الرئيسيةمختاراتمقالاتالقدس.. تحديات وجودية عظمى

القدس.. تحديات وجودية عظمى

بقلم: موفق مطر

القدس جوهر ولب الحق التاريخي والمستقبلي للشعب الفلسطيني، وإدراك التحديات المرتبطة بالقدس، وإفهام العالم بأنه لا استقرار ولا سلام لأحد ما لم تنعم القدس بالسلام الفلسطيني، وإقرار دول العالم بكونها العاصمة الأبدية لفلسطين.
نعتقد أن العد العكسي لموعد انطلاق اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني القادمة والتي نعتبرها مصيرية، فالمجلس بحكم التفويض الممنوح من المجلس الوطني سيقرر طبيعة المرحلة القادمة، وإستراتيجية العمل الوطني، وكيفية توظيف الطاقات الفلسطينية بدون استثناء لتحقيق أهدافها.
المجلس المركزي يمثل في هذه اللحظات التاريخية قوى الشعب الفلسطيني الوطنية، ونعتقد أن لدى كل عضو صورة متكاملة عن التحديات كافة، على صعيد الوطن عمومًا والقدس خصوصًا، ونعتقد أن تركيز المجلس المركزي على التحديات في القدس، والخروج بقرارات حاسمة، توضع مسؤولية تنفيذها على كاهل الأوفياء القادرين على حمل امانة المسؤولية والناجحين في التجارب والامتحانات النضالية، ذلك أن مواجهة التحديات في القدس والتغلب على عوائقها وإزالتها، وتحقيق إنجازات ميدانية فعلية، يلمسها الشعب الفلسطيني واقعًا ماديًا، سيمهد الطريق لمواجهة التحديات على الصعيد الوطني العام، بثقة واقتدار أعظم.
يواجهنا في القدس تحدي الوجود، ومقاومة إستراتيجية منظومة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي العنصري المرتكزة على تطهير عرقي، وتهجير، وأسرلة، وتهويد، واستيطان في كل بقعة منها، داخلها وبمحيطها، هدف الإستراتيجية النهائي اقتلاع المواطنين الفلسطينيين من القدس، ويمكن وصفها أدبيًا باجتثاث قلب الشعب الفلسطيني من جسده.
والخطر يكمن في أن إستراتيجية الاحتلال تتضمن إنهاء الوجود الوطني الفلسطيني، ومحو شواهده وآثاره المادية على الصعد التالية: السياسية، والثقافية، والاقتصادية والاجتماعية، لإنهاء مخطط تهويد المدينة المقدسة، وتغيير وقائع وتفاصيل الخريطة الجغرافية والديمغرافية، وصولاً إلى وضع آخر نقطة في عملية تزوير المدينة.. بعد أن وزعت منظومة الاحتلال الإسرائيلي أدواراً على الكنيست ليشرع قوانين عنصرية طاردة، تكثف الاستيطان، وعلى مؤسسات حكومية وأمنية كالأمن الداخلي، وبلدية القدس المصدرة لقرارات تنظيم عمراني، وكذلك مؤسسة التأمين، والشرطة والمحاكم، العاملة على مصادرة بيوت المواطنين الفلسطينيين وإصدار أحكام بهدمها، وسحب هوياتهم، وإفقارهم عبر إغلاق محلاتهم التجارية، وفرض ضرائب عليهم.
ويواجه شعبنا في القدس تحدي المحافظة على الهوية الحضارية الدينية للقدس، فسلطة منظومة الاحتلال تحاصر الأماكن المقدسة في المدينة بناء (كنس) -جمع كنيس- في حي الشرف وباب السلسلة بقصد جعل قبابها، ليس أعلى من قبتي الصخرة والمسجد الأقصى وحسب، بل لتواريهما وتخفيهما حسب ظن المخطط الإستراتيجي الاستعماري، فالمسجد الأقصى مستهدف مباشرة من تحت الأرض بأنفاق تضعف أساساته وتنذر بانهيارها، وتمتد هذه الأنفاق تحت البلدة القديمة في القدس ما يهدد بانهيارها المفاجئ، وفوق الأرض بصلوات تلمودية، وزيارات يؤديها مستوطنون تحت حراسة شرطة وجيش الاحتلال، في سياق تغيير المشهد التاريخي للمقدسات، وصولاً لفرض تقسيم مكاني وزماني للحرم القدسي.
أما التحدي السياسي يكمن في نقل مؤسسات حكومة منظومة الاحتلال إلى عاصمة فلسطين المحتلة، وتكريس الوجود السياسي الإسرائيلي بالقوة العسكرية فيها، بعد إعلانها عاصمة لكيان منظومة الاحتلال، وإقرار الولايات المتحدة الأميركية بهذا الواقع، ونقل سفارتها إليها، ومنع العمل السياسي الفلسطيني في المؤسسات الوطنية الفلسطينية مثل بيت الشرق ومركز الإحصاء الفلسطيني واعتقال الشخصيات السياسية وقيادات المؤسسات والتنظيمات الوطنية، وزد عليها تحدي التطبيع الرسمي العربي مع منظومة الاحتلال، والزيارات الترويجية السياسية الخطيرة تحت يافطة السياحة.
وتشكل عملية تدمير الحياة الاقتصادية للمقدسيين في القدس عبر إغلاق المحلات التجارية ومحاصرة النشاط الاقتصادي، واستغلال ذلك في خطة تحويل القدس إلى سوق استهلاكية للبضائع الإسرائيلية، والضغط على الطاقة البشرية الفلسطينية الرافعة للحالة الاقتصادية، لتتحول قسريًا إلى سوق العمل، ويد عاملة في قواعد إنتاج الاقتصاد في منظومة الاحتلال الإسرائيلي.
ويكمن التحدي الاجتماعي في مواجهة عملية تفكيك ممنهجة لنسيج المواطنين الفلسطينيين المقدسيين، عبر تخليق ظواهر خطيرة جدًا كانتشار المخدرات وتسهيل الحصول عليها، وغض الطرف عن الجرائم الجنائية، وإشعال الخلافات والنزاعات العائلية والعشائرية وحتى الشخصية، وتشجيع ظاهرة التسرب من المدارس وهجرة مقاعد التعلم والدراسة عبر إغراءات العمل في سوق العمل لدى كيان الاحتلال.
هذه تحديات لا بد من رسم إستراتيجية وطنية شاملة لمجابهتها، وتحديد المهمات والصلاحيات والمسؤوليات، وإقرار مبدأ محاسبة الذين يستهترون بهذه المخاطر ولا ينفذون المهمات بصدق وإخلاص، فنحن بحاجة إلى قرارات واضحة بهذا الخصوص، فالوضع لم يعد يحتمل المبررات، فالقدس في خطر، وأي مكان في فلسطين لن يكون بمأمن إذا تمكنت منظومة الاحتلال الإسرائيلي العنصري الإرهابي من قطع القدس، وقطع شراييننا وأوردتنا عنها.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا