“الخريب”

تشير الساعة إلى السادسة والنصف صباحاً، وهذا هو موعد العد الصباحي داخل السجن (سجن الفارعة)، يقتحم ضباط وجنود الاحتلال الإسرائيلي خيام الأسرى ويخرجونهم عنوة من داخلها، ثم يبدأ أحدهم بالعد، ويكرر مرة ثانية وثالثة ورابعة. ماذا هنالك؟ هنالك أسير زائد؟!

إنه العام 1988 وبينما الانتفاضة الأولى في أوج اشتعالها، كان الشبل سميح عرابي يتسلل إلى السجن ويزود الأسرى باحتياجاتهم من طعام وشراب حرموا منه.

وفي إحدى المرات دخل السجن متسللاً قبل موعد العد الصباحي بأقل من نصف ساعة، حيث أدخل معه طعاماً وشراباً وصحفا وكتبا، وعندما حاول الخروج لاحظ بأن الجنود ينتشرون بكثافة في محيط السجن بعدما شعروا بحركة غريبة، وحينها قرر البقاء وانتظار مصيره.

كُشف أمر سميح، وتعرض يومها للتعذيب القاسي والشبح لعدة أيام، ثم حكم عليه بالسجن عدة أشهر.

“عندما كشف أمري تم وضعي في قفص مخصص للدواجن في ساحة الزنازين، وبقيت فيه 3 أيام، وكانوا يعاملونني معاملة الحيوانات، ويوجهون لي الإهانة والشتائم، حيث كنت في وضع القرفصاء طيلة هذه المدة ولم يكن بمقدوري القيام بأي حركة”، يقول سميح عرابي.

عُرف سميح بين أبناء مخيم الفارعة باسم “الخريب”، كونه كان في طفولته مشاكساً، حيث كان لا يمر أسبوع إلا ويكسر إحدى محتويات المنزل، ومن يومها أطلقت عليه أمه هذا اللقب، والذي يعرف به حتى يومنا هذا.

تمتاز شخصية سميح بالحركة الدائمة، ويرفض الانصياع لقيود السجن، فكان ينتظر انتهاء موعد العد الصباحي حتى يتسلل إلى خارج السجن ويقضي ببساطة يومه بين أهله في المخيم ويعود بالمساء قبل موعد العد المسائي.

في أحد أيام مكوث سميح في السجن، جاءه أسير محكوم بالمؤبد طالباً منه مساعدته بتهريبه من السجن، فطلب منه سميح عدة أيام حتى يجهز نفسه ويؤمن له الخروج.

وحينها كان صعباً على سميح الخروج والدخول بفعل تعقد إجراءات الاحتلال في محيط السجن، فطلب من أمه أن تحضر له “قطاعة” في الزيارة التالية، وعندما حل موعد الزيارة، باشر تنفيذ خطته حيث قطع جزءا من السياج المحاذي للخيام، في منطقة لا يمكن أن يشاهدها السجانون، وتمكن من تهريب الأسير.

وجهت أصابع الاتهام لسميح بأن هو من دبر أمر تهريب الأسير، فاختار ضباط الاحتلال معاقبته بإجباره على تناول “قطف” كامل من الموز، ولأن سميح كان في جوع شديد كونه ترك ساعات طويلة دون أكل أو شراب في ساحة السجن، فاضطر لتناوله، لكن لم يحدث له أي مكروه.

يعيل “الخريب” في هذه الأيام أسرة مكونة من 4 أفراد فيهن اثنين يعانون من الإعاقة، ويملك بسطة لبيع المشروبات الساخنة ركنها أمام مركز الشهيد صلاح خلف التابع للمجلس الأعلى للشباب والرياضة، وهو نفسه سجن الفارعة سابقاً.

وسجن الفارعة بناء انجليزي، تم بناؤه في بداية الثلاثينات واستخدم كمقر لـ”البوليس” حتى عام 1948 وبعدها استخدمه الجيش الأردني، ولما احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة، وحوّل لمركز تدريب لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وحسب الإحصائيات الرسمية فإن 250 ألف مواطن فلسطيني اعتقلوا في سجن الفارعة.

وفا- إيهاب الريماوي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا