الرئيسيةمختاراتمقالاتعندما يأخذ عزيز الجزء الأهم من حياتك ويرحل!!

عندما يأخذ عزيز الجزء الأهم من حياتك ويرحل!!

بقلم: باسم برهوم

عشنا معا كخلية نحل في هيئة تحرير مجلة “فلسطين الثورة”، كنا نحلق في السماء، نتعامل مع فلسطين برومانسية مفرطة، كحبيبة متمنعة، نلهث وراءها في محاولة لكسب رفضها كل على طريقته وأسلوبه. خلية تتمتع بحرية التفكير والتعبير، ولم يكن بيننا والحرية أي تناقض، لأننا في زمن الثورة وما فيها من حرية فكرية لا حدود لها، كنا نقول ونكتب بما نفكر. هذه الخلية جمعتها طموحات فردية وجماعية، كانت تتسع وتضيق أحيانا ولكن هناك من بقي مع هذه الخلية لسنوات طويلة.
حسن البطل هو أحد الذين لم يبرحوا المكان حتى لراحة يوم وليلة، كان يعيش بين الأسطر والكلمات يتعامل معها كالساحر يستمتع وهو يقوم بتركيب وصفته السحرية على ضوء شمعة، فهو السيد المتحكم باللغة. كنا في الخلية نتحاور وفي أحيان كثيرة نغضب ونتصارخ، ولكن في نهاية المطاف نتصافى ونواصل العمل، وخلال ذلك جمعتنا ذكريات وتفاصيل منها المفرح ومنها المحزن، وأذكر عندما قطعنا جسر اللنبي في 11 كانون الأول عام 1994 وتوقفت السيارة في أريحا، نزل حسن البطل وأمسك بالتراب، وضحك وقال: انتصرنا على شارون، نحن اليوم في فلسطين. كانت مشاعر متناقضة لكن كانت الفرحة تغمرنا لأن جهودنا لم تذهب كلها هدرا.
كانت الخلية تضم أسماء كثيرة: أحمد عبد الرحمن، إبراهيم برهوم، حسن البطل، سميح سمارة، خالد العراقي، سامي سرحان، محمد سليمان، سليم بركات، مؤيد الراوي، حسني رضوان، عدنان الشريف، حسيب الجاسم، جواد البشيتي، سعادة سوداح، أحمد سيف، علي حسين، يوسف حسن “القزاز”، طلعت موسى، رمضان العصار، طلال همداتي، غسان حسام الدين، منذر عامر، فيصل قرقطي، محمد اليوسفي، صالح هواش، أحمد عبد الحق، محمود خليفة، خالد درويش، ليلى الصايغ، ماري عيلبوني، إياد عبد الخالق، هدى مشهراوي، سلمى العموري، توفيق وصفي، وآخرين لم تسعفني الذاكرة في هذه اللحظة لذكر أسمائهم.
عندما رحل الشاعر فيصل قرقطي عام 2012، شعرت بحزن شديد، رحل وأخذ معه جزءا من حياتنا، ذكرياتنا، وبعد رحيل إبراهيم برهوم، قلت رحل فيلسوفنا وحكيمنا، الذي كان يلجم اندفاعاتنا غير المحسوبة الطائشة، ولكن عندما رحل أحمد عبد الرحمن اختنقت وشعرت أن هامش حريتي قد ضاق، فهو الذي جعل الانفتاح على الأفكار وبلا حدود منهج عمل للخلية. استوعبنا واستوعب أفكارنا المغامرة.
أما حسن البطل فهو المقاتل الميداني الشرس، الذي لم يترك ساحة المعركة يوما، كان كل يوم بالنسبة له كأنه اليوم الأول. حسن هو رجل الظل الذي غطى على عيوبنا المهنية. في قبرص إذا مررت من أمام مكتب فلسطين الثورة في ساعة متأخرة، ترى مكتب حسن مضاء يكتب ويقرأ، وإذا دخلت عليه وتضع يدك على كتفه ينظر إليك مع ابتسامة ويقول: “أهلا .. أهلا “، ويسأل: “شو جابك”. حسن كان صديق الجميع.. الغني بما يمكن أن يعطيك إياه من معارف.
في الأشهر الأولى في نيقوسيا كنا قليلي العدد، لأنه بعد الخروج من بيروت عام 1982 تشتت هيئة التحرير على عدة دول, ولأن قبرص هي مركز نشاط أجهزة المخابرات العالمية وفي مقدمتها الموساد الإسرائيلي، كان الحذر واجبا، وتم تحذيرنا بألا نتنقل فرادى. وفي تلك الفترة كنا قريبين جدا من بعضنا البعض، ونكاد لا نفترق ليس فقط بسبب الإجراء الأمني، ولكن لشعورنا بأننا كنا جزءا بسيطا من ملحمة الصمود في بيروت، وأصبحنا في الغربة في بلد يمتاز بالهدوء والاستقرار القاتل أحيانا، كنا بحاجة لصخبنا الداخلي ليحرك فينا حياة الثورة المفقودة.
حسن البطل أخذ برحيله الجزء الأكثر روعة وبهاء في حياتنا، نحن أفراد خلية الإعلام، أخذ برحيله الذكريات والتفاصيل الصغيرة من طموحات كبيرة لم تكتمل. لمجرد أني كنت أقرأ عموده اليومي أشعر باستمرار الأمل.
نم قرير العين يا حسن.. يا أنبل من فينا في تلك الخلية الاعلامية المقاتلة، لأنك عشت ومت وطنيا فلسطينيا نقيا.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا