الرئيسيةمختاراتمقالاتقرار نتنياهو حل الكنيست… محاولة للهرب إلى الأمام

قرار نتنياهو حل الكنيست… محاولة للهرب إلى الأمام

بقلم: عماد شقور

بدون مقدمات. ومن سماء زرقاء صافية، لا تلبّدها غيوم سوداء، ولا توشّيها غيوم بيضاء ايضا. لا رياح عاتية، ولا بروق تنير الارض فتنبّه للحدث، جاء صوت «الرعد» من حنجرة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، معلنا سحب القوات الأمريكية من سوريا.
تسابقت علامات الضّيق والهلع والتشاؤم، مع علامات الفرح والحماس والتفاؤل. وتتالت ردود الافعال من مشارق الارض ومغاربها، ومن وسطها ايضا بشكل خاص، تحاول التحليل والتفسير، وتحديد الخطوات السياسية والعسكرية، التي يدرس كل واحد من الاطراف المتأثرة بالقرار الأمريكي المفاجئ.
حان الآن موعد التسجيل الخطّي لملاحظة وجوب التعديل للقول المأثور: «القافلة تسير.. والكلاب تنبح»، لتنقلب الاقوال/الاصوات، والافعال وردود الفعال، وتحول المفرد الى الجمع، والجمع الى المفرد، ولتصبح الصيغة الجديدة لذلك القول المأثور: «الكلب يسير.. والقوافل تنبح»!.
صح هذا التعديل على التعبير، وقيل شفهيا، قبل 39 سنة، عندما قام الرئيس المصري الراحل، انور السادات، بزيارة اسرائيل، يوم السادس من أيلول /سبتمبر 1979. لكن هنا يتوجب علينا الاستدراك: ليس من العدل ان يوصم السادات بكلمات سلبية وإدانات. تعرض لظلم المقارنة بين شخصيته وشخصية من ورث موقعه، الزعيم المصري العربي جمال عبد الناصر، صاحب الشخصية الكاريزماتية بالمقياس العالمي والتاريخي. فالسادات هو بطل العبور، حرر قناة السويس بالقوة. وحرر شبه جزيرة سيناء المصرية بالمفاوضات. وحرر آخر شبر منها، وهو «طابا» بالتحكيم الدولي. حاله، في موضوع وراثة زعيم كاريزماتي تاريخي، مثل حال الرئيس الفلسطيني، الاخ ابو مازن، في وراثة الزعيم الفلسطيني الخالد، ياسر عرفات.
نعود هنا الى واقع ايامنا، وما احدثته حركة ترامب من خلخلة لقناعات ظلّت راسخة لدى كثير من الدول والشعوب، على مدى عقود، بل وعلى مدى قرن كامل من الزمن، ومنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وحتى هذه الايام، واهمها القناعة بان أمريكا كحليف، تشكل ضمانة كافية يمكن الركون اليها، والثقة بها، والاطمئنان اليها.
أول المتأثرين سلبا بالقرار الأمريكي هم الاكراد بشكل عام، واكراد شمال سوريا بشكل خاص، الذين اخطأوا بوضع كل بيضهم في سلّة أمريكا. يلي هؤلاء كل المشاركين في «التحالف الدولي» الذي تقوده أمريكا في سوريا والعراق، وابرزهم، من غير بعض العرب، على ما يبدو، بعض الدول الاوروبية، وخاصة فرنسا التي قد تجد نفسها في مواجهة غير مضطرة اليها مع تركيا.
على ان اكثر ما يهمنا كفلسطينيين، هو انعكاس الخطوة والقرار الأمريكي على اسرائيل. ونذكر في هذا السياق، بداية، ما قاله وردده مرارا الرئيس الاسرائيلي اليميني المعتدل، بالمقاييس الاسرائيلية طبعا، رؤوفين ريفلين، من ان السياسة الخارجية الاسرائيلية تقوم على ثلاثة اساسات هي: اولا التحالف مع أمريكا، وثانيا التحالف على أمريكا، وثالثا التحالف مع أمريكا!. وكما ردد ذلك رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في احدى زياراته الاخيرة الى روسيا، حيث شدد على ان اسرائيل لا تبحث عن حلفاء جدد بدل أمريكا.
جاءت الخطوة الأمريكية في توقيت سيئ تماما لاسرائيل:
ـ بعد فشل محاولتها التجسسية والاستخبارية والعسكرية قبل شهر في قطاع غزة، ومواجهتها مع المقاومة العسكرية هناك، التي لم تدم الا يوما واحدا فقط، امطرتها فيه تلك المقاومة باكثر من اربعمئة وخمسين صاروخا وقذيفة، واضطرتها الى وقف تلك الحملة بشكل ذليل، حسب اقوال العديد من المسؤولين الاسرائيليين، وكان ابرز ما ادّت اليه، استقالة وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، من حكومة نتنياهو، وانسحاب حزبه من الائتلاف الحاكم، وما تبع ذلك من تداعيات، وصلت حد اقرار الكنيست (البرلمان الاسرائيلي) امس، حل نفسه، والتوجه الى انتخابات برلمانية يوم التاسع من ابريل/نيسان المقبل، أي قبل اكثر من ستة اشهر على موعدها الاصلي.
ـ بعد «حملة» الكشف عن انفاق هجومية لحزب الله اللبناني، تخترق الحدود الشمالية لاسرائيل، لكن التهويشات التى حرصت اسرائيل على تسويقها للرأي العام الداخلي، لم تستطع ان تخفي ارتداع اسرائيل من استفزاز الجيش اللبناني وحزب الله، بتأكيدها المتواصل انها لن تتخطى الحدود اللبنانية ولو بسنتيمتر واحد.
ـ بعد الموقف الروسي الصارم، اثر تسبب اسرائيل باسقاط الدفاعات السورية لطائرة الاستخبارات الروسية، ومقتل خمسة عشر ضابطا من الاستخبارات، كانوا على متنها.
ـ بعد ما ترتب على ذلك من تعزيز روسيا لترسانة الجيش السوري بصواريخ إس إس 300، وتقييد غطرسة سلاح الطيران الاسرائيلي في الاجواء السورية.
في هذه الاجواء نذكر ما قاله نتنياهو قبل خمسة اشهر فقط، من ان أمريكا لن تنسحب من سوريا قبل انسحاب القوات الإيرانية منها. بل وقبل شهر واحد صرح ترامب نفسه، ان سبب التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة هو (مصلحة) اسرائيل. وهكذا تكون الخطوة الأمريكية صفعة مجلجلة لنتنياهو ولحكومته ولاسرائيل.
على مدى سبع سنوات من الحرب الاهلية في سوريا، والتداخلات الاقليمية في الحرب في سوريا وعلى سوريا، كانت اسرائيل بقيادة نتنياهو تتصرف بعنجهية وغطرسة مفرطة. وفي السنوات الثلاث الاخيرة، منذ التدخل الروسي العملي الكبير في هذه الحرب، وهو التدخل الحاسم الذي عكس اتجاه تطور الحرب هناك، تصرف نتنياهو وكأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حليفه وصديقه الشخصي. وفي السنتين الاخيرتين، منذ «احتلال» ترامب للبيت الابيض/الاسود الأمريكي، (خلفا للرئيس الأمريكي السابق، باراك اوباما، الذي ناصبه نتنياهو العداء المكشوف)، تصرف نتنياهو وكأن سيد البيت الابيض الأمريكي عضو في حزبه اليميني العنصري المتطرف: يعترف بالقدس (دون تحديد حدودها) عاصمة لاسرائيل، بناء لرغبة وإرادة نتنياهو، وينقل، (وإن يكن رسميا فقط)، السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس، بناء لرغبة وإرادة نتنياهو.
سنوات عديدة حلّقت فيها الطائرات الحربية الاسرائيلية في اجواء سوريا، وسنوات عديدة حلّق فيها نتنياهو في اجواء المنطقة بتصريحات وتلميحات، وبشكل علني: حتى العاصمة العُمانية، مسقط، وقصر السلطان قابوس بن سعيد. تصرف نتنياهو وكأن بوتين الروسي وترامب الأمريكي موظفان في مكتبه، لا اكثر. يطلب التنسيق فتتم تلبية طلبه. يطلب الاعتراف فتتم التلبية. يطلب نقل السفارة، فيتم التلكّؤ بسبب التكاليف المالية، فيطلب من ملياردير صهيوني التكفل بالمصاريف، فيتم له ذلك، وتنتقل السفارة. بدا وكأن العالم كله، او قوتاه الأعظم على الأقل، مُلك يمينه (العنصري المتطرف). وفجأة.. «انقلب السحر على الساحر»، كما يقولون.
بدأنا بالحديث عن الكلب والقافلة. ننهيه ايضا بالحديث عن الكلب: عن ذَنَبِ الكلب واسنانه وانيابه. فكثيرا ما يبدو للناظر من بعيد ان الذَّنب يتحكم بالكلب، وان الكلب يتصرف حسب ارادة الذّنَب.. ثم تأتي الحقيقة لتصفع كل المتوهمين، ولتثبت ان القرار للكلب لا للذّنَب.
لم يبق امام نتنياهو من بدائل. تحليقه في اجواء العالم، وفي اجواء المنطقة بشكل خاص، لم يعد سهلا وممكنا كما في السنوات العجاف القليلة الماضية. لا بديل من النزول الى ارض الواقع. وارض الواقع ان لا بديل من التعاطي بجدية مع الواقع نفسه. هذا الواقع هو ان لا بديل عن الاعتراف بالحقوق الوطنية الشرعية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في الحرية والاستقلال واقامة دولته الفلسطينية بعاصمتها: القدس العربية.
واضح ان قرار نتنياهو بحل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات في اسرائيل، ليس اكثر من محاولة عملية هروب الى الأمام، لمن لم يعد أمامه أمام. فللواقع قوانين طبيعية، تستمد قوتها الالزامية من قوانين الطبيعة ذاتها.

عن القدس العربي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا