عمال غزة .. واقع مُر

أجبر الواقع المرير والظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها عمال قطاع غزة على القبول بساعات عمل طويلة تفوق الـ15 ساعة يوميا، مقابل أجر زهيد لا يكفي لسد حاجياتهم وأطفالهم وعائلاتهم.

آلاف العمال يعملون في القطاع منذ ساعات الفجر حتى ما بعد العشاء وأحيانا يزيد، مقابل أجر لا يتعدى العشرين شيقلا، تشمل المواصلات ووجبة الغذاء والسجائر للعامل.

يقول العامل يوسف خطاب إن المواطن في قطاع غزة يعيش الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي ومقومات الحياة من مياه صالحة للشرب وكهرباء وصحة، ويتعرض بين كل فترة وأخرى لضغوط من الواقع الذي يعيشه وهو محارب بكل شيء.

ويضيف نعمل من 8-10 ساعات يوميا، ولا نعود إلى بيوتنا وأطفالنا إلا بمبلغ لا يتعدى في كثير من الأوقات الـ15 شيقلا، لا تكفي لوجبة طعام، فكيف ستكفي لباقي مستلزمات الحياة.

ولفت إلى أن العديد من العمال تعرضوا لسوء معاملة من قبل مشغليهم، وللطرد أحيانا، مشيرا إلى أن شابا كان يعمل في أحد مولات غزة طرد من عمله بسبب تناوله لقطعة معجنات أثناء الدوام الذي يشترط فيه صاحب العمل عدم تناول وشرب أي أطعمة ومشروبات أثناء ساعات العمل.

أما العامل غسان النجار الذي حول “تكتكه” الخاص إلى بقالة متنقلة بين الشوارع والأزقة وعلى أبواب المدارس والمفترقات من أجل أن يحصل على المال ليتمكن من العيش وسد رمق أطفاله الخمسة، وتوفير متطلبات بيته.

يشير إلى أنه يذهب يوميا لعمله عند الساعة السادسة صباحا قبل بدء طلاب المدارس بالوصول إلى مدارسهم، ليبيعهم الحلوى والبسكويت والشيبس، لافتا إلى أن الربح في هذه الأشياء قليل جدا.

أما ابراهيم محمد مصلح، الذي يعمل في مجال البناء والتشييد فيشتكي من تدني أجره اليومي إلى ما دون الـ50 شيقلا، رغم عمله الشاق، الأمر الذي يجعله عاجزا عن تلبية احتياجات ومتطلبات أسرته المكونة من سبعة أفراد.

ويقول إنه في كثير من الأحيان يجد نفسه مضطرا للعمل لأكثر من 12 ساعة في فصل الشتاء، وأكثر من 16 ساعة خلال أيام الصيف ليتمكن من توفير أدنى متطلبات الحياة، محملا النقابات المهنية والجهات المعنية مسؤولية عدم التزام أرباب العمل والمسؤولين عن التشغيل في القطاع بتحديد ساعات عمل ثابتة لهذه الفئة، وعدم إجبارهم على الالتزام بالحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة.

وأضاف أن آلاف الشباب والمواطنين في القطاع هاجروا إلى الدول الغربية وقضى منهم المئات غرقا في سبيل الحصول على لقمة العيش التي فقدها في القطاع بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ سنوات، وبسبب الانقسام وسياسة الأمر الواقع الذي يعيشه المواطنون في غزة.

وقال الخبير والمحلل الاقتصادي ماهر الطباع لـ”وفا”، إن ستة عشر عاماً من الحصار انعكست بشكل سلبي على كل الأنشطة الاقتصادية في قطاع غزة، والعديد من المشاكل والأزمات وضعف الإنتاجية الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة.

وأشار الطباع إلى أنه يوجد في قطاع غزة حوالي ربع مليون عاطل عن العمل بنسبة تلامس الـ50٪ من نسبة الأيدي العاملة، مبينا أن نسبة البطالة تتفشى بشكل أكبر في صفوف الشباب والخريجين وتتجاوز 70٪ بينهم.

ولفت إلى أن قلة فرص العمل ووجود عرض وطلب في السوق واستهداف المنشآت الاقتصادية أدى إلى تدني الأجور في القطاع، مشيرا إلى أن هناك عمال يعملون بأجرة شهرية لا تتجاوز الـ 700 شيقل، بمعدل عشرين شيقلاً يومياً وهذا أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور الذي كان سابقاً 1450 وأصبح الآن 1880 شيقلاً وهو غير مطبق في قطاع غزة، نتيجة للحصار والحروب الإسرائيلية واستهداف الشركات والمنشآت وما خلفه من دمار هائل بقله الإنتاجية في كافة الأنشطة الاقتصادية.

وأضاف الطباع، أن العاملين داخل أراضي الـ48 من قطاع غزة وعددهم يقدر من 15-17 ألفا لا يعملون بصفة عامل وإنما بصفة احتياجات اقتصادية وهذا افقدهم حقوقهم القانونية، لافتاً إلى أن عددا منهم لم يتمكن من العمل لرفض المشغل هناك من تشغيله لأنه لا يحمل صفة عامل.

من ناحيته، قال المفوض الإعلامي في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” عدنان أبو حسنة لـ”وفا”، إن نسبة البطالة في قطاع غزة تقترب من الـ50٪ وتزيد قليلا بين صفوف الشباب، مشيرا إلى أن غزة تفتقر لمقومات التشغيل بسبب الحصار وضعف القطاع الخاص الذي لا يزال يعاني الكثير من أمور نهضته، وعملية الاستيراد والتصدير غير موجودة إلى حدٍ ما.

ولفت أبو حسنة إلى أن قطاع الطاقة والحركة من وإلى قطاع غزة ومشكلة المياه وضعف الاستيراد والتصدير، كل هذه الأمور تؤدي لعدم قدرة قطاعات التشغيل الموجودة في غزة على استيعاب الأعداد الهائلة من الخريجين وغيرهم، وإن الأمور مرشحة للزيادة مع الوقت.

وبخصوص تدني نسبة أجور العمال بالقطاع، أشار أبو حسنة إلى أنه لا أحد يستطيع أن يتحدث عن جودة حياة في غزة، فقط نتحدث عن حياة للحفاظ على الأشياء الأساسية، ذاكرا أن عدد الذين يتلقون مساعدات غذائية من “الأونروا” بلغ مليون و200 ألف مواطن وهذا رقم غير مسبوق، وهؤلاء مصنفون بالفئات الهشة والمعدومة ومن أفقر الفقراء، وأن الحديث عن الأجور ومساواتها بالعالم الخارجي غير واقعي على الإطلاق وهذا مجتمع يعيش بالكاد على الأشياء المتوفرة لديه لأسباب عديدة منها الانقسام والحصار والحروب المتواصلة وتدمير البنى التحتية المتهالكة ومشاكل الطاقة والمياه غير الصالحة للشرب، وغيرها.

وقال الجهاز المركزي للإحصاء في إحصائية له، إن البطالة في قطاع غزة بلغت 45٪، وان عدد العاطلين عن العمل من عُمر 15 سنة فأكثر بلغ 239 ألف شخص في قطاع غزة.

وأما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، أشار إلى أن 1.3 مليون فلسطيني من أصل 2.1 مليون في غزة أي 62٪ من السكان بحاجة إلى المساعدات الغذائية، لافتا إلى أن مستويات البطالة في غزة تعد من بين الأعلى في العالم، حيث وصل معدل العاطلين عن العمل إلى 46.6٪، وأن معدل البطالة بين الشباب من (15-29 عاما) 62.5٪.

فيما ذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقرير له، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تفرض حصارها غير الإنساني وغير القانوني على قطاع غزة للعام السادس عشر على التوالي، وتعزل بموجبه نحو 2.3 مليون فلسطيني عن العالم الخارجي، من خلال سيطرتها على معابر قطاع غزة، وتحكمها بحركة الأفراد والبضائع من وإلى القطاع.

ولفت إلى أن استمرار الحصار أدى إلى تدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين بالقطاع، وتفاقم أوضاعهم المعيشية والإنسانية، وقد بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 47%، وأصبح أكثر من نصف السكان فقراء 60%، فيما يصنف 68.5% من مجموع السكان غير آمنين غذائيا، مبينا أن 80% من سكان قطاع غزة يعتمدون على المساعدات الدولية.

وفا- حسين السنوار

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا