحتاج حماس إلى وثيقتها للانتقال نحو خطوات عملية تنفيذية كبيرة. سيكون على الحركة أن تطبّع علاقاتها كاملة مع القاهرة، فحماس لا تملك في هذا الكون إلا سطوتها على قطـاع غزة، ولا تستقيم سلطتها في هذا القطاع إلا على قاعدتين.
الأولى اتساق وانسجام واتفاق شامل كامل مع مصر يفتح الحدود مع غزة.
الثانية الاندفاع بعيدا في المصالحة الداخليـة الفلسطينية على نحو يعيـد الوحدة للأراضي الفلسطينية التي تقبل وثيقة حماس الأخيرة بإقامة دولة فلسطينية على مساحتها. فأهل غزة قبل الضفة سيسألون حماس عما تفرقه وثائقها عن وثائق فتح حتى يبقى الانقسام شرعيا ومقبولا.
سيكون على حماس أن تعدّل ما عدلته من خلال وثيقتها. فإذا كان النص يخاطب العالم وهذا هدفه، فإن العالم لن يقبل لبسا في تعابير تتعلق بالاعتراف بإسرائيل وبالحدود النهائية القصوى للدولة الفلسطينية وبالموقف من العنف والإرهاب والكفاح المسلح وبالموقف من التفاهمات الدولية التي أنتجتها اتفاقات أوسلو.
ستفعل حركة حماس كل ذلك بعد انتهائها من تسويق وثيقتها الجديدة داخل قواعدها وترويج ذلك داخل دوائر الإسلاميين في العالم العربي، وستقدم للعالم الوجبة الكاملة التي قدمتها فتح ومنظمة التحرير قبل ذلك، لكنها ستكتشف متأخرة ما اكتشفه سابقوها من أن النصوص تعجز عن فك طلاسم التاريخ، فلذلك مفاتيح أخرى.

وثيقة حماس الجديدة بين القديم والجديد

بقلم: ياسر الزعاترة (كاتب أردني) عن الدستور الأردنية
منذ سنوات بعيدة والجدل قائم في أوساط حماس حول تغيير “ميثاق الحركة” الذي صدر عام 88. وكانت حجة الرافضين أن الميثاق قد تم تجاوزه عمليا، وأي تعديل على النص الأصلي، لن يكون سوى رسالة تنازل بلا جدوى، مشيرين في هذا السياق إلى أن ميثاق منظمة التحرير نفسه لم يتم تغييره، وإن نُسخ عمليا.
أيا يكن الأمر، فقد انتصر الرأي القائل بإصدار وثيقة جديدة تتجاوز عثرات الميثاق القديم، والذي لم يكتب بلغة سياسية، بل بلغة دينية، جعلت اليهود (كدين) هم العدو، وليس المحتلين الصهاينة، فضلا عن أشياء أخرى.
تم تجاوز الميثاق عمليا في كل الأدبيات اللاحقة، من حيث رفض فكرة الصراع على أساس ديني، وحصره بمن يحتلون فلسطين، في حين تم تجاوزه سياسيا، بقبول الشيخ أحمد ياسين، ومن بعده طبعا، بفكرة الهدنة، والتي نُسخت لاحقا، وتأكد نسخها الآن بالوثيقة الجديدة. وكانت هناك الإشكالية الأخرى المتعلقة بالموقف من منظمة التحرير، وهذه أيضا تم تجاوزها سابقا، بقبول مبدأ الدخول فيها بشروط.
كل ذلك يتبدا في الوثيقة الجديدة، وما توقف عنده الكثيرون هو البعد المتعلق بالقبول بدولة في حدود 67، إلى جانب عدم النص على الصلة بجماعة الإخوان. وإذا كانت المسألة الأخيرة لا تنطوي على إشكال، لأن الصلة المذكورة لم تكن قيدا في أي يوم، فإن القضية الأخرى بالغة الأهمية.
السؤال الذي يحق لكثيرين طرحه هنا هو ما إذا كانت الوثيقة هي نهاية المطاف، أم يمكن أن تتكرر تجربة تجاوز الوثائق، والأهم المواقف، كما حدث مع “فتح”، ذلك أن الإصرار على الحق في كل فلسطين، لا يجيب على سؤال ماذا بعد قبول دولة في حدود 67، وهو سؤال جدلي، وهل يغير عدم الاعتراف بما تبقى من فلسطين للعدو في حقيقة أنه سيغدو واقعا بوجود من يعترفون به، وهم حتى اللحظة من يملكون شرعية القرار على الصعيد العربي والدولي؟!
مؤكد أن الفارق كبير بين من يعترفون ومن لا يعترفون، أقله في المدى القريب والمتوسط، لكن على الأرض لا يوجد فرق كبير، وفي حال قيام الدولة العتيدة بالمواصفات إياها (جدلا بالطبع)، فإن الانخراط فيها يعني القبول بالتزاماتها الدولية. ويبقى السؤال الأهم، وهو: من يضمن ألا يتم التورط في تجاوز الوثيقة الجديدة، كما تم تجاوز الميثاق من قبل (بالهدنة)، ومن ثم قبول مبدأ الاعتراف؟!
كل ذلك محض جدل بالطبع، فالعدو حصل على تنازلات أكبر بكثير من حدود 67 (كشفتها وثائق التفاوض)، ولكن ذلك كله لم يشبع شهيته.
قصة الدولة هي الإشكالية التي وقعت فيها “فتح” من قبل، وتكررها حماس هنا، ذلك أن الأصل أن تتحرر الأرض، وبعد ذلك تقوم الدولة على ما يتحرر، لا أن توضع العربة أمام الحصان، وإذا كان هناك من يتحدث عن مفاوضات، فالأصل أن يتقدم من يحتل الأرض بعروض، وليس الشعب الواقع تحت الاحتلال، ثم يقال له إن هذا غير كاف، فهات المزيد.
الخلاصة أن هذا اللون من الخطاب هو تجريب للمجرّب، وهو استعادة لتجربة ماثلة للعيان. أما إذا قيل إن تلك ضرورة تمليها الظروف العربية والدولية، فإن الحقيقة أن ما قُدم في الوثيقة لن يكون كافيا، وسيُطلب المزيد، و”شروط الرباعية” الموضوعة على الطاولة أمام حماس منذ سنوات بعيدة معروفة، ومنها الاعتراف بدولة العدو ونبذ المقاومة.
كنت ضد إصدار الوثيقة من قبل، ولا زلت على رأيي، بل تأكد الآن، تبعا للمواقف، فضلا عن النص الذي لا يليق بحركة كبيرة ومهمة كحماس، إلى جانب خلطها بين وثيقة التأسيس والبرنامج السياسي. وعموما فإن من الواجب علينا أن نواصل التحذير من تجريب المجرّب، ومن تكرار ذات المسيرة التي اختطتها حركة فتح دون جدوى، وصولا إلى طروحات جديدة عن دولة مؤقتة في حدود الجدار بغطاء عربي، تعني في المحصلة تصفية للقضية.
كل ذلك لا يبرر القول إن الخل أخو الخردل، وكأن الاعتراف بـ78 من فلسطين للعدو مسألة هامشية لا يُعتد بها، في صراع تاريخي مدجج بالتعقيد.
بقي التعليق على ردة فعل حركة “فتح” على الوثيقة، فقد خرج ناطقها الرسمي ليقول إن الوثيقة تشبه إعلان منظمة التحرير عام 88، لكأن الاعتراف للعدو بـ78 في المئة من فلسطين ليس شيئا مهما، أو لكأن التاريخ التالي بعد ذلك بقليل؛ من أوسلو وما بعده، وصولا إلى العروض المجزية التي كشفتها وثائق التفاوض من السلطة لأولمرت بعد وفاة عرفات.. لكأنه ليس جزءا من تاريخ حركة فتح. أما مطالبة الناطق بالاعتذار عن عقود من “التخوين والتكفير”، فهي كذبة أخرى، لأن خطاب حماس لم يستخدم لا التخوين ولا التكفير مع منظمة التحرير ولا حركة فتح.
ردود “فتح” تؤكد عقلية القبيلة (الحزبية) التي تحكمها، فقد دأب قادتها على وصف طروحات حماس بالعدمية، وحين غيرت قليلا، قيل إنها تريد أخذ مكان منظمة التحرير. لعمرك إن بعضهم يفضل أن تبقى فلسطين محتلة، على أن تحررها حماس!!

مصالحة “حماس” مع من؟

بقلم: برهوم جرايسي (كاتب اردني) عن الغد الأردنية
لم يأتِ الميثاق الذي طرحته حركة حماس قبل أيام، بجديد من حيث الجوهر في جوانبه السياسية، لأنه ترجمة لممارسات حماس على الأرض، وبالذات منذ التحولات لديها في العام 2005 ولاحقا. وهذا الميثاق الذي أراد الايحاء بانفتاح نحو آفاق سياسية جديدة للحركة، يأتي في أوج تعميق حالة الانقسام الفلسطيني، وتشديد حماس قبضتها على قطاع غزة؛ وآخر هذا، حينما قمعت نشاطا لحركة فتح داعما للأسرى المضربين عن الطعام.
فحركة حماس تواصل الإعلان عن عدم اعترافها باتفاقيات أوسلو، وهي التي اعترفت والتزمت بها فعليا، حينما قررت العام 2005 خوض الانتخابات التشريعية في العام التالي 2006، التي جرت على أساس تلك الاتفاقيات، لانتخاب هيئات السلطة التي انتجتها تلك الاتفاقيات، بما في ذلك خوض الانتخابات في القدس المحتلة، أيضا على أساس اتفاقيات خاصة بالمدينة، وكانت بالتالي مستفيدة من التنسيق الأمني وغيره، الذي ضمن سير تلك الانتخابات. وحماس ليست وحدها، بل فصائل أخرى عارضت تلك الاتفاقيات، رأيناها تشارك في هيئات السلطة، باستثناء حركة الجهاد الاسلامي.
وحينما تكون حماس جزءا من السلطة وتطالب بميزانياتها، وبحصة من كعكة التوظيفات، تكون قد تبنت الاتفاقيات بين منظمة التحرير والكيان الإسرائيلي بالكامل. وتكون قد اعترفت ضمنا بوجود إسرائيل على الارض، ناهيك عن اعلانها الأخير، بقبولها دولة على خطوط 1967. ما يعني أن حماس تسجل على نفسها مواقف متناقضة لا تزيد من رصيدها؛ فهي تعلن رفضها لاتفاقيات أوسلو سياسيا، ولكنها تقبل بها انتفاعيا، ولا يمكن بناء السياسات على هذا النحو.
إلى جانب هذا، فإن جزءا من النصوص الجديدة التي دخلت إلى ميثاق حماس، هي ذات النصوص القائمة لدى فصائل أخرى، إلا أن حماس جعلتها حتى وقت قريب، محط تخوين من طرفها، لكل واحد من تلك الفصائل، كأن وصفته بالتفريط بتراب فلسطين من النهر إلى البحر؛ وعلى أساس هذا الخطاب التخويني بنت حماس مكاسب سياسية، وهي مُطالبة الآن بالاعتذار.
رأى الكثير من المحللين والسياسيين وأصحاب الرأي، أن وثيقة حماس تعكس نية الحركة للخروج نحو “العالم الأوسع”، وأن تبتعد عن عباءة “التنظيم الأصولي”، وقد يكون هذا صحيحا، ونابعا من التغيرات الاقليمية والعالمية، ومصالح الحركة. إلا أن المشكلة مع حماس، هو أداؤها في الساحة الفلسطينية الداخلية. فبعد أيام، يكون قد مرّ 10 سنوات على الانقلاب الدموي الذي وقع في قطاع غزة، وكلنا يذكر تلك المشاهد، والمجزرة التي وقعت في تلك الأيام، وما تبعها من سيطرة مطلقة على القطاع، وما رافقها وما يزال يرافقها، من قمع لحريات كل الفصائل الأخرى وناشطيها، إلى جانب محاولة فرض أنظمة على الحياة العامة.
صحيح أن أجهزة السلطة في الضفة، التي تسيطر عليها حركة فتح، لها سجل أيضا في ممارسات تعتدي على الحريات، ولكن تلك الممارسات هي “أقل حظا” من الممارسات التي تقع في قطاع غزة. إذ ما يقع في الضفة، في فترات متباعدة، يلقى ردود فعل فورية وصارخة جدا، وهذا جيد؛ بينما قسم كبير من الممارسات القمعية في قطاع غزة، التي ترتكب بوتيرة عالية، تبقى الضجة حولها أقل بكثير، ومنها ما لا يذكر، خصوصا ما يسجل ضد “مجهول”، كظاهرة اختطاف وضرب سياسيين وناشطين، كما رأينا بشكل خاص في الأيام الأخيرة.
يوم الثلاثاء الماضي، على سبيل المثال، وبعد يوم واحد من اعلان “ميثاق الانفتاح”، قمعت أجهزة حماس تظاهرة تضامنية بادرت لها حركة فتح في قطاع غزة تضامنا مع الأسرى المضربين عن الطعام، وهذه ليست الحالة الأولى. ومثل آخر، أن حركة حماس تمنع منذ عشر سنوات، احياء ذكرى ياسر عرفات في القطاع. فكيف لي أنا ابن الناصرة؛ في مناطق 48، أن أقرأ هذا القمع الاستبدادي، بالذات حينما تستنفر حكومة الصهاينة ضد قرية فلسطينية في مناطق 48، لكونها أطلقت اسم عرفات على أحد شوارعها.
حماس حركة جماهيرية واسعة لها وزنها الذي لا يمكن تجاهله، ولا يحق لأحد تجاهله، وبقدر حجمها تحاسَب على ممارساتها ونهجها. وحماس ليست مطالبة بالمصالحة مع الصهيونية ووليدتها إسرائيل، وإنما أن تتصالح مع شعبها، وهذا هو الأساس.

لماذا لا تعتذر حماس؟

بقلم: عماد الدين حسين (كاتب مصري) عن الشروق المصرية
ما الذى نفهمه من وثيقة حركة حماس الجديدة التى أعلنها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى للحركة مساء الاثنين الماضى؟.
الإعلان صدر من العاصمة القطرية الدوحة، وباللغة الإنجليزية، والتفسير المبدئى هو مغازلة الإدارة الأمريكية الجديدة، وإقناعها بأن «حماس» انفصلت عن الإخوان وتعترف عمليا بإسرائيل.
الوثيقة تقع فى ٤٢ بندا، مقسمة على ١١ عنوانا، لم يرد فيها أى ذكر لارتباط حماس بجماعة الإخوان الأم، فى حين تم ذكر اسم الإخوان سبع مرات فى الميثاق التأسيسى الأول للحركة عام ١٩٨٨.
مثل غالبية المصريين والعرب، كنت مؤيدا لأى حركة مقاومة فى فلسطين المحتلة تقاوم الاحتلال الصهيونى مثل سرايا القدس «الجهاد»، وكتائب الأقصى «فتح» وكتائب القسام «حماس» وأى شخص يقاوم الاحتلال ولو فى مظاهرة سلمية. اصطف معظم العرب وراء كل منظمات المقاومة فى كل مكان. خرج مئات ملايين المصريين والعرب تأييدا لحزب الله اللبنانين، حينما أجبر جيش الاحتلال الصهيونى على مغادرة لبنان عام ٢٠٠٠، وحينما تصدى للعدوان الإسرائيلى فى عام ٢٠٠٦، وفعلوا نفس الشىء مع حماس والجهاد الإسلامى وكتائب الأقصى وسائر منظمات المقاومة، طالما كانت توجه رصاصاتها للاحتلال الإسرائيلى.
لم نفكر للحظة أن حماس وغيرها تنتمى لأهل السنة، أو أن حزب الله ينتمى للطائفة الشيعية. لكن فكر معظمنا فى ذلك حينما صار حزب الله ذراعا ومخلبا فى يد ايران، وصارت حماس اداة فى يد جماعة الإخوان.
فى عام ٢٠٠٧ انقلبت حماس على السلطة الفلسطينية فى رام الله، وسيطرت على غزة، مبررة ذلك بأن «هذه السلطة خائنة ومنبطحة وتعترف بالعدو الصهيونى، وتوقفت عن المقاومة، وتنسق أمنيا مع الاحتلال»، وهو الأمر الذى صدقه البعض فعلا.
الآن مرت عشر سنوات على انقلاب حماس أو استقلالها أو انفصالها أو سيطرتها على غزة.. فما الذى حدث؟!.
لو أن حماس أمينة مع نفسها ومع أنصارها لقدمت كشف حساب حقيقيا للسنوات العشر الماضية. ليس عيبا أن تقول إنها أخفقت أو أساءت التقديرات، أو كان لديها تصورات ثبت أنها غير صحيحة.
المعيار الأساسى لأى كشف حساب أنه ينطلق من الوقائع على الأرض، وليس من الكلمات والشعارات الإنشائية والبلاغية، بمعنى أنه عندما انقلبت حماس على السلطة، كانت تعرف أن غالبية البلدان العربية ستعارض هذه الخطوة، وربما إسرائيل فقط هى الوحيدة التى ستهلل لهذا الانقلاب؛ لأنه سيجعل الصراع الأساسى بين «فتح وحماس»، وبالتالى لا يصح أن يتم تبرير الإخفاق اللاحق بأن العرب تواطئوا ضد حماس.
حماس تتهم سلطة محمود عباس بأنها تنسق مع إسرائيل أمنيا.. حسنا هذا صحيح ومحزن ومؤسف، لكن ما معنى سلوك حماس حينما تقبض كل فترة على مقاومين من فصائل أخرى فى غزة يطلقون صواريخ أو ينفذون عمليات ضد إسرائيل انطلاقا من غزة؟!!. سترد حماس وتقول إنها أدرى بتوقيت وظروف المعركة!!!. حسنا هذا صحيح، لكنه أيضا نفس ما تفعله السلطة فى رام الله. تقول حماس وأنصارها أحيانا إن الحكومة المصرية حاصرت قطاع غزة، ولم تقدم الدعم المفترض للقطاع، وكأنه كان مطلوبا من مصر أن تدعم هذا الانقلاب الحمساوى، لدعم قيام دويلة او إمارة إخوانية فى غزة، وهو الأمر الذى يتصادم مع المصالح المصرية العليا، ولم تكن لتقبل به إسرائيل أو أمريكا أو المنطقة بأى حال من الأحوال.
لكن إسرائيل قبلت بالانقلاب فقط بحيث يتم حصار غزة، ولا يحدث التواصل الجغرافى المأمول بين الضفة وغزة، ويتأجل الحل الشامل لأطول وقت ممكن، طالما أن المشكلة الأكبر المطروحة ستكون دائما بين غزة والضفة وليست بين فلسطين وإسرائيل، بل وصلت المأساة إلى أن الانقسام حدث أيضا داخل فتح بين جماعة محمود عباس وجماعة محمد دحلان.
حماس أعلنت أنها ستحرر فلسطين من النهر إلى البحر ولن تعترف بإسرائيل ولا تتفاوض معها.. ثم عادت قبل أيام لتتراجع عن كل ذلك، فهل تملك الشجاعة بالإعلان الصريح أنها أخفقت وأن رهاناتها كانت إنشائية وشعاراتية فقط، وأن الواقع المر الذى نعيشه فى المنطقة بأكملها يحتاج شجاعة ووضوحا فى تشخيصه؛ كى نبدأ فى الخروج منه؟.

حماس: ما بين الوثيقة والميثاق ودولة غزة

بقلم: علاء أبوعامر (باحث فلسطيني) عن رأي اليوم
نشرت (حماس) وثيقتها السياسية بمبادئها الاثنين والأربعين والتي حملت مجموعة من المبادئ السياسية والأهداف التي اعتُبرت من قبل الحركة وأنصارها تطوراً عن ميثاقها الصادر عام1988 مبدئياً يمكننا تسجيل أن صدورها من الدوحة وليس دمشق أو بيروت أو طهران أو غزة يعتبر بحد ذاته تطورا سياسيا له معنى، فهي تصدر من عاصمة خليجية تتواجد فيها أكبر قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في المنطقة ومقر مراجع إخوانية فقهية كبيرة.
وقد أثار هذا الأمر تساؤلات فيها بعض المنطقية، حول استمرار التخندق السياسي ل (حماس) الذي تم أثناء ما عُرف بالربيع العربي. هل مازال هذا التخندق على ما هو عليه أي أن حماس مازالت تحسب نفسها ضمن الحلف التركي القطري الإخواني الذي تشكل نتيجة تلك الأحداث؟ أم أن ذلك ليس له أي دلالة ذات معنى سياسي؟ وأن إذاعة الوثيقة من قطر ليس إلا تدليل على واقع معلوم مسبقا، تشكل بعد خروج قيادة حماس من دمشق إلى الدوحة. وأن قيادة حماس في الخارج هي التي مازالت تمسك بزمام الأمور وهي المرجع السياسي للحركة ممثلة برئيس المكتب السياسي السيد خالد مشعل لا بأحد أخر غيره كما أُشيع أو يشاع في أن قيادة حماس الجديدة في غزة ممثلة بالأسير المحرر السيد يحيى السنوار هي القيادة الفعلية وأن غزة عادت من جديد تُمسك بقيادة الحركة كما كان حاصلا أثناء حياة المجاهدين الراحلين الشيخ أحمد ياسين ورفيقه عبد العزيز الرنتيسي؟
ربما تلك ليست المسألة بل المسألة هي الوثيقة نفسها هل تُعبر عن كل تيارات حماس (الداخل والخارج)؟ القول بنعم ونعم واضحة هو الجواب. فحضور السنوار وقيادات حماس في غزة ومتابعتهم نشر الوثيقة وإذاعتها عبر قناة الجزيرة ووصف السنوار لها بكلمة واحدة أنها (ممتازة) فيه إجابة على تلك التساؤلات. فقيادة حماس مازالت في قطر ممثلة بالسيد مشعل ولو شكلياً.
السؤال هو هل حملت الوثيقة جديدا يستحق الاهتمام أو أنها ليست سوى فقاعة أو بالون اختبار مرحلي الهدف، تنتهي بنهاية المأمول منها على الصعيدين العربي والدولي.
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا أُطلقت حركة حماس على ما أعلنه خالد مشعل في الدوحة كلمة وثيقة “المبادئ والسياسات العامة “وليس الميثاق الجديد أو المعدل؟!
هل هذا يعني أن الميثاق لم يُمس وأن الوثيقة هي برنامج سياسي مرحلي فقط، (إن حصل! فهذا ليس إلا استنساخاً تعلمته حركة حماس من تجارب حركة فتح التي حافظت على ميثاقها الذي انطلقت من خلاله عام 1965 ولكنها تُغير في كل مرحلة من المراحل عبر الزمن برنامجها السياسي ليتعاطى مع الواقع المتجدد وليخدم تلك المرحلة ).
قرأت الوثيقة واستمعت للمؤتمر الصحفي للسيد خالد مشعل ولتصريحات ومقالات قادة أخرين من حركة حماس …ولم أجد فيها شيئاً قد تغير …
التغيرات تمت بالشكل لا بالجوهر …
الوثيقة قد تكون مجرد قناع لجوهر ما زال على ما كان عليه.
من الملاحظات الهامة على الوثيقة هو كيف يمكن القول أن حماس اصبحت تنظيماً وطنياً وهي مازالت تحمل فكراً إخوانياً شمولياً …
فمفهوم الوطنية هو مفهوم محدد ضمن المساحة الجغرافية المسماة وطن الذي يقع ضمن حدودا معينة ، بينما الفكر الإخواني على سبيل المثال يساوي بين باكستان وماليزيا وفلسطين.
الإقليم الوطن في العرف الإخواني لا قيمة له (حيث مازالت عبارة محمد مهدي عاكف (الا وطنية) ” طز في مصر” هي المعبر عن فكر الاخوان ونظرتهم للأوطان ، وعبارة السيد عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي ” القتال في سوريا أولى من فلسطين” هي المُعبر عن هذا الفكر أيضا الذي لا يعترف بالوطنية ) فهو لا يقدس علماً أو نشيداً أو تراثاً أو تاريخاً وطنيا محلياً . بل يستصغرها جميعا ويهرطقها مقابل العلم والنشيد والتراث والتاريخ الإسلامي.
الوطنية حدودها الأرض بينما الإسلاموية حدودها السماء، الوطني مرجعه الشعب والإسلاموي مرجعه التراث الديني أي كل ما صدر عن الله أو نُسب إلى رسوله وصحابته وتابعيه وتابعي تابعيه إلى أن نصل إلى قيادات الحركات الإسلامية المعاصرين الذي يتحولون جميعاً إلى رموز ذات قدسية دينية وسياسية.
لكن اعود واقول أنني لا ارى ان الوثيقة هي ميثاق بل هي برنامج سياسي، أي قشرة خارجية لخدمة الانفتاح على العرب والعالم، ولذلك لا تغييراً جوهرياً في رؤية حماس الايديولوجية، هناك ربما تغييراً قد حدث في السياسة والتكتيك ، اما الاستراتيجية فبقيت ثابتة لم تتغير …
حماس تتجه نحو السلطة والحكم والتشبث بهما والابتعاد تدريجياً عن خيار التحرير الكامل هذا ما تقوله الوثيقة في الأجزاء التي تعتبر تطورا كما يراها البعض خصوصا الموافقة على دولة في حدود عام 1967، أو ربما تطويع هذا الخيار كرصيد في منافسة منظمة التحرير على قيادة المشروع الوطني بحده الأدنى أي دولة في حدود عام ١٩٦٧.
حماس تكرر تجربة فتح ، تكررها بالكامل… الفارق بين فتح وحماس ، أن فتح مارست كل ما ستقدم عليه حماس منذ سنوات طوال وهي بذلك سباقة في فهم الواقع العربي والدولي بل والإسرائيلي، فتح أصبح لديها خبرة، حماس تريد ان تكسب خبرة فتح وتُقلدها، حماس كما عبر بعض الناطقين باسمها بعد نشر الوثيقة هدفها السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية أو صناعة كيان موازٍ لها يسحب من فتح قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية وبالتالي حق التمثيل الفلسطيني (مع أن ذلك لم يرد بالوثيقة لكن ذلك فُهم من تصريحات لقادة ذوي وزن مثل السيد محمود الزهار وغيره).
لكن الملفت أنه وبعد كل اتهامات التخوين والتفريط التي وجهت لفتح ، ها هي حماس تُقر بأن فتح كانت على حق …ولكنها تعتبر أن فتح انتهت صلاحيتها للقيادة واصبحت تاريخاً وحماس هي المستقبل …
هل ستنجح حماس في ذلك ،يشك معظم الخبراء في ذلك وانا منهم …لكن هناك من أقنع حماس بأن ذلك ممكن ولكن ذلك لن يكون الا مجرد أوهام.
لن تستطيع (حماس) الإخوانية الصعود مكان (فتح) الوطنية العلمانية إلا إذا طرحت برنامجاً جديداً مغايراً لبرنامج فتح فلو طرحت حماس وتبنت مشروع الدولة الواحدة وقبلت بدولة المساواة بين سكان هذه الأرض المسماة فلسطين أو فلسطين -إسرائيل أي بعث برنامج ياسر عرفات (أو بالأحرى فتح) الأول عام 1974 مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني لكان ذلك أعتُبر قنبلة ذات أصداء عالمية. خصوصا في ظل تقهقر مشروع حل الدولتين ولكن ذلك على ما يبدو ليس في حسبان حماس ففكرها الديني المنغلق يقيدها في هذا الأمر.
ولكن لو قبلت بهذا المشروع أو تبنته لاختفت التناقضات الواردة في وثيقتها من حيث التمسك بالتحرير الكامل وعدم التنازل عن أي شبر منها .وكان بإمكانها إضافة عبارة بكل الوسائل المشروعة بما في ذلك الكفاح المسلح وكان ذلك قد استقبل استقبال الكرام (ورد في الوثيقة مادة 20 ما يلي: إن حماس تعتبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أُخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة – الصيغة المطروحة في الوثيقة لا تقول أن ذلك هو موقف حماس بل هو موقف اجماع وطني وهي لا تعترض عليه ولكنها لا تتبناه.) وربما الهدف من هذه العبارة هو الحفاظ على سلطة حماس في قطاع غزة الذي انسحبت منه قوات الاحتلال عام 2005 إلى حدود عام 67 وسيطرت عليه حماس عام 2007 بالقوة، وتحويلها إلى دولة، فدولة عام 67 قائمة جزئياً في غزة ولكنها بحاجة إلى اعتراف عربي ودولي.
كذلك وعند حديث الوثيقة عن منظمة التحرير الفلسطينية استخدمت حماس صياغة عامة لا تعني بأي شكل من الأشكال اعتراف حماس بالمنظمة ممثلا شرعياً وحيدا للشعب الفلسطيني بل أبقت الباب مواربا للتمسك بما ورد في ميثاق عام 1988 (مادة 29: منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية-كان على الحركة وحتى لا تجعل هناك تفسيرات لهذه الصياغة الغامضة أن تُعرف المنظمة كممثل شرعي وحيد وتضيف العبارة الواردة في هذه المادة ولكن عدم قول ذلك أظنه مقصودا).
الحكم والسلطة أصبحت غاية ، غاية لفتح وغاية لحماس هناك كيانين يتصارعان على الأرض ، يتصارعان على القيادة، فتح المتحررة من الأيديولوجيا وبالتالي من العداء مع الإقليم والعالم ولديها قدرة ومرونة فائقة بالتعاطي مع الشأن العربي والدولي والإسرائيلي، وحماس التي مازالت وعلى ما يبدو ستبقى حبيسة الإيديولوجيا الإخوانية التي أصبحت مطاردة ومتهمة بالإرهاب في عدد كبير من الدول العربية والعالم، لن تستطيع حماس التحرر من إخوانيتها ولبس زي وطني كامل لا إيديولوجي عابر للقارات، بالصياغات الواردة في الوثيقة، لذلك شاهدنا رفضا إسرائيليا وأمريكيا لإزالتها عن قائمة الإرهاب ودون موافقة هذين الطرفين تبقى وثيقة حماس نقلة نوعية في صياغة المبادئ وليس في الجوهر.
ربما ما كان على حماس فعله هو التلاقي مع حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في العمل على إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني، ربما لكان ذلك أفضل من كل هذه الضجة حول الوثيقة المنشورة فاندماج حماس في مؤسسات المنظمة سيريحها من كثير من الصياغات واختيار الكلمات وتنميق العبارات.
حماس بمبادئها العامة الواردة في الميثاق والوثيقة تعبر عن الضمير الجمعي الفلسطيني فيما يتعلق بالصراع والأرض ولكنها من حيث الايدولوجيا تُعبر عن عناصرها فقط ، ما يحاصر حماس عربيا هو الأيديولوجيا الإخوانية وليس المبادئ الضميرية التي لن يتخلى عنها أي فلسطيني فردا أو تنظيماً من حيث الحلم والامل بالعودة الى يافا وحيفا وعكا، فواقعيا لم يُغير أي تنظيم فلسطيني ميثاقه ليتطابق مع اتفاق إعلان المبادئ المرحلي في أوسلو أو مع دولة في حدود عام 1967 ما تغير هو البرنامج السياسي فقط أما المبادئ والأهداف لم تتغير.
حماس حركة مناضلة لديها رصيد من التضحيات والبطولات يفخر به كل فلسطيني وعربي ولكنها وبتمسكها بالحكم كبلت نفسها بشروطه ومتطلباته بإمكانها أن تشارك في الحكم وإدارة الأمور من خلال حكومة وحدة وطنية وهذا حقها ولكن ليس من حقها أن تُبقي أهل غزة رهينة للحصار والظلم حتى تستطيع هي تسويق نفسها كممثل جديد للشعب الفلسطيني عوضاً عن ممثلهم الحالي منظمة التحرير الفلسطينية فعشر سنوات من المعاناة تكفي.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا