الرئيسيةمختاراتمقالاتلعنة انقلابات العسكر

لعنة انقلابات العسكر

كتب: حميد قرمان

اتّسم النصف الثاني من القرن الماضي بلعنة سياسية تتمثل بانقلابات العسكر في معظم الدول العربية، حيث بات الوصول على ظهر الدبابات أقصر الطرق إلى السلطة. انقلابات أسست أنظمة حكم سلطوية قائمة على حكم الفرد الواحد بالحديد والنار، فخلقت هذه الأنظمة تحالفات متينة وصراعات وهمية.. وعزفت أسطوانات دعائية بالية، كمؤامرات الغرب من جهة ومن جهة أخرى محاربة كيان إسرائيل، وروجت لها لتبقى جاثمة على كراسي الحكم وصدور الشعوب التي خنعت جبنا وخوفا فانطمست هويتها بهوية الحاكم، فأصبحنا نرى ونسمع بأسماء دول مرتبطة بحكامها الدكتاتوريين، كعراق صدام، سوريا الأسد وابنه، تونس بورقيبة وتونس زين العابدين، جزائر بومدين وجزائر بوتفليقة، مصر عبدالناصر ومصر مبارك ومصر السيسي، سودان البشير، ليبيا القذافي، ويمن علي عبدالله صالح.

وما بين انقلاب وانقلاب.. وما بين صراع عسكر مع عسكر.. ومنقذ شعب يطيح بمنقذ شعب سابق.. اندثرت الحياة السياسية في أغلب الدول العربية.. وأصبح القمع والدكتاتورية النهج الساري على رقاب الشعوب العربية، التي التهت وتناست أن لها حقا مشروعا في “حكم مدني” تسوده مفاهيم الديمقراطية المنطلقة من صون حقوق الإنسان الأساسية كباقي الشعوب المتحضرة، التي تعي حرية إبداء الرأي بمسؤولية وتعبر عنه دون وجل أو جزع، ليكون عمادها المشاركة الجمعية في صنع القرار والمصير بمساواة وعدل ودون إقصاء لمكون على حساب مكون آخر بتعددية سياسية تمارسها من خلال انتخابات حرة تعكس توجهاتها وثقافتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتمكن دولة القانون والدستور كنظام حكم متقدم ومستقر، بعيدا عن أمزجة العسكر اللزجة وطموحاتهم إلى السلطة.

ليس في السودان فقط بل في أغلب دول الشرق الأوسط، من سوريا التي شهدت 9 انقلابات كاملة من بين 34 محاولة انقلاب قبل أن تستولي عائلة الأسد على مقاليد الحكم، إلى العراق التي شهد 6 انقلابات كان آخرها انقلاب صدام حسين على أحمد حسن البكري الذي عاونه بالانقلاب على عبدالرحمن عارف، والجزائر بـ3 انقلابات لعل أبرزها انقلاب هواري بومدين على أحمد بن بلة العام 1962، إلى مصر التي شهدت انقلابا على النظام الملكي لتتحول إلى جمهورية، نفذه الضباط الأحرار الذين قادهم محمد نجيب لينقلب عليه فيما بعد جمال عبدالناصر، وتونس بانقلاب الحبيب بورقيبة على محمد الأمين باي ليطيح زين العابدين بن علي به عام 1987، وكذلك الأمر في جزر القمر والصومال واليمن.. وليبيا الذي انقلب بها العقيد معمر القذافي على ملكها محمد إدريس السنوسي، أما المغرب فكان هناك ما يقارب 6 محاولات انقلاب على النظام الملكي باءت جميعها بالفشل.

هذا ليس كل شيء.. في غزة – قطعة الأرض الصغيرة – التي مارست بها ميليشيات حركة حماس العسكرية انقلابا على الحكومة الشرعية التي جاءت بانتخابات حرة ونزيهة، منعت مظاهر الحياة الديمقراطية في القطاع، وأدى ذلك إلى سجن 2 مليون فلسطيني بنظام سلطوي ميليشياوي قمعي مقيت، مشابه تماما لسلطة الميليشيا التي فرضها حزب الله في لبنان فعطل الحياة السياسية.. وأفرغ المؤسسات السيادية من دورها.. وأرهب مكونات المجتمع اللبناني المتشرذم بقوة السلاح والقمع.

بالعودة إلى السودان الذي شهد 16 انقلابا نجح بعضها وكان آخرها انقلاب عمر البشير ضد الحكومة المنتخبة عام 1989، يعيد التاريخ نفسه، حيث يجري الآن بين عسكر السودان الذين انقلبوا على المكون المدني في مجلس السيادة رفضا لتسليمه مقاليد الحكم، فحلت حكومة عبدالله حمدوك ووضع رئيسها ووزراؤها تحت الإقامة الجبرية ليعود حمدوك مجددا بضغط الشارع والجهات الدولية دون صلاحيات حقيقية قادرة على التأثير في قرارات الدولة السودانية المنهارة بفعل صراع الجنرالات؛ صراع ديوك ذات رتب وأوسمة.. متناحرة بتباغض العسكر المعهود.. ليفوز برهان الحكم والسلطة على أرض السودان، فاضطرب الشعب السوداني.. وضاعت هويته السياسية مجددا بدوامة الحروب الأهلية التي تغرق بها القارة الأفريقية.

لعنة انقلابات العسكر مستمرة.. وإن كان زخمها لم يعد كالماضي.. لكن يبقى تأثيرها ثابتا ومتواصلا من خلال خلق أنظمة حكم لمجموعة أفراد تربطهم مصالح مشتركة قائمة على وجود الحاكم الواحد الذي يوازي بين قوى أتباعه، بحيث لا يغلب طرف على طرف آخر.. ليستمر حكمه ويورثه لأبنائه أو ترثه منظومته الحاكمة تحت مسمى “الدولة العميقة” بفسادها وظلمها، فيما تبقى الشعوب بضعفها وجهلها بعيدة عن التمرد للوصول إلى إمكانية حكم نفسها بنفسها كأساس للديمقراطية المنشودة والتي أصبحت حلما صعب المنال تتوق إليه شعوب هذه الدول.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا