الرئيسيةمختاراتمقالاتمن سجن أيشل الصهيوني

من سجن أيشل الصهيوني

بقلم: الاسير محمد براش

لا تقل لأمي بأني صرت أعمى، هي تراني وأنا لا أراها،
ابتسم وأتحايل عليها على شبك الزيارة عندما تريد أن تريني صور إخوتي وأصدقائي وجيران الحارة،
فهي لا تعرف أني أصبحت كفيفاً بعد أن دب المرض في عينيّ حتى غزت العتمة كل جسدي.
لا تقل لها بأني انتظر عملية جراحية لزراعة القرنية منذ سنوات،
ولكن إدارة السجن تماطل ثم تماطل وتستدعي الى عيني كل أسباب الرحيل عن النهار.
لا تقل لها بأن شظايا الرصاص والقذائف التي أصبت بها لا زالت تطرز جسدي،
وأن قدمي اليسرى قد بترت واستبدلت بقدم بلاستيكية، أما اليمنى فقد تعفنت وجفت من الماء والحياة.
لا تقل لأمي عن تحرر إحساس الأسير من عناصر التكوين الأولى، محكوما برؤيا الحديد و الرماد.
فلا أبيض يشع، ولا فرساً تسرج الصمت أملاً يطيل الرجاء.
قل لها: بأني حيّ وسليم، أرى وأمشي وأركض والعب وأقفز وأكتب وأقرأ، حاملاً وجعي على عكازتي،
وأرى شقيقي الشهيد قمرا يفرش السماء و يناديني بقوة البرق والرعد والسحاب.
لا تقل لها باني لا أعرف النوم، أعيش على المسكنات حتى تخدر جسمي، أتحسس حاجياتي فأرتطم بالبرش الحديدي.
و بزميل ينام قربي، فينهض ليساعدني في الوصول الى الحمام، اليقظة تؤلمني والنوم لا يأتيني.
لا تقل لأمي بان بارودا دخل الى مقلتي في ذلك اليوم الدامي في شوارع المخيم، قنصوني حتى طارت قدمي وسال الدم من بصري.
وقبل أن افقد الوعي رأيت طفلا يجري نحوي حاملا علما وهو يصيح: شهيد شهيد.
قل لها: إن كان حلمي لا يكفي، لك حنين بطولي لا يغادرني، ولي منك لغتي وحليبي ورموزي على الجدران اكشط بها وجعي كلما غاب الضوء من حولي.
قل لها باني اتبع دعاءك الرمضاني الى غيمة في يدي لأصل معيدي بعد أن ضاق بي جسدي.
وربما أعود او لا أعود، ولكني تركت الباب مفتوحا، واخترت الوقوف قرب قلبك كأني اخترت غدي.
لا تقل لأمي أن – المدعوة- “دولة اسرائيل “في القرن الواحد والعشرين حولت السجون الى أماكن لزرع الأمراض، وإذابة الأجساد رويدا رويدا،
حتى صارت السجون حقول تجارب على الأحياء الذين سيموتون بعد قليل،
لا تقل لها بأني أصبحت أحفظ كل أسماء العلل العجيبة والأدوية الغريبة وأنواع المسكنات أبلعها،
وأنا أرى صديقي زكريا عيسى يدخل في غيبوبة طويلة في اللازمان قبلي.
لا تقل لأمي عن الأسرى المرضى الذين فاض الداء في أجسامهم جنونا وحربا: أحمد أبو الرب، وخالد الشاويش، أحمد النجار، منصور موقدة،
أكرم منصور، احمد سمارة ، وفاء البس ، ريما ضراغمة ، طارق عاصي، معتصم رداد، رياض العمور، ياسر نزال،
أشرف أبو ذريع، جهاد أبو هنية،
يذبحهم السجن والمرض واستهتار دولة تجيد تصدير الموت والجنازات للآخرين!
قل لها: لا زلت على بعد ثلاثين باباً من البيت، أدنو منه كلما طار طائر واشتعلت النار في عيني و لسعتني الأسلاك بين أضلاعك والصلوات الخمس.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا