الرئيسيةمختاراتمقالاتاحذروا خديعة ترامب

احذروا خديعة ترامب

بقلم: عمر حلمي الغول

في تصريح دراماتيكي ملغوم، وهادف وغير بريء، لا علاقة له بالحدث الذي كان يتحدث بشأنه، اعلن الرئيس دونالد ترامب بشكل مفاجئ، ودون وجود رابط بين الموضوعين مباشرة، وقال “انه وضع خطير جدا، لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة.” وتابع “سينتهي بهم الأمر إلى تفجير السد (النهضة أو إكس أو الألفية). قلتها واقولها بصوت عال وواضح. سيفجرون هذا السد، وعليهم ان يفعلوا شيئا”. كان ذلك يوم الجمعة الماضي الموافق 23/10/2020، وهو يدشن استسلام جمهورية السودان امام دولة الاستعمار الإسرائيلية. ولهذا التصريح الخطير أكثر من مدلول ورسالة. ولا يقتصر على “منح مصر” الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكري ضد سد النهضة الأثيوبي، إنما هناك أبعاد ورسائل اخرى.
وعليه لا اريد ان اتوقف امام الاتفاقات المبرمة بين اثيوبيا، بلد المنبع وبلدان المصب مصر والسودان من 1902، و1929و 1959 وما تلاها من اتفاقات ذات صلة بالصراع على مياه نهر النيل، الذي يعتبر بمثابة الرئتين لمصر العربية، كون حياة الشعب المصري الشقيق تعتمد عليه بنسبة 97%، فهو مصدر الري والشرب والطاقة والسياحة، وبالتالي إقامة سد النهضة، الذي يعتبر السد الأكبر في افريقيا، يؤثر تأثيرا مباشرا على كمية المياه المتدفقة في نهر النيل العظيم، ويسبب انتقاصا كبيرا من حصة مصر ما يشكل تهديدا وجوديا لها. ولا يترك مجالا للمحروسة إلا بالدفاع عن حقوقها المتفق عليها في الاتفاقات المبرمة بين الدول الأفريقية ذات الصلة بالصراع المائي.
واللافت للنظر، ان دولة الرئيس الذي يدعو مصر لتفجير السد الأثيوبي، هي التي منحت الشركة الأميركية في 31 أذار / مارس 2011 اي بعد يوم واحد فقط من الإعلان عن مشروع السد الأثيوبي، الذي دشنه رئيس الوزراء، ملس زيناوي في الثاني من نيسان/ ابريل 2011 قرضا مقداره 4,8 مليار دولار اميركي لإنشاء السد. وهو ما يطرح الف علامة سؤال على تصريح الرئيس الأميركي، ترامب. ومنها: هل ساكن البيت الأبيض حريص على مصالح مصر؟ أم انه يريد توريط مصر في متاهة الحروب كمقدمة للانقضاض عليها وتفكيكها؟ وهل تاجر العقارات ضد السد الأثيوبي؟ وإذا كان ضده لماذا الإدارة التي سبقته منحت الشركة المنفذة للمشروع حوالي خمسة مليارات دولار؟ وأليست الإدارات الأميركية المتعاقبة وبغض النظر عن خلفية الرئيس الحاكم الحزبية تلتزم بسياسات وتوجهات الدولة العميقة وغير المرئية؟ أم ان ترامب خرج عن نص وقواعد الدولة العميقة؟ وما هي مصلحته الخاصة والدولانية من نشوب حرب بين مصر واثيوبيا؟ ولماذا فشلت الرعاية الأميركية في بلوغ اتفاق بين الدول الثلاث اثيوبيا ومصر والسودان خلال الفترة القريبة الماضية؟ الم يكن خلفية ذلك الفشل توجه اميركي مقصود، وعن سابق تصميم وإصرار لإشعال فتيل الفتنة بين الدول الثلاث؟
وبعيدا عن جادة الأسئلة، التي تحمل في طياتها اجوبة واضحة على تصريح الرئيس الأميركي المتصهين، فإن الضرورة تملي على القيادة المصرية، وخبراء الأمن القومي الإستراتيجي التدقيق كثيرا قبل اتخاذ اي خطوة غير محسوبة النتائج. لا سيما ان الهدف الأساس من الدعوة الترامبية، هو توريط مصر في مستنقع الحروب، لا سيما انها تقف خلف كل الجبهات، التي تستهدف تمزيق وتفتيت وحدة مصر العربية لتتمكن إسرائيل بالوقوف على رأس اقليم الشرق الأوسط الكبير، ومنها جبهة التكفير الإرهابية في سيناء وعموم مصر، وفي جبهة ليبيا، وجبهة اثيوبيا بالإضافة لجماعة الإخوان المسلمين، وبالضرورة إسرائيل الاستعمارية تقف في الخندق الأمامي مع الولايات المتحدة لتدمير جمهورية مصر العربية. باعتبار ان تفتيتها يشكل المدخل الحقيقي والطبيعي لتمزيق واستباحة كل الوطن العربي المنهك والمثخن بالجراح.
إذاً خيارات الرد المصرية على سد النهضة الأثيوبي تحتاج إلى قراءة معمقة، وبعيدة عن لغة العنتريات، والشعارات الغوغائية. كما تملي الضرورة على القيادة المصرية عدم الاندفاع وراء تصريح ترامب، واستحضار تجربة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي غرر به، عندما اعطته السفيرة الأميركية آنذاك الضوء الأخضر لاحتلال الكويت عام 1990، وكانت النتائج التي نعرفها جميعا، ونعيش آثارها الخطيرة حتى الآن وإلى ان تزول. من المؤكد امام مصر مساحة من الوقت للمناورة، وتدوير الزوايا لإبعاد شبح الحرب عن مصر وعن اثيوبيا وعن افريقيا عموما. دون ان يعني ذلك التفريط بحقوق مصر المائية والضرورية لحياة ومستقبل مصر وشعبها العظيم.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا