الرئيسيةتقاريرملف/دراسةسموتريتش وإنكار وجود الشعب الفلسطيني: ليس مجرد هلوسة

سموتريتش وإنكار وجود الشعب الفلسطيني: ليس مجرد هلوسة

كتب: رازي نابلسي

ليس من السهل أبداً أن يبرز سياسي في إسرائيل بسبب مواقف عنصرية. فالعنصرية في السياسة الإسرائيلية مركّباً أساسياً، حتى أنها أساس نجاح كل حملة انتخابية، بدءاً من حملات نتنياهو المتتالية المحرّضة على العرب، مروراً بليبرمان، ووصولاً إلى بن غفير. وعلى الرغم من ذلك، فإن وزير المالية والوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش استطاع أن يبرز في العناوين الرئيسية للصحافة المحلية الإسرائيلية والفلسطينية والدولية أيضاً؛ بعد أن دعم حرق قرية حوارة، وأنكر كلياً وجود الشعب الفلسطيني، وهو يقف فوق منصة عُلّقت عليها صورة “أرض إسرائيل الكاملة” الممتدة على ضفتيْ نهر الأردن. للوهلة الأولى، كان إنكار وجود الشعب الفلسطيني يبدو أقرب إلى الهلوسة، إلّا إن قراءة سيرة هذا الوزير وقناعاته، تشير في الحقيقة إلى أن الهلوسة هي في تجاهُل إنكاره لوجود الشعب الفلسطيني-أو التعامل مع هذا الإنكار بسخرية واستخفاف، ذلك بأن رؤيته السياسية تأسست على هذا الإنكار، ويعود ليؤكد، المرة تلو الأُخرى، أنها “عملية”-وقابلة للتطبيق.[1]

إذاً، من هو سموتريتش؟ ستكون هذه المادة بمثابة “بروفايل عام” للوزير؛ تراجُع المحطات الرئيسية التي أثّرت في مساره السياسي، وخلفيته العائلية، المهمة أيضاً، بالإضافة إلى رؤيته السياسية كما خطّها فيما يسمى “خطة الحسم”، ونُشرت في مجلة “هشيلوح” في سنة 2017. هذا بالإضافة إلى تبيان مكانته في السياق العام لتطوُّر المشروع الاستعماري في فلسطين، فهذه ليست المرة الأولى التي يضع فيها سياسي إسرائيلي خطة أقل ما يقال عنها إنها إجرامية، لكن ما يميز هذه الخطة درجة تماشيها مع الواقع الذي فرضه الاحتلال في فلسطين-فتبدو كأنها تطبَّق فعلياً في الضفة. ومنذ البداية، يجب الإشارة إلى أن سموتريتش يُعدّ من أبرز القادة الاستراتيجيين و”الأذكياء” في “الصهيونية الدينية”، على عكس بن غفير مثلاً، الذي يُعتبر مراهقاً وشعبوياً، وهو ما يجعله أكثر خطورة وتركيباً. أما أكثر ما يمكن الانتباه إليه في رؤية سموتريتش، كما تظهر في الخطة، وأيضاً في مقابلات عديدة أجراها، فهو استناده الكبير إلى النكبة، كنموذج لهذا الحسم الذي يراه “ممكناً”.

وُلد سموتريتش سنة 1980 في مستوطنة “خسفين” جنوب الجولان السوري المحتل-وهي تكتُّل مستوطنات ذات طابع ديني-قومي، تجمع ما بين الحداثة والعمل الحر، وبين التديّن، وتُعَدّ مركزاً لتيار “الصهيونية الدينية”[2] -وهو ما ينطبق على سموتريتش الذي يؤكد أنه متدين، لكنه عملياً يؤمن في الوقت نفسه بـ”أرض إسرائيل الكاملة”، ولا يرى الخط الأخضر نهائياً، بل يعتبره خطأً استراتيجياً، ويطالب بضم الضفة الغربية برمتها، بكافة تصنيفاتها. والده هو الحاخام حاييم سموتريتش، كان مقرباً من الأب الروحي لـ”الصهيونية الدينية”، الحاخام تسفي يهودا كوك، وكان من النواة التوراتية التي أرسلها الراف كوك لتأسيس مستوطنات في الجولان، وكان أيضاً رئيس المدرسة الدينية فيها. وبعدها، انتقلت العائلة إلى مستوطنة “بيت إيل” التي تحاصر محافظة رام الله والبيرة، وتُعَدّ إحدى أكثر المستوطنات قرباً من مناطق (أ)، وتقع في وسط منطقة ذات كثافة سكانية فلسطينية عالية. كبر سموتريتش في بيت إيل، بعد أن كان والده مدرساً دينياً فيها لمدة 15 عاماً، لينتقل بعدها إلى تعليم التوراة في مستوطنات جبال الخليل، وأخيراً النقب.[3] أما سموتريتش نفسه، فبقي في مستوطنة “بيت إيل”، ولا يزال يسكن فيها حتى الآن. أما ما يزيد في ارتباط سموتريتش بالتيار وقيادته الدينية، فهي حقيقة أن مَن دفع بسموتريتش وطلب منه الدخول إلى السياسة، كان زعيم حاخامات الصهيونية الدينية الراف حاييم دروكمان، المعروف بمواقفه العنصرية ضد العرب، وطالب سابقاً بحرق بلدة بيتا الفلسطينية، توفي في أواخر العام الماضي، وكان ناشطاً فاعلاً في حملته الانتخابية بعد الانشقاق عن نفتالي بينت وأييلت شاكيد.

محطات مركزية: من “فك الارتباط” حتى منصور عباس

يرتبط اسم سموتريتش، عادةً، بحدثين مركزيين سياسياً: أولاً، “فك الارتباط” عن قطاع غزة. إذ كان من أبرز المعارضين للانسحاب الإسرائيلي من مستوطنات قطاع غزة، واعتُقل برفقة مجموعة من المستوطنين الذين خططوا لتنفيذ هجمات وعمليات ضد قوات الجيش الإسرائيلي، ويشير بعض المصادر إلى أنه وُجدت مئات الليترات من الوقود والزيت المحروق في حوزته، إذ كان خطط مع مجموعته لإغلاق الطرقات المركزية وسكب الزيت عليها.[4] وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن “فك الارتباط” كان لحظة تأسيسية في علاقة “الصهيونية الدينية” بالدولة، واتخذت بعده قرارها الاستراتيجي، التغلغل في مؤسسات الدولة-وبصورة خاصة الأمنية والسياسية-لمنع أي عملية إخلاء مستقبلية لمستوطنات الضفة الغربية وإعادة سيناريو غزة. لذلك، يجب قراءة وصول سموتريتش إلى وزارة المالية ووزارة الأمن، وسابقاً وزارة المواصلات، في هذا الإطار. وهذا أيضاً لا يخفيه سموتريتش في “خطة الحسم”، فيقول إنه “يجب خلق واقع لا يمكن العودة عنه في الضفة الغربية.”

ثانياً، حتى انتخابات الكنيست الـ24-التي جرت في سنة 2021، كان سموتريتش لا يزال شخصية ثانوية تدور في فلك الثنائي نفتالي بينت وأييلت شاكيد في إطار حزب “البيت اليهودي”. حينها، قرر بينت تفكيك الحزب وتأسيس حزب جديد تحت اسم “يمينا”، وكان الهدف من هذا الانفصال التحرر من سيطرة الحاخامات الدينية وبناء قوة سياسية تتخطى حدود نخبوية “الصهيونية الدينية”، وتتوجه إلى ما يسمى “المينستريم” اليميني الإسرائيلي. رفض سموتريتش الذهاب معهما، وقرر إعادة إحياء “الصهيونية الدينية” كحزب سياسي، وتحالف لاحقاً مع بن غفير وحزب “نوعام” الديني، وخاضوا الانتخابات سوياً. كانت هذه المرة الأولى التي انفصل فيها سموتريتش عن بينت وبدأ مشواره الخاص كزعيم للصهيونية الدينية.

بعد هذه الانتخابات، حدث تطوران غاية في الأهمية بالنسبة إلى مسيرته السياسية، ومرتبطان ببعضهما: الأول، منع سموتريتش نتنياهو من إقامة حكومة بدعم من “القائمة الموحدة- الحركة الإسلامية الجنوبية”، فوقف ضدها بحسم، وأقنع الحاخامات الدينية بمعارضتها، بادّعاء أن إقامة حكومة في إسرائيل بدعم من “الحركة الإسلامية” هي خطر استراتيجي يمنح العرب قوة غير مسبوقة، ويفتح الباب أمام تحكُّم العرب بمصير الدولة؛ أما الثاني، فهو قيام شريكه السابق، بينت، بتأليف حكومة تناوُب مع يائير لبيد، بمشاركة الحركة الإسلامية، وهو ما أبعد اليمين الديني- والقومي إلى صفوف المعارضة. لاحقاً، قاد اليمين حملة ضد الحكومة كان عنوانها “حكومة الإخوان المسلمين”، وهو ما جعل من سموتريتش، الذي عارضها منذ البداية، نجماً، باعتبار أنه هو الذي كان على حق، حين منع نتنياهو من الوقوع في هذا “الخطأ”. وعملياً، في النتيجة النهائية: انسحب بينت وشاكيد من السياسة؛ وتحول سموتريتش إلى زعيم “الصهيونية الدينية” الرسمي-الذي كان على “حق”.

“خطة الحسم”: لا خطة من دون الإنكار

في إحدى المقابلات المطولة التي أجراها سموتريتش في سنة 2016 مع صحيفة “هآرتس”، يذكر أنه “لا يقول إلا الكلمات التي يعرف معانيها وأبعادها.”[5] أما ما يؤكد أنه كان يعي جيداً ما يقول عندما أنكر وجود الشعب الفلسطيني، موجهاً حديثه إلى الإيليزيه والبيت الأبيض بصورة خاصة، فهي قراءة خطته السياسية تحت عنوان خطة الحسم. فالخطة تمنح الفلسطينيين 3 خيارات أساسية: إما قبول مكانة “الأغيار” والعيش في الدولة اليهودية والتنازل عن حقوقهم القومية؛ وإما الهجرة التي ستساعدهم فيها الدولة؛ وإما المقاومة، وهو ما على الجيش أن يحسمه بالقوة، و”يخضعهم”، بحسب تعبيره. وككلّ خطة استراتيجية، عليها أن تنطلق من الأمر الواقع، تشخّصه وتحلّل ظروفه، وفي هذا السياق، تتأسّس خطة سموتريتش على فرضية أساسية تقوم على التالي: لا يوجد شعب فلسطيني؛ الشعب الفلسطيني هو مجرد ردة فعل على الصهيونية؛ وهناك شبه قبائل فلسطينية غير مرتبطة ببعضها البعض، ولكلّ منها ظروفها، ويقسّمها إلى خمس، بحسب المحافظات في الضفة الغربية، حيث يغدو لكل محافظة حكمها الذاتي الملائم لنظرياته الاستشراقية عنها.

للوهلة الأولى، كان يبدو أن سموتريتش يهلوس حين أنكر وجود الشعب الفلسطيني. أما حين يتم التعامل مع هذا الإنكار في إطار خطة، فيصبح تأسيسياً وضرورياً لفهم الخطة كلها لاحقاً، في تسلسُل منطقي يجعل هذا الإنكار هو الجوهر، وتسقط الخطة إن لم يكن قائماً. وهو أيضاً ما يفسّر توجيه الإنكار مباشرة إلى فرنسا والولايات المتحدة، في رسالة إلى مَن لا يزال يؤمن بـ”حلّ الدولتين”، تفيد بأنه لا يوجد شعب، وبالتالي لا يوجد حق تقرير مصير، ولا تطالبوننا بمنحه دولة مستقبلاً. أما العامل الثاني الذي يجب الانتباه إليه في “خطة الحسم”، وأيضاً في المقابلة المطولة وغيرها، فهو الوصول دائماً إلى سنة 1948، باعتبار أنها السنة التي نجحت فيها خطة الحسم، وهي السنة التي تثبت أنها ممكنة وعملية، كما تنص الخطة حرفياً: “عندما لا يتبقى لهم أمل، أو رؤية، سيتماشون كما تماشوا في سنة 1948.”

لطالما كان الأمل مركّباً مركزياً في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين: هل يولّد الأمل المقاومة؟ أم انعدام الأمل هو الذي يولّد المقاومة؟ هذا النقاش هو النقاش الأساسي بين “اليمين” و”اليسار” في إسرائيل، حيث يرى اليمين أن المفاوضات تمنح الفلسطيني الأمل بالتخلص من الصهيونية، ولذلك يقاوم؛ في الوقت الذي يرى “اليسار” أن الأمل يجعله يبتعد عن المقاومة، وهو أساس نظرية “الجدار الحديدي” أيضاً. سموتريتش يأخذ الأمل إلى أبعد من ذلك، فبالنسبة إليه، “اليسار” فشل، وأيضاً فشل نتنياهو في إعدام الأمل الفلسطيني لأنه حافظ على “إطار” حلّ الدولتين على الأقل، ويقترح أبعد من ذلك: النكبة من جديد. وذلك استناداً إلى السنوات الأولى بعد النكبة، إذ يدّعي أنها أكثر الفترات التي تصالح الفلسطينيون فيها مع الصهيونية و”الدولة اليهودية”.

“الحسم” والمرحلة في فلسطين

تصبح هذه الخطة أخطر وأكثر واقعية فعلاً حين تُقرأ في إطار المرحلة التي وصل إليها الصراع مع الصهيونية، ميدانياً وسياسياً أيضاً، وخصوصاً أن كاتبها يضعها في إطار استراتيجي عملي ويقسمها إلى مراحل، تكون المرحلة الأولى منها هي الحسم الاستيطاني على أرض الواقع، ميدانياً وسياسياً وقانونياً، الذي يهدف إلى خلق واقع لا يمكن العودة عنه في الضفة على الصعد كافة. وبغض النظر عن الخطة، فإن الواقع السياسي والميداني في الضفة الغربية بات محسوماً فعلاً، بالنسبة إلى الداخل الإسرائيلي على الأقل: لا يوجد اليوم أيّ طرف في السياسة الإسرائيلية يدعم “دولة فلسطينية”، وأكثر ما تطرحه النخب السياسية الإسرائيلية هو لقاءات أمنية تنسيقية إدارية، كلقاءات غانتس- أبو مازن خلال ولاية “حكومة التغيير”؛ أما عسكرياً وميدانياً، فلا أحد يطرح اليوم أيضاً إخلاء مستوطنات، أو انسحاباً من مناطق، والحديث لا يتعدى تقليل أو زيادة وتيرة العمل العسكري؛ أما ما تبقى فقط فهو ما يسمى بـ”الحسم القانوني”- الضم قانونياً، وهو جارٍ فعلاً في إطار تغيير صلاحيات “الإدارة المدنية” والتغييرات القضائية.

هذا الواقع في فلسطين لم يُعمَّم دولياً بعد، فالعالم وبصورة خاصة دول غرب أوروبا وأميركا، لم تتنازل بعد عن “حلّ الدولتين” كإطار لحلّ الصراع، ولم ينتقل المجتمع الدولي بعد إلى مرحلة “ما بعد حلّ الدولتين”، رسمياً على الأقل. ومن هنا، يبدو التوجه إلى أميركا وفرنسا لتمرير الإنكار، كجزء لا يتجزأ من الانتقال الذي يحاول سموتريتش القيام به في الساحة الدولية لملاءمتها للواقع الميداني. أما الحسم العسكري، فهو يحدث فعلياً أيضاً: ماذا تطرح إسرائيل غيره؟ لا شيء، فعلاً لا شيء. لذلك، فإن الوصول إلى مرحلة الحسم العسكري كلياً، على نمط النكبة، هو مسار يسير فيه الصراع، بعد أن أعدمت إسرائيل كل شيء آخر، كل حل بديل، وكل إمكانية لحل بديل أو آخر. وهنا يجب الإشارة إلى أن ردة الفعل الدولية كانت ضخمة بعد تصريحات سموتريتش، الذي لم يرَ فلسطين إلا من “بيت إيل” ومدارسها الدينية-والواقع الداخلي مضلل، وخصوصاً بالنسبة إلى شخص كسموتريتش، نما وتطوّر فكره السياسي ما بعد “أوسلو”-سنوات الهدوء الأمني وعربدة المستوطنين والإطار السياسي الذي سمح له ولمشروعه بالتطور، ويقترب من “الحسم”. لذلك، فإن خطورة الخطة نابعة من أنها تُطبّق فعلاً، والسؤال في أيّ مرحلة باتت، وما هي احتمالات نجاح إسرائيل في تطبيقها من عدمه ما بعد الحسم الميداني-الاستيطاني؟

—————————————————————————————–

[1] لقراءة الخطة كاملة، كما هي منشورة في مجلة “هشيلوح”، العدد 6، أيلول/ سبتمبر 2017، انظر الرابط.

[2]موقع “مجلس إقليمي الجولان”، تجمّع “خيسفين”، انظر الرابط.

[3]موقع “ويكيشيفا”، المتخصّص بالشخصيات الدينية، عن الحاخام حاييم سموتريتش، انظر الرابط.

[4]خبر تحت عنوان “رجل الشاباك سابقاً يروي قصة اعتقال سموتريتش”، موقع “القناة 7″، انظر الرابط.

[5]لقراءة المقالة كاملة على موقع “هآرتس”، تحت عنوان “سموتريتش أكثر تركيباً وخطورة من مجرد يميني متطرف مجنون”، انظر الرابط.

*رازي نابلسي: كاتب وباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا