الرئيسيةمختاراتمقالاتالذاكرة الجمعية: الماضي والحاضر والمستقبل

الذاكرة الجمعية: الماضي والحاضر والمستقبل

بقلم: فيحاء عبد الهادي

«قال: اكتب ليخضرّ السراب/ فقلت: ينقصني الغياب/ وقلت: لم أتعلم الكلمات بعد/ فقال لي: أكتب لتعرفها/ وتعرف أين كنت، وأين أنت/ وكيف جئت، ومن تكون غداً/ ضع اسمك في يدي واكتب/ لتعرف من أنا، واذهب غماماً في المدى/ فكتبت: من يكتب حكايته يرث أرض الكلام، ويملك المعنى تماماً».
محمود درويش
—-
ما الذي يجعل هناك ضرورة قصوى لتوثيق تاريخنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي؟
ولمَ يتوجب علينا أن نكتب حكايتنا؟
ما الذي يفيدنا حين نسلط الضوء على الماضي؟ هل يضيء الماضي على الحاضر؟ وهل يفيد في استشراف المستقبل؟
كيف يمكن أن يؤدي استلهام الذاكرة إلى تعزيز قيم التضامن والدفاع عن القضايا العربية؟
وكيف تكون القدس نموذجاً لتواصل الأجيال للتعاون العربي؟
وكيف يمكن للثورة الجزائرية «ثورة الأول من نوفمبر 1954» أن تكون نموذجاً لترسيخ وعي الدول والشعوب العربية في النضال المشترك؟
وإذا كانت لدينا ذاكرة فردية وذاكرة جمعية، فهل لدينا ذاكرة تاريخية فحسب؟ أم لدينا ذاكرة حضارية؟ تواصلية؟ ذاكرة إبادة؟ اعتراف؟ أم ذاكرة عدالة؟
وكيف تكون الذاكرة سلاحاً للمرأة الفلسطينية في الماضي والحاضر والمستقبل؟
وهل يكون التواصل بين الأجيال ضمانة ولبنة أساسية في دعم العمل العربي المشترك؟
وكيف يمكن أن تسهم الثورة الرقمية وفضاءات التواصل الاجتماعي في مدّ الجسور بين الأجيال؟
كانت هذه هي الموضوعات التي طرحها وناقشها متدخلين/ات من السودان، والجزائر، وسلطنة عمان، وفلسطين، يوم 12 أيلول 2022، بتنسيق من مشارك من الكويت، وبتفاعل ونقاش واسع من الحضور، ضمن الجلسة الثالثة، من جلسات «منتدى تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك»، من تنظيم المرصد الوطني للمجتمع المدني في وهران/الجزائر، وعنوان الجلسة «إحياء الذاكرة والتواصل بين الأجيال خدمة للعمل العربي المشترك».
*****
متى يستحضر الأفراد الذاكرة؟ وكيف تتكوّن الذاكرة الجمعية للشعوب؟
الحاضر يستدعي الماضي، خاصة إذا كان الحاضر يشهد تمزقاً وتشظياً، كما هو الحال في الصفّ العربي.
ماذا حدث أولاً؟ من المهم المعرفة التفصيلية للأحداث المفصلية في تاريخ الشعوب، كما شهدها وشهد عليها من عاشوها، نساء ورجالاً.
وحين نروي ما حدث لنا ولغيرنا، نفهم ذواتنا أكثر. نحن نتذكر بالحاضر، فالحاضر والماضي متلازمان، وهذا يساعدنا على فهم المستقبل. ومعرفة الأحداث المفصلية لنا تفضي إلى سؤال منطقي لاحق: كيف حدث؟ ثم من المسؤول عمّا حدث؟
وعبر السرد الذي يتحول إلى حكاية، يعرف الإنسان ذاته، ويفهمها أكثر، كما يساعده السرد على معرفة الآخر. الذاكرة الجمعية ليست حنيناً جمعياً إلى الماضي، «هي منهجية تساعدنا على إدراك متى وكيف تُسهم الذاكرة الجمعية في صياغة الحاضر والمستقبل معاً».
وما أحوج بلادنا العربية إلى الاهتمام بدراسات الذاكرة، التي تجمع بين تخصصات علمية سوسيوثقافية؛ (تاريخية وسوسيولوجية وأدبية ونفسية وفلسفية) تساهم في الإطلالة العلمية على الماضي بتقنيات الحاضر، وتستجيب لتحديات العصر، وتمثلات المستقبل.
*****
في تطبيق عملي لدور الذاكرة الجمعية في حياة الشعوب، زرنا ضريح الشهيد، وزرنا المتحف الوطني للمجاهد، في الجزائر. رفعنا رؤوسنا عالياً لنحلِّق مع أوراق النخيل الثلاث، التي تتحد في منتصف ارتفاع النصب التذكاري، ومع كل تمثال يعبِّر عن حقبة من حقب حرب التحرير الثلاثة، وخطونا بكل احترام وإجلال وحب نحو المتحف، الذي يحتوي الوثائق والشهادات، وكل ما يتعلق بفترة ثورة التحرير الوطني، مع حفظ وترميم هذه الموجودات الثمينة، وفق مقاييس علمية ومهنية، كما يحتوي كتيبات ونشرات ووسائل سمعية وبصرية، ويعمل على تنظيم معارض وندوات مختصة، تسلط الضوء على محتويات المتحف الثمينة.
لفّنا التاريخ، ومشينا معه خطوة خطوة، وأحاطتنا صور أقمار الجزائر/شهداءها، نساء ورجالاً.
كانت الرواية الجزائرية تنساب من عيون المناضلات والمناضلين فصلاً فصلاً، تذكِّر وتلهم وتعلِّم وتعاتِب.
تذكِّر بتاريخ مشرِّف عصيّ على النسيان، تاريخ الثورة الجزائرية، ونضال الشعب الجزائري بأشكاله كافة، الشعبي والمسلح، والذي أدّى إلى طرد المستعمر، والنصر، وتحقيق الاستقلال الوطني.
وتلهم الشعب الفلسطيني، الذي يناضل منذ وعى لمؤامرة اقتلاعه من أرضه عام 1948، ضد الاحتلال الاستعماري الاستيطاني التوسعي، مستخدماً وسائل المقاومة كافة، وعينه على تحقيق النصر والاستقلال.
وتعلِّم الأجيال العربية ألا يثقوا بالمحتلّ والمستعمر، وأن يثقوا بأنفسهم/ن وبقدراتهم/ن، ويحدّدوا أهدافهم وتحالفاتهم العربية والدولية بوضوح، وأن يعرفوا أن طريق الحرية معبّد بالأشواك.
وتعاتِب، والعتاب حق للمناضلات الجزائريات، اللواتي أثبتن شجاعتهن وإقدامهن، ووقوفهن جنباً إلى جنب مع رجال الثورة لتحرير الوطن وطرد الاستعمار، وتحمّلن صنوف التعذيب والاغتصاب والقتل، ومع ذلك لم يجرِ الاعتراف بمكانتهن بعد التحرير كما يليق بهن وبنضالاتهن، ولم يتبوّأن مواقع قيادية كشريكات للرجال في بناء الوطن، كما كنّ شريكات في معركة التحرير.
*****
يبقى سؤال مهم ورئيس وحيوي: هل يمكن أن تكون الذاكرة (المادية واللامادية) وسيلة تواصل بين الأجيال؟ وكيف يمكن للجيل الرقمي، الذي يتواصل عبر فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، أن يدعم العمل العربي المشترك؟
أعتقد أن أهم ما يمكن أن يضمن التواصل بين الأجيال ارتفاع سقف الحريات في العالم العربي، والعمل الديمقراطي، كي يكون الشباب شركاء في مواقع صنع القرار كافة، بالإضافة إلى أهمية فتح المجال أمامهم/ن للعمل، والتنقل بين البلاد العربية.
وهناك أهمية كبرى لتوظيف الذاكرة العربية في الفنون كافة، ما يضمن التواصل بين الأجيال، فليس أسرع ولا أعمق من الموسيقى، والأدب، والفن التشكيلي، والمعارض الفنية، والمسرح، والسينما، وعروض الحكي، من الدخول إلى عقول وقلوب الشباب، والتأثير فيها.
فلنثق بشاباتنا وشبابنا، ولنفتح لهم/ن المجال كي يقدّموا إبداعاتهم/ن، ولنحتضنها، كي نستفيد من الطاقات البشرية الهائلة التي يملكها الشعب العربي، ونبني معاً مستقبلاً يليق بماضي أمتنا العريق، وحضارتنا الممتدة.

faihaab@gmail.com
www.faihab.com

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا