ورقة القوقاز في حرب روسيا على أوكرانيا

أذربيجان وأرمينيا تحاولان تحقيق التوازن في علاقاتهما مع الغرب مع البقاء أيضا على مسافة قريبة من روسيا.

بقلم: نيكولا ميكوفيتش*

أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى نبذ وإقصاء موسكو من المجتمع الدولي، حيث شكل القادة الغربيون جبهة موحدة ضد الرئيس فلاديمير بوتين، ولكن بجوار الحدود الروسية، حيث يتمتع الكرملين بنفوذ أكبر لاسيما في جنوب القوقاز، تهدد التوترات بين اثنين من حلفاء موسكو وهما أذربيجان وأرمينيا بتقويض النفوذ الروسي.

وقبل يومين فقط من إطلاق روسيا هجومها على كييف، التقى بوتين بالزعيم الأذري إلهام علييف في موسكو، حيث وقعا اتفاقية “تحالف وتعاون” من 43 نقطة، والتي عززت شكليا مكانة روسيا في الدولة الغنية بالطاقة، كما جعلت روسيا، حسب تلك الاتفاقية على الأقل، حليفة لأذربيجان ولأرمينيا التي تُعد العدو اللدود لباكو.

وعلى مدى 30 عامًا، عمل الكرملين كوسيط في النزاع بين أذربيجان وأرمينيا حول ناغورني قره باغ، وهي منطقة حدودية جبلية كانت خاضعة للسيطرة الأرمنية، ولكن كان معترفا بها دوليًا كجزء من أذربيجان. وفي عام 2020 انتهت حرب دامية استمرت 44 يومًا باستعادة أذربيجان لسيادتها على جزء كبير من المنطقة وقدمت أرمينيا تنازلات لها، وتعد أرمينيا حليفا لروسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي “سي.أس.تي.أو” والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

ووفقًا لاتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوقيع عليها في شهر نوفمبر 2020، التزمت أرمينيا بإلغاء الحظر على جميع العلاقات الاقتصادية وطرق المواصلات في المنطقة، وسيمكن ذلك أذربيجان من استكمال بناء ممر نقل ناختشيفان (المعروف أيضًا باسم ممر زانجيزور) بحلول عام 2023، مما سيسمح لأذربيجان بربط جمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي عبر أراضي أرمينيا دون المرور بنقاط التفتيش الأرمنية، ويمكن أن يصبح الممر في نهاية المطاف جزءًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، والذي سيوفر طريقًا بريا لأذربيجان إلى تركيا بينما يربط روسيا وأرمينيا عبر أراضي أذربيجان.

ولكن لدى أرمينيا أولويات مختلفة، حيث تنوي بناء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، والذي سيربط البلاد بروسيا مرورا بجورجيا. ويمكن لموقف روسيا الضعيف بسبب حربها في أوكرانيا أن يدفع الكرملين إلى حث أرمينيا على التسريع ببناء ممر ناختشيفان، لكن يريفان قد ترفض، لأنها قد ترى أن اتفاقية “تعاون الحلفاء” بين روسيا وأذربيجان هي بمثابة طعنة في الظهر.

وتنص الاتفاقية الموقعة بين بوتين وعلييف على أن “القوات المسلحة للبلدين ستعمل على تطوير أعمالها المشتركة، من خلال إجراء أنشطة تدريب عملياتية قتالية ثنائية”، وقد تفكر روسيا وأذربيجان أيضًا في تقديم المساعدة العسكرية لبعضهما البعض، والتي يمكن أن تصبح نقطة مهمة إذا تدهور وضع القوة الروسية في حربها في أوكرانيا، والتعاون من هذا النوع سيعطي أذربيجان بلا شك أفضلية أخرى على يريفان.

لكن مشكلة زعماء أذربيجان هي أن الغرب قد يضغط عليهم لفرض عقوبات على روسيا، فقد أوقفت الخطوط الجوية الأذرية وشركتها الفرعية “بوتا إيروايز” جميع رحلاتها إلى الاتحاد الروسي، في حين أوقفت شركة الطيران الحكومية الروسية “إيروفلوت” السفر إلى الخارج، وستفضي هذه الروابط المقطوعة إلى عزل روسيا بصورة أعمق، كما ستؤثر سلبا على الاقتصادين الأرمني والأذري.

وإدراكًا من أرمينيا أن الدعم الروسي يصاحبه شيء من القيود والالتزامات، فقد بدأت في تطبيع العلاقات مع تركيا، وهي الدولة التي يمكن أن تستفيد من عُزلة موسكو، وقد أصبحت أذربيجان وتركيا حليفين رسميّا في شهر يونيو 2021، بعد أن وقع علييف والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إعلان “شوشا” للتعاون المشترك، كما زادت أنقرة من وجودها في القوقاز في أعقاب حرب ناغورني قره باغ.

ومن الناحية الشكلية، تعتبر أذربيجان حليفا لروسيا وتركيا، ولكن من الناحية العملية، فهي قد تميل إلى تعزيز علاقاتها مع أنقرة (حتى مع بقاء موسكو شريكًا تجاريًا رئيسيًا). لكن هذا لا يعني أن أذربيجان ستسمح لتركيا بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها، لأن مثل هذه الخطوة ستعرض علاقاتها مع موسكو للخطر.

وتحاول أذربيجان وأرمينيا حاليا تحقيق التوازن في علاقاتهما مع الغرب مع البقاء أيضًا على مسافة قريبة من روسيا، ولم تفرض باكو ولا يريفان عقوبات على موسكو، ويتجنب البلدان بحذر إدانة الأعمال الروسية في أوكرانيا. ومع ذلك، فقد شاركت شعوبهما في المسيرات المؤيدة لأوكرانيا، حيث تجمعت حشود أكبر في باكو منها في يريفان، وعلى الصعيد الرسمي، التزمت أرمينيا وأذربيجان الحياد تجاه الصراع، وتأملان ألا يمتد القتال إلى القوقاز.

لكن إذا لم تحقق روسيا بسرعة أهدافها العسكرية والسياسية في أوكرانيا، فقد تطالب حلفاءها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي بالانضمام إلى المعركة، وهناك مخاوف بالفعل في أوكرانيا من أن روسيا ستُفعل معاهدة الأمن الجماعي في الحرب القائمة، بينما في أرمينيا، يتوقع بعض المحللين السياسيين أن يضغط الكرملين على يريفان وحلفاء آخرين لنشر قوات في دونباس، حيث ستلعب دور قوات حفظ السلام.

ومن غير المرجح أن تشارك أذربيجان في العمليات العسكرية الروسية، على الرغم من الاتفاق الذي وقع عليه البلدان مؤخرًا، ولا تزال الوثيقة رمزية أكثر من كونها عملية، على العكس من إعلان “سوشا” الذي صادق عليه البرلمان الأذري. وعليه، فإن العلاقات الوثيقة مع تركيا ستسمح لأذربيجان بتجنب استخدامها كأداة من قبل روسيا، كما أنها ستزيد من تعقيد حسابات بوتين في أوكرانيا.

*محلل سياسي صربي

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا