الرئيسيةتقاريرصحافةفورين أفيرز: حرب باردة بين روسيا وأمريكا قد تزداد حماوة قريباً

فورين أفيرز: حرب باردة بين روسيا وأمريكا قد تزداد حماوة قريباً

رأى مؤسس ورئيس “مجموعة أوراسيا” أيان بريمر أن الحرب الروسية في أوكرانيا دخلت منعطفاً جديداً حيث باتت التطورات الأخيرة تشكل واقعاً خطراً.

وكتب في مجلة “فورين أفيرز” أن أيام اكتفاء روسيا بتحقيق هدفي “اجتثاث النازية” و”نزع سلاح” أوكرانيا قد ولت وكذلك أيام اكتفاء الولايات المتحدة وحلفائها بمساعدة أوكرانيا على الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها.
تحدثت روسيا عن صراع وجودي شامل مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) واتهم الرئيس فلاديمير بوتين واشنطن وآخرين بمحاولة “تدمير روسيا من الداخل”. وفي مناسبات عدة، هدد القادة الروس باستخدام أسلحة نووية ضد أي دولة تتجرأ على التدخل في النزاع. واتهم الرئيس جو بايدن نظيره الروسي بارتكاب “إبادة جماعية” مشيراً إلى أنه “لا يمكنه البقاء في السلطة”. وقال وزير دفاعه لويد أوستين إنّ الولايات المتحدة تسعى إلى “إضعاف روسيا” إلى درجة تمنعها من تهديد جيرانها في المستقبل. بحسب بريمر، انتهك القادة على ضفتي النزاع سلسلة من الخطوط بشكل يصعب التراجع عنه. نتيجة ذلك هي حرب باردة بين روسيا وخصومها أقل عالمية مما كانت عليه في القرن العشرين، لكن أيضاً أقل استقراراً وإمكانية للتنبؤ بمساراتها.

أقل وأكثر خطورة في آن
إن التنافس الناشئ بين روسيا والولايات المتحدة سيكون في الوقت نفسه أقل وأكثر خطورة من التنافس مع الاتحاد السوفياتي. يعود أحد أسباب ذلك إلى أنه وبالرغم من ترسانتها النووية ومواردها الطبيعية الشاسعة، تمثل روسيا تهديداً عسكرياً أقل لواشنطن بالمقارنة مع تهديد الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية. وفر الغزو الروسي لأوكرانيا نظرة عن كثب إلى أوجه قصور موسكو العسكرية. وكان الاقتصاد الروسي أصغر من اقتصاد مدينة نيويورك لحظة الغزو. كان ذلك قبل أن تجبر عقوبات الأمريكيين وحلفائهم الاقتصاد الروسي على الانكماش بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15% في 2022 وفقاً للتوقعات.
على عكس الاقتصاد الموجه للاتحاد السوفياتي والذي عزل البلاد عن الحرب الاقتصادية، ازدادت روسيا بوتين اعتماداً على التجارة الأجنبية والاستثمار. هي تجهد الآن للإيفاء بديونها الدولية. بالتأكيد، يمكن لروسيا أن تستخدم الاعتماد المتبادل كسلاح لمصلحتها كما فعل الكرملين حين أوقف صادرات الغاز إلى بلغاريا وبولندا. لكن بينما تستطيع أوروبا النجاة، وستنجو من فك الارتباط مع روسيا، تظل خيارات موسكو الاستراتيجية أكثر محدودية بكثير.
خلال القرن العشرين، اكتسب الاتحاد السوفياتي أصدقاء ومعجبين حقيقيين بفعل جاذبيته الآيديولوجية ومن ضمنهم كوبا ونيكاراغوا ومصر وسوريا وكمبوديا وفيتنام وإثيوبيا وموزمبيق. لدى روسيا اليوم فقط زبائن ومعتمدون عليها. بالرغم من أن دولاً عديدة، بما فيها ديموقراطيات منخفضة ومتوسطة الدخل مثل البرازيل والهند وإندونيسيا والمكسيك، تبقي على حيادها وتواصل التعامل التجاري مع موسكو، دافعت فقط بيلاروسيا وإريتريا وكوريا الشمالية وسوريا عن غزو روسيا لأوكرانيا في الأمم المتحدة.

ماذا عن الصين؟
أضاف بريمر أن لبكين نفسها قيمة محدودة كحليف لروسيا. يظل الرئيس الصيني شي جينبينغ أكثر اهتماماً بكثير بمستقبل الصين ومستقبله الشخصي من اهتمامه بمستقبل بوتين. بالتأكيد تشاطر بكين موسكو رغبتها في دحر ما تراه العاصمتان جهوداً أمريكية وأوروبية لاحتوائهما، ومن غير المرجح أن يدين شي سلوك روسيا طالما لم يتم استخدام أسلحة كيميائية أو نووية.
لكن من الواضح أن ثمة حدوداً للدعم الصيني لبوتين. قد تكون الصين قوة تنقيحية مصممة على تقويض هيمنة الولايات المتحدة لكن لبكين مصلحة هائلة بالحفاظ على الاستقرار العالمي. تعتمد شرعية شي والحزب الشيوعي الحاكم على استمرار النمو الاقتصادي وهو يعتمد بدوره على العلاقات البراغماتية مع أكبر شركاء بكين في أوروبا واليابان والولايات المتحدة. لذلك، من غير المرجح أن تخاطر الصين بالمواجهة عبر انتهاك علني للعقوبات الغربية أو عبر توفير دعم عسكري مباشر لموسكو.
تنطبق حدود مماثلة على التجارة. بالرغم من أن بكين وموسكو حليفتان طبيعيتان، بما أن الصين تحتاج للنفط والغاز والمعادن الروسية بينما تحتاج روسيا بشدة للسيولة الصينية، يبقى أن البنية التحتية الضرورية في روسيا لتحويل الصادرات من أوروبا إلى الشرق بحاجة لاستثمارات مالية ضخمة وطويلة المدى. لكن النمو الاقتصادي الصيني يتباطأ أصلاً وستريد الصين انتزاع شروط تجارية مؤاتية جداً من موسكو كي تنفق هكذا استثمارات. لكن هنا تتوقف الأنباء الجيدة لواشنطن وحلفائها وفقاً لبريمر.

نقاط سلبية لأمريكا
بعكس ما كانت عليه الحال في القرن العشرين، الولايات المتحدة اليوم هي العضو الأكثر معاناة من الانقسام السياسي والاختلال الوظيفي بين دول مجموعة السبع. بالرغم من أن الديموقراطيين والجمهوريين متفقون الآن على أن أوكرانيا تستحق الأسلحة وروسيا تستحق العقوبات وبالرغم من اتفاقهم على ضرورة تجنيب بلادهم مواجهة مباشرة مع روسيا، لن تدوم هذه الوحدة السياسية الداخلية طويلاً.
مع اقتراب الانتخابات النصفية، سيسلط الجمهوريون الضوء على الارتفاع الصاروخي لأسعار الغاز والتضخم القياسي مع اتهام بايدن بالضعف وبـ”خسارة أوكرانيا”. بالمقابل، سيحاول الديموقراطيون ربط الجمهوريين بالإعجاب الطويل المدى الذي أظهره الرئيس السابق دونالد ترامب ببوتين وبتشكيكه بالناتو. وسيتساءل الأوروبيون عن حق حول كيفية تغيير الانتخابات المقبلة نهج واشنطن تجاه روسيا والتحالف العابر للأطلسي خصوصاً إذا ظهر ترامب كمرشح جمهوري لانتخابات 2024 الرئاسية.

خطر آخر
ذكر الكاتب أن عنصراً خطراً آخر يكمن في تشدد الخطاب عن التنافس الآيديولوجي بين الديموقراطيات والأوتوقراطيات. دافع بايدن وبعض القادة الأوروبيين عن طرد روسيا من مجموعة العشرين. بالرغم من المزاعم الساخرة التي تقول إن هذه المجموعة ليست سوى فرصة لالتقاط صورة جيوسياسية، أثبت ذلك المنتدى قيمته خلال أزمة 2008 المالية العالمية حين وفر مساحة حيوية لجمع دول ذات أنظمة سياسية وقيم آيديولوجية مختلفة. لكن بايدن لا يرى حاجة كبيرة للتعاون العابر للحدود الآيديولوجية.
عوضاً عن تصوير النزاع في أوكرانيا على أنه محاولة لمواجهة حرب عدوانية، صورها الرئيس كـ”معركة بين الديموقراطية والأوتوقراطية”. لا يمكن لشي أن يحب هذه النغمة وسترفض الصين بشكل طبيعي جهود طرد روسيا من مجموعة العشرين. وخلال القمة المنتظرة للمشروع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سيكون على بايدن وحلفائه الاختيار بين تقاسم الطاولة مع الأوتوقراطيين مثل بوتين وشي أو جعل مجموعة العشرين معطلة وظيفياً في وقت تتطلب التهديدات الدولية مثل التغير المناخي والأوبئة وانتشار التكنولوجيا المعرقلة تحركاً جماعياً. إن احتمال انهيار التعاون الدولي المتعدد الأطراف أكبر خطر منفرد يهدد النظام العالمي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

واقع ظاهره فقط مريح
ثمة سبب أخير لإمكانية أن تكون هذه الحرب الباردة أخطر من تلك التي سبقتها وهو الاحتمال المتزايد للجوء روسيا إلى حرب سيبيرانية مدمرة بشكل فعلي. بصرف النظر عن غياب التماثل بين موسكو وواشنطن في عناصر القوة التقليدية، تعد الأسلحة الرقمية الأعلى تطوراً لروسيا أكثر زعزعة للاستقرار من الصواريخ النووية التي هددت الولايات المتحدة وأوروبا في الثمانينات. لا يمكن للأسلحة السيبيرانية قتل الناس فوراً لكنها تبقى عالية التدمير وقادرة على إلحاق ضرر خطير بالأنظمة المالية وشبكات الطاقة الكهربائية وبنى تحتية أساسية أخرى. الأهم من ذلك أن الدول أكثر استعداداً بكثير لاستخدام الأسلحة السيبيرانية عوضاً عن أسلحة الدمار الشامل لأنها أسهل للبناء وللإخفاء ولأن تطوير إمكانات ردعها قريب من المستحيل. يجب على واشنطن ألا تشعر بالارتياح تجاه واقع أن بوتين لم يستخدم أكثر هذه الأسلحة تدميراً. يستغرق التخطيط لشن هجمات سيبيرانية فعالة أشهراً وربما سنوات وحرب أوكرانيا بدأت للتو وفقاً لبريمر.

أين حواجز الحماية؟
مع ازدياد حماوة الحرب الباردة، يجب على القادة البدء بالتفكير في تأسيس حواجز حماية لمنع الحرب من التحول إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو. اليوم، ما من معادل لمعاهدة الحد من القوى النووية المتوسطة المدى وما من مسار للتفاوض بشأن معاهدة جديدة وتنفيذها. ثمة القليل من الثقة بين الرئيس الروسي والحكومات الغربية ويصعب تخيل كيفية بناء ما يكفي من الثقة لصياغة قواعد ومؤسسات جديدة. مجلس الأمن الدولي معطل بشكل لا يمكن إصلاحه، وبغياب بدائل واقعية في الأفق، إن أفضل ما يمكن للقادة فعله هو مواصلة التحدث بصراحة واحترام حول الفرص المحتملة للحد من الأضرار المتزايدة بسرعة والتي يمكن للمواجهة بين روسيا والغرب أن تلحقها بالعالم.
مع ذلك، يواصل القادة الأمريكيون والأوروبيون فرض عقوبات تزداد قساوة وإرسال أسلحة فتاكة إلى كييف ومشاركة المعلومات الاستخبارية مع الجيش الأوكراني وتشجيع المزيد من التوسع الأطلسي والحديث عن مستقبل أوكرانيا الأوروبي. بالنسبة إلى الكاتب، هم يتحدثون عن رفضهم إرسال قوات أطلسية إلى الأراضي الأوكرانية وعن رفضهم فرض منطقة حظر جوي كأنهما سيحدان من مخاطر الرد الروسي. في الواقع، يرى بوتين جميع هذه الخطوات بمثابة أعمال حرب. قد لا يكون لروسيا إمكانات الرد بقوة كبيرة، لكن كلما طالت الحرب سيصعب أكثر على كل طرف منع التصعيد نحو نزاع أوسع.

حرب جديدة مفتوحة
حتى لو تم إقناع بوتين بإنهاء الحرب عبر تصوير عملية استيلاء صغيرة على أراض شرقي أوكرانيا انتصاراً تاريخياً لروسيا، ما من إمكانية للعودة إلى الاستقرار النسبي الذي كان موجوداً قبل 24 فبراير (شباط). ستكون الحرب الباردة الجديدة مفتوحة: سوف تظل روسيا مثقلة إلى أجل غير مسمى بالعقوبات الغربية وستتمتع بروابط تجارية قليلة مع أوروبا بما قد يشجع على ضبط النفس. وإذا شعر بوتين بالإهانة فمن المرجح أن يختبر حزم الناتو. قد تهاجم روسيا أرتال الأسلحة ومراكز التدريب ومستودعات التخزين التابعة للحلفاء في أوكرانيا. ويمكن أن تشن هجمات سيبيرانية محدودة ضد البنى التحتية الأمريكية والأوروبية. وقد تقطع إمدادات الغاز إلى المزيد من الدول الأوروبية وتقيد صادرات السلع الحيوية. ووسط أزمة اقتصادية متصاعدة، سيكون قادة الناتو تحت ضغط هائل للرد على هذه الاستفزازات بالمثل وهو يعد مخاطرة بالمزيد من التصعيد.
إذا خسر بوتين دونباس ووجد أنه يستحيل إعلان الانتصار في الداخل، فستتصاعد مخاطر التصعيد أكثر. قد تفكر روسيا في استخدام أسلحة كيميائية لتغيير المد أو في مهاجمة منشآت الناتو في بولندا. يمكن أن يرد القادة في الولايات المتحدة وأوروبا عبر شن هجمات مباشرة على أصول روسية في أوكرانيا أو عبر تأسيس منطقة حظر جوي. وقد تزيد واشنطن حملة عقوباتها فيتوقف تدفق الغاز إلى أوروبا فوراً.
سيتعرض الطرفان لإغراء شن هجمات سيبيرانية مدمرة على البنى التحتية الحيوية المتقابلة. بالرغم من عدم أرجحيته، إن استخدام الأسلحة النووية ونشر القوات الأطلسية لم يعودا أمرين غير قابلين للتصور. من دون حواجز حماية، لا يمكن قول إلى أين يقود هذا المنطق الجديد.

موقع 24 الاماراتي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا