الرئيسيةمختاراتمقالاتصلاح التعمري..نموذج للوطنية الفلسطينية

صلاح التعمري..نموذج للوطنية الفلسطينية

بقلم: باسم برهوم

ما يلاحظ في مسيرة صلاح التعمري، أنها كانت شعلة ثورية متقدة طوال الوقت، لم يتوقف هذا المناضل الكبير عن كونه فدائيا حتى عندما تبوأ المناصب الرسمية، كان يعتقد أن علينا أن نحفر في الصخر كي ننجح في تغيير الواقع، الذي يميل فيه ميزان القوى بشكل كبير لمصلحة إسرائيل. عندما انضم إلى الثورة، إلى فتح في ستينيات القرن العشرين بدأ المسيرة مقاتلا فدائيا، ومنذ ذلك الحين التزم بمسلك الفدائي، التضحية والصمود في خندق المواجهة الأول، وعندما انتقل مع الثورة من الأردن إلى لبنان، اختار أن يتحمل المسؤولية الأهم والأصعب، اختار أن يتولى مهمة تنمية الأجيال الفلسطينية وطنيا، ويزرع في روح الأشبال والزهرات حب فلسطين الوطن، الروح الوطنية.

في لبنان، وخلال اجتياح الجيش الإسرائيلي في صيف عام 1982، اختار التعمري المواجهة وتصدى بشجاعة ومن كان معه من الفدائيين والأشبال إلى الدبابات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني وبقي يقاوم حتى آخر طلقة فأخذه العدو أسيرا. وخلال تجربة الأسر القاسية تحمل صلاح التعمري المسؤولية في إدارة معسكر أنصار قرب مدينة صيدا، الذي كان يضم أكثر من 5 آلاف أسير فلسطيني ولبناني، ولم يتوقف عن خدمة الأسرى حتى تم الإفراج عنه وعنهم.

تجربتي الشخصية، وعن قرب مع صلاح التعمري، في المجلس التشريعي من عام 1996 وحتى عام 2006، عندما كان رئيسا للجنة مواجهة الاستيطان في المجلس، اختار لجنة مواجهة مع الاحتلال، لجنة الصراع على الأرض، لم يختر لجنة ذات بعد داخلي فلسطيني، لعلمه أننا لا نزال نعيش في مرحلة التحرر الوطني، وأن أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال لم تنجز بعد، اختار العمل النضالي الميداني. أذكر عندما نصب خيمته بيديه على جبل أبو غنيم في ربيع عام 1997, في محاولة منه للصمود ومنع أطماع نتنياهو من السيطرة على الجبل واستيطانه، فرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد كان مصرا على إظهار تطرفه وعدائه لاتفاق أوسلو، ومصرا على تدمير كل فرص السلام.

واصل التعمري عمله في اللجنة بكل صلابة وإصرار وكان هو وراء فكرة دعم المناطق المهددة بالاستيطان، عبر رسوم رمزية يسهم بها كل مواطن فلسطيني. أذكر التقارير التي كان يقدمها إلى المجلس، كم كانت علمية وتتصف بالدقة بعيدا عن الشعارات الجوفاء، كان هدفه إظهار الخطر الاستيطاني على حقيقته وكيف يمكن أن نواجهه، كان يدرك أنه لا فرصة للسلام ما دام الاستيطان الصهيوني متواصلا. كان مثل الماكينة لا يهدأ عن العمل في الميدان وفي الإعلام وفي مرافقة القناصل والوفود الدولية الزائرة يشرح لهم بهدوء وثقة مخاطر الاستيطان على مستقبل السلام وعلى حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير على أرض وطنه التاريخي.

أدهشني صلاح التعمري كيف كان يوصل أفكاره بسلاسه، في إحدى المرات كنت أستمع له وهو يخاطب أطفالا عبر إحدى الإذاعات المحلية، ولكي يجعل الأطفال يدركون خطر الاستيطان على مستقبل حياتهم، وهنا أكرر ما قال: الاستيطان ليس مجرد سيطرة على الأرض، إنه محو للذاكرة”، وأضاف مخاطبا الأطفال، إنه عمل تفقد من خلاله غرفة نومك وكتبك المدرسية وألعابك الخاصة، وذكرياتك مع الأهل والجيران ورفاق اللعب والمغامرات الصبيانية البريئة، إنه عمل متوحش يفقدك بيتك وحديقة منزلك وذكرياتك.

صلاح التعمري المناضل والصديق رحل عن عالمنا أمس الأول، لكنه كفدائي ومناضل وفكرة سيبقى معنا إلى الأبد.

لروحك السلام أيها المعلم للوطنية الفلسطينية.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا