الرئيسيةمختاراتمقالاتتل السكن حضارة أجدادنا في المكان .. لا تدمروا

تل السكن حضارة أجدادنا في المكان .. لا تدمروا

بقلم: ناهـض زقـوت

تمثل الحضارة الكنعانية واحدة من ثلاث حضارات هيمنت على المنطقة في فترة ما قبل التاريخ، وما زالت آثارها شاهدة على عظمة هذه الحضارات، وهي حضارة بلاد الرافدين، والحضارة المصرية الفرعونية، والحضارة الكنعانية. وقد استطاعت الحضارتين الفرعونية وبلاد الرافدين أن تبرز مكوناتها الحضارية والتراثية بفضل عمليات التنقيب الحثيثة التي ساهمت الدول التي ورثت هذه الحضارات في تسهيل عمليات الحفر والتنقيب، وافتتحت المتاحف الكبرى لحفظ المقتنيات المكتشفة، ولتصبح قبلة للسياح والمهتمين بالآثار والتاريخ القديم، ومن خلال هذه المكتشفات تعرف الإنسان الحديث على عظمة أجداده وحضارتهم وتراثهم وتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم، بل أصبحت سياحة الآثار والأماكن الأثرية من أساسيات الدخل القومي لهذه الدول. أما الحضارة الكنعانية فلم تكن بمستوي الاكتشاف الذي حظيت به الحضارتين الفرعونية وبلاد الرافدين، لأسباب عديدة أهمها غياب الدولة المركزية.

ورغم هذا ساهم العديد من المستشرقين في البحث والتنقيب عن الآثار في فلسطين خاصة في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، متسلحين بالتوراة في البحث عن الأماكن التي ورد ذكرها في التوراة، في مقابل طمس كل الآثار التي تؤكد على عظمة الحضارة الكنعانية – الفلسطينية أو محاولة تزويرها لصالح البعد التوراتي، فقد كانت أهدافهم خبيثة من جراء هذه التنقيبات والحفريات، أبرزها إثبات الحق اليهودي في فلسطين. ونؤكد على هذه الأهداف الخبيثة بالرجوع إلى كتاب المؤرخ الأمريكي جيمس بريستد “تاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح الفارسي”، وكتاب عالم الآثار الأمريكي وليم أولبرايت “آثار فلسطين”، وكتاب المؤرخ جون الدر “الحجارة تتكلم، علم الآثار يؤيد الكتاب المقدس”، هذه الكتب وغيرها تنضح بالتزوير في الحضارة الكنعانية حتى يشعر القارئ أنه لا يوجد حضارة كنعانية بل حضارة يهودية أيدتها التوراة.

وهذا لا يعني أن كل المستشرقين وعلماء الآثار الغربيين كانوا دجالين ومزورين، بل ثمة عدد كبير حفر ونقب في أرض فلسطين أو في بلاد الشام كلها، وقدموا الحضارة الكنعانية وكشفوا العديد من مكوناتها الحضارية والثقافية والتراثية، وكان اكتشاف مدينة اوغاريت الكنعانية من أعظم الاكتشافات التاريخية والأثرية، التي كشفت مكوناتها عن أعظم حضارة في التاريخ، أهمها أن الكنعانيين هم الذين علموا العالم الحروف الأبجدية. واكتشاف أن الكنعانيين هم الذين بنوا المدن الخمس على الساحل الفلسطيني، وكانت مملكة اشدود الكنعانية عاصمة المدن الخمس، التي كشفت التنقيبات فيها أنها مقامة على 22 طبقة متباينة في المكان أي ثمة 22 حضارة أقامت في المكان. وفي قضاء غزة الممتد من حدود بئر السبع جنوبا وحتى بلدة أسدود شمالا، اكتشف العديد من الآثار التاريخية الهامة، وفي مدينة غزة كإحدى المدن الكنعانية الخمس اكتشف الكثير من المواقع الأثرية منها: منطقة تل العجول، وتل المنطار، والبلاخية، وتل أم عامر، وتل السكن، وتل الرقيش، وتل الذهب، والعديد من التلال الأثرية القديمة.

إن اكتشاف الآثار يعني اكتشاف للتاريخ، فأهم مكونات كتابة التاريخ هو علم الآثار، وحين نطمس الآثار نطمس التاريخ مما يعطي الفرصة لعدونا لكي يزور التاريخ كما يريد ما دمنا لا نملك الدليل على ما يطرحه كأنه مسلمات تاريخية، لأننا بأيدينا طمسنا تاريخنا وحضارتنا.

في مقال سابق لنا بعنوان “تل السكن شاهد على حضارتنا الكنعانية يدمر بأيدينا” اشرنا إلى اكتشاف تل تاريخي اثري في عام 1998 يعرف بتل السكن يقع خلف جامعة فلسطين في مدينة الزهراء، وجاءت بعثة فرنسية عام 1999 نقبت في المكان واكتشفت العديد من الأدوات الأثرية، واعتبرت أن المكان كله منطقة أثرية يجب المحافظة عليها، وعلى أثرها أغلقت وزارة السياحة والآثار المكان ومنعت الاقتراب منه.

وبقي الحال على ما هو عليه رغم العديد من التجاوزات، إلا أنه في الفترة الأخيرة زادت التعديات على المكان بتجريفه وتخصيصه للمنشآت السكنية، حيث قامت حكومة حماس في غزة بمنح الموظفين لديها قطع أراضي في المكان، وتم تجريف نحو 15 دونما من 85 دونما هي مساحة المكان الأثري الإجمالية، مما أثر على الآثار المنقولة وغير المنقولة. وهذا ما دفع العديد من أساتذة الجامعات المختصين بالتاريخ والآثار بزيارة المكان برفقة عالم الآثار الفرنسي “جون باتيست همبرت” الذي أكد على قيمة المكان الأثرية والتاريخية ويجب المحافظة عليه. وبناء عليه تبنى الأكاديميون المختصون القضية وأجروا عدة لقاءات مع المسؤولين في وزارة السياحة والآثار وسلطة الأراضي لمنع التجريف وإغلاق المكان والمحافظة عليه.

وانطلاقا من هذه التحركات التي تعبر عن المسؤولية والحرص في المحافظة على هذا المعلم التاريخي الهام، دعت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إلى اجتماع مع أكاديميين ومختصين في التاريخ والثقافة الفلسطينية للبحث في آليات المحافظة على موقع تل السكن الأثري، وقد حضر الاجتماع الدكتور سامي أحمد أستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة، والدكتور عصام عدوان أستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة، والدكتور نهاد الشيخ خليل أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية، والباحث ناهض زقوت مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق. وقد اطلع المحامي جميل سرحان نائب مدير عام الهيئة المستقلة لقطاع غزة المجتمعين على جهود الهيئة ولقائها مع رئيس سلطة الأراضي والتعهد الذي قطعته سلطة الأراضي بالتوقف عن أعمال التجريف في الموقع الأثري لحين صدور قرار من اللجنة الإدارية بهذا الخصوص. وتحدث المجتمعون الذين زاروا المكان أكثر من مرة، عن تحركاتهم باتجاه وزارة السياحة والآثار والمسؤولين بشأن الموقع، وأكدوا أن الموقع بما لا يدع مجالا للجدل هو موقع اثري تاريخي، وقدم الدكتور عصام عدوان صورا وتقريرا من العالم الفرنسي “جان باتيست” الذي يؤكد “أن موقع تل السكن هو واحد من المواقع القليلة في فلسطين التي تشهد على بدايات بناء المدن، ويستمد أهميته لموقعه الاستثنائي عند بوابة مصر التي كانت تستورد القمح من فلسطين، وكان تل السكن موقعا محميا تماما بكثبان رملية خبأته منذ آلاف السنين، وقد أسفرت أعمال التنقيب في عام 2000 عن نتائج هامة جدا، واعتبر المجتمع العلمي الدولي “تل السكن” واحدا من أبرز المواقع في الشرق الأوسط، وأظهر الموقع الروابط الوثيقة والمعقدة مع بدايات مصر الفرعونية (ثمانية قرون قبل الأهرامات)، ويتطلع المجتمع الدولي إلى استئناف العمل لتوضيح واستكمال النتائج التي لوحظت بشكل كبير. وأنه يجب حماية الموقع الأثري بأكمله، فقد أدى التجريف الذي حدث مؤخرا إلى إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه، ويجب وقف التجريف واستخدام الجرافات، ويجب أن تحدد المسوح السريعة بين الطبقات الحديثة ما تبقى صالحا للاستعمال كمعلم للآثار”.

ومن جانب آخر قدم الدكتور نهاد الشيخ خليل دراسة باللغة الفرنسية كتبها العالم الفرنسي “جان باتسيت” حول عمليات التنقيب جرت في عامي 1999و2000 والاكتشافات التي تم اكتشافها، وتظهر الدراسة بوضوح لا لبس فيه أن المنطقة التي تم تجريفها مليئة بالآثار.

وطالب المجتمعون بالمحافظة على هذا الموقع الأثري الهام، ووقف التجريف، وإعطاء فرصة للتنقيب في كامل الموقع لاستكشاف حدود الموقع وما يحتويه من آثار منقولة وغير منقولة، كما طالبوا بدور أكبر لوزارة السياحة والآثار في الاهتمام بالموقع، ودعوا إلى وقف توزيع الأراضي وعدم إلغاء صفة المكان كموقع تاريخي اثري. وأكدوا على دور الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في هذا المجال وطالبوها باستكمال دورها بالتواصل مع المسؤولين من أجل المحافظة على المكان كموقع اثري.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا