الإعلام الفاشل

بقلم: عمر حلمي الغول

الإعلام سلاح هام وحيوي، تعمقت اهميته ومكانته الإستراتيجية لدى الدول والقوى مع دخول العالم عصر ثورة المعلومات والإتصالات. فباتت السوشيال ميديا قوة مؤثرة ومقررة في صناعة الأحداث، والتأثير في حياة الأنظمة السياسية والشعوب والأحزاب والقادة. وبقدر ما يحسن شخص او مؤسسة او دولة إستخدام سلاح الإعلام، بقدر ما يتفادى او تتفادى الهجمات من قوى معادية، والنجاح في توجيه سهامها للخصوم والأعداء في الداخل والخارج على حد سواء.

والإعلام الناجح، هو الإعلام المستند على عدد من المبادىء، منها: اولا حرية الرأي والتعبير؛ ثانيا سهولة الوصول للمعلومات؛ ثالثا الدفاع عن النظام والقانون العام (الدستور) القائم على إحترام حرية الأفراد والجماعات، والداعم لحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة؛ رابعا حرية النقد والقدرة على تسليط الضوء على أخطاء ونواقص ومثالب المؤسسات والأفراد بغض النظر عن مواقعهم السياسية والإقتصادية وحتى الأمنية دون تعريض أمن البلاد والشعب للخطر؛ خامسا رفض السياسات السلطوية المتناقضة مع حقوق الشعب؛ سادسا رفض أية سياسات تسهم في تكميم الأفواه والحريات؛ سابعا في واقعنا القائم فضح وتعرية جرائم الإستعمار الإسرائيلي على مدار اليوم، والعمل على توثيق جرائم الحرب والإنتهاكات العنصرية والفاشية بكل تفاصيلها السياسية والأمنية / العسكرية والقانونية والتعليمية / الثقافية والدينية؛ ثامنا ملاحقة الإنقلاب الأسود في قطاع غزة بكل تداعياته، والتصدي الحازم لإخطاره الداهمة والمؤثرة على وحدة الشعب والقضية والأهداف الوطنية ووحدة النظام السياسي.

ومما لا شك فيه، ان سلاح الإعلام يواجه في زمن “السوشيال ميديا” سقوطا مريعا باتجاهين، الأول الإبتذال والتهافت من قبل قطاعات شعبية واسعة وحتى منابر إعلامية يفترض انها مهنية في إستخدام المعلومة بطريقة مشوهة ومقلوبة بهدف التحريض على قيادات وقوى وأنظمة سياسية؛ الثاني خشية انظمة واحزاب وقيادات من تلك الحملات، مما يدفعها للتقوقع على الذات، واللجوء لخيار سماع الصوت الواحد، وتحويل المنابر الإعلامية إلى مجرد ببغاوات ناطقة للهتاف باسم القائد او الحزب او النظام السياسي، وهو ما يفقد الإعلام الأهمية والمكانة، التي يستحق. وكلا الأتجاهين خطران، ويفتقدا لإبسط معايير الإعلام الناجح. لا بل أن هكذا إعلام يمثل هزيمة حقيقية للفرد او الحزب او النظام. ولا يمكن ان ينتج عنها سوى إنكشاف الظهر، وتعميق الأزمة الداخلية للجهة او المؤسسة المستخدمة لهكذا اليات.

كما اشير آنفا، السوشيال ميديا ثورة حقيقية في عالم اليوم، وتعتبر سلاحا فتاكا إذا ما احسن إستخدامه. ولكن بذات القدر يمكن ان تكون وبالا وسقوطا وفشلا مريعا إن تم تكبيلها وتفصيلها على مقاس شخص او حزب او نظام. وهو ما يملي على صانع القرار هنا او هناك الإنتباه والتدقيق في عدد من الركائز للنجاح، منها : اولا إختيار اشخاص يمتلكوا الكفاءة والجرأة في إتخاذ القرار، والإبتعاد عن المهللين والمصفقين للفرد والنظام، لانهم خطر داهم على صانع القرار نفسه ومؤسسته؛ ثانيا وضع خطة عمل تتناسب وروح العصر، تنقسم إلى مستويات: خطة طويلة وأخرى متوسطة وثالثة قصيرة وفق معايير المؤسسة. ترتكز على حرية الرأي والرأي الآخر والتعبير والنقد المسؤول والبناء، وتبتعد عن سياسة التطبيل والتزمير الهوجاء، التي تفقد الإعلام دوره وبريقه ومكانته وقوته؛ ثالثا وضع اليات عمل تقوم على ركيزة واضحة ومحددة تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتعتمد الشفافية والمساءلة، ومبدأ الثواب والعقاب، بعيدا عن المداهنة والكيدية والتصيد في المياه العكرة؛ رابعا توفير الإمكانيات الضرورية المالية والمعلوماتية لضمان الإستمرارية والنجاح.

الإعلام الفاشل مصيبة حقيقية على الإعلام بحد ذاته، وعلى اصحابه. ويشكل خطرا على المؤسسة والمجتمع والفرد، ولكنه لا ينجح مطلقا في منح المهنية والشجاعة لاشباه الرجال المطبلين، اصحاب الأرجل الخشبية المتهالكة. لإنهم يفتقدوا للأهلية والحضور حتى لو أطلقت عليهم اقوى الألقاب والمسميات، وتم وضعهم في اعلى مراكز القرار هنا او هناك. لإن فاقد الشيء لا يعطيه.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version