اعتقال القاصرين والقاصرات في إسرائيل: جرائم دولية ويوميات رعب وتعذيب

تقرير : هيثم الشريف – فلسطين

“لا أخاف أن يعتقلوني أو يطخوني لأن فلسطين تستحق”، قالتها الشابة الفلسطينية عهد التميمي مراراً. ظهرت ابنة النبي صالح في فيديوهات وصور عدة تواجه الجنود الإسرائيليين بيديها وكلماتها وكل ما أوتيت من غضب.
قبل بلوغها العاشرة، كانت قد تحولت إلى وجه لافت للجيل الفلسطيني الجديد المقاوم، وفي السابعة عشرة من العمر أصبحت عهد رهن الاعتقال بعدما داهمت قوات الاحتلال منزلها في عتمة ليل الثلثاء الماضي، إثر فيديو انتشر لها وهي تطرد جنديين إسرائيليين من باحة منزلها.
اليوم تمّ تمديد اعتقال عهد، ومعها والدتها ناريمان التي اعتقلها الاحتلال لدى ذهابها للسؤال عن ابنتها. قالت ناريمان، التي اعتُقلت مرات عدة، في مقابلة معها قبل سنتين “لا أخاف على أولادي. علمتهم أن يعرفوا حقوقهم حين الاعتقال وجهّزتهم للضغوط النفسية التي سيتعرضون لها“.
لكن عهد ليست بطبيعة الحال القاصرة الوحيدة التي تعتقلها إسرائيل، وإن كانت تعرف ربما أكثر من غيرها حقوقها عندما تعتقل، ومقاومة ضغوط السجانين حسب والدتها.
أطفال وشبان واجهوا ولا يزالون المصير نفسه، معظمهم يجري اعتقالهم ليلاً وفق خطة منهجية للترهيب يتم يموجبها تعديل قوانين تسمح باعتقالهم، ومخالفات أخرى تحت عيون المحكمة. يحصل ذلك بشكل تعسفي، فيتم تعذيب الأطفال وترويعهم، بما يخالف كل القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بالأطفال.

اعتقال 131 طفلاً منذ إعلان ترامب
بحسب تقرير لـ”نادي الأسير” الفلسطيني، بلغ عدد المعتقلين منذ اندلاع تظاهرات التصدي لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل 430 شخصاً، بينهم 131 طفلاً و9 نساء، وثلاثة جرحى معتقلين يقبعون في مستشفيات إسرائيلية.
ولم تغب عن البال بعد تلك الصورة، التي انتشرت عالمياً تزامناً مع التظاهرات الأخيرة، للقاصر الفلسطيني (16 عاماً) من الخليل، وهو مقيّد ومعصوب العينين بين 23 جندياً إسرائيليا
وقد نقل المحامي في “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” لؤي عكة أن الجنيدي قد تعرّض للضرب عند اعتقاله بسلاح على وجهه، وقد تناوب الجنود على ضربه في جميع أنحاء جسده بشكل هستيري، قبل نقله إلى نقطة عسكرية قريبة.
هناك، وحسب عكة، أجلسوه على الأرض الملأى بالمياه الباردة لأكثر من ساعة، وكان الجنود يدوسون على أصابعه وكتفيه ويشتمونه طوال الوقت، قبل نقله إلى سجن عوفر.
وبحسب “هيئة شؤون الأسرى والمحررين”، تستخدم قوات الاحتلال القوة المفرطة والتنكيل الشديد بحق القاصرين الفلسطينيين، الذين تم اعتقالهم أخيراً، ولفتت إلى علامات الضرب البادية على وجوه وأجساد العديد من الأسرى القاصرين في سجن “عوفر” خلال عملية الاعتقال والاستجواب.
وفي تقرير صدر قبل شهرين عن “مركز الدفاع عن الفرد” و”منظمة بتسليم”، ما يفيد عن مواصلة قوات الاحتلال انتهاكاتها الصارخة وإجراءاتها التعسفية بحق الأطفال الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة.
وبحسب التقرير “يجري اقتياد الفتيان في القدس الشرقية من أسرّتهم في دجى الليل، وتكبيلهم بالأصفاد من دون أيّ مبرّر، وتركهم لفترات طويلة في انتظار التحقيق معهم”، كما لا يُسمح لهم بالاتصال قبل ذلك بمحامٍ أو بذويهم، ولا يتم إبلاغهم أنّه يحقّ لهم الصمت أثناء التحقيق، ثم يجري اعتقالهم في ظروف قاسية طوال أيّام بل أسابيع، حتّى إذا كان التحقيق معهم انتهى
يقبع في سجون الإحتلال الاسرائيلي نحو (7) الآف اسير فلسطيني، يتوزعون على (23 ) سجنا ومعسكر توقيف، يقع اغلبها داخل الاراضي المحتلة في العام(1948)، منهم قرابة(350) طفل وطفلة فلسطينية، جزء منهم لا يزالون في اقبية التحقيق، والجزء الآخر منهم بحسب هيئة شؤون الاسرى والمحررين إما موقوفين او محولين للإعتقال الاداري أو محكومين، علما أن من بينهم اكثر من(150) طفل تقل أعمارهم عن 16 سنة.
وتطبق اسرائيل نظامين قانونيين على الاطفال الفلسطينيين(دون 18 سنة)، فمن يعيشون في الضفة الغربية يخضعون لمنظومة الأوامر العسكرية الإسرائيلة، عليه فإن الاطفال الذين تتراوح اعمارهم ما بين 12-14 بسنة، من الممكن حبسهم لمدة اقصاها 6 اشهر،اما الاطفال الذين يعيشون في القدس فيخضعون للقانون المدني الاسرائيلي، ويمكن حبس الإطفال الذين تتراوح اعمارهم ما بين 14-16 سنة لمدة سنة، إذا ما كانت عقوبة التهم الموجهة اليهم تتجاوز في الاصل(5) سنوات. علما أنه وبغض النظر عن القانون المطبق فالمسؤولية الجزائية تبدأ من سن( 12 )سنة.
تخفيض العمر الخاص بالعقوبة السالبة للحرية
بينما العقوبة السالبة للحرية(السجن)، بحسب الأوامر العسكرية تبدأ من سن(12 ) ، وحتى وقت قريب لم تكن تفرض ذات العقوبة على اطفال القدس الذين تقل اعمارهم عن (14) سنة، غير ان اسرائيل وبحجة تنامي تهم القتل او محاولات القتل، قامت في شهر آب الماضي بتخفيض سن السجن ليبدأ من عمر (12)سنة ايضا، وهو ما اتاح فرض عقوبات بالسجن على اطفال من سن12 سنة، ممن اتهموا بتهم ذات طابع قومي، ومن بينها الأحكام الصادرة في شهر تشرين الثاني الماضي على عدة اطفال منهم أحمد مناصرة(14 عاما) والذي حكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 12 عاما، ودفع غرامة مالية تعادل نحو) 47 الف) دولار بزعم طعن مستوطنين في القدس قبل نحو عام، كذلك نورهان عواد(16عاما) والتي حكم عليها بالسجن لمدة 13 عاما ونصف، وغرامة مالية تعادل (8 الآف) دولار بزعم محاولتها تنفيذ عملية طعن في القدس في شهر تشرين الثاني من العام2015، اضافة للحكم على الطفلين منذر خليل أبو شمالي (15 عاماً)، ومحمد طه (16 عاماً)، بالسجن الفعلي لمدة 11 عاماً، وغرامة مالية تعادل نحو (13 الف) دولار لكل منهما.
فيما تعتبر جهات رسمية وحقوقية فلسطينية أن فرض هذه الأحكام بحق الأطفال جائرة وتعسفية وانتقامية، ومن أن كل ما تمارسه اسرائيل مع الأطفال من حيث طريقة اعتقالهم وتعذيبهم ومعاملتهم القاسية وحرمانهم من ابسط حقوقهم، يُعد مخالفا لكافة قواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية الخاصة بالأطفال.
أصغر طفلة فلسطينية سجنها الاحتلال الاسرائيلي، الطالبة بمدرسة شهداء حلحول ديما اسماعيل الواوي( 12) سنة، من بلدة حلحول في محافظة الخليل الواقعة جنوب الضفة الغربية، والتي اعتقلت في شهر شباط الماضي، وحكم عليها آنذاك بالسجن (4)شهور، إلى جانب دفع غرامة مالية تُقدّر بـ(2000) دولار، بدعوى محاولة القتل العمد لمستوطنين، وتهديد امن اسرائيل!.
رصـيف22 حاورت الطالبة، وسألتها بداية عن اسباب اعتقالها” يومها بالمدرسة، ولأني شعرت بآلام في البطن، سُمح لي بالعودة للبيت، لكنني توجهت لأرضنا الزراعية القريبة من مستوطنة كرمي تسور( المقامة على اراضي البلدة)، لأساعد امي في جني المحصول، فتفاجأت بحارس المستوطنة يُشهر السلاح في وجهي ويطلب مني التوقف، ولم اكن اعرف ان هناك حاجز(نقطة تفتيش) للمستوطنة، ثم حضرت من خلفي سيارة اسرائيلية، وبدأ كل من فيها بتصويب اسلحتهم تجاهي، وأمروني بالتمدد على الارض، ثم قاموا بتعصيب عيناي وتقييد يداي ورجلاي قبل ان يقوموا بتفتيشي، ورغم عدم عثورهم على شيء، نُقلت بسيارة الشرطة اسرائيلية الى مستوطنة كريات اربع ( المقامة على ارضي مدينة الخليل)”.
وتتبع الطفلة ديما الواوي التي اتمت 13 ربيعا قبل اسابيع فقط” وقد تم التحقيق معي في المستوطنة بالتناوب من قبل (7 )محققين شرطة بالتناوب ولعدة ساعات، إلى ان تم نقلي بعد انتصاف الليل الى سجن هشارون (بين مدينتي طولكرم ونتانيا)، حيث اودعت في غرفة عزل شديدة القذارة والبرودة والتعفن، تعرفت فيها على الطفلة ملك سلمان (16)سنة من القدس(اعتقلت على خلفية زعم محاولة تنفيذ عملية طعن هي الاخرى في القدس)، ثم نقلت في الثالثة صباحا لزنزانة في سجن عوفر(المقام على اراضي محافظة رام الله)، فبقيت فيه10 ايام، وكل يوم بعد آخر كان يتم أخذي بعد انتصاف الليلة للمحكمة ثم يعيدوني إلى ان تم حكمي، فأعيد نقلي لسجن هشارون، لقضاء فترة الحكم، واذكر انني حين دخلت غرفة السجن وجدت حوالي (8) بنات تتراوح اعمارهن ما بين 14-16 سنة، ولاحظت على اصابات مختلفة على ايديهن من يوم الاعتقال، ولم يجري علاجهن، اذكر ان من بينهن الطفلة نورهان عواد(16)سنة، (متهمة بزعم محاولة الطعن).
ثم روت لنا الواوي، تفاصيل حياتها اليومية في الاسر” بعد وقت قليل على صلاة الصبح، تقوم السجانات بأول عملية تحقق من عدد الاسيرات في كل غرفة، ننام بعدها قليلا، ثم يعدن لتفحص جدران الغرفة وقضبانها الحديدية، للتأكد ان لا محاولة للهروب يجري التحضير لها، ثم تبدأ بعض الاسيرات الاكبر عمرا بتدريسنا عدة مواد كالعربي والدين والانجليزي والرياضيات وحتى اللغة العبرية، ثم نشتري من كنتين الاسرى(من خلال المخصص المالي لكل اسير المدفوع من السلطة الفلسطينية وذوي الاسرى) (حاجات.. كالنسكافيه والبسكويت)، ثم نلعب عدة العاب كألعاب الريشة وقفز الحبل في وقت الفوره(وقت الخروج للساحة) وقبل عودتنا للغرف تتم عملية تفحص أخرى للجدران، ثم يوزع الطعام علينا(طبخ خالتو دنيا بجنن، وخالتو لينا بتكثّر عالاكل بهارات انا بحبه عالآخر)، يلي هذا الامر عملية عد لنا ثانية، ونبقى في الغرف(واذا ضايل شيبس واشي زاكي بناكله انا والبنات) ثم يحين قبل النوم موعد العد الثالث، علما بأن الاسيرات يؤكدن على ضرورة ان لا نبكي حتى لا يظن السجان بانه قد كسرنا”.

وعن أكثر المشاهد العالقة في ذهنها عن فترة الاسر قالت الطفلة ديما الواوي اصغر اسيرة فلسطينية، والتي افرج عنها بعد قضاء ما يزيد عن نصف مدة محكوميتها”اكثر ما اذكره رائحة المحققين يوم الاسر، والكرافانات الحديدية الصغيرة التي جرى التحقيق معي فيها، كذلك الاصابات الغير معالجة في ايدي وارجل الاسيرات، علما بأن الاحلام والكوابيس ظلت تراودني لفترة بعد الافراج عني، وكثيرا ما حلمت بصاحبتي الطفلة استبرق نور (15 )سنة،( الطفلة اصيبت بيدها في محيط منزلها بمحافظة نابلس في شهر تشرين الأول من العام الماضي، واتهمت بمحاولة التسلل الى مستوطنة (يتسهار) جنوب مدينة نابلس لتنفيذ عملية طعن، وحكم عليها بالسجن 20 شهرا اضافة لدفع غرامة مالية).
قصة أخرى يرويها لنا الطفل محمد محسن العزازي من مخيم البريج في قطاع غزة، والذي اعتقلته سلطات الاحتلال في شهر تشرين الأول من العام الماضي ، حيث لم يكن يبلغ من العمر آنذاك اكثر من 14 سنة، حيث اتهم بالدخول الى اسرائيل دون تصريح، وتهديد امن اسرائيل وغيرها من التهم، فجرى الحكم عليه بالسجن لمدة 6 اشهر.

تفاصيل من يوم الاعتقال
” كنت كغيري من الاطفال القي الحجارة على الجيبات الاسرائيلية من خلف الاسلاك الشائكة بين قطاع غزة واسرائيل، وحين وجدنا احدى الثغرات في السلك الشائك، تقدمنا اكثر عبر الفتحة ليلا، وكان هناك جيب عسكري اسرائيلي يسلط الضوء باتجاهنا اثناء تراجعه للخلف، فتقدما نحوه اكثر ولم يكن في بالنا انها محاولة منهم لاستدراجنا ، إذ تفاجأنا بـ(6) جيبات تأتي من الخلف منعتنا من العودة لقطاع غزة، فحوصرنا من كل الجهات، فحاولت و5 اطفال كانوا معي الاحتماء والاختباء، لكنهم تمكنوا منا، حيث توجه الي اكثر من (15 ) جندي وهم يصوبون الاسلحة نحوي، واطلقوا رصاصة استقرت بجانبي تماما، ثم ضربني احدهم بقدمه على ظهري فسقطت على الارض، ورغم تكبيل يداي استمر ضربهم لي لدرجة ان احدى اللكمات تسببت بأن ابتلعت احد اسناني، فأغمي عليّ على إثرها، الى ان وجدت نفسي و(5 )اطفال آخرين في ساحة معسكر احتلالي، ونحن شبه عراه (رغم سقوط المطر)وارجلنا وايدينا مقيدة وهي شديدة الزرقة وترجف، فعرضنا للضرب وإطفاء السجائر في اجسادنا(والثقوب في جسدي شاهدة على ذلك)، كما قاموا بسكب الخمر على وجهوهنا نتيجة رفضنا شربه، وكل ذلك كان يتم فيما هم يرقصون حولنا، تعذبنا كثيرا لدرجة عدم تمكننا من النوم ليلا، اذ انهم كانوا يسكبون الماء البارد على اجسادنا لتبدأ اجسادنا بالارتجاف، وبقينا على هذه الحالة (3) ايام تحت المطر دون اكل او شراب او استخدام للحمام، بعدها نُقلنا لإحد مراكز شرطة الاحتلال فأحد مراكز التوقيف ثم الى سجن هشارون، ولم يتم حكمي الا بعد مرور شهرين ونصف الشهر على اعتقالي”.
وعن طريقة تعامل السجانين مع الأطفال قال الطفل محمد محسن العزازي ” السجانون يقتحمون احيانا غرفنا ونحن نيام، لتبدأ عملية ضربنا اثناء تقييد الايدي، ثم ينقلوننا لغرف أخرى، لنعود لغرفنا بعد بضعة ساعات على اساس انهم يتدربون، وفي الاحيان الاخرى، يقومون برشنا بخراطيم المياه، فتبقى ملابسنا مبللة عدة ايام”.
كما وصف لنا العزازي كيف كان يقضي يومه في الاسر منذ لحظة الاستيقاظ” يوميا كنّا نقوم لنصلي الصبح جماعة، حيث ان احد الاسرى من كبار العمر، كان يخبرنا بوقت الصلاة بحسب ما تشير اليه ساعة كان قد اشتراها بسعر مرتفع للغاية من (كنتين الاسرى) ثم نعود بعدها للنوم، بعد نصف ساعة كان يجري ايقاظنا من قبل السجانين ويطلب منا الوقوف من اجل العد والتثبت على الكمبيوتر، يلي ذلك موعد الافطار حيث ننام بعده قليلا، وبين حين وآخر ياخذ السجانين بالنظر الينا من فتحة الباب، وبعد صلاة الظهر كانوا يأخذون أي شخص منا دون أي سبب لغرفة منفرده بحيث يتم توثيق يداه للخلف، ثم يعيدونه بعد بضعة ساعات للغرفة. ايضا كنا نخرج لمدة ساعة خلال النهار الى الساحة الخارجية، لكن بالنسبة لي فبعد شهرين ونصف، صادف ان التقيت أحد السجناء الجنائيين الاسرائيليين عبر غرفة مشتركة يجري نقلنا منها للمحكمة، فحين عرف بأني عربي شتمني وشتم الذات الإلاهية، فتمكنت منه رغم القيود وكسرت انفه، فقام افراد الشرطة بضربي ، وحكم علي لاحقا بإتمام مدة المحكومية دون الخروج للساحة مطلقا”.
وختم الطفل محمد محسن العزازي حديثه لـ رصـيف22 بالحديث عن اكثر ما يذكره بفترة اعتقاله” اكثر ما يُذكرني بكل الضرب والقسوة التي تلقيتها خاصة في المعسكر الاحتلالي، وشم تم وشمي به على ذراعي يوم الاعتقال انا وطفل آخر، كي يعرف الجنود(كما يبدو) انه قد جرى اعتقالنا فيما لو تم ايقافنا لاحقا من أي دورية اسرائيلية، اما اكثر المشاهد العالقة بذهني عن فترة الاسر بمجملها فهي تعود ايضا ليوم الاعتقال حيث انني ومن شدة الضرب الذي تعرضت له اخذت ابصق الدم”.

وتتشابه قصة الاطفال الذين حادثناهم مع قصة حمزه نادر ابو اهليل – من بلدة دورا في محافظة الخليل، الذي اعتقلته سلطات الاحتلال في شهر تشرين الأول من العام الماضي هو الآخر حين كان عمره(17) سنة ، بحجة القاء الحجارة والتحريض على مواجهة الاحتلال، حيث حكم عليه بالسجن لمدة ثمانية اشهر، ودفع غرامة 2000 مالية، حيث قال”كنت اقطع الشارع على مثلث مخيم الفوار القريب من البلدة، وإذا بضابط اسرائيل ينادي علي بعد ان التف جيب عسكري اسرائيلي من خلفي، وفجأة دون سابق انذار انهال الجنود عليّ بالضرب، وسحبوني لجهة اخرى من الشارع، ليبدأ الضابط بالتحقيق معي بعدما ادعى انني القيت الحجارة عليهم، ثم حاول ارهابي حيث اخبرني انني وفرت عليه قدومه لأخذي من البيت ليلا! ثم نقلت لمعسكر المجنونة جنوب البلدة، فيما استمرت عملية ضربي وتثبيت رأسي بالارض باستخدام بساطيرهم، نقلت بعدها الى مستوطنة كريات اربع ، لتبدأ عملية التحقيق معي بضعة ساعات، ومنها نقلت الى سجن عتسيون شمال المحافظة ، ومنه الى سجن عوفر، وبعد يومين فيه تم حكمي، لاقضي محكوميتي ما بين سجن عوفر والرمله”.
حمزة الذي بلغ الـ18 سنة مؤخرا، اكد ان السجانين كانوا يهدفون دوما للإحتكاك بالاسرى كلما كانت هناك عملية نقل للمحكمة او للإلتقاء بذوينا الزائرين، ولم نكن نتحمل شتيمتهم وضربهم لنا، فنقابل ذلك بالرد عليهم بالمثل، وهو الامر الذي كان يؤدي الى حجزنا بالزنازين الإنفرادية، واضاف واصفا ايام الاسر” يبدأ يومنا بعملية عد الاسرى، ننام بعدها، ثم نخرج للساحة في التاسعة صباحا، ثم يحين موعد الإفطار، بعدها نعمل على ترتيب وتوضيب الغرفة، ثم يقوم كل منا بما يراه مناسبا كأن نقرأ القرآن او نشاهد التلفاز..الخ، ونلاحظ اثناء ذلك قيام السجانين باختلاس النظر الينا من شباك الغرفة، ثم نصلي الظهر ونخرج بعدها للساحة، فنجلس مع كبار الاسرى عمرا او ذوي المحكوميات الطويلة، ثم تجري اعادتنا للغرف التي تقفل تمام الساعة السادسة، ثم يحين موعد عد الاسرى تمام الساعة 7:30، ووفق قرار كبار الاسرى عمرا وذوي المحكوميات الطويلة، فإن كل من هم دون الـ18 سنة يجب عليهم النوم قبل الساعة 11 ليلا كي نعتاد على النوم بشكل غير متأخر”.
وختم الطفل حمزه نادر ابو اهليل حديثه باستذكار اكثر اللحظات التي يذكرها من يوم الاعتقال” أكثر لحظة خوف عشتها يوم الإعتقال، كانت لحظة ترجل جنود الاحتلال من الجيب العسكري، لينهالوا عليّ بالضرب ، اضف لذلك ان من اكثر المشاهد التي لا تزال عالقة بذهني، قيامهم في التاسع من شهر شباط الماضي بدخول القسم الساعة 3:45 صباحا بطريقة مرعبة، والإعتداء على ثلاثة اطفال انا منهم، حيث جعلوا الكلاب البوليسية تقترب منا كثيرا وهي تنبح لإرهابنا! فلم نتحمل الموقف وبدأنا بالتكبير، أخذونا بعدها الى الزنازين الانفرادية”.
قضاء الاطفال فترة محكوميتهم في اكثر من سجن، دفعنا لمعرفة ابرز السجون التي يجري تحويل الاسرى الاطفال اليها، لقضاء فترة الحكم، وإذا ما كانت هناك سجون تصنف اكثر قسوة من غيرها من حيث التعامل مع الاسرى الاطفال، فتوجهنا بتلك الاسئلة لرئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الاسرى والمحررين عبدالناصر فروانه (الاسير المحرر) الذي اجاب قائلا”الاطفال موزعين على أكثر من سجن أبرزها سجن عوفر والنقب ومجدو وغيرها من مراكز التوقيف، وللحقيقة فلا فروق بين السجون ولا حتى بأماكن الاحتجاز في التعامل مع الاطفال، حيث يُعتقل الاطفال في ذات السجون ويتعرضون لنفس التعذيب والمعاملة القاسية كما الكبار، ناهيك عن ما يتعرضون له من الحرمان من ابسط الحقوق”.

المخالفة للمواثيق الدولية
كما عرج رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الاسرى والمحررين على محاولة اسرائيل شرعنة محاكمة الأطفال القصّر من عمر 12 سنة ” اذا ما نظرنا الى المواثيق الدولية بما فيها اتفاقية حقوق الطفل واعلان حقوق الطفل وما تضمنه من نصوص ذات صلة بالاسرى الأطفال وحقوقهم ، سنخلص ودون عناء بأن السلوك الاسرائيلي برمته في التعامل مع الاطفال، سلوك شاذ ومخالف لكافة قواعد القانون الدولي. عليه فإن اجراءاتها الأخيرة المتمثلة بالقوانين الظالمة هي جرائم بحق القانون الدولي قبل أن تشكل جريمة بحق الأطفال، إذ لا يجوز لدولة الاحتلال أوغيرها أن تُشرعن الانتهاكات بقوانين داخلية. رغم ان اسرائيل تعتبر نفسها دولة فوق القانون وتسن قوانينها لحماية عناصرها ومواطنيها ومنحهم الضوء الأخضر لارتكاب مزيد من الجرائم بحق الأطفال، في محاولة منها لردع الاطفال وبث الرعب في نفوسهم ونفوس عائلاتهم وتشويه واقعهم وتدمير مستقبلهم. غير ان ذلك يعني وبما لايدع مجالا للشك أن اسرائيل تهاب الأطفال وتخشى من مستقبلهم، بحيث تسعى وبشكل ممنهج ومنظم للقضاء على الخطر القادم من الأطفال – من وجه نظرها- حيث ترى فيهم قنابل موقوتة مؤجلة الانفجار لحين البلوغ، خاصة بعدما رأت المشاركة الواسعة من الأطفال في انتفاضة القدس التي انطلقت في شهر تشرين الأولمن العام2015“.
وقد دلل عبدالناصر فروانه رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الاسرى والمحررين على مدى ما وصلت اليه اسرائيل من استخفاف بكافة قواعد القانون الدولي، من خلال الاحصائيات الاخيرة المتعلقة بالأطفال الاسرى” كل الوقائع والاحصائيات تؤكد على أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي صعّدت من اعتقالاتها للأطفال الفلسطينيين خلال (انتفاضة القدس) بشكل غير مسبوق، فالخط البياني لاعتقالات الأطفال منذ العام2011 إلى الآن، تعطي دلالالت ومؤشرات خطيرة، تؤكد على ان هناك زيادة طردية سنويا لعدد المعتقلين من الأطفال، فالاعتقالات عام 2015 شكلت زيادة مقدارها (72.1%) عن العام الذي سبقه، وزيادة بنسبة أكبر تصل الى (134%) عن العام 2013، فيما أن الزيادة فاقت الـ200% عن العام 2011! كما ان المعدل السنوي لاعتقال الأطفال خلال الاعوام من ( 2000-2010 )كان (700) حالة سنويا، فيما وصل المعدل السنوي خلال السنوات الخمس الأخيرة الى (1200) حالة سنويا، بالتالي يمكننا الجزم أن عدد الاطفال المعتقلين من الاطفال خلال العام الأول من انتفاضة القدس، شكل سابقة ورقما غير مسبوق لم يسجل منذ سنوات طويلة. اذا سجل منذ الأول من شهر تشرين الأول 2015 وحتى الأول من شهر تشرين ثاني الماضي نحو (2651) حالة اعتقال لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 11-18 سنة، يشكلون نحو 30% من اجمالي الاعتقالات. لذلك فإن هناك استهداف متصاعد للأطفال من حيث الأرقام والانتهاكات والاجراءات والغرامات والحبس المنزلي والقوانين..الخ”.
وقد وافقه الرأي حول استهداف الاطفال مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال/ فرع فلسطين عايد ابوقطيش حيث قال” بات واضحا ان هناك تصاعدا في اعداد الاطفال الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم والتحقيق معهم من قبل الاحتلال الاسرائيلي، وما توقف مصلحة سجون الاحتلال منذ شهر نيسان2016 عن تزويدنا باعداد الاطفال المعتقلين لديها، إلا دليل على مدى مخالفة تلك الإعتقالات للمواثيق الدولية والمعاهدات خاصة المتعلقة بالأطفال، بالتالي وعلى الرغم من ان اسرائيل طرف في كل الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان والطفل، لكننا نرى انها تتحلل من اتفاقياتها حين يتعلق الامر بالطفل الفلسطيني، حيث ان الاطفال الذين يجري اعتقالهم والتحقيق معهم، يتعرضون لأشكال مختلفة من اساءة المعاملة والتعذيب التي تتراوح ما بين العنف الجسدي والضغط النفسي، والتي يكون الهدف من هذه الممارسات هو الحصول على اعترافات بالإكراه لتشكل دليل الإدانة الاساسي امام المحاكم الاسرائيلية سواء العسكرية في الضفة الغربية او المدنية في مدينة القدس، ورغم ان المحاكم في الدول التي تحترم نفسها تستبعد كل الادلة التي يتم الحصول عليها بالإكراه، إلا انه في المحاكم العسكرية الاسرائيلية تحديدا، فإن الإعترافات التي يتم الحصول عليها بالإكراه لا تزال تُعد أدلة اساسية ضد الاطفال”.
وعند دور الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال/ فرع فلسطين في فضح الانتهاكات الاسرائيلية قال عايد ابوقطيش مدير برنامج المساءلة ” اضافة لفضح الانتهاكات المتعلقة بالأطفال فإننا نتواصل مع جهات دولية مختلفة تابعة للأمم المتحدة، كلجنة حقوق الطفل ولجنة مناهضة التعذيب وغيرهما، اضافة الى تواصلنا مع سياسيين وبرلمانيين على مستوى العالم وعلاقتنا بالاتحاد الاوروبي، حيث نهدف من كل ذلك الضغط على اسرائيل للوفاء بالتزاماتها وفق الاتفاقيات الموقعة عليها، لكن للحقيقة، ورغم الانتقادات الدولية من المجتمع الدولي واطراف في اتفاقية حقوق الطفل وغيرها للسلوك الاسرائيلي خلال السنوات الاخيرة في طريقة تعاملها مع الاطفال الفلسطينيين، الا انه هذه الانتقادات لم يتم ترجمتها لخطوات او اجراءات عملية من اجل الضغط او فرض عقوبات على اسرائيل نتيجة لعدم الالتزام أوعدم الوفاء بالتزاماتها، وفي ذات السياق فرغم محاولات الجهات الرسمية الفلسطينية من اجل احداث اختراق في هذا الجانب، الا انه ما من تغيير في الواقع الذي يعيشه الاطفال الفلسطينيين الذين تجري عملية اعتقالهم والتحقيق معهم.

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

فتح ميديا أوروبا